يحكى أن ...
03-06-2011, 11:33 PM
قيل أنه اتفق أن يكبر طفلين معا فينشأ أحدهما على طاعة الله و الآخر على المعاصي، كبرا صديقين و بقيا ...
أحدهما يخاف الله
و الآخر لم يعرف ذنبا أو معصية إلا و وقع فيها : أكل حقوقا، شرب خمرا، زنى، سرق، خان، ظلم و جار ... لكنه كان يحب المتقي كأخ صالح يحترمه.
ثم أن الرجل المتقي، أرّقه حال صديق الصبا و ما هو فيه فلم يبخل بجهد و موعظة و مخاصمة إلا و بذلها لعل الله يهديه و يستقيم، ثم جاء يوم قرر فيه أن يقوم بمحاولة أخيرة لعل الله يهديه و يتوب.
دعى صاحبه الفاسق للعشاء معه ثم
قال له : اسمع أنت أفسق شخص عرفته، و قد عزمت أن أحج بيت الله، و ستأتي معي.
فقال له العاصي : و ماذا أفعل في بيت الله و مسجده، فهو مكان طاهر و محجة المتقين و أحباب الرحمن و لا يستوي أن أضع قدمي فيه.
فقال الصالح : يا بلوتي، تعال معي أنيس طريق، لعل الله يقذف في قلبك شيء من التقوى و الإيمان في رياض الرحمن و مسجده الحرام.
فقبل الفاسق و قال في نفسه : هي مغامرة و تجربة و صاحبي في السفر صديقي، لعلي أحميه من مخاطر الطريق و أتقاسم معه المشقة.
فشدا الرحال بعد يومين و انطلقا على راحلتيهما يمشيان إلى المغيب و يبيتان في مكانهما إن داهمها الليل و استمرا لأيام على هذه السيرة.
فكان أن داهمها الليل فبصُرا أنوار مدينة، فاتفاقا أن يباتا فيها، عندما أقتربا وجداها مدينة عظيمة بأسوار منيعة و قد فتحت أبوابها لعابري السبيل، فباتا ليلتهما و قد تعجبا من حسن بنائها و تنظيم أحيائها و زقاقها و دوريات العسس الأنيقة تنصح و لا تظلم تدل و تعاون و تسهر على أمن ساكني المدينة و ضيوفها.
إنطلق الفجر بالأذان و قام الصاحب التقي للوضوء و القيام بفريضة القيوم الذي لا ينام، و بعد أن انطلق شعاع أنوار النهار هرع إلى صاحبه فأيقضه
وقال : إنهض يا رجل لقد غُلّقت أبواب المدينة و صرنا حبيسي أسوارها و لا أدري ماحصل ؟
فزع صاحبه و وقف ثم أخذه و انطلق، ثم وجد واحد من العسس يضرب أخماس على الأسداس و يردد "إن لله و إن إليه راجعون"، فسألاه ما حصل و من مات ؟
فقال : مات الملك و بدأ عزاء ثلاث أيام، نغلق الأبواب و لا نفتحها إلا بملك جديد من المدينة.
فقالا : و لكننا حجاج و لا يسعنا إلا أن نعزيكم في ملككم و الطريق طويلة و لا صبر لنا على المكوث ثلاث أيام.
فقال العساس : هذا قانون المدينة و لا خروج ﻷي كان قبل صباح اليوم الرابع.
و بينما الناس مهمومون و يتعازون في ملكهم جاء فرسان المملكة و جنودها يجمعون الناس و يخرجون الساكنين و يجمعون كل إنسي لا يخلفون أحدا، نحو ساحة كبيرة وسط المدينة، يقرعون الطبول و يعلنون "سنعين الملك الجديد"، فكان بين الحشود عابري السبيل الصالح و الطالح.
وُضعت منصة عالية و حضر قائد الجند يحمل قفصا فيه حمامة سوداء كالغراب و الناس يتمتمون "إنها حمامة المكتوب"، فتعجب الرجلين و نظرا إلى بعضهما، ثم سألا شيخا قريبا : ما هذا ؟ فقال : إنها حمامة السعد من تحط عليه صار ملكا.
طارت الحمامة في السماء و راحت تحوم و أنظار الحشود تحوم معها ثم تعبت و سقطت حاطة على الحاج الفاسق العاصي فصاح الناس : هو الملك ... عاش الملك.
لم يصدق الرجلين ما حصل ثم شق الجنود الطريق بين الحشود و أخذا الطالح و هو ينظر إلى صديق الصبا و يمد يديه فأخذه الجنود معه و قدماه للقائد.
فسألوه : هل أنت عابر سبيل ؟
قال : بلى و قد كنت مع أخي هذا نريد بقاع الرحمن و بيته الحرام.
فرد القائد : تحج ملكا بعد سنة و قانون المدينة واضح كل من في المدينة يكون ملكا إذا حطت عليه حمامة السعد و لا خيار لك إلا القبول.
و في الغد ألبسوه و نصّبوه ثم تقدمت الحشود تبايع على السمع و الطاعة.
ودع صاحبه التقي الذي رفض أن يقيم معه قال أنه عقد النية على الحج و الذهاب إلى ربه فيكون ضيف ملك الدنيا و الآخرة على أن يكون ضيف ملك المدينة صديق الطفولة.
أناخ بالراحلة و مضى ثم وصل إلى مكة و أدى الفريضة ثم أقام بجوار رسول الله عليه و آله أفضل الصلاة و السلام شهور، ثم تحمل فراق الحبيب المصطفى و أراد العودة إلى بيته و أهله، فجمع زاده و أطعم راحلته و سلم على أحبابه ساكني طيبة و جيران المصطفى و أستودعهم الله و مضى.
في الطريق مر على المدينة التي ترك صاحبه و قد أصبح عليها ملكا، فوجدها فوضى و عراك و الناس تمشي و تتكلم وحدها و العسس يضربون كل من طالوه بلا سبب، التجارة كاسدة و الناس عابسة و الأحياء و الزقاق وسخة و السراق يتربصون و الضعفاء مستضعفون و الأقوياء و الحثالة متجبرون ...
تعجب التقي و قال : لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، ماذا حصل ؟ و وقف مندهشا.
فتقدم منه أحد الجنود أراد أن ينهره، فنظر إليه بنظرة الورع ضيء القلب و على محياه نور الصلاح و التقوى، فجمد الجندي ثم سأله : ماذا تريد يا حاج ؟ فقال : لقد كان ملككم صاحبي، هل مازال ؟ فقال له الجندي : نعم مازال نحملك إليه.
و أخذوه معززا إلى قصر المُلك، فوجد صاحبه الفاسق يحتسي الخمر و يُعدم بعض الناس بتهمة محاولة قتل الغيلة لحمامة السعد.
فصاح الحاج : ويحك يا صديق الصبا ماذا فعلت و تفعل بهذه المدينة المنيرة ؟؟؟
فرد عليه ساخرا : يا أخي، لو كان الله يحب أهل المدينة لما نصّبوا فاجرا مثلي ملكا عليها. ارحل لا مكان لك بيننا أنا لعنة حلت عليهم.
فقال الحاج : اتق الله ...
فرد : لم أتق الله و أنا صعلوك فكيف أتقيه و قد أعطاني الملك، رب عظيم عادل يؤتي ملكه من يشاء.
انتهى
القصة سياسية حتى النخاع و هذا مكانها.
هل من تعليق ... ؟؟؟
أحدهما يخاف الله
و الآخر لم يعرف ذنبا أو معصية إلا و وقع فيها : أكل حقوقا، شرب خمرا، زنى، سرق، خان، ظلم و جار ... لكنه كان يحب المتقي كأخ صالح يحترمه.
ثم أن الرجل المتقي، أرّقه حال صديق الصبا و ما هو فيه فلم يبخل بجهد و موعظة و مخاصمة إلا و بذلها لعل الله يهديه و يستقيم، ثم جاء يوم قرر فيه أن يقوم بمحاولة أخيرة لعل الله يهديه و يتوب.
دعى صاحبه الفاسق للعشاء معه ثم
قال له : اسمع أنت أفسق شخص عرفته، و قد عزمت أن أحج بيت الله، و ستأتي معي.
فقال له العاصي : و ماذا أفعل في بيت الله و مسجده، فهو مكان طاهر و محجة المتقين و أحباب الرحمن و لا يستوي أن أضع قدمي فيه.
فقال الصالح : يا بلوتي، تعال معي أنيس طريق، لعل الله يقذف في قلبك شيء من التقوى و الإيمان في رياض الرحمن و مسجده الحرام.
فقبل الفاسق و قال في نفسه : هي مغامرة و تجربة و صاحبي في السفر صديقي، لعلي أحميه من مخاطر الطريق و أتقاسم معه المشقة.
فشدا الرحال بعد يومين و انطلقا على راحلتيهما يمشيان إلى المغيب و يبيتان في مكانهما إن داهمها الليل و استمرا لأيام على هذه السيرة.
فكان أن داهمها الليل فبصُرا أنوار مدينة، فاتفاقا أن يباتا فيها، عندما أقتربا وجداها مدينة عظيمة بأسوار منيعة و قد فتحت أبوابها لعابري السبيل، فباتا ليلتهما و قد تعجبا من حسن بنائها و تنظيم أحيائها و زقاقها و دوريات العسس الأنيقة تنصح و لا تظلم تدل و تعاون و تسهر على أمن ساكني المدينة و ضيوفها.
إنطلق الفجر بالأذان و قام الصاحب التقي للوضوء و القيام بفريضة القيوم الذي لا ينام، و بعد أن انطلق شعاع أنوار النهار هرع إلى صاحبه فأيقضه
وقال : إنهض يا رجل لقد غُلّقت أبواب المدينة و صرنا حبيسي أسوارها و لا أدري ماحصل ؟
فزع صاحبه و وقف ثم أخذه و انطلق، ثم وجد واحد من العسس يضرب أخماس على الأسداس و يردد "إن لله و إن إليه راجعون"، فسألاه ما حصل و من مات ؟
فقال : مات الملك و بدأ عزاء ثلاث أيام، نغلق الأبواب و لا نفتحها إلا بملك جديد من المدينة.
فقالا : و لكننا حجاج و لا يسعنا إلا أن نعزيكم في ملككم و الطريق طويلة و لا صبر لنا على المكوث ثلاث أيام.
فقال العساس : هذا قانون المدينة و لا خروج ﻷي كان قبل صباح اليوم الرابع.
و بينما الناس مهمومون و يتعازون في ملكهم جاء فرسان المملكة و جنودها يجمعون الناس و يخرجون الساكنين و يجمعون كل إنسي لا يخلفون أحدا، نحو ساحة كبيرة وسط المدينة، يقرعون الطبول و يعلنون "سنعين الملك الجديد"، فكان بين الحشود عابري السبيل الصالح و الطالح.
وُضعت منصة عالية و حضر قائد الجند يحمل قفصا فيه حمامة سوداء كالغراب و الناس يتمتمون "إنها حمامة المكتوب"، فتعجب الرجلين و نظرا إلى بعضهما، ثم سألا شيخا قريبا : ما هذا ؟ فقال : إنها حمامة السعد من تحط عليه صار ملكا.
طارت الحمامة في السماء و راحت تحوم و أنظار الحشود تحوم معها ثم تعبت و سقطت حاطة على الحاج الفاسق العاصي فصاح الناس : هو الملك ... عاش الملك.
لم يصدق الرجلين ما حصل ثم شق الجنود الطريق بين الحشود و أخذا الطالح و هو ينظر إلى صديق الصبا و يمد يديه فأخذه الجنود معه و قدماه للقائد.
فسألوه : هل أنت عابر سبيل ؟
قال : بلى و قد كنت مع أخي هذا نريد بقاع الرحمن و بيته الحرام.
فرد القائد : تحج ملكا بعد سنة و قانون المدينة واضح كل من في المدينة يكون ملكا إذا حطت عليه حمامة السعد و لا خيار لك إلا القبول.
و في الغد ألبسوه و نصّبوه ثم تقدمت الحشود تبايع على السمع و الطاعة.
ودع صاحبه التقي الذي رفض أن يقيم معه قال أنه عقد النية على الحج و الذهاب إلى ربه فيكون ضيف ملك الدنيا و الآخرة على أن يكون ضيف ملك المدينة صديق الطفولة.
أناخ بالراحلة و مضى ثم وصل إلى مكة و أدى الفريضة ثم أقام بجوار رسول الله عليه و آله أفضل الصلاة و السلام شهور، ثم تحمل فراق الحبيب المصطفى و أراد العودة إلى بيته و أهله، فجمع زاده و أطعم راحلته و سلم على أحبابه ساكني طيبة و جيران المصطفى و أستودعهم الله و مضى.
في الطريق مر على المدينة التي ترك صاحبه و قد أصبح عليها ملكا، فوجدها فوضى و عراك و الناس تمشي و تتكلم وحدها و العسس يضربون كل من طالوه بلا سبب، التجارة كاسدة و الناس عابسة و الأحياء و الزقاق وسخة و السراق يتربصون و الضعفاء مستضعفون و الأقوياء و الحثالة متجبرون ...
تعجب التقي و قال : لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، ماذا حصل ؟ و وقف مندهشا.
فتقدم منه أحد الجنود أراد أن ينهره، فنظر إليه بنظرة الورع ضيء القلب و على محياه نور الصلاح و التقوى، فجمد الجندي ثم سأله : ماذا تريد يا حاج ؟ فقال : لقد كان ملككم صاحبي، هل مازال ؟ فقال له الجندي : نعم مازال نحملك إليه.
و أخذوه معززا إلى قصر المُلك، فوجد صاحبه الفاسق يحتسي الخمر و يُعدم بعض الناس بتهمة محاولة قتل الغيلة لحمامة السعد.
فصاح الحاج : ويحك يا صديق الصبا ماذا فعلت و تفعل بهذه المدينة المنيرة ؟؟؟
فرد عليه ساخرا : يا أخي، لو كان الله يحب أهل المدينة لما نصّبوا فاجرا مثلي ملكا عليها. ارحل لا مكان لك بيننا أنا لعنة حلت عليهم.
فقال الحاج : اتق الله ...
فرد : لم أتق الله و أنا صعلوك فكيف أتقيه و قد أعطاني الملك، رب عظيم عادل يؤتي ملكه من يشاء.
انتهى
القصة سياسية حتى النخاع و هذا مكانها.
هل من تعليق ... ؟؟؟
"ضياء القلب هو العلوم الدينية، ونور العقل هو العلوم الحديثة، فبامتزاجهما تتجلّى الحقيقة، فتتربّى همة الطالب وتعلو بكلا الجناحين، وبافتراقهما يتولد التعصب في الأولى والحيل والشبهات في الثانية"لبديع الزمان سعيد النورسي رحمه الله.








.gif)


