منهــــــــــــــــــــاج العارفيــــــــــــــــــن .. للامام أبي حامد الغزالي
06-11-2009, 01:42 PM



هذا بيان للمريدين :

يدور على ثلاثة أصول : الخوف و الرجاء و الحب .

فالخوف : فرع العلم .

و الرجاء : فرع اليقين .

و الحب : فرع المعرفة .

فدليل الخوف : الهرب .

و دليل الرجاء : الطلب .

و دليل الحب : إيثار المحبوب .

و مثال ذلك : الحرم و المسجد و الكعبة , فمن دخل حرم الإرادة أمن من الخلق , و من دخل المسجد أمنت جوارحه أن يستعملها في معصية الله تعالى , و من دخل الكعبة أمن قلبه أن يشتغل بغير ذكر الله عز وجل .

فإذا أصبح العبد لزمه أن ينظر في ظلمة الليل و نور النهار و يعلم أن أحدهما إذا ظهر عزل صاحبه عن الولاية فكذلك نور المعرفة إذا ظهر عزل ظلمة المعاصي عن الجوارح , فإن كانت حالته حالة يرضاها لحلول الموت شكر الله تعالى على توقيفه و عصمته , و إن كانت حالته حالة يكره معها الموت انتقل عنها بصحة العزيمة و كمال الجهد و علم أن لا ملجأ من الله إلا إليه , كما أنه لا وصول إليه إلا به , فندم على ما أفسده من عمره بسوء اختياره و استعان بالله على تطهير ظاهره من الذنوب و تصفية باطنه من العيوب و قطع زنار الغفلة عن قلبه و أطفأ نار الشهوة عن نفسه و استقام على طريق الحق و ركب مطية الصدق فإن النهار دليل الآخرة و الليل دليل الدنيا , و النوم شاهد الموت , و العبد قادم على ما أسلف و نادم على ما خلف يقول الله عز وجل
:

{ ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم و أخر } .

1- باب الأحكام

و إعراب القلوب على أربعة أنواع : رفع , و فتح , و خفض , و وقف .

فرفع القلب : في ذكر الله .

و فتح القلب : في الرضاء عن الله تعالى .

و خفض القلب : في الاشتغال بغير الله تعالى .

و وقف القلب : في الغفلة عن الله تعالى .

فعلامة الرفع ثلاثة أشياء : وجود الموافقة , و فقد المخالفة , و دوام الشوق .

و علامة الفتح ثلاثة أشياء : التوكل , و الصدق , و اليقين .

و علامة الخفض ثلاثة أشياء : العجب , و الرياء , و الحرص و هو مرعاة الدنيا .

و علامة الوقف ثلاثة أشياء : زوال حلاوة الطاعة , و عدم مرارة المعصية , و التباس الحلال .


2- باب الرعاية

قال رسول الله ( صلي الله عليه و سلم ) : " طلب العلم فريضة على كل مسلم " , و هو علم الأنفاس فيجب أن يكون نفس المريد شكرا أو عذرا , فإن قبل ففضل و إن رد فعدل , فطائع الحركة بالتوفيق و السكون بالعصمة ولا يستقيم ذلك له إلا بدوام الافتقار و الاضطرار .
و مفتاح ذلك : ذكر الموت ؛ لأن فيه راحة من الحبس و نجاة من العدو , و قوامه برد العمر على يوم واحد , و لن يلتئم ذلك إلا بالتفكير في الأوقات , و باب الفكر الفراغ , و سبب الفراغ الزهد , و عماد الزهد التقوى , و سنام التقوى الخوف , و زمام الخوف اليقين , و نظام اليقين الخلوة و الجوع , و تمامها الجهد و الصبر , و طريقها الصدق , و دليل الصدق العلم .


3- النية

لابد للعبد من النية في كل حركة و سكون ( فإنما الأعمال بالنيات و لكل امرئ ما نوى ) و ( نية المؤمن خير من عمله ) و النية تختلف حسب اختلاف الأوقات , و صاحب النية نفسه منه في تعب , و الناس منه في راحة , و ليس شيء على المريد أصعب من حفظ النية .

4- الذكر

اجعل قلبك قبلة لسانك و اشعر عند الذكر حياء العبودية و هيبة الربوبية .
و أعلم بأن الله تعالى يعلم سر قلبك و يرى ظاهر فعلك و يسمع نجوى قولك , فاغسل قلبك بالحزن و أوقد فيه نار الخوف فإذا زال حجاب الغفلة عن قلبك , كان ذكرك به مع ذكره لك , قال الله تعالى : { ولذكر الله أكبر } ؛ لأنه ذكرك مع الغناء عنك , و أنت ذكرته مع الفقر إليه , فقال الله تعالى : { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } ؛ فيكون اطمئنان القلب في ذكر الله له , و وجله في ذكره لله , قال الله تعالى : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } .

و الذكر ذكران :
ذكر خالص : بموافقة القلب في سقوط النظر إلى غير الله .
و ذكر صاف : بفناء الهمة عن الذكر , قال رسول الله ( صلي الله عليه و سلم ) : " لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " .


5- الشكر

و في كل نفس من أنفاس العبد نعمة لله تتجدد عليه يلزمه القيام بشكرها , و أدني الشكر أن يرى النعمة من الله تعالى و يرضى بما أعطاه ولا يخالفه بشيء من نعمه , و تمام الشكر في الاعتراف بلسان السر أن الخلق كلهم يعجزون عن أداء شكره على أصغر جزء من نعمه و إن بلغوا غاية المجهود ؛ لأن التوفيق للشكر نعمة حادثة يجب الشكر عليها , فيلزمك على كل شكر شكر إلى مالا نهاية له , فإذا تولى الله العبد , حمل عنه شكره فرضى عنه بسير و حط عنه ما يعلم أنه لا يبلغه و يضعفه { و ما كان عطاء ربك محظوراً } .

6- اللباس


اللباس نعمة من الله تعالى على عبده يستر به البشرة : { و لباس التقوى ذلك خير } و خير لباسك مالا يشغل سرك عن الله تعالى , فإذا لبست ثوبك فاذكر محبة الله الستر على عباده فلا تفضح أحدا من خلقه بعيب تعلمه منه , و اشتغل بعيب نفسك فاستره بدوام الاضطرار إلى الله تعالى في تطهيره , فإن العبد إذا نسى ذنبه كان ذلك عقوبة له و ازداد به جرأة على المعاصي ,
و لو انتبه من رقدة الغفلة لنصب ذنوبه بين عيني قلبه نصبا و لبكى عليه بجفون سره و استولى عليه الوجل فذاب حياء من ربه ,
و مادام العبد يرجع إلى حول نفسه و قوتها انقطع عما حول الله تعالى و قوته فاطرح همتك بين يدي الخوف و الرجاء :
{ و اعبد ربك حتى يأتيك اليقين } .


7- القيام


فإذا قمت من فراشك فأقم قلبك عن فراش البطالة , و أيقظ نفسك عن نوم الجهالة , و أنهض بكلك إلى من أحياك و رد إليك نفسك , و قم بفكرك عن حركتك و سكونك و اصعد بقلبك إلى الملكوت الأعلى , ولا تجعل قلبك تابعا لنفسك , فإن النفس تميل إلى الأرض , و القلب يميل إلى السماء , و استعمل قول الله عز وجل : { إليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه } .


8- السواك


و استعمل السواك فإنه مطهرة للفم و مرضاة للرب , و طهر ظاهرك و باطنك عن دنس الإساءة , و أخلص أعمالك عن كدر الرياء و العجب , و اجل قلبك بصافي ذكره , و دع عنك مالا ينفعك بل يضرك .

9- التبرز

و إذا تبرزت لقضاء وطرك فاعتبر , فإن الراحة في إزالة النجاسة , و استنج و نكس رأس همتك , و أغلق باب الكبر , و افتح باب الندم و اجلس على بساط الندامة , و اجتهد في إيثار أمره و اجتناب نهيه و الصبر على حكمه , و اغسل شرك بترك الغضب و الشهوة , و استعمل الرغبة و الرهبة فإن الله تعالى مدح قوما فقال : { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات و يدعوننا رغباً و رهباً و كانوا لنا خاشعين } .

10- الطهارة


إذا تطهرت ففكر في صفوة الماء و رقته و تطهيره و تنظيفه فإن الله تعالى جعله مباركا فقال : { و نزلنا من السماء ماء مباركا }
فاستعمله في الأعضاء التي فرض الله عليك تطهيرها ,ولتكن صفوتك مع الله كصفوة الماء ,فاغسل وجه قلبك عن النظر إلى غير الله ,
و اغسل يدك عن الامتداد إلي غيره , و امسح رأسك عن الافتخار بغيره , و اغسل رجليك عن السعي لغيره , و احمد الله على ما ألهمك من دينه .

11- الخروج


فإذا خرجت من منزلك إلى مسجدك , فاعلم أن لله تعالى حقوقا عليك يلزمك أداؤها , من ذلك , السكينة , و الوقار , و الاعتبار بخلق الله برهم و فاجرهم , قال الله تعالى : { و تلك الأمثال نضربها للناس و ما يعقلها إلا العالمون } و غض بصرك عن نظر الغفلة و الشهوة , و أفش السلام مبتدئاً و مجيباً و أعن من استعانك على الحق , و أمر بالمعروف و انه عن المنكر – إن كنت من أهله – و أرشد الضال .

12- دخول المسجد


فإذا بلغت باب المسجد فاعلم أنك قصدت بيت ملك عظيم قدره لا يقبل إلا الطاهر ولا يصعد إليه إلا الخالص , ففكر في نفسك من أنت و لمن أنت و أين أنت و من أي ديوان يخرج أسمك ؟ ! فإذا استصلحت نفسك لخدمته فادخل فلك الإذن و الأمان , و إلا فقف وقوف مضطر قد انقطعت عنه الحيل و انسدت عنه السبل , فإذا علم الله من قلبك الالتجاء إليه أذن لك فتكون أنت بلا أنت , و الله يرحم عبده و يكرم ضيفه و يعطي سائله و يبر المعرض عنه فكيف المقبل إليه .

13- افتتاح الصلوات


فإذا استقبلت بوجهك القبلة استقبل بقلبك الحق ,ولا تنبسط فلست من أهل الانبساط ,و اذكر وقوفك بين يديه يوم العرض الأكبر, و قف على قدمي الخوف و الرجاء و ارفع قلبك عن النظر على الدنيا و الخلق و أرسل همتك إليه فإنه لا يرد الآبق ولا يخيب السائل .

فإذا قلت ( الله و أكبر ) فاعلم أنه لا يحتاج إلى خدمتك له و ذكرك أياه ؛ لأن الحاجة من حيلة الفقراء و ذلك سمة الخلق , و الغني من صفات ذاته و إنما وظف على عبيده وظائف ليقربهم بها إلى عفوه و رحمته و يبعدهم بها من سخطه و عقوبته , قال الله عز وجل : { و ألزمهم كلمة التقوى و كانوا أحق بها و أهلها } و قال عز من قائل : { و لكن الله حبب إليكم الإيمان و زينه في قلوبكم }
و اشكر الله إذ جعلك أهلا للوقوف بين يديه فإنه { أهل التقوى و أهل المغفرة } أهل أن يتقيه خلقه فيغفر لمن اتقاه .

14- القراءة


قال الله تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم , إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا و على ربهم يتوكلون , إنما سلطانه على الذين يتولانه } , { أنه من تولاه فأنه يضله } و أذكر عهد الله عليك و ميثاقه في وحيه و تنزيله , و انظر كيف تقرأ كلامه و كتابه فرتل و تدبر وقف عند وعده و وعيده و أمثاله و مواعظه و أمره و نهيه و محكمه و متشابهة , و أني لأخشى أن تكون إقامتك حدوده غفلة من تضيعك حدوده . قال الله تعالى عز وجل : { فبأي حديث بعده يؤمنون } .

15- الركوع


و اركع ركوع خاشع لله بقلبه خاضع بجوارحه , و استوف ركوعك , و انحط عن همتك في القيام بأمره فإنك لا تقدر على أداء فرضه إلا بعونه , ولا تبلغ دار رضوانه إلا برحمته , ولا تستطيع الامتناع من معصيته إلا بعصمته , ولا تنجو من عذابه إلا بعفوه . قال رسول الله ( صلي الله عليه و سلم ) : " لن يدخل الجنة أحد بعمله , قالوا : ولا أنت يا رسول الله , قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته " .

16- السجود


و اسجد لله سجود عبد متواضع علم أنه خلق من تراب يطؤه جميع الخلق و أنه ركب من نطفة يستقذرها كل أحد , فإذا فكر في أصله و تأمل تركيب جوهره من ماء و طين ازداد لله تواضعا , و يقول في نفسه : ويحك لم رفعت رأسك من سجودك لِمَ لَم تمت بين يديه و قد جعل الله السجود سبب القرب إليه فقال تعالى : { و اسجد و اقترب } , فمن اقترب منه بعد من كل شيء سواه , و احفظ صفة سجودك في هذه الآية : { منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى } . و استغن بالله عن غيره فإنه روى عن النبي ( صلي الله عليه و سلم ) أنه قال : " قال الله تبارك و تعالى : لا أطلع على القلب عبد فأعلم منه حب العمل بطاعتي إلا توليت تقويمه و سياسته " .

17- التشهد


و التشهد ثناء و شكر له و تعرض لمزيد فضله و دوام كرامته , فاخرج عن دعواك و كن له عبدا بفعلك , كما أنت عبدا له بقولك , { و ربك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة } فاستعمل العبودية في الرضا بحكمته , و استعمل العبادة في النزول تحت أمره , و صل على حبيبه عقب الثناء عليه فإنه وصل محبته بمحبته , و طاعته بطاعته , و متابعته بمتابعته , فقال تعالى :
{ فاتبعوني يحببكم الله } , و قال تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } , و قال تعالى : { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله }
و أمر رسوله بالاستغفار لك فقال تعالى : { فاعلم انه لا إله إلا الله و استغفر لذنبك و للمؤمنين و المؤمنات } و أمرك بالصلاة عليه فقال تعالى : { إن الله و ملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليماً } , و قال رسول الله ( صلى الله عليه و و سلم ) : " من صلى على واحدة صلى الله بها عشرا " , و عامله بالفضل , فقال الله تعالى : { و رفعنا لك ذكرك } , ثم أمره بمعاملته بالعدل فقال لغيره { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } , و قال له { فإذا فرغت فانصب و على ربك فارغب } .

18- السلام


السلام اسم من أسماء الله تعالى الحسنى أودعه خلقه ليستعملوا معناه في معاملته و معاشرة خلقه , فإذا أردت السلامة فليسلم منك صديقك و ارحم من لا يرحم نفسه , فإن الخلق بين فتن و محن , إما مبتلى بالنعمة ليظهر شكره , و إما مبتلى بالشدة ليظهر صبره , قال الله تعالى : { فإما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه و نعمه فيقول ربي أكرمن , و أما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا } فالكرامة في طاعته , و الهوان في معصيته و من ركب الهوى أهانه الله .

19- الدعاء


و احفظ آداب الدعاء , و انظر من تدعو و كيف تدعو و لماذا تدعو و لماذا تسأل , و الدعاء استجابة الكل منك للحق و إن لم تأت بشرط الدعاء فلا تشترط الإجابة. قال مالك بن دينار : أنتم تستبطئون المطر و أنا أستبطئ الحجر و لو يأمر الله سبحانه بالدعاء لوجب علينا أن ندعوه و لو لم يشترط لنا الإجابة لكنا إذا أخلصنا له الدعاء تفضل بالإجابة . فكيف و قد ضمن ذلك لمن أتى بشرط الدعاء قال الله تعالى { قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم } , و قوله تعالى { أدعوني أستجيب لكم } .
و سئل أبو يزيد البسطامى عن اسم الله الأعظم فقال : ( فرغ قلبك من غيره و ادعه بأي أسمائه شئت ) .
و قال يحي بن معاذ : ( اطلب صاحب الاسم ) .
و قال رسول الله ( صلي الله عليه ) : " لا يستجيب الله الدعاء من قلب لاه فإذا أخلصت فأبشر بإحدى ثلاث :
إما أن يعجل لك ما سألت , و إما أن يدخر لك ما هو أعظم منه , و إما أن يصرف عنك من البلاء ما لو صبه عليك لهلكت , و ادع دعاء مستجير لا دعاء مشير " .
و روى عن رسول الله ( صلي الله عليه و سلم ) أنه قال : " قال الله تبارك و تعالى من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " .
و قال أبو الحسين الوراق : دعوت الله مرة فاستجاب دعائي , فنسيت الحاجة . فاحفظ حق الله عز وجل عليك في الدعاء ولا تشتغل بحظك فإنه أعلم بمصلحتك .

20- الصوم


فإذا صمت فأنوي بصومك كف النفس عن الشهوات , فإن الصوم فناء مراد النفس , و فيه صفاء القلب و ضمارة الجوارح و التنبيه على الإحسان إلى الفقراء و الالتجاء إلى الله و الشكر على ما تفضل به من النعم و تخفيف الحساب , و منة الله في توفيقك للصوم أعظم من أن تقوم بشكرها , و من صومك أن لا تطلب منه عوضا .

21- الزكاة


و عن كل جزء من أجزائك زكاة واجبة لله :
فزكاة القلب : التفكر في عظمته و حكمته و قدرته و حجته و نعمته و رحمته .
و زكاة العين : النظر بالعبرة و الغض عن الشهوة .
و زكاة الأذن : الاستماع إلى ما فيه نجاتك .
و زكاة اللسان : النطق بما يقربك إليه .
و زكاة اليد : القبض عن الشر و البسط إلى الخير .
و زكاة القدم : السعي إلى ما فيه صلاح قلبك و سلمة دينك .

22- الحج


و المريد إذا حج يعقد النية خوف الرد , و استعد استعداد من لا يرجو الإياب , و أحسن الصحبة , و تجرد عند الإحرام عن نفسه ,
و اغتسل من ذنبه و لبس ثوب الصدق و الوفاء , و لبي موافقة للحق في إجابة دعواته , و أحرم في الحرم من كل شيء يبعده عن الله تعالى , و طاف بقلبه حول كرسي كرامته , و صفى ظاهره و باطنه عند الوقوف على الصفا , و هرول هربا من هواه و لم يتمن على الله ما لا يحل له , و اعترف بالخطأ بعرفة , و تقرب إلى الله بمزدلفة , و رمى الشهوات عند رمى الجمرات , و ذبح هواه و حلق الذنوب , و زار البيت معظماً صاحبه , و استلم الحجر رضاء بقضائه , و ودع ما دون الله في طواف الوداع .

23- السلامة


و اطلب السلامة فليت من طلبها وجدها , فكيف لمن تعرض للبلاء , و السلامة قد عزت في هذا الزمان و هي في الخمول , فإن لم تكن في الخمول فالعزلة و ليست الخمول , فإن لم تكن عزلة فالصمت و ليس كالعزلة , فإن لم تكن في صمت فالكلام بما ينفع ولا يضر و ليس كالصمت , و إن أردت السلامة فلا تنازع الأضداد ولا تنافس الأشكال , كل من قال : أنا , فقل أنت , و كل من قال لي , فقل لك , و السلامة في زوال العرف , و زوال العرف في فقد الإرادة , و فقد الإرادة في ترك دعوى العلم فيما استأثر الله به من تدبير أمرك , قال الله تعالى : { أليس الله بكاف عبده } , و قال الله تعالى : { الأمر من السماء إلى الأرض } .

24- العزلة


صاحب العزلة يحتاج إلى عشرة أشياء :


علم الحق ..

و الباطل ..

و الزهد ..

اختيار الشدة ..

و اغتنام الخلوة ..

و السلامة ..

و النظر في العواقب ...

و أن يرى غيره أفضل منه ..

و يعزل عن الناس شره ...

ولا يفتر عن العمل ..

فإن الفراغ بلاء ولا يعجب بما هو فيه و يخلو بيته من الفضول , و الفضول ما فضل عن يومك لأهل الإرادة و ما فضل عن وقتك لأهل المعرفة و يقطع ما يقطعه عن الله تعالى .
قال رسول الله ( صلي الله عليه و سلم ) لحذيفة بن اليمان : " كن حلس بيتك " ( الحلس : بساط يبسط في البيت , و هو كناية عن وجوب لزوم الإنسان بيته إلا للضرورة ) .
و قال عيسى بن مريم ( عليه السلام ) : " أملك لسانك و ليسعك بيتك و أنزل نفسك منزلة السبع الضاري و النار المحرقة , و قد كان الناس ورقاً بلا شوك فصاروا شوكا بلا ورق , و كانوا أدواء يستشفي بهم فصاروا داء لا دواء له ".
قيل لداود الطائي : مالك لا تخالط الناس ؟ فقال : كيف أخالط من يتبع عيوبي , كبير لا يعرف الخلق , و صغير لا يوقر , من استأنس بالله استوحش من غيره .
و قال الفضيل : إن استطعت أن تكون في موضع لا تعرف ولا تعرف فافعل .
و قال سليمان : همي من الدنيا أن ألبس عباءة و أكون بقرية ليس فيها أحد يعرفني ولا غذاء لي ولا عشاء .

25- العبادة


أقبل على أداء الفرائض فإن سلم لك فرضك فأنت أنت , و اطلب بالنوافل حفظ الفرائض , و كلما ازددت عبادة فازدد شكراً و خوفا .
قال يحيي بن معاذ : عجبت لطالب فضيلة تارك فريضة . و من كان عليه دين فأهدى إلى صاحب الدين مثل حقه كان مطالباً بالحق إذا حل الأجل .
و قال أبو بكر الوراق : ابذل في هذا الزمان أربعة على أربعة :
الفضائل على الفرائض , و الظاهر على الباطن , و الخلق على النفس , و الكلام على الفعل .


26- التفكر


تفكر في قوله عز وجل { هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكوراً } , و أذكر كيف أحوالك و اعتبر بما مضى من الدنيا على ما تراه , هل أبقت على أحد , و ما بقى منها أشبه بما مضى من الماء بالماء , و قد قال رسول الله ( صلي الله عليه و سلم ) : " لم يبق من الدنيا إلا بلاء و فتنة " , و قيل لنوح ( عليه السلام ) : كيف وجد الدنيا يا أطول الأنبياء عمراً ؟ قال :
كبيت له بابان , دخلت من أحدهما و خرجت من الآخر . و الفكرة أبو كل خير و هي مرآة تريك الحسنات و السيئات .



</I>