بين الحصار الإسرائيلي وتفاقم خلافات الإخوة الأعداء
غزة·· أكبر سجن في العالم
يعيش قطاع غزة حالة من اليأس والفقر، حيث تحول ومنذ مدة إلى سجن حقيقي يضم ما يزيد عن مليون ونصف فلسطيني يعيشون على شريط ساحلي مستطيل الشكل لا تزيد مساحته الإجمالية عن 365 كم مربع· وسكان غزة باتوا أيضاً عُرضة بصورة يومية للهجمات الإسرائيلية التي تحصد أسبوعيا عشرات الشهداء والمئات من الجرحى، ناهيك عن تدمير المنازل وتجريف الأراضي الزراعية وقتل الحياة في كل منطقة تطأها دبابات الاحتلال بحجة وقف إطلاق الصواريخ على البلدات اليهودية·
قتل خلال اليومين الماضيين سبعة فلسطينيين، ثلاثة منهم تقول إسرائيل إنهم حاولوا التسلل لأراضيها· وما زاد أكثر من معاناة المواطنين في القطاع، استمرار الخلافات بين الإخوة الأعداء ''حركتي فتح وحماس''، فأي قرار يتخذ من الحكومة المقالة في غزة برئاسة إسماعيل هنية، يتبعه قرار مضاد من رئيس حكومة تسيير الأعمال سلام فياض في رام الله، والعكس صحيح، عدا الحرب المعلنة والخفية بين التيارين المواليين لحكومتي غزة ورام الله، في وزارات القطاع مما يربك عملها ويعطلها، وهو ما يجعل سكان القطاع يلقون باللوم على الحركتين، مشيرين إلى أنهما سبب ازدياد معاناتهم الحالية· أما بالنسبة إلى اقتصاد القطاع فهو مشلول تماما منذ شهرين، وعشرات آلاف العاملين في القطاع الخاص لم يتحصلوا على مرتباتهم منذ أمد بعيد، ويضاف إلى ذلك أن الصادرات معدومة، لأن معبر كارني ''المنطار'' مغلق· وتشير الإحصائيات الفلسطينية إلى أن 60 ألف عامل فقدوا عملهم بسبب إغلاق المعابر· وأظهر تقرير للأمم المتحدة صدر مؤخرا أن الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ استيلاء ''حماس'' على القطاع في الرابع عشر من جوان الماضي أدى إلى إغلاق 85 في المائة من المصانع في القطاع بسبب عدم توافر المواد الأولية، وسرحت هذه المصانع عمالها البالغ عددهم 70 ألف عامل، مما سيزيد من معاناة المواطنين وارتفاع نسبة الفقر والبطالة· ويلاحظ أنه ومنذ نجاح حركة ''حماس'' في الانتخابات في جانفي ,2006 وبعد تشديد المجتمع الدولي، بتحريض من إسرائيل، حصاره للسلطة الوطنية الفلسطينية، ارتفعت نسبة الفقر وازدادت حدتها خلال الأشهر القليلة الماضية، حتى بات رب الأسرة غير قادر على توفير أبسط مستلزمات الحياة الكريمة لعائلته·
المواطنة ''وفاء· م'' قالت لـ''الخبر'' وهي تشكو حالها بحرقة وألم إنها زرعت قبل ثلاثة أشهر في أحد مستشفيات مصر مفصلا صناعيا، ولكنها وبسبب الفقر والفاقة لم تستطع أن تستكمل علاجها، وباتت فريسة للآلام بسبب عدم قدرتها على شراء الدواء، وأضافت اليوم ونحن على أبواب عام دراسي جديد لم أستطع أن أوفر لأبنائي الملابس والأدوات المدرسية، وقالت لمن أشكو حالي فالشكوى لغير الله مذلة، وأقسمت بالله العظيم أنها لا تستطيع أن توفر طعام أبنائها الستة، وتقول كل يوم أطبخ لهم ''عدس'' حتى كرهوا العدس وباتوا من شدة الفقر يعانون من فقر الدم والمرض والهزال· وحال وفاء كحال عشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني الذين باتوا تحت خط الفقر، وباتوا لا يجدون قوت يومهم· بالإضافة إلى كارثة قطع الكهرباء عن القطاع التي انتهت الأحد الماضي، فإنه من المتوقع حدوث كارثة جديدة، في حال لم يتم إدخال قطع غيار أجهزة الضخ المعطلة في منشآت تنقية المياه إلى قطاع غزة، كما أن أكوام القمامة تتكدس في خان يونس وفي غزة وفي جباليا المزدحمة، بسبب إضراب عمال البلدية الذين لم يتلقوا رواتبهم منذ 8 أشهر، وعندما لا تتم إزالة القمامة يقوم السكان بإحراقها فتتحول إلى سحب من السموم والروائح الكريهة، وهو ما يهدد بحدوث كوارث صحية، حسبما يؤكده المختصون والأطباء· وما زاد من حالة الفقر في القطاع أن هناك موظفين يعملون ولا يحصلون على رواتبهم لأنهم عُينوا في فترة وجود حركة ''حماس'' في الحكومة، والخوف الأكبر الآن هو افتتاح السنة الدراسية الجديدة، فحكومة رام الله وجهت أوامرها بأن عطلة نهاية الأسبوع هي يومي الجمعة والسبت، أما حكومة غزة فقد قررت أنها ستكون في يومي الخميس والجمعة، ومن يعمل يوم السبت يتم تجميد راتبه، ومن يعمل يوم الخميس يخشى من قيام حماس بمضايقته، والحل في أغلبية مكاتب الحكومة كان ثلاثة أيام إجازة، وهو ما أثار موجة سخرية واستهزاء من قبل الجميع· ولكن المدارس لا تستطيع أن تُعطل ثلاثة أيام، وهناك خوف من أن يتجدد النزاع بين حماس وفتح من خلال ساحات جديدة يكون ضحيتها التلاميذ والمعلمون·
الكاتبة الإسرائيلية عميرة هاس لخصت في مقال لها في صحيفة ''هآرتس'' الأزمة في قطاع غزة، بالقول: سكان غزة ممزقون من كثرة المسؤولين عنهم، إسرائيل الاحتلالية التي تتنصل من التزاماتها كقوة احتلالية، وسلطة رام الله التي تُهمل مواطنيها بينما تواصل تحركاتها لإفشال حركة الأغلبية ونبذها، وحماس المنشغلة باستكمال تحرير القطاع وإعادة بناء أركان سلطتها· وأضافت الكاتبة قائلة ''إنه أمام قيام الدول المانحة بمواصلة تقديم هِباتها للسلطة الفلسطينية لتغطية عجزها السياسي، ومواصلة الولايات المتحدة في حملتها المقاطعة لحماس وتدعيم إسرائيل، ستتسبب بدون شك في زيادة حجم البلبلة والاضطراب والشلل في الأراضي الفلسطينية''، وأمام كل هذا فإنه لا غرابة في النظر إلى الاستعدادات التي يقوم بها عناصر حركة المقاومة الإسلامية ''حماس'' لمواجهة أي ضربة عسكرية محتملة من قبل إسرائيل.
غزة مراسل ''الخبر'' عبد القادر فارس