موظفو عقود ما قبل التشغيل.. "الحقرة" تعوض البطالة
30-03-2015, 08:50 PM

في الوقت الذي تتحدث فيه وزارة العمل ومسؤولي وكالة التشغيل عن زيادة أعداد المستفيدين من عقود ما قبل التشغيل، ما يزال يتخبط أزيد من 400 ألف شاب يعملون في إطار هذه الصيغة من الاستغلال والاستعباد داخل المؤسسات التي يتم توظيفهم فيها، وإن كان الريع الأول من الشباب العاملين بهذه العقود قد انطبقت عليهم مقولة "راقدة وتمونجي" فإن هذه العقود وبعد عام 2013، أي بعد إلغاء العمل لدى المؤسسات العمومية أضحت مثالا حيا للاستغلال لدى الخواص في ظل غياب لجان تحقيق ومتابعة للوقوف على ظروف العمل المزرية وكشف التلاعبات في توزيع الوظائف.



"الشروق" تدخل أحد مراكز"أنام" وتستطلع أراء المستفيدين

"أحلامنا تكسرت على جدار البيروقراطية والاستغلال"

"البيروقراطية" وتوزيع المناصب من تحت الطاولة وغيرها من التجاوزات يعيشها يوميا الآلاف من الشباب في كل مرة يقصدون فيها مقر الوكالات المحلية للتشغيل"أنام" البالغ عددها 264 وكالة عبر التراب الوطني، ليعودوا بخفي حنين فلا يوجد عروض عمل أو أصحاب المؤسسات يرفضون توظيفهم وغيرها من الحجج التي يصطدمون بها كل مرة وتقضي على أحلامهم..."الشروق" قصدت إحدى الوكالات لتنقل قصص ومعاناة خريجي الجامعات.

أردنا التعرف أكثر على ما يحدث في وكالات التشغيل، فاتجهنا لإحداها، حيث كانت تشير الساعة لحدود الثامنة ونصف صباحا، دخلنا المقر دون أن نكشف عن هويتنا الصحفية، فوجدناه يعج بالعشرات من الشباب من الجنسين في العشرينات من العمر، يطالعون شاشة "البلازما" المنصبة في الأعلى، أين كانت تبث تواريخ لمسابقات العمل عبر مختلف الولايات، وفئة أخرى راحت تطالع بعض الأوراق المعلقة، اقتربنا من العامل للاستفسار عن الملف الواجب إيداعه للحصول على البطاقة الزرقاء، فأخبرنا أنه من الضروري جلب شهادة ميلاد، نسخة طبق الأصل عن الشهادة التعليمية ونسخة طبق الأصل عن بطاقة التعريف الوطنية، وعند استفسارنا عن المدة الواجب علينا انتظارها للحصول على البطاقة، رد بأنها تسلم فورا ولم يسمح لنا بالدخول لمكاتب التوظيف أو التحدث مع العاملين.

انتهزنا الفرصة للحديث مع"م.أ"، جامعية حاصلة على ليسانس في المالية، تتردد على المكتب منذ 5 أشهر، ولم تظفر بعد بوظيفة مناسبة، ففي كل مرة يتم توجيهها لوظيفة لا تتلاءم مع تخصصها، تقول محدثتنا: "يوجد مكتبين أحدهما خاص لذوي الخبرة، الأول يتحججون بعدم وجود عروض، أما المكتب الثاني فأحيانا يرسلني لكن جميع العروض ليست جيدة، فأحيانا يرسلوني للشركات التي على وشك الإفلاس أو المؤسسات التي هجرها موظفيها لعدم تسديد أجورهم فـ"المعريفة" شرط أساسي للحصول على عرض عمل مناسب، وأضافت المتحدثة أن بعض أصحاب المؤسسات يرفضون منحها جوابا صريحا بالقبول أو الرفض ويتماطلون و"الأنام" تشترط عليها العود برد حتى يتم منحها عرضا آخر.

أما "س،ر" وهو شاب في العشرينات من العمر، خريج بيولوجيا من جامعة باب الزوار، فقصته مختلفة، فبعد تردده على المكتب لأزيد من 4 أشهر تمكن من الظفر بوظيفة مناسبة، وبعد أن قابل المسؤول وحظي بالقبول اشترط طالبه صاحب المؤسسة جلب ملف وتتضمن الوثائق تسوية وضعيته إزاء الخدمة الوطنية، وهو ما لم يذكر مسبقا في"أنام" وقد قدم للاستفسار عنه.

ومن بين الأمور التي كان أغلبية من قابلناهم يتذمرون منها، تأخر المرتبات الشهرية، فأحيانا يعملون 50 يوما للحصول على 15 ألف دينار، خاصة وأن بعض الخواص يرفضون إضافة أي مبلغ مالي، رغم أنهم يعملون لمدة 9 ساعات يوميا و أحيانا أكثر، والأدهى من هذا في حال الاستقالة قبل نهاية مدة العقد فستفقد حقك في الحصول على عقد آخر.

ومن جملة المشاكل التي يواجهها المستفيدون من عقود العمل"أنام" تلاعب أصحاب المؤسسات، تحكي لنا إحدى الفتيات أنها عملت في مؤسسة خاصة بعقد أنام لمدة سنة وعندما شارف عقدها على الانتهاء لم يتبق لها سوى شهر، وصار من الواجب على صاحب المؤسسة أن يجدد عقدها بآخر مفتوح أو يدمجها في منصبها، رفض وطردها وقدمت للوكالة حتى يجدوا لها حلا.

هي عينات بسيطة من جملة المشاكل والمعاناة التي يتخبط فيها شباب حلموا طوال مشوارهم الدراسي بالعمل وتحقيق أحلامهم، غير أن واقع التوظيف والبيروقراطية قضت على جميع مخططاتهم.



الأمين العام للطلابي الحر:

لهذه الأسباب يرفض الطلبة العمل بـ"آنام"

اعترف الأمين العام للاتحاد العام الطلابي الحر، سمير عنصل، أن العديد من الطلبة يرفضون العمل في إطار عقود ما قبل التشغيل "أنام" لعدم جدواها وتعمد الخواص استغلال خريجي الجامعات وحاجتهم للعمل في إلقاء العبء عليهم، واستغلالهم من الصباح للمساء مقابل 15 ألف دينار، وما يزيد في امتناع الطلبة عن الحصول على البطاقة الزرقاء، توجيههم لاختصاصات مغايرة للتخصص الذي درسوه، فـ 20 بالمائة منهم من يلتحقون بمناصب وظيفية تتماشى مع شهاداتهم الجامعية، أي أن إطارات يتخرجون من الجامعات، يوجهون لوظائف لا تتماشى مع مؤهلاتهم العملية.

وأضاف المتحدث أن"أنام" تمكنت من شد انتباه الطلبة خلال السنوات الأولى لانطلاقها، غير أن جميع الطلبة ينفرون منها حاليا مفضلين العمل في مشاريع تجارية مصغرة بدلا منها، ودعا الأمين العام لضرورة مرافقة الدولة لخريجي الجامعة من خلال إحداث شراكة بين الجامعات والمؤسسات الاقتصادية، فبمجرد تخرج الطالب يلتحق بوظيفته ويمس ذلك مابين 10 إلى 20 بالمائة من الطلبة، ضاربا مثلا بالشراكة بين المدرسة العليا للأساتذة ووزارة التربية الوطنية ومعهد الشبه طبي ووزارة الصحة.

وشدد المتحدث على ضرورة مسارعة الدولة لإيجاد حلول أكثر فعالية، لأن العمل ضمن عقود ما قبل التشغيل "أنام" قد انقضى وقته، وعليها تأمين وظائف دائمة ومستقرة للأعداد الكبيرة التي تتخرج سنويا من الجامعات.



لخضر بن خلاف: غياب حلول بديلة يدفع الشباب للجوء إلى عقود ماقبل التشغيل كرها

أكد النائب البرلماني عن جبهة العدالة والتنمية، لخضر بن خلاف، أن فئة الشباب العاملين في إطار عقود ما قبل التشغيل "أنام" يواجهون معاناة واستغلال حقيقيين لأنهم يؤدون مهاما أكبر من العمال العاديين مقابل أجور زهيدة، وهو ما دفعهم عدة مرات للمطالبة بإدماج شباب"أنام" ليكونوا كغيرهم من العمال يتمتعون بكامل حقوقهم كالأجرة ومواقيت العمل، واستطرد بن خلاف قائلا بأنه في ظل غياب قوانين واضحة ومناصب شغل تلبي رغباتهم، يلجأ الشباب إليها مكرهين لغياب حلول بديلة.

ووصف البرلماني حالة الشباب العاملين في إطار عقود ما قبل التشغيل لدى الخواص بالاستعباد والاستغلال من ناحية الوقت، حيث يعملون بدوام كامل وتضاف إليهم مهام لا تتماشى مع وظيفتهم الأساسية، وغير مذكورة فيها أساسا، في ظل غياب رقابة من مفتشية العمل والوزارة الوصية.

واستطرد بن خلاف أن العديد من الشباب المستفيدين من العمل عن طريق هذه العقود يخافون الكشف عن معاناتهم، خشية منهم فقدان مناصبهم الوظيفية.

واعتبر المتحدث أن تشكيل لجان المراقبة بات أمرا ضروريا لكشف التجاوزات التي تعرفها عقود ما قبل التشغيل من الطرفين، ووضع حد لهذه الممارسات، فبغض النظر عن الآلاف الذين يعانون من الاستغلال والاستعباد هناك فئات أخرى تستفيد من أموال"أنام" دون الالتحاق بمناصبها الوظيفية، طالبا بضرورة القيام بحملات تفتيش وتوعية المستخدمين بحقوق هذه الفئة.



المنظمة الوطنية لشباب حاملي الشهادات يصرح:

تأخر في المرتبات وتماطل في تجديد العقود ثالوث يؤرق الشباب

أفاد رئيس المنظمة الوطنية لشباب حاملي الشهادات، والتي كانت تسمى سابقا اللجنة الوطنية لعقود ما قبل التشغيل والشبكة الاجتماعية، بولسينة محمد، أن الاستفادة من عقود ما قبل التشغيل "أنام" في المؤسسات العمومية قد تم توقيفه منذ عام 2013 وبقي مقتصرا على القطاع الاقتصادي العمومي، وأرجع بولسينة ذلك للتضخم الذي عرفته بعض المؤسسات نظير توظيف المئات من الشباب في إطار هذه العقود، وذلك على مستوى البلديات والمؤسسات التعليمية.

وواصل المتحدث أن الشباب المستفيدين من هذه الصيغة يعانون من "البيروقراطية"، وهناك عقود يتم منحها دون الإعلان عنها، زيادة على التأخير في تسليم الشباب عقودهم والتماطل في تجديدها، فمن المفترض أن يتم التجديد يتم خلال 15 يوما، إلا أنه يتأخر ويتطلب أحيانا شهرين، ومن بين جملة المشاكل التي يعانوها التأخر في الحصول على المرتبات الشهرية.

وكشف بولسينة أن هناك أزيد من 400 ألف شاب يعملون بعقود "أنام" ينتظرون إدماجهم، وكشف المتحدث عن جملة من المطالب المتعلقة بهم، ويتمسكون بها وهم بصدد رفعها أمام رئيس الجمهورية وهي: المطالبة بمقترح وزاري ينص على احتساب سنوات العمل في التقاعد والخبرة، رفع المرتب الشهري 25 ألف دينار لحاملي الشهادات، 20 ألف دينار لخريجي المعاهد، 18 ألف دينار لخريجي مراكز التكوين مع تخصيص منح لهم، تشجيع القطاع الاقتصادي وفتح المؤسسات الوطنية التابعة للدولة، مع تفعيل القانون الخاص بالتقاعد وإحالة كل من تجاوز 60 سنة على التقاعد لإعطاء فرصة للشباب في مناصب قطاع الوظيف العمومي والاقتصادي والمناصب السامية.



المدير العام للوكالة الوطنية للتشغيل يعلن:

لدينا رقم أخضر للتبليغ عن التجاوزات

صرح المدير العام للوكالة الوطنية للتشغيل "أنام"، محمد الطاهر شعلال، بعملهم على التكفل بجميع الشكاوى التي ترد إليهم ويتم التحقيق فيها، وهو ما شجعهم على إطلاق خلية للاتصال منذ ثلاثة أشهر ورقم أخضر 3005، بالإمكان الاتصال به من مختلف متعاملي الهاتف النقال، والذي يستقبل مشاكل المواطنين ويعمل على الإجابة عليها، واستطرد المتحدث أن لديهم قنوات اتصال مع المواطنين، مطالبا بضرورة إعلام المصالح المختصة بكل التجاوزات التي قد تحدث.



سلال يأمر بالإدماج وبعض الوزارات ترفض

أكد الوزير الأول عبد المالك سلال الأسبوع الماضي، خلال رده عن أسئلة النواب بالمجلس الشعبي الوطني على ضرورة إعطاء الأولوية لعقود ما قبل التشغيل في مسابقات التوظيف، وشدد الوزير الأول على إدماج هذه الفئة عن طريق إجراء مسابقات على أساس الشهادات، وحصرها لفائدة المستخدمين الذين يعملون لديها في إطار المساعدة على الإدماج المهني أو الاجتماعي والذين يستوفون الشروط القانونية للالتحاق بالرتب المفتوحة في المسابقة، إذا كانت المناصب الشاغرة أقل من عدد هؤلاء المستخدمين.

أما إذا فاق عدد المناصب الشاغرة عدد المستخدمين في إطار عقود ما قبل التشغيل، فتمنح لهم الأولوية في التوظيف، وإن كانت هذه التعليمة قد أثلجت صدور الشباب العاملين في إطار عقود ما قبل التشغيل، والتي هي تأكيد على التعليمة الصادرة في شهر فيفري من العام الجاري، لأصحاب الوكالات الولائية والمحلية بتجديد عقود المستفيدين وتركها مفتوحة، وذلك سعيا من الحكومة لإيجاد حل للمشاكل التي تتخبط فيها هذه الفئة، يأتي رفض وزارة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال ليقضي على آمال الآلاف من الشباب وحرمانهم من حقهم في الإدماج، وهو ما يعانيه الشباب العاملون بهذه الصيغة، حيث ترفض جل المؤسسات إدماجهم، فتصريحات وزيرة البريد النارية هي بمثابة ضرب لتعليمة الوزير الأول عبد المالك سلال ومخالفة صريحة لها، وإن كانت مختلف القطاعات تعمل بنفس المبدأ سرا، وهو ما سيدفع بهذه الفئة التي تعاني الضغوطات والتهميش للانتفاض ضد هذه التصريحات الارتجالية والاحتجاج للمطالبة بحقهم في الإدماج.


http://www.echoroukonline.com/ara/articles/238248.html