رد: ممكن المسااااااااااااااعدة
28-02-2010, 11:12 AM
ارتبط تاريخ الهجرة الجزائرية إلى الخارج بتلك الأيام والسنين التي عرفت أقسى وأبشع سياسات الاستعمار الفرنسي وجرائمه الوحشية , كانت هجرة جماعية وكثيفة تداعى إليها الجزائريون من كل المدن والأرياف حتى أن قبائل بأسرها توجهت مهاجرة شطر المشرق المسلم هرباً بدينهم, بعد أن أصبحت الجزائر تحت سيطرة المستعمر الذي شن حملات عسكرية أخذت شكل حرب إبادة جماعية شملت مناطق البلاد كلها, ذلك أن عمليات الإبادة الجماعية والتشريد وسياسة الأرض المحروقة التي قامت بها فرنسا, وعمليات التجويع لأحرار الجزائر الرافضين للاحتلال, كل هذه العمليات تسببت في عدة أنواع من الهجرات خارج الوطن.
وقد امتاز عهد (بوجو) بتهجير من نوع آخر لأعيان الجزائر وهوالنفي والطرد خارج البلاد, فقد حكم على كل مقاوم وكل زعيم سياسي أو اداري من الجزائريين لم يتعاون صراحة مع العدو, حكم عليه بالنفي ومغادرة وطنه وعائلته ثم نقله قسرا إلى سجون نائية في جزر بعيدة مثل كاليدونيا الجديدة وكايان والمارتنيك وغيرها بالاضافة إلى سجون فرنسا نفسها مثل سجن (الهام), هؤلاء الجزائريون لم يخيروا في منفاهم ولكنهم اجبروا على الهجرة وعلى الاقامة بعيدا عن ارض الشرق والإسلام والعروبة من جهة أخرى. والتهجير الاجباري تنفيذا لسياسة النفي, طال رجال المقاومة والانتفاضات واتباعهم وأنصارهم كأنصار المجاهد (الموقراني) الذين هجروا وتم نفيهم الى بلاد الشام وأقاموا في شمال فلسطين ب¯ 14 قرية مثل (معذر- هوشة- ديشوم- كفر سبت- عولم- شعاره- العموقة) وهجروا ثانية أثناء نكبة ,1948 وبذلك ذاقوا مرارة الهجرة مرتين من وطنهم الجزائر, ومن وطنهم الثاني فلسطين التي تسرب إليها الغرباء بأساطيرهم التوراتية وسرقوها في وضح النهار وهجروا ورحلوا في سفر طويل امتد من جزائرهم الحبيبة التي بقيت تسكن أرواحهم إلى فلسطين السليبة التي بقيت تسكن ضميرهم ووجدانهم, وشكلت جزءا هاما من نضالاتهم ومعاناتهم, ليستقروا في سورية التي ما زالت تقاوم وتقاوم, دمشق المدينة التي ولد وترعرع أبناؤهم بها وتعلموا ويتعلمون بها كل يوم درسا من دروس العزة والثبات.
إن الهجرات الجزائرية منذ 1830 إلى غاية 1954 وإن تعددت أسبابها ونياتها, إلا أنها كانت هجرة قسرية لمواطنين وطنيين حافظوا على هويتهم وحضارتهم وعقيدتهم, وشخصيتهم كجزائريين أوفياء لقيم أجدادهم, لذلك كانوا منذ اللحظات الأولى مع الحركة الوطنية في نضالها من أجل الحرية والاستقلال, وكلنا يذكر مكانة حركتي نجم افريقيا وحزب الشعب الجزائري في أوساط جاليتنا هذه, وفيما بعد جبهة التحرير الوطني التي يرجع إليها الفضل في تعبئة وتجنيد مهاجرينا إلى جانب ثورتهم من أجل الحرية والاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية.
إن 17تشرين الأول هو اليوم الذي عبرت فيه الجالية الجزائرية في باريس بصفة خاصة عن احتجاجها ضد سياسة الضغط والقمع, ورفضها الكامل لقرار( السلطات البوليسية )بمنعها من الخروج من منازلها من الساعة الثامنة مساء حتى الخامسة صباحا, حتى لا يتمكنوا من الاتصال ببعضهم والتعبير عن دعمهم ومساندتهم انتفاضتهم وثورتهم في الجزائر, فخرجوا في مظاهرات سلمية حاشدة تحديا للقرار الجائر واجتاحوا شوارع باريس رافعين لافتات كتبت عليها شعارات ترفض القرار وتعبر عن تلاحم الجالية مع الوطن.
في مثل هذا اليوم سقط مئات الشهداء من الجزائريين برصاص( البوليس) والقناصة وألقيت الجثث في نهر (السين) وألقي القبض على آلاف المناضلين واستنطقوا, وعذبوا, وسجنوا, وشردوا, وطردوا من أماكن عملهم ظلما وعدوانا.
قررت جبهة التحرير الوطني في مواجهة تصعيد فرنسا من وسائل القمع والإجرام, نقل الثورة والعمل الفدائي إلى داخل التراب الفرنسي نفسه, وقد استجابت الجالية الجزائرية منذ اللحظات الأولى لهذا القرار المنتظر ونظمت نفسها في مجموعات عمل نشيطة, تقوم بتأطير وتجنيد المهاجرين للوقوف الى جانب وطنهم وتدعيم ثورتهم.
إن السابع عشر من تشرين أول اصبح يوما جزائريا للتمرد على الهجرة القسرية والاقتلاع اللذين مارسهما الاستعمار بحروبه وجرائمه على امتداد التاريخ الجزائري الطويل من المواجهة والدفاع عن هوية وانتماء الوطن, فلعل ارادة الانتماء الى الوطن المتواصل مع كل الجسد العربي تصبح أعمق وأبهى, وتلك هي الجالية الجزائرية هنا تؤكد ذلك كل يوم متواصلة مع الماضي والحاضر في موقف ليس غريبا عنها في المشاركة والتلاحم مع شعبها وهمومه وآماله في وطنها الجزائر, حيث دعمت مسعى الوئام المدني, المسعى النبيل الذي طرحه الرئيس عبد العزيز بو تفليقة وبهدف انجاز المصالحة الوطنية من اجل جزائر المستقبل.
ويوم 29 أيلول 2005 هبت الجالية الجزائرية هنا لتصدق على مشروع ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بنعم للمصالحة.. نعم للأمن والسلم قالها الشعب الجزائري كله في استفتاء تاريخي في الداخل والخارج, فالشعب الذي تكبد نتائج الفتنة الكبرى التي مني بها أراد أن يتسامى فوق هذه المأساة التي أصابته.
فالشعب الجزائري شعب واحد سينتصر على الارهاب الذي استهدفه, وبدد ثروات البلاد البشرية والمادية, وأساء لسمعتها في الساحة الدولية, فالارهاب هذا قد باء بالخزي والفشل على يد الشعب الجزائري الذي صمم على تجاوز الفتنة وعواقبها الوخيمة والعودة الى سابق عهده بالسلم والأمن.
يوم 29 أيلول 2005 العظيم انتصار آخر في تاريخ الجزائر, سيبقى مختزنا أسرار عظمة أرض الجزائر وشعبها وقدرتها على الاستمرار بالحياة رغم كل المصاعب والعقبات ورياح التآمر التي استهدفت ضرب الجزائر وتمزيق وحدة أرضها وشعبها وصرفها عن دورها القومي.
وفي يوم الهجرة أيضا, أو يوم الانتماء تستعيد الجالية الجزائرية في سورية شريطا طويلا من مواقف بلد عظيم لم يشعروا فيه يوما بأنهم اغراب أو مهاجرون أو لاجئون, وانما كانت سورية وما زالت حضنا دافئا وقلبا عربيا كبيرا, وقد كان ذلك مجسدا بكل بهائه تحت قيادة عظيم الأمة الخالد حافظ الأسد, واليوم يتواصل هذا التجسيد ما بين الجزائر ودمشق في مواقف واضحة وصلبة بقيادة الرئيسين بشار الأسد وعبد العزيز بوتفليقة, تجاه التحديات الصعبة التي تواجهها أمتنا وتستهدف تذويب هويتها القومية وإلغاء دورها التاريخي الحضاري ومصادرة مستقبلها عبر مشاريع الاحتواء والالغاء والتفتيت والاضعاف والتهميش.
أمينة الاتحاد الجزائري للنساء فرع سورية