تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > منتدى المرأة والأسرة > منتدى هُـــم و هنّ

> تابع للأسئلة المطروحة للدورة التأهيلية للمقبلين على الزواج

 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
دمعة حزينة
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 01-10-2009
  • الدولة : بلدي الغالي الجزائر
  • العمر : 36
  • المشاركات : 567
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • دمعة حزينة is on a distinguished road
دمعة حزينة
عضو متميز
تابع للأسئلة المطروحة للدورة التأهيلية للمقبلين على الزواج
24-05-2010, 10:42 PM
السؤال الثامن
[B]الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
السّؤال الأوّل: كيف تتعامل الزّوجة مع زوجٍ مختلف عنها في الثّقافة والبيئة ؟
الجواب:
فللإجابة عن هذا السّؤال فلا بدّ من توضيح أمرين مهمّين:
النّقطة الأولى: تحديد معنى الثّقافة.
فثقافة المرء إمّا أن تكون ثقافةً خاضعَةً للشّريعة، أو لا تكون، لأنّ الثّقافة هي العلم المكتسَب، فإن كان واجبا أو مستحبّا وجب أو استُحبّ تحصيله، وإن كان مباحاً كالتوسّع في معرفة علم التّاريخ والاجتماع ونحوهما، فهو مباح، وإن كان محرّما كتعلّم الفلسفة وعلم الكلام وما يسمّونه بالفنون – كالرّسم والموسيقى ونحوهما- فهو محرّم.
إذا كانت الثّقافة بهذا المفهوم، فإنّه يدخل ذلك تحت قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ ))، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ )) فكلّ من الرّجل والمرأة ينبغي له أن ينتقِي من أوّل يوم مَنْ ثقافتُه تلك لا تتصادم مع الشّريعة الإسلاميّة.
ويوم فصلوا ( المؤسّسات الثّقافية ) عن الدّيــن، خرجوا علينا بالويلات والمنكرات، حتّى إذا أُنكِر عليهم، قَالوا: إنّـها فـن ثقـافـة !! وهي ليست إلاّ عفـن وسخـافـة.
أمّا إن قصدوا بالثّقافة ما يكتسبه المرء من عادات وتقاليد بحكم بيئته، فكيف تتعامل المرأة مع زوجها وكذا الرّجل مع زوجته إن كان يختلفان في الحالة الاجتماعيّة أو في العادات والتّقاليد ؟
فهذا يتّضح من النّقطة الثّانية إن شاء الله.
النّقطة الثّانية: الكفاءة إن لم تكن واجبةً فهي مستحبّة بشدّة.
ومعنى الكفاءة أن يُكافِئ ويُماثِل أحد الزّوجين الآخر في النّسب، والحالة الاجتماعيّة من الفقر والغنى، والمستوى العلميّ، ونحو ذلك ممّا هو معتبر في كثير من الأعراف.
أمّا الحسب: فكان النّاس - ولا يزالون على ذلك في كثير من الأوساط - لا يزوّجون النّسيبة إلاّ من مثيلها، والنّسيب إلا من مثيلته، حتّى ذهب جمهور أهل الفقهاء إلى اعتبار الكفاءة بالحسب، بل ذهب كثير من الشّافعيّة إلى فسخ نكاح المولى إذا تزوّج عربيّة.
وخالف في ذلك الإمام مالك ورأى أنّ الكفاءة في الحسب لا تُعتبر كما في " الشّرح الصّغير "(2/399) و" بداية المجتهد " (2/16)، وهي رواية عن الإمام أحمد.
وهو الصّواب فإنّ الله أبطل هذا الأمر بقوله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: من الآية13]، وبقوله صلّى الله عليه وسلّم-فيما رواه مسلم أَنَّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ )).
بل إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم-وهو أعلى النّاس نسبا وأعظمهم حسبا-تزوّج صفيّة بنت حُييّ وهي يهوديّة، وزوّج زيدا-وهو مولاه- زينب بنت جحش الأسديّة، ثمّ تزوّجها وهو قرشيّ، وأمر فاطمة بنت قيس القرشيّة أن تنكح أسامة مولاه، وغير ذلك من الأحاديث والآثار.
ولكن يبقى الأمر مستحبّا، وذلك إذا جرى العرف على احتقار بعض الأنساب، وذلك للنّفرة الّتي تقع بين أهل الزّوجة والزّوج، بل وبين الزّوجين مع الأيّام.
أمّا الحالة الاجتماعيّة: فيُستحبّ أن يتزوّج الرّجل امرأة من طبقته، لأنّ ذلك أدْعَى إلى التّفاهم، بخلاف ما لو تزوّج غنيّةً، فإنّها تكون قد اعتادت على نمطٍ معيّن من المعيشة، إذ عاشت مخدومةً لا خادمة، فمع الأيّام تحدُث نفرة كبيرة بينهما بسبب تلك النّقلة غير المألوفة.
بل كلّ من جالسته من فقهاء الشّام كانوا ينصحون بأكثر من ذلك، وهو أن يتزوّج الرّجل امرأةً من بلده، تعرف طباعه وعاداته، وذكروا أنّه من النّادر أن ينجح زواج بين المختلفين بلدا.
أمّا المستوى الثّقافي: فمن المستحبّ أيضا – استحبابا مؤكّدا – أن يتزوّج المتعلّم من متعلّمة مثلِه، وكذا المرأة المتعلّمة تتزوّج من رجل مثلها، وقد تغتفر المفارقة الكبيرة إن كان الرّجل أكثر علما وثقافة من المرأة.
ذلك لأنّ المتعلّم يكون ذو نفسٍ طموحة جدّا، يريد أن تكون زوجته مثله، يفخر بها بين أهله .. يرغب في أن تكون هي السّاعدَ والمساعدَ الأكبر في تعليم الأولاد وتثقيفهم، فإن لم يجد بُغيَته فركها، ونفرت نفسه منها.
وكذا الأمر بالنسبة للمرأة، فإنّها تودّ لو يكون جلّ حديثها إلى زوجها دائرا في محادثات علميّة ثقافيّة .. يساعدها في تعليم أولادها .. تفخَر به بين أهلها وأقربائها ..
وأغلب الأزواج الّذين أعرفهم دون نسائهم في المستوى الثّقافي، إذا تشاجروا، وجدت أنّ الزّوج يشعر بعقدة نقص تُجاه زوجته، ويسوّل له الشّيطان أنّها ترى نفسها أحسن منه ... الخ من وحي الشّيطان الّذي همّه الأوحد هو أن يفرّق بين الزوجين.
ونحن نعلم – بحكم ما درسناه وتعلّمناه – أنّه لا ينبغي أن يكون شيء من ذلك كلّه .. ولكنّه الواقع، وليس له من دافع.
ويأتي الآن الجواب عن سؤالك – وكان لا بدّ من إيضاح تيكما النّقطتين -:
فإنّ المرأة، إن اختلفت عن زوجها في أحد هذه الأمور الّتي تفرضها البيئة، أو المسيرة العلميّة لأحدهما، فإنّه ينبغي لها أن تتنازل وتتواضع، فتُظهِر له دوما أنّه أجلّ منها، وأنّه معلّمها، وأنّها تحمد الله تعالى على أن جمع بينهما، فـ(( مَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ ))، وما دامت ولا استمرّت عِشْرَةٌ بين اثنين أبدا إلاّ بتنازل أحدهما عن حقّه.
أمّا أن تؤذيه بأن ترميَه بالجهل، أو الانحطاط في الرّتبة، أو تُعيّرَه بحسبه أو جهته، فربَّ كلمة أجّجت نارا لا تخمد، وحربا لا تُوأَد .. فإنّ الكلام الجارح يزيل المودّة والمحبّة، وصدق من قال:
خـذي العفو منّي تستديمي مودّتي
ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
فإنّي رأيت الحبّ في القلب والأذى
إذا اجتمعا لم يلبث الحبّ يذهـب

أمّا الاختلاف في العادات والتّقاليد بحكم الاختلاف الجهويّ: فهذا لا يضرّ، ومن المُشَاهَد على أرض الواقع أنّ المرأة تتنازل عن عاداتها من أجل إرضاء زوجها، وتنشئة الأولاد على ذلك، حتّى لا يحدُث لديهم تعارض واصطدام في التّوجيه.


السؤال التاسع
أمّا السّؤال الثّاني: كيف يمدح أحد الزّوجين الآخر ؟
الجواب: الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فلم أفهم السّؤال جيّدا ، وما المقصود بالمدح ؟ وأين الإشكال حتّى نبحث عن كيفيّة مدح الزّوجين أحدهما للآخر ؟
ذلك لأنّ مدح الزّوجين للآخر أمر فِطريّ، ورغّب الشّرع فيه حتّى تدوم المودّة، وتزداد المحبّة، وكما قيل: ( لكَ العين ولها الأذن ).
فالمرأة ينبغي لها أن تسرّ ناظري الزّوج باهتمامها بنفسها وهندامها، وترتيب بيتها، وتحسين طبخها، لأنّ الزّوج يؤثّر فيه كثيرا ما يراه البصر.
وفي المقابل، ينبغي له أن يُكثِر من مدحها وشكرها، ويُطربها بالثّناء عليها وعلى حسن قيامها بشؤونه وشؤون بيته وأولاده، فإنّ المرأة لا تُسرّ بشيء كما تُسرّ بكلمة الثّناء.
أمّا كيف ؟ فالأمر راجع لفطنة كلّ منهما، واختيار الألفاظ المؤثّرة في كلّ منهما، ونحن ننصح بلا تكييف ولا تمثيل.
وما لم يُقدّره الشّرع فإنّ مرجعه إلى العرف والعادة.
والله أعلم.


السؤال العاشر
الجواب عن السّؤال الأوّل: هل المهر حق للمرأة أم لأهلها ؟
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
المهر من حقّ المرأة بلا خلاف، وهي الّتي تملكه، لقوله تعالى:{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} [النساء:4].
والصّدُقات جمع صدُقة، وهو من أسماء المهر، مثل الصِّداق-بالكسر والفتح-، مشتقّ من الصّدق، وسمّي بذلك لأنّه توكيد لأحقّية الاستمتاع بالمرأة، كما سمّيت الزّكاة (صدقة) لأنّها دليل على الإيمان: (( وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ )).
ووجه الدّلالة من الآية على أنّ المهر ملكٌ للمرأة من وجوه:
سمّاه ( نِحْلَةً ): والنِّحلة هي العطاء، تقول: نحلت فلانا شيئا أعطيته، فهو هبة وعطيّة من الله تعالى للمرأة.
وقال: ( صدُقاتهنّ ): فأضاف المال إليهنّ.
وقال: ( طِبْن لكم ) أي: أرجعن لكم عن طيب نفس المهرَ أو بعضا منه، ولو لم يكن ملكها لما علّق الأمر برضاها.
وفي المخاطب بهذه الآية قولان:
1- أنّه للأزواج: قاله ابن عبّاس رضي الله عنه، وقتادة، وابن زيد، وابن جريج، أمرهم الله تعالى بأن يتبرّعوا بإعطاء المهور نحلة منهم لأزواجهم.
2-وقيل: الخطاب للأولياء، قاله أبو صالح، وكان الوليّ يأخذ مهر المرأة ولا يعطيها شيئا، فنُهوا عن ذلك، وأمروا أن يدفعوا ذلك إليهنّ.
والصّواب أنّ الخطاب للأزواج.
ويمكن أن يقال: إذا حرُم على الزّوج أن يأخذ المهر وزوجته تحت عصمته وولايته، فمن باب أولى أنّه لا يحلّ لأهلها أخذه وهي قد خرجت عن ولايتهم.
فما شاع في بعض المناطق أنّ الأهل يأخذون مهر البنت، فهو من عمل الجاهليّة، وأكل أموال النّاس بالباطل.
الجواب عن السّؤال الثّاني: وكيف تتصرّف الفتاة وزوجها تجاه أهلها الّذين يريدون أخذ المهر ؟
لا بدّ لمعالجة هذه المشكلة أن يقوم أهل الحلّ والعقد في البلدة بنُصح أهلها، وتذكيرهم بما شرعه الله تعالى في كتابه، ومن قواعد الشّريعة أنّ ( الثّـابـت لا يسـقـط ).
وإن أرادت الفتاة أن تتنازل عن مهرها أو بعضِه، اتّقاء الفتنة واتّقاء القطيعة، فيجوز لها ذلك، لقوله تعالى في الآية السّابق ذكرها: { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً }.
ولكن إن تنازلت عن مهرها، فليس لها أن تعود في ذلك، لأنّ من قواعد الشّريعة أيضا: ( السّـاقـط لا يعـود ).


السؤال الحادي عشر
الجواب عن السّؤال الثّالث: كيف ينسق الزوجان معاً لتربية أبنائهما ؟
تربية الأولاد وتأديبهم من أجلّ القربات، ومن أشرف المهمّات، فالأولاد وصيّة الله، وفطرة الله، وأمانة الله، من أحسن تربيتهم وتعليمهم وتأديبهم انتفع بهم في الدّنيا والبرزخ والآخرة.
ومن أضاعهم، وأساء تربيتهم، كان من الفئة الخاسرة { قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }.
أمّا كيف ينسّق الوالدان معاً للقيام بهذه الرّسالة، فلا بدّ من:
1- توحيد الإمارة:
أنّ الزّوج بمثابة الأمير، والزّوجة بمثابة الوزير، فلا بدّ أن تخضع المركب إلى ربّان واحدٍ، لأنّه إذا تعارض الرأيان، وتصادم القولان، غرقت المركب.
2- تحقيق الاستشارة: وإذا اعتبر الزّوج زوجته وزيرته، فلا بدّ أن يستشيرها، ويحاورها، كما يستشير الأمير وزيره.
وخاصّة أنّ المرأة هي أقرب جليس للطّفل منذ صِغره، فهي خير من يعلم حاله ومقاله، وتغيّره أو استقراره، فلا ينبغي أن يُهمِل الرّجل رأي زوجته.
3- الحذر من الخصومة أمام الأطفال: فإذا أرادا التّخاصُم، فما عليهما إلاّ أن يبتعِدا عن الأطفال، لأنّ التّشاجر أمامهم يُفقِدهم الثّقة في الوالدين. وإذا فقد الولد الثّقة في والديه طلبها بـ( الخـارج !).
4- الموازنة بين الشّدّة والرّفق: فلو كان كلّ من الوالدين شديدا، لجأ الطّفل إلى الكَبتِ، ويتّخذ عالمه السرّي الخاصّ، ولجأ إلى تصحيح الخطأ بخطأ مثله أو أكبر، والتمس الحنان أيضا في ( الخـارج !).
فلا بدّ أن يكون أحدهما - وغالبا يُطلب ذلك من المرأة - بحرا من الرّفق واللّيونة، حتّى إذا ما أخطأ الطّفل سهُل عليه البوْح بسرّه، والاعتراف بخطئه.
5- يجِب أن يظنّ الطّفل ويعلم أنّ والدته تكتُم عليه، وأنّها لا تُخبِر زوجها بكلّ أخطاء الطّفل، وذلك لأمور:
- حتّى يجِد دائما الدّفء والحماية عند والدته.
- وحتّى يزداد بها ثقةً.
- وحتّى لا يرى نفسه سقط من عين والده، ومعلوم أنّ الطّفل يحبّ أن يُشبِه والده، فإذا صحّح خطأه فلا داعِي لإخبار الوالد.

6- يجب على الزّوج أن يكون كما قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه حين سئِل عن العـاقـل ؟ قال: الفَطِـن المتغـافـل.
7- من الأمور المهمّة أن يُربّى الولد من الصّغر على تصحيح خطئه بنفسه، فينبغي أن يجمع هو بنفسه ما كسره، ويُنظّف ما لطّخه، وغير ذلك من الأمور الّتي يقدِر على تصحيحها.
وإن كان الخطأ معنويّا، فمن الوسائل المهمّة في التّربية العقاب بكتابة عهد بألاّ يفعل ذلك مرّة أخرى مائة مرّة أو نحو ذلك، وهي طريقة كانت مجديةً جدّا، فلا ندري ما خبرُها ؟
أمّا أن يلجأ الوالد إلى الضّرب، والصّراخ، ثمّ يُترك الولد دون تصحيح للخطأ، فهذا قد وقع في خطأين، ففاق ولده في عدد الأخطاء.
هذا ما تيسّر لي استحضاره، والله تعالى أعلم وأعزّ وأكرم.


السؤال الثاني عشر
الجواب عن السّؤال الرّابع: كيف يتصرّف الزّوجان في حالة الخلاف والشّقاق ؟
ينبغي أن يستحضرا:
1- أنّ هذا الخلاف طبيعيّ، فالزّوجان شأنهما شأن كلّ مسلمين متصاحبين، وقد سمّى الله الزّوجة صاحبة، فقال: {وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ}، فإنّه بحكم شدّة القرب، والمعاشرة اليوميّة، وما قد يتأثّر به كلاهما أو أحدهما من هموم الدّنيا ومنغّصاتها، قد يحدُث بينهما شِقاق ونزاع. فلا ينبغي أن يهوّل كلّ منهما من ذلك، .
2- التّحاكم إلى كتاب الله وسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لقوله تعالى:{ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ }، ولو تحاكم كلّ مختلفين إلى الحقّ، ورجعا إليه، لزال الخلاف، وساد الائتلاف.
3- الكِتمان: فلا يليق أن يصِل الخلاف والشّقاق إلى أهل الزّوج أو أهل الزّوجة، وذلك لأمرين:
- حتّى لا تتزعزع مكانة أحدهما عند أهل الآخر.
- وحتّى لا يستغلّ من لا يخشَى الله هذا الخلافَ، فيؤجّج ناره، ويزيد أواره.

4- التّطـاوع: حين بَعَث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم معاذَ بنَ جبل وأبا موسَى الأشْعريّ رضي الله عنهما قـال: ( تَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا )، ومعنى التّطاوع: هو أن يقابل كلّ منهما عَرْضَ الآخر واقتراحَه بالقَبول، لا كما هو حال كثير من النّاس، مبنى حياته على المخالفة.
5- كونـي من نساء أهل الجنّة: فقد روى الطّبراني عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عن النّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( أَلَا أُخْبِرِكُمْ بِنِسَائِكُمْ فِي الْجَنَّةِ ؟ )). قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولُ اللَّهِ ! قَالَ: (( كُلُّ وَدُودٍ وَلُودٍ، إِذَا غَضِبَتْ أَوْ أُسِيءَ إِلَيْهَا أَوْ غَضِبَ زَوْجُهَا قَالَتْ: هَذِهِ يَدِي فِي يَدِكَ لاَ أَكْتَحِلُ بِغَمْضٍ حَتَّى تَرْضَى )).
والله أعلم.


السؤال الثالث عشر
الجواب عن السّؤال الخامس: كيف تتصرف المرأة إذا كان زوجها بخيلا، أو عنيدا، أو عنيفاً ؟
إنّ كثيرا من الطّباع من الصّعب – وليس من المستحيل – التغلّب على النّفس لإزالتها، والبُعد عن زلاّتها، لذلك يُعدّ من عظيم الجهاد، صبر المرأة على زوج له مثل هذه الطّباع.
وعليها بما يلي:
1- الدّعـاء: وليس ثمّة أذهب لسوء الطّباع من الدّعاء، ذلك لأنّه:{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:178].
وفي مسند الإمام أحمد عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضِيَ الله عنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْهَرَمِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا )). قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَاهُنَّ وَنَحْنُ نُعَلِّمُكُمُوهُنَّ.
ومن طِباع النّساء مثلا شـدّة الغـيـرة، فيوم خطَبَ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمّ سلمة رضي الله عنها، قالت: إِنَّ لِي بِنْتًا، وَأَنَا غَيُورٌ ". فَقَالَ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا، وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ ))..
2- الصّبرُ: فـ:(( مَا أُعْطِيَ عَبْدٌ عَطَاءً أَفْضَلَ وَلاَ أَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ )). ولقد بُلِيَت أمّهاتنا – وكُنّ أمّيات لا علم لهنّ بشرعٍ ولا شيء -، وضربْنَ أرْوَع المُثُل في الصّبر. فالمتعلّمة والقارئة لفضل الصّبر والصّابرات ينبغي أن تكون أكثر صبرا.
3- الموقف من البخل إلى جانب ما ذكرناه:
أ‌) أن تسأل الله الّذي لها، وتؤدّي الحقّ الّذي عليها.
ب‌) إن قصّر في الكماليّات فلا سبيل لها عليه، وإن فرّط في الواجبات فتأخذ ما يكفيها هي وبنيها بالمعروف.
4- الموقف من عناد الزّوج وعنفه إلى جانب ما ذكرناه:
أ‌) ألاّ تُجاَدله، فجدال المرأة للرّجل العادي الطّباع، يثير غضبه ويثير لهبه، فكيف بالعنيف والعنيد.
ب‌) إن أرادت مخالفته لرأيه، فلتُخالفه وقت هدوئه وانبساطه إليها، فتطرح عرضها بألطف عبارة وأحسن إشارة.
تنبيه مهمّ جدّا: ( العبِرة بالبداية )..
قد يتعجّب الكثيرون من هذه الكلمة ! كيف تكون العبرة بالبداية، والجميع يعلم أنّ العبرة بالخاتمة ؟!
فأقول لك: لا تعجب، فأنا لا أقصد المصير إلى الله، وخروجه من دنياه على أخراه ..
إنّما أقصد أوّل أيّام الحياة الزّوجيّة ..
فكلّ من حرِص على أن يكون بينه وبين زوجته مجلس علم ومذاكرة، فيجعلا مجلسين أو أكثر في الأسبوع يتذاكران فيه كتابا في التّوحيد، ثمّ في التّزكية، أو سير السّلف الصّالح، أو الفقه، أو شرح أحاديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أو غير ذلك .. من حرِص على ذلك أوّل الأيّام، ولم يـنـقـطـعـا عن ذلك، فإنّهما يسهُل يجنيَان أعظم الثّمرات، وأشهى الطيّبات، من ذلك:
1- القدرة على الحوار – وانعدامه من أجلّ المشكلات لدى كثير من الأزواج -، فبمدارستهما يتعوّدا على الحوار والمناقشة، ويتعوّد الرّجل على قبول مطارحات الزّوجة وأفكارها.
2- التّقدير والاحترام- ما يُسمّى عندنا بـ( القْـدَر )-، فإنّ المرأة عند ذلك تحترم الرّجل لأنّها ترى فيه المعلّم والموجّه، فمهما أخطأ في حقّها ذاب كلّ ذلك في بحر منّته وفضله عليها. وكذلك هو يحترمها لأنّه لا يريد أن يخالف ما يأمرها به ويعلّمها إيّاه.
فمن سار على هذا النّهج من أوّل أيّامه، استطاع أن يأخذ بزمام السّعادة الزّوجيّة المنشودة.
ولكنّ أكثر الأزواج ابتعدْن عن ذلك في الأيّام الأولى فوجدوا صعوبة في فعله، ورأوه أنّه موقف ضعف !! وأنّه لفرط العيوب الّتي رأتها منه المرأة لا يستطيع أن يعلّمها !! وغير ذلك ممّا يوحي به الشّيطان إليه.
ولكن .. تذكّر أيّها الزّوج: ( ما أنزل الله من داء إلاّ وأنزل له الدّواء، إلاّ السّام- وهو الموت- ).


السؤال رابع عشر
[B]السلام عليكم

ما هي أهم وسائل حسن الاختيار؟
كيف تبنى الثقة بين الزوجين ويحافظا عليها؟
ما هي أفضل أوقات الحوار بين الزوجين؟
- كيف يتعامل كل طرف مع الغيرة الزوجية؟



الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فالسّؤال الأوّل أرجو توضيحه، وبيان المقصود من ( الوسائل ) ؟ هل المقصود صفات كلّ من الزّوجين أو شيء آخر ؟
لذلك سأنتقل إلى الإجابة عن الأسئلة الأخرى.
السّؤال الثّاني: كيف تبنى الثقة بين الزوجين ويحافظا عليها ؟
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فإنّ الثّقة في الخطاب الشّرعيّ هي " حسن الظنّ بالآخر "، وهي أعظم دعائم وأركان دوام العِسرة الحسنة بين الزّوجين.
فكيف تُبنى الثّقة ؟ وكيف يُحافَظ علها ؟ فذلك يتمّ بأمور:
1- بمعرفة حكم ثقة كلٍّ منهما في الآخر: لأنّ المسلم يُصلِح البناء ويرأب الصّدع إذا علِم حكم الله في ذلك.
فإذا كان ظاهر كلّ من الزّوجين الخير والصّلاح، فلا بدّ أن يعلم الزّوج، وتعلم الزّوجة أنّ مجرّد الظنّ السّيئ بالآخر قد حرّمه الله، ويجب على العبد دفعُه ما أمكن.
فإن تكلّم به اشتدّت حرمته وعظمت، لذلك قال تعالى وهو يسدّ الطّريق إلى ذلك:{ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)}، وذلك لقبح سوء الظنّ وقُبح آثاره على النّفس والجماعة.
2- بالنّظر إلى سوء عاقبة انعدام الثّقة:
قال العلماء: ( سوء الظنّ مفتاح كلّ شرّ، ومغلاق لكلّ خير )، وذلك لما يلي:
* فهو يقود إلى التجسّس، والتجسّس يقود إلى الغيبة، وكلّ ذلك يجرّ إلى العداوة والبغضاء والاختلاف والتّدابر، لذلك قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}.
فحذّر من سوء الظنّ، ثمّ من التجسّس لأنّ الأوّل طريق الثّاني.
* وأنّه مفتاح إلى اتّهام النّاس بالباطل، وحادثة الإفك خير مثال على ذلك، فأمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أصفى النّساء سريرة، وأنقاهم خلقا وسيرة، تخلّفت عن القافلة، ورآها صفوان بن المعطّل رضي الله عنه، وهو من أتقى الرّجال، فكان الواجب أن يُحْسَنَ بهما الظنّ، ولكنّ المنافقين ومن وقع في حبائلهم أساءوا الظنّ فزلزلت المدينة بالإفك زلزالا شديدا، قال تعالى:{ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)}[النّور].
* وجعله النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أكذب الحديث.
* أنّه يَحْرُم العبد من كثير من الخير، فيحرمه من العيش في السّكينة والطّمأنينة، فيبقى ينظر إلى من حوله نظرة عداء، جاء في " بهجة المجالس ": قيل لبعض العلماء:من أسوأ النّاس حالا ؟ قال: من لم يثق بأحد لسوء ظنّه، ولم يثق به أحدٌ لسوء فعله ".
3- اتّقاء مواطن التُّهَم:
فينبغي لكلّ من الزّوجين أن يتّقِي مواطن التّهم، فإنّ القلوب ضعيفة، والشّبهات خطّافة. وإذا أحسّ أحدهما أنّه أتى بشبهة، فعليه أن يطرحها على الآخر بصراحة متناهية، كما فعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم كان مع زوجه صفيّة، ومرّ عليه صحابيّان، فقَالَ لَهُمَا:
(( تَعَالَيَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ )) قَالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ: (( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يُلْقِيَ فِي أَنْفُسِكُمَا شَيْئًا )).
وفي الصّحيحين أيضا عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (( مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ )).
فلا يليق أن يُلقِي أحد الزّوجين بنفسه في شبهة، ثمّ لا يبيّن وجه الحقّ فيها، ثمّ يقول للآخر: أين الثّقة ؟ أين حسن الظنّ ؟
فهذا خطأ، لأنّه هو من عرّض نفسه للتّهمة، فلا يلومنّ إلاّ نفسه.
والله تعالى أعلم، وأعزّ وأكرم.


السؤال الخامس عشر
الجواب عن السّؤال الثّالث: كيف يتعامل كل طرف مع الغيرة الزّوجيّة ؟
الغيرة نوعان:
1) النّوع الأوّل: غيرة مشروعة محمودة.
وهي الّتي تحمِل الزّوج على حبّ زوجته، والزّوجة على حبّ زوجها، ولولا الغيرةُ ما تحرّكت القلوب ولا الجوارح، وما حُرِست الدّيار، ولا حُمِيت الذّمار، كما قال ابن القيّم رحمه الله:" إذا رحلت الغيرة من القلب ترحلت المحبّة, بل ترحّل الدّين كلّه ".
وذمّ الله تعالى من خلا قلبه من هذه الصّفة، فقد روى النّسائي وغيره عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( ثَلاَثَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ: العَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالدَّيُّوثُ، وَرَجُلَةُ النِّسَاءِ )).
في رواية قَالُوا: فَمَا الدَّيُّوثُ ؟ قَالَ: (( الَّذِي لاَ يُبَالِي مَنْ دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ )).
ومن أنفس ما حفظه لنا علماؤنا قصّة تكتب بماء الذّهب-وقد ذكرها ابن الجوزي في " المنتظم "، وابن كثير في " البداية والنّهاية "- في أحداث 686 هـ:
جرت لامرأة اختصمت مع زوجها إلى قاضي الرّي، ادّعت على زوجها صداقا قدره 500 دينار، وقالت: ما سلّمه لي أبدا. فأنكر الزّوج، فجاء الشّهود الّذين حضروا مجلس العقد، فقال الشّهود: " نريد أن تُظهر لنا وجهها حتّى نعلم أنّها الزّوجة "..
ومن المقرّر أنّ هذا من المواطن التي أباح الله فيها النّظر إلى المرأة، إذ لا يخفى عليكم أن نظر الرجل إلى المرأة محرّم إلاّ في مواطن ضيّقة كالخِطبة والمعاملة كبيع وإجارة، وفي الشهادة كما في قصّتنا هذه .. لكن ..
لمّا سمع الزّوج ذلك صرخ .. صرخ وقال:" لا تفعلوا هي صادقة فيما تدّعيه ".
إنّه يريد صيانة زوجته من أن يراها الرّجال ..
فلمّا رأت الزّوجة ذلك منه، وأنّه ما أقرّ إلاّ ليصون وجهها، قالت:" هو في حِلٍّ من صداقي في الدّنيا والآخرة "..
لذلك قال ابن الجوزيّ رحمه الله قبل أن يذكرها: " ومن عجائب ما وقع من الحوادث في هذه السّنة .." ثمّ روى القصّة بسنده. ولذلك قال قاضي الريّ: "اكتبوها في مكارم الأخلاق ".
2) النّوع الثّاني: غيرة ممنوعة مذمومة.
وهي الّتي يصحبُها سوء الظنّ، والتجسّس، والاتّهام بالباطل، فهذه من الشّيطان، يريد أن يفرّق بين المرء وزوجه، فقد روى أبو داود عَنْ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ يَقُولُ: (( مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ، وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللَّهُ، فَأَمَّا الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ: فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُبْغِضُهَا اللَّهُ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ )). أي: الغيرة المحمودة إن كانت هناك شبهة كما ذكرنا في الجواب عن السّؤال السّابق، والمذمومة إن لم يكن ثمّة ما يدعو إليها.
فكيف يتعامل الزّوجان تجاه هذه الغيرة، فعليهما بـ:
أ‌) الدّعاء: فقد روى الإمام أحمد-وهو في صحيح مسلم بألفاظ أخرى- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: لَمَّا وَضَعْتُ زَيْنَبَ، جَاءَنِي النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم فَخَطَبَنِي ... فَقُلْتُ: إِنَّ لِي بِنْتًا، وَأَنَا غَيُورٌ ؟. فَقَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا، وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ ))..
ب‌) حسن الظنّ - كما سبق تفصيله في الجواب عن السّؤال السّابق-.
ت‌) حمل النّفس على تقبّل الغيرة: فإنّ الغيرة طبعٌ، وإذا اشتدّت فينبغي توطين النّفس على قبولها، لأنّ الشّدة تقابل باللّين، والنّار تقابل بالماء، وما على الأزواج إلاّ أن يقرءوا قصص أمّهات المؤمنين وغيرتهنّ على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
بل إنّ أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها دعت على نفسها بالموت !! روى البخاري عنها أنّها رضي الله عنه ( رَكِبَتْ عَلَى بَعِيرِ حَفْصَةَ، وَرَكِبَتْ حَفْصَةُ عَلَى بَعِيرِ عَائِشَةَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم إِلَى جَمَلِ عَائِشَةَ وَعَلَيْهِ حَفْصَةُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا، ثُمَّ سَارَ حَتَّى نَزَلُوا، فَافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ، فَغَارَتْ، فَلَمَّا نَزَلُوا جَعَلَتْ رِجْلَيْهَا بَيْنَ الْإِذْخِرِ، وَتَقُولُ: " يَا رَبِّ ! سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَبًا أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي ".
ث‌) إظهار المشاعر:
فلا بدّ في هذه الحالة أن يزيد كلّ منهما من إظهار مشاعر المودّة ومحبّة والإعجاب تجاه الآخر، فإنّ ذلك ممّا يُطفِئ بشدّة نار الغيرة، ويخفّف من لهيبها, ولكنّ أغلب البيوت اليوم لا تعاني من فقر الدم، بقدر ما تعاني من فقر المشاعر.
نسأل الله التّوفيق والهداية.


السؤال السادس عشر
ما هي أفضل أوقات الحوار بين الزّوجين ؟
الجواب:
* فإنّ الحوار بين الزّوجين من متطلّبات الحياة اليوميّة، ليس له وقتٌ معيّن، فمتى دعت الحاجة إلى النّقاش والمحاورة وتبادل الأفكار، والتّشاور، فذلك وقته.
* لكن، ربّما حدث طارئ مهمّ، يحتاج إلى إعمال الفكر، وهدوء النّفس، فهنا يكون أحسن وقت للحِوار، الوقت الّذي يكون فيه كل من الزّوجين قد خلا ذهنهما من المشاغل اليوميّة.
ولتَحْذر المرأة من الخوض في المسائل الكبار والزّوج تعِبٌ يريد النّوم، أو جائع، فإنّ ذهاب النّوم ملهبة، ودوام الجوع مغضبة.
* وتذكّروا أنّنا ذكرنا فيما سبق من الإجابات عن هذه الأسئلة، أنّه ينبغي أن يجعل الزّوجان ساعة أو أقلّ من ذلك، يتدارسان فيها كتابا نافعا، كتفسير كتاب الله، أو شرح أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو دراسة كتاب في العلوم الشّرعيّة، فإنّ تبادل المعارف في العلوم الشّرعيّة، يفتح الطّريق إلى الخوض في نقاط مهمّة تتعلّق بحياة الزّوجين.
والله أعلم.


السؤال سابع عشر
[B]وإجابة عن سؤاليْ الأخ الفاضل: عاشق الجبل الأبيض ..
السّؤال الأوّل:
أرجو كلمة إلى نساء الإسلام ليعرفن مدى الدّور المهم المنوط بهنّ في الزّواج الإسلاميّ السّعيد.
الجواب:
فالحديث إلى النّساء حديث يطول، ويحتاج إلى غيري ممّن يُحسِن الكلام فيصول ويجول، فنسأل الله الإعانة والتّوفيق.
الحديث إلى من يقال عنهنّ: إنّهنّ نصف المجتمع، والحقّ أنّها تربّي النّصف الآخر، فهي المجتمع كلّه:
إن كنت أمّا فأنت المربّية للأجيال، وأنت الصّانعة للأبطال
وإن كنت بنتا فأنت صـرح تعلّـق عليه كـلّ الآمـال
وقد أنـزل الله فيـك قرآنا يُـتلـى إلـى يـوم المـآل
وإن كنت زوجة فأنت السّكن... وأنت الفيئ والظّـلال

أمّا الزّوجة .. فنقول لها: كوني لزوجك خـيـر لـبـاس ..
فقد شبّه الله تبارك وتعالى المرأة باللّباس: فقال:{ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ لماذا ؟
أوّلا: لأنّ من طبيعة المرأة أن تعتني بلباسها:
فكذلك زوجها، عليها أن تخدمه خدمة الأمة لسيّدها .. وقد قالت الأمّ الصّالحة لابنتها وهي تعِظُها ليلة زفافها: ( كونِي له أمةً، يكُنْ لكِ عبدا ).
• ثانيا: أنّ اللّباس ساتر للعورة:
فينبغي للمرأة أن لا تكشف سرّ زوجها، ولا تحدّث به أحدا من أهلها، لأنّ ذلك يُنزل من مقامه في نظرهم، ويثير العداوة بينه وبينهم، ومن وصايا تلك المرأة الصّالحة أيضا لابنتها:" لا تفشي لـه سراً، ولا تعصي لـه أمراً، فإنك إنْ أفشيت سرّه، لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره أوغرت صدره ".
• ثالثا: لأنّ اللّباس زينة، فينبغي للمرأة أن تُزيّن حياة زوجها، لأنّها لباسه، وقد كان أحد السّلف كلّما دخل بيته قال:" ما شاء الله لا قوّة إلاّ بالله " فسئل عن ذلك ؟ فقال: ألم يقل الله تعالى:{ وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ } ؟ قيل: بلى. قال: فإنّ زوجتي جعلت بيتِي جنّة !!!!
• رابعا: أنّ اللّباس مصدر الدّفء، فينبغي للمرأة أن تكون مصدر دفء الرّجل، وهو ما تحقّقه له من السّكينة والطّمأنينة، وصدق من قال: لا يُسمّى البيت مسكناً حتّى تدخله الزّوجة. لأنّ السّكن من السّكينة.
• خامسا: ولأنّ اللّباس أقرب شيء إلى العبد، فكذلك المرأة، لا بدّ أن تعمل لأن تكون أقرب النّاس إليه، يقاسمها سرّه، ويشاطرها أمره، وقد سمّاها الله في القرآن ( صاحبة )، فعليها أن تُحسِن الصّحبة.
الشّــاهـــد .. أنّ المرأة إذا أقبلت على الحياة الزّوجيّة، فينبغي لها أن تستعدّ إلى أنّها ستحمل عِبئا كبيرا، وأمرا عظيما، وكثيرا ما أشبّهها بسـائـق السـيّارة .. فالسّائق لا ينظر أمامه فحسب، ولكنّه ينظر أيضا خلفه وعن يمبنه وشماله، وإلى مؤشّر الحرارة، ومؤشّر البنزين، وغير ذلك.
ورضي الله عن تلك الصّحابيّة الّتي عرفت قدرها .. فقد روى البزّار بإسناد جيِّد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى رَجُلٌ بِابْنَتِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: إِنَّ ابْنَتِي هَذِهِ أَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ، فَقَالَ لهَاَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( أَطِيعِي أَبَاكِ )).
فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَتَزَوَّجُ حَتَّى تُخْبِرَنِي مَا حَقُّ الزَوْجَ عَلَى زَوْجَتِهِ ؟ قَالَ:
(( حَقُّ الزَوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ لَوْ كَانَتْ بِهِ قُرْحَةً فَلَحَسَتْهَا أَوْ اِنْتَثَرَ مَنْخِرَاهُ صَدِيدًا أو دَمًا ثُمَّ ابْتَلَعَتْهُ مَا أَدَّتْ حَقَّهُ )).
قَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا !
فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( لاَ تُنْكِحُوهُنَّ إِلاَّ بِإِذْنِّهِنَّ )).
[وهو في " صحيح التّرغيب والتّرهيب " (1934)].
ولكن، لا بدّ أن لا يغفل الرّجل عن الشّطر الثّاني لآية، فقد قال تعالى:{ وأَنْتَمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ }، والله الموفّق.


السؤال الثامن عشر
السّؤال الثّاني:
* قوله تعالى:{ وَأُحْضِرَتْ الأَنْفُسُ الشُّحَّ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ }، وردت هذه الآية في ذكر الصلح بين الزّوجين، فما المقصود بالشح في هذه الآية ؟
الجواب:
ممّا يعتبر من أحكام النّساء الّتي يسأل عنها هو حكم المرأة التي تكون تحت رجل يبغضها، أو تظنّ أنّه يبغضها، فقال تعالى في أوّل سورة ( النّساء ):{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء: من الآية19]، وهذا أمر للزّوج بالإحسان.
فإذا أراد المفارقة ولم ترض المرأة بها، فما الحكم ؟
نزل لعلاج ذلك قوله تعالى:{ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ }.
والمراد بالصّلح:
هو أن تُصالح المرأة زوجها على أنّه إن أبغضها، فلا يطلّقها، وتتنازل عن نفقتها، أو تتنازل للزّوجة الأخرى عن أيّامها.
روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:{ وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}: هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ لَا يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا فَيُرِيدُ طَلَاقَهَا وَيَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا، تَقُولُ لَهُ: أَمْسِكْنِي وَلَا تُطَلِّقْنِي ثُمَّ تَزَوَّجْ غَيْرِي، فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَيَّ وَالْقِسْمَةِ لِي، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}.
فقوله تعالى:{ وَأُحْضِرَتْ الأَنْفُسُ الشُحَّ }: وهذه جملة معترضة، يريد الله من خلالها أن يُذكّر كلاّ من الزّوجين أنّ مبنى الحقوق على المشاحّة، وكلّ نفس تدعو صاحبها إلى الشحّ - وهو غاية البخل -، فينبغي إخضاعها إلى المسامحة.
ولمّا كان هذا الخلق قبيحا في نفسه لم يُسنِده الله إلى نفسه، فالّذي أحضره هو الشّيطان الّذي لا يسعد بمثل ما يسعد عند افتراق الزّوجين.
والشحّ الواقع سببه أنّ كلاّ من الخصمين يريد أن يُبقِي لنفسه بعض الحظوظ. فليس من السّهل أن تتنازل المرأة عن بعض أيّامها لضرّتها، أو أن تتنازل عن نفقتها ليبقى معها زوجها.
ونظير ذلك: تذكير الله تعالى للزّوجين حال الطّلاق بأنّ الرّزق من عنده، فما عليهما إلاّ أن يخافا الله في أمره، فقال تعالى في سورة ( الطّلاق ):
{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا }.
{ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ }.
{ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ }.
{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا }.
حتّى قال:{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا }.
كلّ ذلك، لأنّ مقاطع الحقوق، يصحبها كثير من العصيان والعقوق، فذكّر الله تعالى بالخوف منه، والعمل بطاعته.
والله أعلم.


السؤال التاسع عشر
نصّ السّؤال:
يتزوّج الناس لدوافع وأسباب، ومن بينها دوافع ستّ، ألا وهي:
1_الديني 2_الاجتماعي 3- الجنسي 4- الوالدية 5-النفسي 6- الخاصية
أطلب من شيخنا الفاضل أن يشرح لنا كلّ عنصر، إن لم يكن لديه مانع.
نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فإنّ الجواب قد يطول، ولذلك سأجيب عنه إجابةً مقسّطة، حتّى يسهُل على القارئ متابعتها.
وننطلق للإجابة عن هذا السّؤال من الحديث المشهور، الّذي رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ )).
قوله: (( لمالها )):
لا شكّ أنّ طالبه قد طلب ظلاّ زائلا ونعيما حائلا، ولا يفتخر به أهل المروءة والبصيرة. وإذا كان المال لا يُشترط في الزّوج الّذي أمر بالنّفقة، وسدّ الحاجات، فكيف يُطلب في المرأة ؟
وطلب المال يندرج غالبه تحت السّبب الاجتماعيّ.
قوله: (( وَلِحَسَبِهَا )):
والحسب هو: الشّرف، ولكنّ بينهما فرقا عند الاقتران، فيكون الشّرف أعمّ، إذ هو في الذّات والآباء والأجداد، أمّا الحسب فهو الشّرف بالآباء وبالأقارب خاصّةً، مأخوذ من الحساب، لأنّهم كانوا إذا تفاخروا عَدُّوا مناقبهم ومآثر آبائهم.
وطالب ذلك يكون قد طلب ما أبطله الله تعالى قائلا:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: من الآية13]، وهدمه النبيّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: (( أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ )).
وهذا يندرج كذلك تحت السّبب الاجتماعيّ.


السؤال العشرين
[B]تــــابــــع ( الاختيار الأحسن للزّوجين )
قوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وجمالها ):
قال الحافظ: " يؤخذ منه استحباب تزوّج الجميلة إلاّ إن تعارض الجميلة غير المتدينة، نعم لو تساوتا في الدّين فالجميلة أولى ".
فالجمال مثل المال، فكما قال صلّى الله عليه وسلّم: (( نِعْمَ الماَلُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ ))، فكذلك الجمال في المرأة: نعم المرأة ذات الجمال، في المرأة صالحة الخصال والخِلال.
وما أحسن ما ذكره الإمام ابن القيّم رحمه الله في الباب التّاسع عشر من " روضة المحبّين ونزهة المشتاقين ":
" اعلم أنّ الجمال ينقسم قسمين: ظاهرا وباطنا.
فالجمال الباطن هو المحبوب لذاته، وهو جمال العلم والعقل والجود والعفّة والشّجاعة.
وهذا الجمال الباطن هو محلّ نظر الله تعالى من عبده، وموضع محبّته، كما في الحديث الصّحيح: (( إِنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ )).
وهذا الجمال يزيّن الصورة الظّاهرة وإن لم تكن ذات جمال:
فيكسو صاحبها من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتسبت روحه من تلك الصفات.
فإنّ المؤمن يُعطَى مهابة وحلاوة بحسب إيمانه، فمن رآه هابه، ومن خالطه أحبّه، وهذا أمر مشهود بالعِيان.
فإنّك ترى الرّجل الصّالح المحسنَ ذا الأخلاق الجميلة من أحلى النّاس صورةً وإن كان أسود أو غير جميل، ولا سيّما إذا رُزِق حظًّا من صلاة اللّيل، فإنّها تنوّر الوجه وتحسّنه.
وقد كان بعض النّساء تكثر صلاة اللّيل، فقيل لها في ذلك ؟ فقالت: إنّها تحسّن الوجه وأنا أحبّ أن يحسُنَ وجهي.
وأمّا الجمال الظّاهر: فزينة خصّ الله بها بعض الصّور عن بعض، وهي من زيادة الخلق الّتي قال الله فيها:{يَزِيدُ فِي الخَلْقِ مَا يَشَاءُ}، قالوا: هو الصّوت الحسن والصّورة الحسنة والقلوب.
وقد ثبت في الصّحيح أنه صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (( إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ )).
والجمال الظاهر من نعم الله أيضا على عباده يوجب الشكر، وشكره التّقوى والصّيانة، فكلّما شكر مولاه على ما أولاه زاده الله جمالا ومنحه كمالا، وأمّا إن بذل الجمال في المعاصي عاد وحشة وشينا كما شوهد من عالم كثير في الدنيا قبل الآخرة، فكلّ من لم يتّق الله سبحانه وتعالى في حسنه وجماله انقلب قبحا وشينا يشينه الله به بين النّاس "اهـ.
وما أحسن قول القائل:
وَمَا يَنْفَعُ الْفِتْيَانَ حُسْـنُ وُجُوهِهِمْ
إذَا كَانَتْ الْأَفْعَـالُ غَيْـرَ حِسَـانِ
فَلَا تَجْعَلْ الْحُسْنَ الدَّلِيلَ عَلَى الْفَتَى
فَمَا كُلُّ مَصْقُـولِ الْحَدِيدِ يَمَـانِي

وقال آخر وأحسن:
صُنْ الْحُسْنَ بِالتَّقْوَى وَإِلَّا فَيَذْهَـبْ
فَنُورُ التُّقَى يَكْسُو جَمَـالًا وَيُكْسِبْ
وَمَا يَنْفَعُ الْوَجْهَ الْجَمِيـلَ جَمَـالُهُ
وَلَيْسَ لَهُ فِعْـلٌ جَمِيلٌ مُـهَـذَّبْ
يَزِيدُ التُّقَى ذَا الْحُسْنِ حُسْـنًا وَبَهْجَةً
وَأَمَّا الْمَعَـاصِي فَهِيَ لِلْحُسْنِ تَسْلُبْ

وهذا يندرج تحت السّبب الجنسيّ، والنّفسيّ كذلك.
ومن محاسن ما أُثِر عن علي بن القاضي عياض رحمه الله، أنّه صلّى خلف إمام قرأ في صلاته بسورة الرّحمن، فلمّا سلّم قيل لعليّ:
أما سمعت ما قرأ الإمام
:{فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) )فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)} ؟
فقال له: شغلتني عنها ما قبلها:{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ} [الرّحمن:35].
ويدخل تحت السّبب الجنسيّ أيضا:
استحباب أن تكون المرأة بكرا إلاّ إذا كانت هناك مصلحة، فحينها يتزوّج من ثيّب.
وذلك لما رواه البخاري ومسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنّ النبيَّ سألَهُ حين تزوّج : (( فَبِكْرًا تَزَوَّجْتَ أَمْ ثَيِّبًا ؟)).
قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا. قَالَ: (( أَفَلَا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ )). ثمّ ذكر له سبب زواجه من ثيّب، قال:
قُلْتُ: إِنَّ لِي أَخَوَاتٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَجْمَعُهُنَّ وَتَمْشُطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ.[وفي رواية قال: إِنَّ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَجْمَعَ إِلَيْهِنَّ جَارِيَةً خَرْقَاءَ مثْلَهُنَّ] قال له النبيّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رواية للبخاري أيضا - (( أَصَبْتَ )).
ففيه أنّ البكر أطيب وأصلح، ولكنّ الثيّب لمن كان له أولاد أصلح له، فقد قال رَضِي اللهُ عَنْهُ: ( فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً تَقُومُ عَلَيْهِنَّ وَتُصْلِحُهُنَّ ).. وفي رواية: ( تُعَلِّمُهُنَّ وَتُؤَدِّبُهُنَّ )..

[B]تــــابــــع ( الاختيار الأحسن للزّوجين )
قوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( وَلِدِينِهَا وَخُلُقِها )):
فذكر الدّين والخلق.
أمّا الدّين فيطلق ويراد به:
1- الإسلام: فقد أجمع المسلمون على تحريم وبطلان نكاح الكافر للمسلمة، وعلى تحريم نكاح المسلم للمشركة، وفصّلوا في نكاح الكتابيّة.
ولكن هذا الشّرط لوضوحه لا يتطرّق إليه شرّاح هذا الحديث. وقالوا إنّ المقصود من الحديث النّوع الثّاني، وهو:
2- التديّـن:
قال الدّردير في " الشّرح الصّغير "(2/400): " الدّين: التديّن أي كونه ذا ديانة احترازا من أهل الفسوق ".
وقال الكاسانيّ في " البدائع " معلّلا (2/320):" لأنّ التّفاخر بالدّين أحقّ من التّفاخر بالنّسب والحرّية والمال، والتّعيير بالفسق أشدُّ وجوه التّعيير " اهـ.
فيجب على المسلم والمسلمة أن يكون أهمّ خصلة تحرّكهما إلى الزّواج، هو الدّين، والاستقامة على شرع ربّ العالمين.
قال تعالى:{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} [السجدة:18]، وقال:{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور من:26].
وفي الحديث الحسن الّذي رواه التّرمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ )).
قال الإمام الشّوكانيّ رحمه الله في " السّيل الجرّار " (2/291):
" من لا يُرضَى دينه لا يُزوّج، وذلك هو معنى الكفاءة في الدّين، والمجاهر بالفسق ليس بمرضيّ الدّين ".
وقال السّبكي-كما في تكملة المجموع (16/188)-:
" الفاسق لا يُؤمَنُ أن يحمله فسقه على أن يجنِي على المرأة ".
وقال الصّاوي-كما في حاشيته على " الشّرح الصّغير "(2/401)-:" مخالطة الفاسق ممنوعة، وهجرُه واجب شرعا، فكيف النّكاح ؟! ".
وقال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " (7/375):
" الفاسق مردود الشّهادة والرّواية، غير مأمون على النّفس والمال، مسلوب الولاية، ناقص عند الله وعند خلقه، قليل الحظّ في الدّنيا والآخرة، فلا يجوز أن يكون كُفْءًا للعفيفة ولا مساويا لها، لكن يكون كفءًا لمثله ".
تنبيه:
وبمثل هذا قال أهل العلم في أهل البدع والأهواء كالرّافضة والصّوفيّة والجهميّة والخوراج، كما بسط ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (32/61).
هذا في الدّين.
أمّا الخلق :
فهو من الدّين بلا ريب، ولكنّ النبيّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عطفه على الدّين من باب عطف الخاصّ على العام تنويها بالخاصّ، فإنّ المرأة المطلوبة للنّكاح، والرّجل الّذي يطلب النّكاح لا بدّ أن يجمع كلّ منهما إلى الدّين حسنَ الخلق، فلا يكون أحدهما فاحشّا متفحّشا، ولا سبّابا ولا لعّانا، يعرف أحدهما أو كلاهما فنّ إدارة الحياة الزّوجيّة.
وتاج الأخلاق كلّها: الودّ والتودّد.

[B]تــــابــــع ( الاختيار الأحسن للزّوجين )
نعم .. إنّ تاج الأخلاق كلّها: الودّ والتودّد.
فقد روى الطذبرانيّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( أَلَا أُخْبِرِكُمْ بِنِسَائِكُمْ فِي الْجَنَّةِ ؟ )).
قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولُ اللَّهِ ! قَالَ:
(( كُلُّ وَدُودٍ وَلُودٍ، إِذَا غَضِبَتْ أَوْ أُسِيءَ إِلَيْهَا أَوْ غَضِبَ زَوْجُهَا قَالَتْ: هَذِهِ يَدِي فِي يَدِكَ لاَ أَكْتَحِلُ بِغَمْضٍ حَتَّى تَرْضَى )).
والودود هي الّتي تتودّد إلى زوجها بالكلام الطيّب والمعاملة الحسنة، وتسارع إلى إرضاء زوجها وإن كانت مظلومة، وتقول:
( هَذِهِ يَدِي فِي يَدِكَ، لاَ أَكْتَحِلُ بِغَمْضٍ حَتَّى تَرْضَى ).
ويمكن أن يقال: إنّ الله ما جعل مثل هذه المرأة في الجنّة إلاّ لأنّها حرصت أن تكون مثل النّساء اللاّء أسكنهنّ الله الجنّة، وهنّ الحور العين.
فإنّ الله قد ذكر في القرآن الكريم صفاتٍ طيّبةً للحور العين، وما على المرأة إلاّ أن تحرص على التحلّي بصفات نساء الجنّة، وكأنّ الله يقول: ليكن النّساء مثل هؤلاء !
ومن أوصاف الحور الّتي أشاد بها القرآن الكريم:
التودّد: فقد وصفهنّ الله بأنّهنّ ( عُرُبٌ )، والعرب جمع عروب وهنّ المتحبّبات إلى أزواجهنّ، وقال المبرّد: هنّ العاشقات لأزواجهنّ.
ومن التودّد الغزل وكلمات الثّناء، فمن أوصاف نساء الجنّة أنّهنّ يُحسِنّ الغزل والشّعر.
روى الطّبرانيّ عن ابن عمر رَضِي اللهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إِنَّ أَزْوَاجَ أَهْلِ الجَنَّةِ لَيُغَنِّينَ أَزْوَاجَهُنَّ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا أَحَدٌ قَطْ، إِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ:
نَحْنُ خَيْرُ الحِسَانِ أَزْوَاجُ قَوْمٍ كِرَامٍ
يَنْظُرْنَ بِقُرَّةِ أَعْيَانٍ
وَإِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ:
نَحْنُ الخَالِدَاتُ فَلاَ يَمُتْنَهْ نَحْنُ الآمِنَاتُ فَلاَ يَخَفْنَهْ
نَحْنُ المُقِيمَاتُ فَلاَ يَظْعَنَّهْ
)).
ومن أوصافهنّ أنّهنّ: قاصرات الطّرف، أي: يقصُرْن طرفهنّ على أزواجهنّ فلا يطمحنّ في غيره.
فكذلك المرأة ينبغي أن تُثْنِي على زوجها، وتجعله يظنّ أنّه أفضل النّاس في نظرها.
لذلك قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
• ( فاظفر بذات الدّين تَرِبَتْ يَدَاكَ ):
والمعنى: أنّ اللاّئق بصاحب الدّين والمروءة أن يكون الدّين مطمحَ نظره في كلّ شيء، لا سّيما فيما تطول صحبته، فأمر النبيّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتحصيل صاحبة الدّين الّذي هو الغاية من الخَلْق. ورحم الله القائل:
تُرجـى النسـاء لأربـعٍ في ذاتـهــا
فيها المنـاقب، والمثـالـب ، والبَــلا
فـي الـدين أوّلـهـا تلـيـه نضـارة
في الوجـه أو مـالٌ وأصـلٌ فـي المَـلا
فإذا ابتـغيـتَ مـن الأنـام حليـلـةً
فـاظفَـر بذات الديـنِ شـرطـاً أوّلا

ولا بدّ أن يتذكّر المؤمن ما عسى أن يكون من وراء زواج الطيّب بالطيّبة:{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} [الأعراف:58] ..
فالشاهد أنّ أعظم وأهمّ صفات المرأة الصّالحة على الإطلاق هو الدّين والخلق، والالتزام بتعاليم ربّ الأنام{فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: من الآية34] ..
التي تسعد الزّوج في حياته، وتعينه على العمل لما بعد مماته ..
تلك الّتي مدحها رسول الله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائلا:
(( الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ )).
وكذلك المرأة، عليها اختيار الزّوج الصّالح، الذي إن أحبّها خدمها، وإن كرهها لم يظلمها، الذي فقه قول النبيّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما رواه الترمذي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي )).
وكما قيل:
إنّ مـن الطّـيـــور البــجــع
والطّـيـور علـى أشكالـهـا تـقـع

وهذا هو الجانب الدّينيّ.

[B]( الاختيار الأحسن للزّوجين )
ومن الصّفات المهمّة في الزّوجين:
التّـفـرّغ:
فالمرأة لا بدّ أن تكون متفرّغة لرعاية أولادها وبناتها .. ليست بخرّاجة ولاّجة .. لا يشغلها عن أولادها شاغل مهما كان، لأنّ (( المَرْأَة رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا، وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا )).
وإنّنا نخشى بسبب الحملة العلمانيّة على هذه البلاد أن يصيب أولادنا ما أصاب أطفال الغرب .. ذلكم الواقع المرّ الّذي فرض على أربعة ملايين طفل أميريكيّ أن يعودوا إلى منازلهم من المدارس آخر النّهار، حاملين مفاتيح بيت خاوٍ من الوالدين، وهذا من أعظم ما يسبّب الإحباط والانحراف في سلوك الأطفال.
كذلك الرّجل ينبغي له أن يخصّص وقتا يوميّا لأولاده، يحادثهم، ويصاحبهم، ويسمع لهم، ويراقبهم، لا أن يكون يركض وراء الدّرهم والدّينار، ويرغب في ملء حسابه بكثرة الأصفار، فإنّ الانشغال عن تربية الأولاد من أكبر الجرائم وأقبح الأعمال يرتكبها الآباء والأمهات تجاه أولادهم:
ليـس اليتيـم مـن انتـهى أبـواه مــن
هـمّ الحيــاة وخـلّفـاه ذليـلاً
إنّ اليـتـيـم هـو الـذي تـلقـى لـه
أُمّـاً تخلّـت أو أبــاً مشـغـولا

وهذا يدخل تحت السّبب الدّينيّ والاجتماعيّ كذلك.

[B]تــــابــــع ( الاختيار الأحسن للزّوجين )
ومن أهمّ صفات الزّوجين:
القدرة على الإنجاب: وهو ما ذكر في السّؤال بلفظ ( الوالديّة ).
فقد روى أبو داود عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ، وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا ؟ قَالَ:
(( لَا )).
ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ، فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: (( تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ )).
فالمرأة ذات حَسَبٍ وَجَمَالٍ ! فمثلها لا يتردّد فيها الشّخص، ولكن ..
بها أمر يُنغّص الحياة .." وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ " ..
وكيف علم بذلك ؟
قال صاحب تحفة الأحوذي:
" كأنّه علم بذلك بأنّها لا تحيض ".
ويحتمل أيضا ما ذكره السّنديّ رحمه الله حيث قال: " بأنها كانت عند زوج آخر فما ولدت ".
فقَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَا )).
وذلك لأنّ من مقاصد النّكاح هو إنجاب الذرّية، لنفعهم في الدّنيا والبرزخ والآخرة.
وإنّما أجاب النبيّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرّجل بذلك، لأنّه من سؤاله تبيّن للنبيّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّه راغب في الذرّية، أمّا المرأة العقيم فسييسّر الله لها أمرها فيتزوّجها من له ذرّية من غيرها.
واستنبط العلماء من ذلك كراهة التزوّج من المرأة العقيم، كما ذكره ابن القيّم رحمه الله في " زاد المعاد " (4/252)، إلاّ إذا كان كما ذكرنا أنّ له ذرّية من غيرها.
فقوله صلّى الله عليه وسلّم: ( الولود ): هي التي تكثر ولادتها.
قال العلماء:" ويعرف هذان الوصف في أقاربها، إذ الغالب سراية طباع الأقارب بعضهنّ إلى بعض ".

[B]تــــابــــع ( الاختيار الأحسن للزّوجين )
ومن الصّفات الّتي ينبغي مراعاتها:
مراعاة حال أهلها من الاستقامة على الدّبن والالتزام بتعاليم ربّ العالمين:
وإنّ هناك حكماً للعرب، لصحّتها ووجاهتها ظُنّت حديثا فنسبت إلى النبيّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فقد زعموا أنّه قال: ( اختاروا لأبنائكم أخوالاوهو ليس بحديث صحيح، ولكنّ معناه في غاية الحسن.
ومن الصّفات أيضا:
الأولى اجتناب الزّواج من القريبات: ونقصد بالقرابة القرابة الوثيقة، لمفسدتين:
الأولى: اجتماعيّة، لأنّه لقلّة وعي النّاس وبعدِهم عن الدّين، أضحوا بسبب ما يحدث من تنافرٍ بين الزّوجين - وربّما بسبب الطّلاق الّذي هو حلّ من الحلول - يؤدّي ذلك التّنافر إلى أن يتّسع إلى الأسرتين بكاملهما.
وما شُرع النّكاح إلاّ للمقاربة بين النّاس، حيث قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً} [الفرقان:54].
الثّانية: صحّية، لأنّ التّقارب الشّديد يؤدّي إلى ظهور إعاقة في الذّرّية، وقد أكّدت الأبحاث العلميّة أنّ ذلك يحدث في كلّ ثلاث حالات.
ونقول غالبا، لأنّ هناك من تزوّج بقريبته ولم يظهر شيءٌ من ذلك، وها هو عليّ رضي الله عنه تزوّج من فاطمة وهي ابنة ابن عمّه صلّى الله عليه وسلّم.
ومن الصّفات المهمّة أيضا:
الخلوّ من الأمراض المعدية:
وذلك يُفضي بنا إلى الحديث عن الفحص الطبيّ قبل الزّواج.

[B]أخـــيــرا: ( الاختيار الأحسن للزّوجين )
فما حكم الفحص الطبيّ قبل الزّواج ؟
هذا من القضايا النّازلة، وذلك لانتشار الأمراض المستعصِية.
وقد تطوّرت الهندسة الوراثيّة إلى حدّ كبير، ممّا جعل هناك دعوة قويّة لإلزام النّاس بالفحص الطبّي.
وللفحص الطبّي أصل في الشّريعة وهو قوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما رواه البخاري عن أبي هريرة رَضِي اللهُ عَنْهُ -: (( فِرَّ مِنَ المَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الأَسَدِ ))، وما رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (( لَا تُورِدُوا الْمُمْرِضَ عَلَى الْمُصِحِّ )). وقوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فيما رواه أحمد وابن ماجه عن عبادة بن الصّامت رَضِي اللهُ عَنْهُ-: (( لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ )).
فهناك أمراض وراثيّة تنتشر في بعض المجتمعات، وحامل المرض ليس بالضّرورة أن يكون مريضا بالضّرورة، إنّما يحمل المرض وينتقل إلى بعض ذرّيته.
وقبل بيان حكمه، فإنّه لا بدّ من بيان ما للفحص الطبّي من مصالح ومفاسد، نوجزها فيما يلي:
المــصــالــح:
- أنّ المُقدمين على الزّواج يكونون على علم بالأمراض الوراثيّة المحتملة إن وُجدت، فتتّسع الخيارات في عدم الإنجاب أو عدم إتمام الزّواج.
- المحافظة على سلامة أحد الزّوجين من الأمراض.
- أنّ هناك أمراضا وراثيّة تنتشر بشكل واضح في حوض البحر المتوسّط ولها وسائل وقائيّة قبل الزّواج ومن أشهر هذه الأمراض التّلاسيميا ( مرض فقر الدّم ).
- إنّ عقد الزّواج عقد عظيم يُبنَى على أساس الدّوام والاستمرار، فإذا تبيّن بعد الزّواج أنّ أحد الزّوجين مصاب بمرض معيّن فإنّ هذا يكون سببا في إنهاء الحياة الزّوجيّة.
- تقليل نسبة المولودين المشوّهين.
المــفــاســد:
- إيهام النّاس أنّ الفحص الطبّي يقيهم من الأمراض الوراثيّة، وهذا غير صحيح، فإنّ الفحص الطبّي لا يبحث غالبا إلاّ عن مرضين أو ثلاثة منتشرة في مجتمع معيّن.
- قد يحدث تسريب نتائج الفحص الطبّي فيتضرّر المريض، لا سيّما المرأة الّتي يعزف عنها الخُطّاب إذا علموا بسبب فسخ العقد، وإنّما هي في الحقيقة لا تصلح للأوّل فحسب.
- يحوّل الفحص الطبّي حياة بعض النّاس مليئة بالقلق والاكتئاب، والضّيق والاضطراب.
- الكلفة المادّية الّتي يتعذّر على بعضهم الالتزام بها.
فإذا علمنا ذلك، فما حكم إلزام الدّولة كلّ من يتقدّم للزّواج بإجراء الفحص الطبّي ؟ أي: هل يجعل شرطا أو أمرا اختياريّا ؟
قولان للعلماء المعاصرين في هذه النّازلة:
- الأوّل: أنّ لوليّ الأمر إلزام الرّعايا بهذا الفحص، فلا يتمّ العقد إلاّ به.
وممّن قال به: محمّد الزّحيليّ ( من علماء سوريا )، وحمداتي ماء العينين ( من علماء المغرب وعضو مجمع الفقه الإسلاميّ )، ومحمّد عثمان شبير ( أستاذ الفقه بكلّية الشّريعة بالجامعة الأردنيّة ).
- الثّاني: لا يجوز إجبار النّاس على مثل هذا الفحص، ولكن يُكتفى بتشجيع النّاس على القيام به ونشر الوعي بالوسائل المختلفة وبيان أهمّية هذا الفحص، وقال به الشّيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، والدّكتور عبد الكريم زيدان ( أستاذ الشّريعة الإسلاميّة بالجامعتين العراقيّة واليمنيّة )، ومحمّد رأفت عثمان ( عميد كلّية الشّريعة بالأزهر ).
والصّواب هو القول الثّاني، وإنّ إلزام النّاس بذلك تكتنفه وسائل عدّة، ثمّ يكون مصير هذه الشّهادة كغيرها من الشّهادات تخضع للجشع المادّي فتصيبها أسهم المحسوبيّة والرّشا وغير ذلك.
الحاصل: أنّ الصّفات المطلوبة في كلّ من الزّوجين:
1-الدّين 2– الخلق الحسن 3– التودّد 4– التفرّغ 5– أن يكون أهل كلّ منهما صالحين
6– اجتناب القرابة الشّديدة 7– القدرة على الإنجاب 8– السّلامة من الأمراض المعدِية.

والله تعالى أعلم وأعزّ وأكرم.


يتبع.........






- وأنشَدَ الطيِّب العُقبي ـ وهو أحد كبار علماء الجمعية ـ رحمه الله:
... أيُّها السَّائِلُ عن مُعتقَدي يبتغي منِّي ما يَحوي الفؤادْ
... مذهبِي شرعُ النبيِّ المُصطفى واعتقادي سَلَفِيٌّ ذو سدادْ
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 06:45 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى