الاجتياح... الحُب والسلاح/ بقلم الإعلامي محمد أبوعبيد
28-09-2007, 01:37 PM
الصورة النمطية عن فلسطين في الذهنية العربية هي المواجهة بين جوليات الفلسطيني وداود اليهودي، مع انتقال المقلاع والحجر إلى يد الأول بخلاف الرواية التوراتية. الصورة شابتها إفسادات أخرجتها عن إطارها المعروف: الاقتتال بين جوليات وجوليات وتقسيمهما أرضاً محتلة إلى دويلتيْن تغزوهما إسرائيل أنّى شاءت.
جائر أن يختزل العرب قصص فلسطين في هذا المشهد، أو في المشهد الاعتيادي الآخر: الجيش الإسرائيلي والفلسطينيون الواقعون في براثن احتلاله. بينما على المساحاتالأخرى، غير البائنة في الإعلام العربي، مشاهد الحبّ الذي قد يكسر مفعوله تقليديةالصورة عن الشخصية اليهودية الآتية دوماً في موقع العدو، والعكس صحيح. قصص فلسطينأكبر من مساحتها، وأبطالها هم غير المُطلين على الشاشات الفضائية في وارد التحليلوالتعليق.

الفضائية اللبنانية للإرسال تبث في رمضان مسلسل "الاجتياح"، ويحكيقصة اجتياح الجيش الإسرائيلي للضفة الغربية ضمن عملية أطلق عليها اسم "الجدارالواقي" وما تخلل ذلك من قصف وحصار لمقر الرئيس الراحل ياسر عرفات في رام الله،وصولاً إلى الملحمة البطولية التي سطرتها قلة مسلحة بالرشاشات في مخيم جنين وصمودهاأسبوعين في وجه الجيش الإسرائيلي الذي يكفي ذكر اسمه لتخيل ما يملكه من ترسانةعسكرية.

المسلسل يخرج على المألوف في تجسيد معالم الشخصيتين النقيضتيْن: الفلسطينية واليهودية الإسرائيلية من خلال "مصطفى وياعيل"، ويُظهر إلى جانب هذاالركن الأساسي من القصة، التفاصيل الصغيرة لحياة أي فلسطيني ويهودي، ما يذكرنابمسلسل "التغريبة الفلسطينية" الذي بثته إم بي سي، حيث يجسد هو الآخر حياةالفلسطيني على حسناتها وسيئاتها بمنأى عن الصورة النمطية السائدة التي لا تصفه سوىأنه فدائي ومشروع شهيد أو معتقل.

للفلسطيني فؤاد ليس عاطلا عن العمل، وبابهمفتوح لتمر منه فلسطينية، وقد تمر منه نقيضته التي تعلن براءتها من ممارسات دولتها. لذا قد تبدو "ياعيل" في "الاجتياح" غريبة على المشاهد العربي، وأنها مجرد شطحة منالكاتب أو جنوح من المخرج لخلق الإثارة، أو مستوحاة من شخصية "إيلانه" في رواية "إلى الجحيم أيها الليلك". للشاعر الفلسطيني سميح القاسم قبل ثلاثين عاماً. إلا أنالشابة اليهودية "تالي فحيمة"، من كريات غات، تثبت أن "ياعيل وإيلانه" ليستاخيالاً، وانهما انبعاثٌ لعشرات اليهوديات الأخريات اللائي فضلن بؤس المخيماتالفلسطينية على رفاه تل أبيب. تماما حين انسلخت "تالي"عن حزب الليكود، وفضلت مخيمجنين والإقامة جهاراً في بيت زكريا الزبيدي، قائد كتائب شهداء الأقصى في المخيم،تضامناً مع الفلسطينيين، وربما كان في نيتها نسج قصة حب لولا أن يد السجانالإسرائيلي كانت أسبق، فصارت "تالي" فلسطينية من حيث النضال والسجون.

كانيمكن للمشاهد العربي أن يعرف أكثر عن هذه القصص الحقيقية لو لم تغب "تالي" عن "امبراطورية الإعلام العربي" المتوجس دوما من "التطبيع" الذي لا تندرج تلك القصةتحت مسماه. فإظهار هذه القصص على الملأ العربي هو نقْلٌ لكيفية تحول الخيال إلىواقع، وإبراز دقيق لمعالم الشخصيتيْن النقيضتين، والكشف عن صور أخرى للحياة وسطالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبالتالي كسر الصورة النمطية لجوليات الذي هو أيضاًروميو إلى جانبه جولييت.
**إعلامي بقناة العربية
[email protected]