مريم جميلة ..شعاع حق انبثق من ديجور الضلال
15-02-2015, 06:50 PM
"منذ بدأت أقرأ القرآن عرفت أن الدين ليس ضرورياً للحياة فحسب، بل هو الحياة بعينها، وكنت كلما تعمقت في دراسته ازددت يقيناً أن الإسلام وحده هو الذي جعل من العرب أمة عظيمة متحضرة قد سادت العالم."

نجاحها لم يكن نقطة تحول جذرية من الكفر إلى الإسلام فحسب، إنما في فكرها المنقدح دائما للبحث عن الحق، وقلمها المنبري دفاعا عنه، مريم جميلة؛ هي امرأة أمريكية ولدت بمدينة نيويورك في 23 ماي 1934 لأبوين يهوديين من أصل ألماني، اسمها الحقيقي هو مارغوريت ماركس، تميزت بأخلاقها العالية فواعدها القدر بوصال شريف.

فرغم بيئة المفاسد والضلال التي نشأت فيها، لم تدنس فاها بجرعة خمر، ولا هوت بنفسها إلى حضيض المجون، فقضت غضاضة طفولتها وشبابها في تحصيل العلم، حيث كانت تحضر دروس الحاخامات كل يوم أحد وهي طفلة صغيرة، وعلمت أن العرب واليهود كلاهما من أحفاد ابراهيم الخليل عليه السلام، فتبلورت في عقلها الكثير من الأفكار، وباتت أكثر فضولا لفهم المتناقِضات؛ فكيف لأمّتين تتفرعان عن أرومة واحدة وتكون بينهما كل تلك الخلافات؟ سؤال لم تجد له الطفلة جوابا، وظل نقاء روحها يمنّيها بالذهاب إلى فلسطين للقاء أبناء عمومتها العرب. وأكثر ما كان يحز في نفسها هو رؤية الفلسطينيين يعيشون نكباتهم على يد قومها اليهود، وعلى صغر سنها أبت أن تشاركهم فرحة إقامة وطن طفيلي في أرض فلسطين، بل راحت تجادل والديها، وتعيب عليهما الفرح بانتصار اليهود في حربهم على العرب سنة 1948، وتستنكر رقص الصهاينة على جثث الأبرياء.

لم يكن موقف تلك الفتاة اعتباطيا بقدر ما كان مبدءا فرضته بصيرتها الثاقبة، ففي سنة 1953 عندما كانت طالبة جامعية بكلية الآداب بجامعة نيويورك، استغلّت وقت فراغها في دراسة دين الإسلام، وكان أوّل كتاب قرأته هو ترجمة القرآن الكريم للبريطاني المسلم محمد بيكتهول، فترك في نفسها أثرا بالغا، ثم عكفت على قراءة كتاب "مشكاة المصابيح" للإمام التبريزي مترجما إلى الإنجليزية؛ وهو كتاب يجمع الحديث النبوي الشريف، اتضحت لها من خلاله صورة الإسلام أكثر.

كانت فترة شبابها رحلة لتحّري الحقيقة دون خارطة، فمن الواضح أنّها لم تكن مقتنعة بالعقيدة التي نشأت عليها، فانضمت إلى عدة حركات، كالحركة الإصلاحية اليهودية، والأرثدوكسية، والبهائية، لكنّها لم تجد فيها مرفأً آمنا لروحها.

وفي سنة 1959 تعرضت لوعكة صحية أوقفتها عن الدراسة، فساءت حالتها النفسية واختلطت عليها الأفكار فدخلت مرحلة من الإلحاد واللايقين، لكن رحمة الله انتشلتها من مستنقع الضياع، فبعد خروجها من المستشفى عادت إلى حِمَى الإسلام تجوس مداخله، مقيمة جسور تواصل مع شخصيات إسلامية بارزة على رأسها العلّامة محمد البشير الإبراهيمي بالجزائر، وسعيد رمضان بجنيف الذي عرّفها على سيد قطب، فتواصلت معه في سجنه بالقاهرة، فأرشدها إلى التواصل مع مؤسس الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية أبو الأعلى المودودي، وهنا كانت نقطة التحول في حياتها بعد فترة مراسلات دامت سنوات، اعتنقت الإسلام بشكل رسمي في 24 مايو 1961على يد إمام مسجد بروكلين في "نيويورك" وهو "داود فيصل"، وغيرت اسمها إلى "مريم الجميلة".

بعد تقاعد والديها تحتّم عليها الاستقلال بحياتها، وفقا لما تمليه أعراف مجتمعها، وكان الشيخ المودودي على علم بظروفها، فعرض عليها الإقامة مع أسرته، وبعد شد وجذب مع أهلها حزمت أمتعتها وسافرت إلى باكستان عبر الباخرة..

تعرضت إلى عدة مواقف، أكدت تميّزها وقوة شخصيتها، فهي خلافا لغيرها لم تحكم على الإسلام من أفعال المسلمين، بل درسته من أمهات الكتب، وفهمته على يد نخبة أهله، قيل أنها في طريقها إلى باكستان نزلت في الإسكندرية، وبحثت عن مسجد لآداء الصلاة، فسألها إمامه عن وجهتها فأخبرته بقصتها، فسخر منها وقال لها: هل أنت غبية حتى تتركي أمريكا!

وعندما وصلت إلى باكستان استقبلتها عائلة المودودي وعاشت معهم في لاهور لمدة سنتين، ثم تزوجت أحد أتباعه هو محمد يوسف خان، كان متزوجا وله خمسة أطفال مع ذلك لم تمانع، وعاشت حياة سعيدة مع ضرتها في بيت واحد وأنجبت أربعة أطفال.

لقد ضربت مريم جميلة أروع مثال للمرأة المسلمة، وكرّست حياتها لخدمة دينها، فأثرت المكتبات بالعديد من المؤلفات والخواطر والمناظرات أشهرها: رحلتي من الكفر إلى الإيمان، الإسلام في مواجهة الغرب، الإسلام في النظرية والتطبيق، قبل أن تفارق الحياة في31 أكتوبر 2012.

فسبحان من تفرد بمنة الهداية، وجعلها نورا في قلوب من يشاء من عباده وله الحكمة البالغة والعلم السابق.

اماني اريس
http://jawahir.echoroukonline.com/articles/1884.html
[SIGPIC][/SIGPIC]