المثال الثاني من أمثال الرسول صلى الله عليه وسلم
03-05-2010, 03:30 AM
وعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ؛ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا, فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَزَعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا, فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَن النَّارِ وأَنْتُمْ تَقَحَّمُوْنَ فِيهَا(2).
قال ابن حجر: وَحَاصِله أَنَّهُ شَبَّهَ تَهَافُت أَصْحَاب الشَّهَوَات فِي المَعَاصِي الَّتِي تَكُون سَبَبًا فِي الْوُقُوع فِي النَّار بِتَهَافُتِ الْفَرَاش بِالْوُقُوعِ فِي النَّار اِتِّبَاعًا لِشَهَوَاتِهَا, وَشَبَّهَ ذَبَّهُ الْعُصَاة عَن الْمَعَاصِي بِمَا حَذَّرَهُمْ بِهِ وَأَنْذَرَهُمْ بِذَبِّ صَاحِب النَّار الْفَرَاش عَنْهَا. وَقَالَ عِيَاض: شَبَّهَ تَسَاقُط أَهْل الْمَعَاصِي فِي نَار الْآخِرَة بِتَسَاقُطِ الْفَرَاش فِي نَار الدُّنْيَا(3).
مثال آخر للدنيا وعبور الإنسان بها اعلم أن الأحوال ثلاثة حالة لم تكن فيها شيئا وهي ما قبل وجودك إلى الأزل وحالة لا تكون فيها مشاهدا للدنيا وهي ما بعد موتك إلى الأبد وحالة متوسطة بين الأبد والأزل وهي أيام حياتك في الدنيا فانظر إلى مقدار طولها وانسبه إلى طرفي الأزل والأبد حتى تعلم إنه أقل من منزل قصير في سفر بعيد ولذلك قال صلى الله عليه وسلم مالي وللدنيا وإنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب سار في يوم صائف فرفعت شجرة فقال تحت ظلها ساعة ثم راح وتركها(1)). ومن رأى الدنيا بهذه العين لم يركن إليها ولم يبال كيف انقضت أيامه في ضر وضيق أو في سعة ورفاهية بل لا يبنى لبنة على لبنة توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما وضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة(2). ورأى بعض الصحابة يبني بيتا من جص فقال: ((أرى الأمر أعجل من هذا وأنكر ذلك(3)) وإلى هذا أشار عيسى عليه السلام حيث قال الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها وهو مثال واضح فإن الحياة الدنيا معبر إلى الآخرة والمهد هو الميل الأول على رأس القنطرة واللحد هو الميل الآخر وبينهما مسافة محدودة فمن الناس من قطع نصف القنطرة ومنهم من قطع ثلثها ومنهم من قطع ثلثيها ومنهم من لم يبق له إلا خطوة واحدة وهو غافل عنها وكيفما كان فلا بد له من العبور والبناء على القنطرة وتزيينها بأصناف الزينة