قصه غلام من بني هاشم والحجاج بن يوسف الثقفــي
13-10-2009, 09:09 PM
قصه غلام من بني هاشم والحجاج بن يوسف الثقفــي

خرج الحجاج بن يوسف ذات يومفي الصيد فرأى تسعة كلاب إلى جانب صبي صغير السن عمره نحو عشر سنوات وله ذوائب.

فقال له الحجاج : ماذا تفعل هنا أيها الغلام ؟

فرفع الصبي طرفهإليه وقال له : يا حامل الأخبار لقد نظرت إلىّ بعين الاحتقار وكلمتني بالافتخار

وكلامك كلام جبار وعقلك عقل حمار.

فقال الحجاج له : أما عرفتني ؟

فقال الغلام : عرفتك بسواد وجهك لأنك أتيت بالكلام قبل السلام.

فقال الحجاج أ ويلك أنا الحجاج بن يوسف.

فقال الغلام : لا قرب اللهدارك ولا مزارك فما أكثر كلامك وأقل إكرامك .

فما أتم كلامه إلا والجيوشحلّقت عليه من كل جانب وكل واحد يقول السلام عليك يا أمير المؤمنين ،

فقالالحجاج: احفظوا هذا الغلام فقد أوجعني بالكلام فأخذوا الغلام فرجع الحجاج إلى قصرهفجلس في

مجلسه والناس حوله جالسون ومن هيبته مطرقون وهو بينهم كالأسد ثمطلب إحضار الغلام فلما مثل بين

يديه ،ورأى الوزراء و أهل الدولة لم يخشىمنهم

بل قال : السلام عليكم فلم يرد الحجاج السلام فرفع الغلام رأسه وأدارنظره فرأى بناء القصر عالياً ومزين

بالنقوش والفسيفساء وهو في غاية الإبداعوالإتقان.

فقال الغلام : أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكمتخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاستوى

الحجاج جالساً وكان متكئاً

فقالوا للغلام : يا قليل الأدب لماذا لم تسلم على أمير المؤمنين السلاماللائق ولماذا لم تتأدب في حضرته ؟

فقال الغلام : يا براغيث الحمير منعنيعن ذلك التعب في الطريق وطلوع الدرج أما السلام فعلى أمير

المؤمنين وأصحابه، يعني السلام على علىّ بن أبى طالب وأصحابه

فقال الحجاج : يا غلام لقدحضرت في يوم تم فيه أجلك وخاب فيه أملك.

فقال الغلام : والله يا حجاج أنكان في أجلي تأخير لم يضرني من كلامك لا قليل ولا كثير.

فقال بعض الغلمان : لقد بلغت من جهلك يا خبيث أن تخاطب أمير المؤمنين كما تخاطب غلاماً مثلك يا قليل

الآداب انظر من تخاطب وأجبه بأدب واحترام فهو أمير العراق والشام.

فقال الغلام : أما سمعتم قوله تعالى " كل نفس تجادل عن نفسها"

فقالالحجاج : فمن عنيت بكلامك أيها الغلام ؟

قال : عنيت به على بن أبى طالبوأصحابه وأنت يا حجاج على من تسلم ؟

فقال الحجاج : على عبدالملك بن مروان.

فقال الغلام : عبدالملك الفاجر عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

فقال الحجاج : ولم ذلك يا غلام ؟

فقال : لأنه أخطأ خطيئة عظيمة ماتبسببها خلق كثير فقال بعض الجلساء اقتله يا أمير المؤمنين فقد خالف

الطاعةوفارق الجماعة وشتم عبدالملك بن مروان.

فقال الغلام : يا حجاج أصلح جلسائكفإنهم جاهلون فأشار الحجاج لجلسائه بالصمت.

ثم سأله الحجاج : هل تعرف أخي؟

فقال الغلام : أخوك فرعون حين جاءه موسى وهارون ليخلعوه عن عرشه فاستشارجلسائه.

فقال الحجاج : اضربوا عنقه.

فقال له الرقاشي : هبني إياهيا أمير المؤمنين أصلح الله شأنك.

فقال الحجاج : هو لك لا بارك الله فيه.

فقال الغلام : لا شكر للواهب ولا للمستوهب.

فقال الرقاشي : أناأريد خلاصك من الموت فتخاطبني بهذا الكلام ثم التفت الرقاشي إلى الحجاج وقال له:

افعل ما تريد يا أمير المؤمنين.

فقال الحجاج للغلام : من أي بلدأنت ؟

فقال للغلام: من مصر.

فقال له الحجاج : من مدينة الفاسقين .

فقال الغلام : ولماذا أسميتها مدينة الفاسقين ؟

قال الحجاج : لأنشرابها من ذهب ونسائها لعب ونيلها عجب وأهلها لا عجم ولا عرب.

فقال الغلام : لستُ منهم.

فقال الحجاج : من أي بلد إذن ؟

قال الغلام : أنا منأهل خرسان.

فقال الحجاج : من شر مكان وأقل الأديان.

فقال الغلام : ولم ذلك يا حجاج ؟

فقال : لأنهم عجم أعجام مثل البهائم والأغنام كلامهمثقيل و غنيهم بخيل.

فقال الغلام : لستُ منهم.

فقال الحجاج : من أينأنت ؟

قال : أنا من مدينة الشام.

قال الحجاج : أنت من أحسن البلدانوأغضب مكان وأغلظ أبدان .

قال الغلام : لستُ منهم.

قال الحجاج : فمن أين إذن؟

قال الغلام : من اليمن.

فقال الحجاج : أنت من بلد غيرمشكور.

قال الغلام: ولم ذلك؟

قال الحجاج : لأن صوتهم مليح و عاقلهميستعمل الزمر و جاهلهم يشرب الخمر.

قال الغلام : أنا لستُ منهم.

قال الحجاج : فمن أين إذن؟

قال الغلام : أنا من أهل مكة.

فقال الحجاج : أنت إذن من أهل اللؤم والجهل وقلة العقل.

فقالالغلام : ولم ذلك ؟

قال : لأنهم قوم بعث فيهم نبي كريم فكذبوه وطردوه وخرجمن بينهم إلى قوم أحبوه وأكرموه.

فقال الغلام : أنا لستُ منهم.

فقال الحجاج : لقد كثرت جواباتك علي وقلبي يحدثني بقتلك.

فقالالغلام : لو كان أجلي بيدك لما عبدت سواك ولكن اعلم يا حجاج أني أنا من أهل طيبةمدينة رسول الله

صلى الله عليه وسلم.

فقال الحجاج : نعمت المدينةأهلها أهل الإيمان والإحسان فمن أي قبيلة أنت ؟

فقال الغلام : من ثلى بنىغالب من سلالة علي بن أبى طالب عليه السلام وكل نسب وحسب ينقطع إلا حسبنا

ونسبنا فإنه لا ينقطع إلى يوم القيامة فاغتاظ الحجاج غيظاً شديداً وأمر بقتله.

فقال له كل من حضر من الوزراء : ولكنه لا يستحق القتل وهو دون سن البلوغأيها الأمير.

فقال الحجاج : لا بد من قتله ولو يناد منادى من السماء.

فقال الغلام: ما أنت بنبي حتى يناديك مناد من السماء.

فقال الحجاج : ومن يحول بيني وبين قتلك.

فقال الغلام : يحول بينك وبين قتلي ما يحول بينالمرء وقلبه.

فقال الحجاج : وهو الذي يعينني على قتلك.

فقال الغلام : كلا إنما يعينك على قتلي شيطانك و أعوذ بالله منك ومنه.

فقال الحجاج : أراك تجاوبني على كل سؤال فأخبرني ما يقرب العبد من ربه؟

فقال الغلام : الصوم والصلاة والزكاة والحج .

فقال الحجاج: أنا أتقرب إلى الله بدمك لأنكقلت أنك من أولاد الحسن والحسين.

فقال الغلام : من غير خوف ولا جزع أنا منأولاد رسول الله صلى الله عليهالة وسلم إن كان أجلي بيدك فقد

حضر شيطانكيعينك على فساد آخرتك.

فأجابه الحجاج : أتقول أنك من أولاد الرسول وتكرهالموت؟

قال الغلام : قال الله تعالى " ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة"

قال الحجاج : ابن من أنت ؟

قال الغلام : أنا ابن أبي و أمي.

فسأله الحجاج : من أين جئت ؟

قال الغلام : على رحب الأرض.

فقال الحجاج : أخبرني من أكرم العرب؟

فأجاب الغلام : بنو طي .

فسأله الحجاج : ولم ذلك ؟

فقال الغلام: لأن حاتم الأصم منهم.

فقال الحجاج : فمن أشرف العرب ؟

قال الغلام : بنو مضر.

فقال الحجاج : ولم ذلك؟

فقال الغلام : لأن محمد صلى الله عليه وسلممنهم.

فقال الحجاج : فمن أشجع العرب ؟

فقال الغلام : بنو هاشم لأنعلي بن أبي طالب منهم .

فقال الحجاج: فمن أنجس العرب و أبخلهم وأقلها خيراً؟

فقال الغلام : بنو ثقيف لأنك أنت منهم وفي الحديث الشريف يظهر من بنوثقيف نمرود وكذاب فالكذاب

مسيلمة والنمرود أنت فأغتاظ الحجاج غيظاً شديداًوأمر بقتله فشفع به الحاضرون فشفعهم فيه وسكن

غضبه قليلاً ؛؛

وقالالحجاج : أين تركت الإبل ذات القرون ؟

فقال الغلام : تركتها ترعى أوراقالصوان.

فصاح الحجاج به قائلاً : يا قليل العقل ويا بعيد الذهن هل للصوانورق؟

فقال الغلام : وهل للإبل قرون ؟

فقال الحجاج : هل حفظت القرآن؟

فقال الغلام : هل القرآن هارب منى حتى أحفظه.

فسأله الحجاج : هلجمعت القرآن ؟

فقال الغلام : وهل هو متفرق حتى أجمعه ؟

فقال لهالحجاج : أما فهمت سؤالي .

فأجابه الغلام : ينبغي لك أن تقول هل قرأتالقرآن وفهمت ما فيه.

فقال الحجاج : فأخبرني عن آية في القرآن أعظم؟ وآيةأحكم؟

وآية أعدل ؟ وآية أخوف ؟ وآية أرجى ؟ وآية فيها عشر آيات بينات؟ وآيةكذب فيها أولاد الأنبياء؟ وآية

صدق فيها اليهود والنصارى ؟ وآية قالها اللهتعالى لنفسه؟ وآية فيها قول الملائكة؟ و آية فيها قول أهل

الجنة؟ وآية فيهاقول أهل النار؟ وآية فيها قول إبليس ؟؟؟

فقال الغلام : أما أعظم آية فهيآية الكرسي

وأحكم آية إن الله يأمر بالعدل والإحسان

وأعدل آية فمنيعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره

وأخوف آية أيطمع كلامرىء منهم أن يدخل جنة نعيم

وأرجى آية قل يا عبادي الذين أسرفوا علىأنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعها

وآية فيها عشرآيات بينات هي إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولىالألباب

وأما الآية التي كذب فيها أولاد الأنبياء فهي وجاءوا على قميصه بدمكذب وهم إخوة يوسف كذبوا ودخلوا الجنة

وأما الآية التي صدق فيها اليهودوالنصارى فهي وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت

النصارى ليست اليهودعلى شيء فصدقوا ودخلوا النار

والآية التي قالها الله تعالى لنفسه هي وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد

أن يطمعون إنالله هو الرزاق ذو القوة المتين

وآية فيها قول الأنبياء وما كان لنا أننأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فل يتوكل المؤمنون

وآية فيها قولالملائكة سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم

و أيةفيها قول أهل الجنة الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور

وآيةفيها قول أهل النار ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون

وآية فيها قولإبليس أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين

فقال الحجاج : أخبرني عمنخُلق من الهواء ؟ ومن حُفظ بالهواء ؟ ومن هلك بالهواء ؟

فقال الغلام : الذيخلق من الهواء سيدنا عيسى عليه السلام؛؛ والذي حفظ بالهواء سيدنا سليمان بن داود

عليهما السلام ؛ وأما الذي هلك بالهواء فهم قوم هود.

فقال الحجاج : فأخبرني عمن خُلق من الخشب ؟ والذي حُفظ بالخشب ؟ والذي هلك بالخشب ؟

فقالالغلام : الذي خلق من الخشب هي الحية خلقت من عصا موسى عليه السلام؛؛ والذي حفظبالخشب

نوح عليه السلام؛؛ والذي هلك بالخشب زكريا عليه السلام.

فقال الحجاج: فأخبرني عمن خُلق من الماء ؟ ومن نجا من الماء ؟ ومن هلكبالماء ؟

فقال الغلام: الذي خلق من الماء فهو أبونا آدم عليه السلام؛؛والذي نجا من الماء موسى عليه السلام؛؛

والذي هلك بالماء فرعون.

فقال الحجاج : فأخبرني عمن خُلق من النار ؟ ومن حُفظ من النار ؟

فقال الغلام : الذي خُلق من النار إبليس؛؛ والذي نجا من النار إبراهيم عليهالسلام.

فقال الحجاج : فأخبرني عن أنهار الجنة وعددها ؟

فقالالغلام : أنهار الجنة كثيرة لا يعلم عددها إلا الله تعالى كما قال في كتابه العزيزفيها انهار من ماء غير

آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذةللشاربين وأنهار من عسل مصفى... وكلها تجري في

محل واحد لا يختلط بعضهاببعض ويوجد نظيره في الدنيا وهو في رأس بنى آدم طعم عينه مالح وطعم أذنه

مروطعم فمه عذب .

فقال الحجاج : إن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يتغوطون فهليوجد مثلهم في الدنيا ؟

فقال الغلام : الجنين في بطن أمه يأكل ويشرب ولايتغوط.

فقال الحجاج : فما أول قطرة من دم؟

فقال الغلام : هي حيضحواء.

فقال الحجاج : فأخبرني عن العقل ؟ والإيمان ؟ والحياء ؟ والسخاء ؟والشجاعة ؟ والكرم؟ والشهوة ؟

فقال الغلام : إن الله قسم العقل عشرة أقسامجعل تسعة في الرجال وواحداً في النساء ؛؛والإيمان عشرة

تسعة في اليمنوواحداً في بقية الدنيا؛؛ والحياء عشرة تسعة في النساء وواحداً في الرجال؛؛ والسخاء

عشرة تسعة في الرجال وواحداً في النساء؛؛ والشجاعة والكرم عشرة تسعة فيالعرب وواحداً في بقية

العالم؛؛ والشهوة عشرة أقسام تسعة في النساء وواحداًفي الرجال.

فقال الحجاج : فأخبرني ما يجب على المسلم في السنة مرة ؟

فقال الغلام : صيام رمضان.

فقال الحجاج : وما يجب في العمر مرة ؟

فقال الغلام : الحج إلى بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا .

فقال الحجاج : فأخبرني عن أقرب شيء إليك ؟

فقال الغلام : الآخرة .

ثم قال الحجاج: سبحان الله يأتي الحكمة من يشاء من عباده ما رأيت صبياًأتاه الله العلم والعقل والذكاء مثل هذا الغلام.

فقال الغلام : أنا أهللذلك.

فقال الحجاج : فمن أحق الناس بالخلافة ؟

فقال الغلام : الذييعفو ويصفح ويعدل بين الناس.


فقال الحجاج : فأخبرني عن النساء ؟

فقال الغلام : أتسألني عن النساء وأنا صغير لم أطـّلع بعد على أحوالهن ورغائبهن ومعاشرتهن ولكني

سأذكر لك المشهور من أمورهن؛؛ فبنت العشر سنين منالحور العين؛؛ وبنت العشرين نزهة للناظرين؛؛

وبنت الثلاثين جنة نعيم ؛؛وبنتالأربعين شحم ولين؛؛ وبنت الخمسين بنات وبنين؛؛ وبنت الستين ما بها

فائدةللسائلين؛؛ وبنت السبعين عجوز في الغابرين؛؛ وبنت التسعين شيطان رجيم؛؛ وبنت المائةمن أصحاب الجحيم.

فضحك الحجاج وقال: أي النساء أحسن؟

فقال الغلام : ذات الدلال الكامل والجمال الوافر والنطق الفصيح التي يهتز نهدها ويرتاح ردفها.

فقال له الحجاج : أخبرني عن أول من نطق في الشعر؟

فقال الغلام : آدم عليه السلام وذلك لما قتل قابيل أخاه هابيل.

أنشد آدم يقول :

بكــت عــينـي وحـق لـها بكاهـــا *** ودمــــع الـــعـــين منهمل يسيح

فـــمـا لـي لا أجــود بسـكـب دمع *** و هـابــيل تضمّنـه الـضــريـــــح

رمــى قــابـيـل هـــابــيــلاً أخـــاه *** والحد في الثرى الوجه الـصبيح

تغـــيرت البـــلاد ومـــن عـــليها *** فــوجــــه الأرض مــغــبر كشيح

تـــبدل كـــل ذي طــعــم ولــــون *** لـــفـقـدك يا صــبــيـح ياملــــيح

أيا هـــــابــيل إن تــقــتـل فإنــــي *** عـــليك الــــدهرمكتـئـب قريــح

فأنت حياة من في الأرض جميعاً *** وقــــد فــقـدوك يا روحوريـــح

وأنـــت رجــيــح قــدر يـا فصيح *** سلـــيم بـل ســـميح بــلصبيـــح

ولــــسـت مــيـت بـــــل أنت حي *** و قــابــيــل الشــقي هوالطريـح

علـــــيه السخــط من رب البرايا *** و أنت عـــليـــك تسليمصريـــح

فأجابه إبليس يقول:

تـنوح على البلاد ومن عليها *** وفيالفردوس قد ضاق بك الفسيح

وكـــنت بها وزوجك في نعيم *** مــن الــمــولـىوقـلـبك مسـتريـــح

خـدعتك في دهائي ثم مكري *** إلــــى أن فـــاتـكالــعيــش الرشيح

فقال الحجاج : أخبرني يا غلام عن أجود بيت قالته العرب فيالكرم ؟

فقال الغلام : هو بيت حاتم طي.

حيث يقول: ـــ

وأكرم الضيف حتما حين يطرقني *** قبل العيال على عسر و إيسار

فقالالحجاج : أحسنت يا غلام وأجملت وقد غمرتنا ببحر علمك فوجب علينا إكرامك ثم أمر لهبألف دينار وكسوة حسنة

و جارية وسيف وفرس.

وقال الحجاج في نفسه : إن أخذ الفرس نجا وإن أخذ غيرها قتلته فلما قدمها له.

ثم قال الحجاج : خذما تريد يا غلام فغمزته الجارية.

وقالت : خذني أنا خير من الجميع فضحكالغلام وقال ليس لي بك حاجة وأنشد يقول : ـــ

و قــرقعــت اللجان بـــرأسحــمراً *** أحــــب إلىّ مــما تــغــمـزني

أخـاف إذا وقعــت عــــلىفراشــي *** وطالت علتي لا تصحبينـــي

أخـــاف إذا وقــعــنا فــي مضـــيـق *** وجار الدهر بي لا تنصريني

أخـــاف إذا فـقــدت المــال عــندي *** تــمــيلي للخصام وتهجريني

فأجابته الجارية تقول : ــ

معاذ اللهأفـــعــــل مـــا تــــقــول *** ولو قطعت شمالي مع يميني

وأكتم سر زوجــيفــي ضميري *** وأقـــنع باليسير وما يــجيني

إذا عاشـــرتني وعرفت طـــبعي *** ستــعــلم أنـــني خــير القرين

فقال الحجاج : ويلك ألا تستحين تغمزينهوتجاوبينه بالشعر.

فقال الغلام : إن كنت تخيرني فإنني أختار الفرس أما إنكنت ابن حلال فتعطيني الجميع.

فقال الحجاج : خذهم لا بارك الله لك فيهم.

فقال الغلام : قبلتهم لا أخلف الله عليك غيرهم ولا جمعني بك مرة أخرى.

ثم قال الغلام : من أين أخرج يا حجاج ؟

فأجابه الحجاج : أخرج منذاك الباب فهو باب السلام.

فقال الجلساء للحجاج : هذا جلف من أجلاف العربأتى إليك وسبك وأخذ مالك فتدله على باب السلام ولم

تدله على باب النقمةوالعذاب ؟

فقال الحجاج : إنه استشارني والمستشار مؤتمن...

وخرجالغلام من بين يدي الحجاج سالماً غانماً بفضل ذكائه وفهمه ومعرفته وحسن إطلاعه