تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
 
 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
البراء المغربي
عضو جديد
  • تاريخ التسجيل : 13-11-2007
  • المشاركات : 7
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • البراء المغربي is on a distinguished road
البراء المغربي
عضو جديد
نحن و العـــــــلمـــــــــــاء
17-11-2007, 02:50 PM
الحمد لله القائل في كتابه "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" (الزمر : 9) ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وخاتم المرسلين القائل "من يرد اللَّه به خيراً يفقهه في الدين" (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ) .. أما بعد:

فالعلماء ورثة الأنبياء ، وفضل العالم على العابد كفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أدنى المسلمين ، والعلماء أخشى الناس لله وأعلمهم به وبأحكامه وبشريعته ، هم معلمي الناس الخير ، الموحدين الله على بصيرة ، السالكين طريق الجنة ، يستغفر لهم من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحر ، تضع الملائكة لهم أجنحتها .. لولاهم لضل الناس ولعُبد الله على غير ما شرع !!

هذه هي منزلة العلماء في ديننا ، وأكثر من ذلك بكثير ، كما ورد في الآيات والأحاديث التي سوف نذكر بعضاً منها في سياق الحديث .. وحال هذه الأمة مع علمائها ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الإفراط في حقهم.
القسم الثاني: التفريط في حقهم.
القسم الثالث: الإعتدال والوسطية.

أما الإفراط: فهو الغلو والتمادي في المديح والإطراء والثناء ورفع العلماء إلى منزلة تظاهي أو تفوق الأنبياء حتى أصبح بعضهم يُعبد من دون الله ، وقد حذر الله سبحانه وتعالى في كتابه من هذا الغلو ، حيث قال " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" (آل عمران : 64).

وهذا الإفراط يكون بقبول كل ما يصدر من العالم دون النظر في النصوص الشرعية الدالة على صدق مقولته وحقيقتها ، وهذا هو نهج النصارى واليهود والصوفية الذين يدعون مريديهم إلى منهجهم المشهور "كن كالميت بين يدي العالم" ، وهو منهج الرافظة وغيرهم من أهل البدع والضلال ، وهو منهج مخالف لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ، والذي فيه "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" .

وقد حذر من هذا الإفراط الكثير من علماء المسلمين ، وأذكر هنا أقوال بعض أهل العلم الذين حذروا من هذا الخطر العظيم والداء العضال:

قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: لا يحل لمن يفتي من كتبي أن يُفتي حتى يعلم من أين قلت (الانتقاء في فضل الأئمة الفقهاء \ ص 145) .

وقال الإمام مالك رحمه الله: إنما أنا بشر أخطئ و أُصيب ، فانظروا في رأيي فكلّما وافق الكتاب و السُّنة فخذوه ، و كُلما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه (جامع بيان العلم وفضله: 2\32) .

وقال الإمام الشافعي رحمه الله: ما من أحد إلا وتذهب عليه سُنّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتَعزُبُ عنه. فمهما قلتُ من قول أو أصَّلتُ من أصل فيه عن رسول الله خلاف ما قلتُ: فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو قولي. وجعل يردد هذا الكلام. ( إعلام الموقعين: 2\286) .

وقال الإمام أحمد رحمه الله: من قلّة علم الرجل أن يقلّد علمه الرجال. (مجموع الفتاوى: 20\212)

فهؤلاء الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة حذروا المسلمين من التسليم لآراء الرجال دون دليل (خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم) . وقد بين الإمام مالك رحمه الله منهج أهل السنة في التلقي من العلماء فقال: "كلُّ يُؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر" ، وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

ورأي العلماء وفتاواهم (خلا رسول الله صلى الله عليه و سلم) "يحتج لها لا بها" ، حتى قال ابن عباس رضي الله عنه "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء. أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون : قال أبو بكر وعمر !! ، فإذا كان هذا هو الحال في قول أبي بكر وعمر (وزيرا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومستشاريْه) فكيف بقول غيرهما من العلماء !!


أما القسم الثاني ، وهو التفريط:

فهو الاستخفاف بالعلماء ومحاولة التنقص منهم ومن منزلتهم التي رفعها الله في كتابه ، وطعنهم في دينهم ونياتهم ، وهذا يتنافى وعشرات الآيات والأحاديث التي تبين فضل العلم والعلماء في شريعتنا الغراء ، حيث قال سبحانه:

"شَهِداللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (آل عمران : 18)

وقال سبحانه وتعالى: "إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا" (الإسراء : 107)

وقال سبحانه: "وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ" (سبأ : 6)

وقال جل في علاه: "بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ" (العنكبوت : 49)

وقال سبحانه: "وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ" (القصص : 80)

وقال سبحانه: "قَال َ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (البقرة : 247)

وقال سبحانه ، على لسان إبراهيم: " يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا" (مريم : 43)

وقال سبحانه "وقل رب زدني علماً" (طه : 114)

وقال سبحانه "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" (الزمر : 9)

وقال سبحانه "يرفع اللَّه الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" (المجادلة : 11)

وقال سبحانه: "إنما يخشى اللَّه من عباده العلماء" (فاطر : 28)

وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم منزلة العلماء في أحاديث كثيرة أذكر منها على سبيل المثال:

عن معاوية رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: من يرد اللَّه به خيراً يفقهه في الدين (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ)

وعن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه اللَّه مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه اللَّه الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها" (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ)

وعن أبي موسى رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: "مثل ما بعثني اللَّه به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع اللَّه بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأ؛ فذلك مثل من فقه في دين اللَّه ونفعه ما بعثني اللَّه به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى اللَّه الذي أرسلت به" (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ)

وعن سهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قال لعليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: "فوالله لأن يهدي اللَّه بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ)

وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قال: "ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل اللَّه له طريقاً إلى الجنة" (مسلم)

وعنه أيضاً رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قال: "من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً" (رَوَاهُ مُسلِمٌ)

وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يقول: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر اللَّه تعالى وما والاه، وعالماً أو متعلماً (رواه الترمذي وقال حديث حسن) .. قوله: وما والاه :أي طاعة اللَّه تعالى.

وعن أبي أمامة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قال: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ، ثم قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: إن اللَّه وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير" (رواه الترمذي وقال حديث حسن)

وعن أبي الدرداء رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يقول: "من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهل اللَّه له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر" (رواه أبو داود والترمذي)

وعن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يقول: نضّر اللَّه امرأ سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع" (رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح)


فهذا الإستخفاف والتنقص من العلماء منبوذ شرعاً – كما بيّنا – وعقلاً .. إذ كيف ينتقص المسلم ممن علمه الصلاة والطهارة ، كيف يستخف المسلم بمن لولاه لما عرف الزكاة والصيام والحج والعمرة ، بل لولاه لما عرف الله حق المعرفة !! فهذا الإستخفاف والإزدراء هو في حقيقته جحود للنعمة التي أنعم الله بها علينا .. وهذا التفريط هو ديدن أهل الأهواء من الخوارج ومن مشى على منوالهم من أهل الزيغ والجهالة.


القسم الثالث: الوسطية والاعتدال:

وهو المحمود المنصوص عليه في كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وفي أقوال أهل العلم من السلف والخلف.
ولكي نعرف كيفية التعامل مع العلماء وفق هذا المنهج ، لا بد لنا من بعض الضوابط تنير لنا الطريق ، وترسم لنا الخطوط العريضة لهذه المعضلة .. ولنذكر هنا بعضاً من هذه الضوابط حتى تتبين لنا حقيقة هذه الوسطية:

أولاً: العلماء بشر ، وطبيعتهم البشرية تجعلهم عرضة للخطأ والزلل ، ولكن صوابهم (في الغالب) يكون أكثر من خطأهم لأنهم يقيسون جل أمورهم بمقياس الشريعة. "كل بني آدم خطّاء ، و خير الخطَّائين التوّابون" (الترمذي \ إسناده حسن) .

ثانياً: ليس كل من حفظ العلم وجمعه يكون عالماً ، وهذا أمر قل أن يتنبه له الناس ، فليس كل من حفظ القرآن أو حفظ بعض الأحاديث يصلح أن يفتي المسلمين في دينهم ودنياهم ، وقد روي أن أحدهم كان يحفظ كتاباً كبيراً عن ظهر قلب دون فهم فكان العلماء يرجعون إليه في مسائل ذلك الكتاب فقط دون أخذ رأيه أو استفتائه فيها. (اقرأ كتاب: العلم \للشيخ محمد بن صالح العثيمين ، رحمهالله)


ثالثاً: ليس كل من حفظ وفهم وعلم يريد بعلمه وجه الله سبحانه وتعالى ، وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا في الحديث الذي أخرجه أبوداود عن أبي هريرة رضي الله عنه ،قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من تعلم علماً مما يبتغى به وجه اللَّه عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" (يعني ريحها. رواه أبو داود بإسناد صحيح)

رابعاً: قد يكون العالم حافظاً للعلم فاهماً له ، حسن النية والقصد ، لاكنه اجتهد في مسألة أو مسائل عدة فأخطأ ، وهذا لا يجب أن يُتبع في خطأه ، ولاكننا نؤمن ونعتقد بأنه يؤجر على اجتهاده (إن بذل جهده في المسألة) "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر" (البخاري) ، وليس من الحكمة أو العدل إلغاء سائر اجتهاداته السابقة واللاحقة وعدم الأخذ بها بسبب ذلك الخطاْ !!

خامساً: قد يرى العالم المصلحة في عدم البيان في وقت معين ولسبب معين ، وتقدير المصالح تتفاوت بين العلماء ، وتتفاوت باختلاف الأحوال والأشخاص والأسباب. ومثال ذلك ما قاله ابن تيمية رحمه الله لأصحابه عندما أرادوا الإنكار على التتار شربهم الخمر.

سادساً: قد يجبن العالم عن البيان خوفاً من التعذيب أو الأذى ، والعالم بشر يخاف كما يخاف الناس ، وليس كل عالم أحمد ابن حنبل أو ابن تيمية ، فأحمد رحمه الله جهر برفض القول بخلق القرآن بينما لجأ جل العلماء في وقته إلى التورية خوفاً من الخليفة المأمون ، وابن تيمية يقابل سلاطين التتار والمسلمين بكلام جبن عنه جل علماء عصره (حتى كانوا يستحلفونه قبل الدخول على قادة التتار أن يلين لهم القول) !! وهذا لا يقدر عليه إلا أولي العزم من العلماء الربانيين .. والجهر بالحق في أوقات المحن والفتن له منزلة عظيمة لا ينالها كل إنسان ، ولذلك صنفها النبي صلى الله عليه وسلم في مراتب الجهاد ، بل في أعلى مراتب الجهاد "إِنَّ مِنْ أَعْظَم الجِهَادِ كَلَمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِر" (صحيح: الترمذي) ..
وقد تباحثت مع أحد العلماء الأجلاء حاجة الأمة في هذا الزمان لمثل مواقف ابن تيمية ، فقال لي: وهل يستطيع أحد أن يصنع ما صنع هذا الرجل !!

سابعاً: ليس كل من درس في الأزهر أو الجامعة الإسلامية أو في جامعة الإمام يكون إيمانه كإيمان أبي بكر ، وعدله كعمر ، وتجرده كعثمان ، وفقهه كعلي ، وزهده كأبي ذر ، وشجاعته كخالد ، ودهائه كعمرو بن العاص ، فالناس تختلف مداركهم ، وبعض من دخل هذه الجامعات دخلها بنية الوظيفة والجاه والمنصب وليس لشرف العلم والعمل به ، وهذا لا يخفى على كثير ممن درسوا في الجامعات الإسلامية أو خالطوا طلابها ..

ثامناً: ليس كل من ثنى ركبتيه عند العلماء وصلى خلفهم يكون وريثهم .. فقد كان عبدالله بن أبي بن سلول يثني ركبتيه عند النبي صلى الله عليه وسلم وفي مسجده ويصلي خلفه في الصف الأول مع أبي بكر وعمر !!

تاسعاً: ربما يُخطىء العالم المتبحر خطأ يجر الويلات على الأمة الإسلامية وهو يعتقد في قرارة نفسه أنه على صواب .. وانظر إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله المبشر بالجنة كيف اجتهدوا فخرجوا على الخليفة الراشد علي رضي الله عنه فسفكت الدماء وتعطلت الثغور وظهرت الخلافات التي لا زالت الأمة تعاني منها إلى يومنا هذا (وهذا من قدر الله وحكمته) !! ولا يشك مسلم في أن هؤلاء الصحابة كانوا مجتهدين متأولين مخلصين متجردين للدين ، والذي فعلوه لا يُنقص من قدرهم عند المسلمين أبداً ولا ينبغي .. ومثل هذا الخطأ قد يكون علاجه بالشدة (بعد اللين والحوار) كما فعل علي رضي الله عنه الذي لم يترك باباً للحوار إلا طرقه حتى لم يبقى أمامه إلا باب السيف ، فكان ما كان .. وهذا باب عظيم من أبواب تقدير المصالح وجلب أعظم المصلحتين ودرء أعظم المفسدتين والناس في هذا العلم يتفاوتون تفاوتاً عظيماً.

إذا فهمنا أكثر هذه الأمور ، وعرفنا بعضا من طبيعة العلماء وطبيعة اجتهاداتهم ، كان سهلاً علينا معرفة كيفية التعامل مع أكثرهم وفق المنهج السليم الذي يضمن لنا وحدة الصف والإعتصام بحبل الله ، مع الحرص على جعل المصالح العليا للأمة الإسلامية وتقديمها على مصالح الآحاد من أولوياتنا ومحل نظرنا دائماً ..

أصناف العلماء:

وأقصد بالعلماء هنا تعريف العامة لهم ، وهم: من درس العلوم الشرعية في الجامعات أو على يد علماء كبار فتميزوا عن بعض أقرانهم لسبب أو لآخر:

1- فمن هؤلاء من لا هم له إلا الشهرة
2- ومنهم من يريد الجاه والمال.
3- ومنهم من يبحث عن المناصب.
4- ومنهم عالم سلطة يُفتَى له فيُفتِي.
5- ومنهم من أخلص نيته لله فعمل على نطاق تخصصي ضيق.
6- ومنهم عالم قطر من الأقطار ومفتيها.
7- ومنهم عالم مذهب أو حزب أو جماعة تعصب لها.
8- ومنهم فقيه أمة يستفتيه الناس في مشارق الأرض ومغاربها.
9- ومنهم عالم صحوة قيادي ينظّر ويفكر ويرسم الخطوط العريضة للأمة.

هذه بعض أصناف العلماء في هذا الزمان ، ولعل الذين يهموننا من بينهم: القسمين الأخيرين: فقهاء الأمة وعلماء الصحوة القياديين ، فهؤلاء هم الذين يقودون الأمة ويوجهونها ، وتقع على كاهلهم المسؤولية العظمى في النهوض بالأمة ، وهؤلاء نوع خاص من الناس يهيئهم الله لنصرة دينه وإعلاء كلمته ، ولا أعرف في زماننا هذا من جمع بين هاتين الميزتين مثل الشيخين (ابن باز وابن عثيمين) رحمهما الله..


تنبيهات مهمة:

وأذكر هنا بعض الملاحظات والتنبيهات المهمة التي ينبغي على الإخوة مراعاتها عند التعامل مع هذه المسألة الشائكة الحسّاسة:

أولاً: ليس المقصود من هذا الكلام عالم بعينه أو حزب أو مِصر من الأمصار ، وإنما هذا الكلام عام ، وهذه المسألة الحساسة ينبغي أن يتعامل معها الناس بحذر شديد ، فرب كلمة لم يلقي لها الإنسان بالاً تجر من الوبال والمشاكل للأمة ما هي في غنىً عنها.

ثانياً: كما أن للعلماء علينا حق المحبة والنصرة في ذات الله ، فإن لهم علينا حق المناصحة والتذكير في ذات الله ، وليس صحيحاً بأن العوام لا ينصحون العلماء ، بل قد تأتي الكلمة من العامي أبلغ من كثير من نصائح العلماء "قال أحمد بن حنبل: ما سمعت كلمة منذ وقعت هذه الأمور (محنة القول بخلق القرآن) أقوى من كلمة أعرابي كلمني بها في رحبة طوق . قال يا أحمد: إن يقتلك الحق ، مُتَّ شهيداً ، وإن عشْتَ عشت حميداً . فقوّى قلبي" (سير أعلام النبلاء ج16 ، ص241) .. وكان في عهد الإمام أحمد علماء أجلاء ملأوا الدنيا علماً وصيتاً .. !!

ثالثاً: لا يستطيع العلماء تبوؤ مكانتهم التي جعلها الله لهم إلا بفضل من الله ، ثم بنصرة المسلمين لهم وتكاتفهم معهم ومعرفة فضلهم ، فينبغي للمسلمين أن يلتفوا حول العلماء الربّانيّين العالمين العاملين الذين يقولون الحق ولا يخافون في الله لومة لائم ، وليس من الإنصاف أن نطالب العلماء بالبذل والتضحية ونحن نخاف أن نقترب منهم لمجرد ظننا بأنهم مراقبون من قبل السلطات !!

رابعاً: هناك من "جامعي العلم" من باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم ، ولهم تأثير عظيم على العامة والجهلاء لما تبوؤا من مناصب ومراكز .. وهذه حقيقة مرّة يجب أن نتقبلها ، وآية هؤلاء تلاعبهم بالثوابت الإسلامية وتفصيلهم الفتاوى الشرعية وفق هوى حكامهم .. وليس الإختلاف في المتغيرات (أو المسائل الإجتهادية) من هذا الباب ، كما يظن بعض الناس .

ونقصد بالثوابت هنا: المسائل المجمع عليها بين العلماء والتي فيها نصوص قطعية لا تحتمل التأويل: كمسائل الولاء والبراء ، والحب في الله والبغض في الله ، وتوحيد الربوبية والألوهية ، وتحكيم القوانين الوضعية ، وتحليل المحرمات القطعية كالخمر والميسر والزنا والربا ، وتعطيل الفرائض كالجهاد وغيره .. ومن أمثال هؤلاء: المفتي الشيشاني المعيّن من قبل الكرملين ، وبعض علماء السوء في أفغانستان الذين أفتوا المسلمين هناك بوجوب القتال مع الأمريكان ضد الإمارة الإسلامية ، وأعرف وزيراً للأوقاف في دولة عربية يملك فنادق يبيع فيها الخمور (يُحل بيعها) وقد نصح مراراً ولم يرتدع !!

خامساً: لا ينبغي لنا الحكم على عالم من علماء المسلمين العاملين نكيل له التهم العظيمة الجليلة بسبب كلمة ألقاها نظن أنه أخطأ فيها حتى نسأله عنها ، فربما كان له سند شرعي أو سلف أو تأويل أو شبهة ، وإن لم نستطع سؤاله حملنا كلامه على أحسن محمل .. ولا ينبغي إنتقاء كلام العلماء (وخاصة العاملين الذين نعرف سيرتهم وتضحياتهم في سبيل الدين) بالملاقط نضرب كلامهم بعضه ببعض لمجرد خلافنا معهم في مسألة أو مسألتين !! وقد يفتي العالم بناء على واقع خاطىء ثم يتبين له خلافه فيرجع عن فتواه (وقد سمعت بأُذني الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يفتي بحرمة معاملة تجارية أخطأ السائل نقلها للشيخ !! وأعتقد بأن الشيخ رجع عن الفتوى لما تبين له الأمر على حقيقته) ..

سادساً: ربما قال العالم كلمة أخطأ فيها فيصيد البعض تلك الكلمة ويبلغ بها مبلغاً عظيماً ليقرر بأن هذه الكلمة هي منهج هذا العالم وهو الغالب على لبّه وفكره ، ولا يخفى على عاقل أن هذا من الظلم والإجحاف بحق الناس ، ولو كان هذا مقياساً لقلنا بأن أبا ذر رجل عنصري لأنه عيّر بلال بأمه السوداء (رضي الله عنهما) ، وهذا لا يقوله مسلم عاقل .. فقد يرجع العالم عن كلامه إذا تبين أنه يخالف المنهج الصحيح كما فعل أبو ذر رضي الله عنه حينما عاتبه النبي صلى الله عليه وسلم على كلمته.

سابعاً: لا بد لنا من التخلص من التبعية العمياء والتعصب المقيت لأفراد العلماء ، وهذا لا ينافي حبهم واحترامهم وتقديرهم ، ولكن المقصود ان الدليل الشرعي هو الغاية وليس قول فرد من العلماء فصل في المسائل ..
وأذكر هنا موقفاً حصل لي منذ فترة بسيطة حيث كنت أتناقش مع أحد طلبة العلم حول مسألة "صلاة المسافر ، ومدة القصر" وأخذنا نسرد الأدلة لفترة ، ثم فجأة قال لي الأخ: لقد أفتى الشيخ "ابن باز" رحمه الله بكذا فلا تناقشني في المسألة !! فعجبت من كلامه هذا ، وأردت استدراجه فقلت: لقد أخطأ الشيخ "ابن باز" !! فاحمر وجه الأخ وغضب غضباً شديداً وكأنني أتيت بكبيرة من الكبائر ، وقال: كيف تتجرأ على مثل هذا القول ، اتقي الله .. إن الشيخ ابن باز كذا ، والشيخ كذا ... إلى آخر ما قال !! فقلت له بهدوء: لقد أفتى الشيخ "ابن عثيمين" رحمه الله بجواز القصر ما دام الإنسان مسافراً !! فظهرت علامات الحيرة على وجهه ولم يدري ما يقول ، فهو الآن بين أن يرد كلام الشيخ "ابن باز" رحمه الله أو كلام الشيخ "ابن عثيمين" رحمه الله !! ..
الصحابة رضي الله عنهم كان يجتهد أحدهم فيخطىء ، وليس رد كلامه من قبل العلماء انتقاص له وتجريح لشخصه ، وإنما الفيصل هو الكتاب والسنة.

ثامناً: يجب التخلص من العصبية الحزبية الضيقة . وللنظر حولنا ونرى كيف أن الدول المتناحرة المتقاتلة المتخالفة أصبحت تتكتل حفاظاً على مصالحها العليا ، ونحن المسلمون نتقاتل ونتصارع لأسباب أكثرها لا تستحق حتى المناقشة !!
الأمة الإسلامية أمة واحدة لا ينبغي لها أن تتجزأ إلى أحزاب متناحرة "كل حزب بما لديهم فرحون" !! إن هذا التعصب سبب رئيس لضعف الأمة وغالباً ما يؤدي إلى رد الحق الذي عند الغير ، ولقد رأيت أناس ينتقدون كتاب "رياض الصالحين" لأن التبليغيون يقرأونه كثيراً !! فسبحان الله !! وهل هم الذين وضعوا الكتاب !! إنها العصبية المقيتة المبنية غالباً على الجهل وضيق الأفق .. نسأل الله السلامة .. (إقرأ كتاب: الصحوة الإسلامية ، ضوابط وتوجيهات \ للشيخ محمد بن صالح العثيمين ، رحمه الله)


الخلاصة:

العلماء بشر ، فمنهم المخلص العالم العامل من الذين فضلهم الله علينا بما استحفظهم على دينه ، ومنهم المنافق المخادع الذي باع آخرته بدينا غيره ، ومنهم بين ذلك ، والواجب على الأمة أن تتأدب مع العلماء الربانيين وتعرف لهم قدرهم ، وأن تعرف اختلاف مداركهم وقدراتهم ولا تحملهم فوقها ، وأن تكيل لهم النصح والإرشاد وتؤازرهم وتلتف حولهم وتشد من عضدهم ..

وعلى شباب الأمة ورجالها أن لا ينتظروا من العلماء كل شيء ، وأحدهم قابع في بيته بين أبنائه يأكل ويشرب في أمان ودعة ، بينما يحمّل العلماء مسؤولية تحمل حرارة السياط والتعذيب !!

وعلى العلماء أن يعرفوا مكانتهم ودورهم الريادي في الأمة ، وأن عليهم بيان العلم الذي استحفظهم الله عليه ، فعن أبي هريرةرضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار" (رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن) .

وعلى العلماء أن يظهروا في الساحة ما أمكن ، وخاصة في أوقات الفتن ، وأن لا يتركوا المجال للجهال والرويبظة يتصدرون المجالس فيفتون الناس بكلام من عند أنفسهم ما أنزل الله به من سلطان ، فيضل به خلق كثير: "إن اللَّه لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" (متفق عليه) .. فلا تخلونّ الساحة من العلماء وكأنهم قبضوا بغير موت.

"وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ" (القصص : 80)

نسأل الله أن يعلمنا ما جهلنا ، وان ينفعنا بما علمنا ..

والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
  • ملف العضو
  • معلومات
fayz1983
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 24-10-2007
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 238
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • fayz1983 is on a distinguished road
fayz1983
عضو فعال
 
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 02:07 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى