لما تدخل السياسة من باب المدرسة.. تخرج التربية من النافذة
04-02-2010, 12:06 PM

لما تدخل السياسة من باب المدرسة.. تخرج التربية من النافذة
بعد شهرين من إقرار تغيير أيام الراحة الأسبوعية لم تتوصل الأسرة التربوية مجتمعة، من وزارة وأساتذة ومعلمين ونقابات إلى طريقة ترضي الجميع حول كيفية تعويض 4 ساعات عمل كانت تدرس يوم الخميس سابقا، وهو وضع يعكس لوحده كيف أن البلد برمته غارق إلى ''شوشتو'' في كأس ماء.
ما يجري في قطاع التربية ليس فعلا منعزلا أو خاصية بهذا القطاع دون غيره، بل هو مرآة عاكسة لحال البلاد التي دخلت في مرحلة من العشوائية لم يحدث لها مثيل من قبل. وعندما يكون قطاع التربية بمثل هذا الاعوجاج، وهو المكلف بتربية وتكوين أجيال وكوادر المستقبل، فلا غرابة أن يصبح الاعوجاج ظاهرة عامة تمس كل القطاعات الأخرى، لأنه لا يعقل أن تكون الأغصان مستقيمة وجذع الشجرة الأساسي مائل.
وإذا كنا قد اخترنا وضع قطاع التربية كمؤشر فذلك لأنه مثلما يقال ''عندما يسير قطاع البناء كل شيء يسير معه''، فإن قطاع التربية لما يصاب بالمرض يتداعى له سائر جسم الدولة بالسهر والحمى، وهي للأسف الحالة التي يمر بها منذ سنوات وتزداد علته من عام لآخر لدرجة أنه دخل في ''فتنة'' بسبب العطلة الجديدة وأخرى بفعل قضية ''المآزر'' وثالثة جراء توزيع البرامج ورابعة على علاقة بالكتاب وما إلى ذلك من حقول الألغام المغروسة في هذا القطاع والتي بدأت تنفجر الواحدة تلوى الأخرى وبالشكل الذي أفقد الدارسين التركيز وضيّع عليهم الهدوء المطلوب.
لقد ''تسيّس'' قطاع التربية إلى حد الجرعة الزائدة ''أوفر دوز''، وهو أمر لا يبشر بخير وينذر بالخطر، لأنه ببساطة لما تدخل السياسة من باب المدرسة تخرج التربية من النافذة، وهو ما نلاحظه على نوعية النقاش الجاري هذه الأيام بين الوزارة وبين النقابات الممثلة للقطاع والتي يمكن تصنيفها في أي خانة سوى أنها تضع مصالح التلاميذ فوق كل الاعتبارات. نقول هذا بعدما تم إقحام التلاميذ الأبرياء كطرف في ''التخلاط'' بدفعهم للاحتجاج والتوقف عن الدراسة في توقيت واحد، بالرغم من أن الكل يعلم أن هذه الفئة لا تملك نقابة تعطيهم ''الأوامر والتوجيهات''. فمن الذي حرك الأمور وأعطى إذن الإيعاز ومرر دعوة الاحتجاج لآذان وأسماع الآلاف من تلاميذ المدارس والثانويات في أكثر من ولاية واحدة؟
لا أحد يخفى عليه أن هناك صراعا بين ''الكبار'' داخل منظومة الحكم ومن بين الشظايا المتطايرة من ذلك الصراع، ما يجري من كر وفر بين وزير التربية وبين النقابات، وهو أمر وإن كان منتظرا ومقبولا، لكن غير المقبول فيه هو محاولة أكل الشوك بفم التلاميذ الأبرياء، من خلال محاولات استخدامهم في حلبة الصراع لترجيح موازين القوى بين المتخاصمين داخل نظام الحكم، وكأن الفضائح التي تم نشر غسيلها لبعض القطاعات الوزارية في الآونة الأخيرة لم تكن كافية في حسم المباراة.
لقد تحول قطاع التربية بامتياز إلى أكبر حلبة للاحتجاج والنزاع والغضب واللااستقرار، وهو وضع غير معهود، بحيث كانت الاحتجاجات إلى وقت قريب محصورة في القطاع الاقتصادي دون غيره، وأرقام مفتشيات العمل تدل على ذلك، لكن أن يتصدر قطاع التربية رأس القائمة مقارنة بكل القطاعات الأخرى، فهو ما يدعو جمعيات أولياء التلاميذ إلى طرح ألف سؤال وسؤال عن المستفيد من وراء تعفين الأوضاع داخل المدرسة العمومية ''المنكوبة''؟ بغض النظر عن حقيقة المشاكل المطروحة في قطاع التربية وكذا شرعية المطالب المطروحة من النقابات على ''شعبويتها''، فإن هناك محاولات تجرى بالتوازي تعمل على ''تنفير'' التلاميذ من المدرسة العمومية التي أصبحت تشتغل يوما وتتوقف أسبوعا للاحتجاج، وهو عدم استقرار يدفع إلى البحث عن مكان آخر ينعم بالاستقرار ولن يكون ذلك خارج المدرسة الخاصة التي قوي عظمها وزاد حجمها وعدد زبائنها، وطبعا ليس من الفئات العليا التي تدرس أبناءها كما هو معروف في الخارج، وإنما من الفئات المتوسطة وحتى البسيطة بالنظر إلى تراجع المردودية في المدارس الحكومية.
وعندما تبادر الحكومة بخلق ما يسمى بالمدارس الجامعية العليا الجديدة، وتشديد شروط الالتحاق بها، في انتظار طبعا فتح الجامعة الفرنسية والأمريكية والإنجليزية مستقبلا، وفي المقابل تسكت عن حالة التعفين التي تزداد من يوم لآخر في المدارس الابتدائية والثانويات، فهو مقدمة لبداية الفرز الجديد بين الجزائريين الذين يتعلمون في المدرسة ''الأولى'' وأولئك الذين يدرسون في المدرسة الثانية والثالثة.
وما يسارع في تجسيد هذا التهميش المبرمج للمدرسة العمومية، أن الأسرة التربوية لا تعي حجم الأخطار المحيطة بها، فالأستاذ المغلوب على أمره لم يعد يهمه من القضية كلها سوى كيفية تحسين أجرته، ومدير المدرسة لا يبحث سوى في كيفية البقاء في منصبه إلى غاية تقاعده، ونفس الشيء بالنسبة للعمال والموظفين الذين يلهثون وراء موعد تسديد الرواتب، في حين لا أحد يطرح السؤال ماهي المدرسة التي نريدها للجزائريين في عصر الأنترنت والبث الفضائي للدروس؟ ¯
كلما اتذكر ان الطائرات التي تقصف السوريين سورية وقادتها سوريون بؤوامر سورية كرهت عروبتي واكاد انسلخ عن كل ما هو عربي









