معادلة اليمامة والصياد
07-08-2009, 03:08 PM
معادلات
معادلة اليمامة والصياد
عندما كنا صغارا كنا ننظر بدهشة إلى تلك الطيور السابحة في الهواء ونحتار كيف تستطيع أن تحمل جسمها "الثقيل" حسب تفكيرنا في ذلك الوقت عن طريق جناحين وتتحرك كما تشاء في هذا الجو وتتراءى لها معالم العالم البديع باخضراره وأنهاره مبسوطا كبساط مزركش بأنواع اللوحات التي تهدينا إياها الطبيعة مجانا –كان ذلك هو تفكيرنا ونحن صغار- وما زاد ترسيخه في أذهاننا هي هذه النصوص المدرسية التي كانت تعرض حكايات الطيور وتصنع منها أبطالا ، تفكر، تتألم ، تبكي وتفرح، تغضب وتنصح، وتصيب وتخطئ، ذلك ما جسدته حكاية اليمامة والصياد.
فاليمامة طائر جميل يتحرك بحرية في الفضاء وهو رمز للسلام وللأمان حتى وإن اشتهرت الحمامة البيضاء كرمز للسلام، ففي نظري أن كل حمامة هي رمز للسلام لأن في طبيعتها محبة للخير وإرادته لكل الناس، ولأن هذه اليمامة "الطيبة " لا تتسم إلا بالنية الصادقة فإن ذلك قد يعرضها للخطر من طرف من لا يملكون مثل هذه" النية الطيبة" بل لهم هدف" دنيء" من وراء كل خطوة يخطونها في طريق الخير أو بسمة يهدونها لذوي القلوب الرحيمة ولو لتحقيق مصلحة مهما كانت صغيرة، المهم لا شيء عندهم بغير "ثمن" وهكذا يكون حال من خربت نفسه المطمئنة وصارت ملاذا للشيطان تستهويها كل لذة حقيرة وربما تستلذ الإيقاع بالناس لتعذيبهم.
كان هذا هو حال اليمامة " الطيبة" التي كانت تسرح وتمرح في الهواء تكسوها ابتسامة بريئة وتغمرها نشوة عارمة من أحاسيس الفرح والارتياح وهي تشاهد هذا الجمال الذي يكتسح بساط الأرض ويعلو حتى الجبال.
كانت تنظر إلى الكون وإلى سكانه وتظن بأن الجميع يمتلك مشاعر " إرادة ومحبة الخير للجميع" مثلها، ولهذا لم تأخذ بنصيحة سربها الذي كانت تنتمي إليه، فقد أعمت ثقتها" الزائدة" فيما حولها بصيرتها وصارت لا تسمع إلا صوتها "الساذج" سذاجة تفكيرها الخالي من التفطن والحذر، فوقعت في شراك الصياد وفقدت بذلك "حرية" كانت ستتمتع بها رفقة سربها لو استمعت إلى النصيحة وأعملت غريزتها في الاحتراس والحذر مما في هذا الكون من كائنات ومن غموض، فاتسمت بالحمق والتسرع وعدم سبر أغوار حقائق ما حولها فكانت ضحية لحمقها وعدم تروّيها ، فوقع عليها بذلك الذم من كل جانب ، وهذا هو مصير من لا يتأنى في سيره ومن لا يحصّل فطنة وكياسة للتعامل مع الواقع ومع محيطه والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : "المؤمن كيّس فطن".
فالصياد في هذه القصة يمثل الذكاء الحاذق الذي يحسن استدراج فريسته بفم مبتسم ويبدو بمظهر الناصح الأمين الذي يمكن الوثوق به وتسليمه زمام النفس لما يظهره من الولاء ومحبة الخير، وكان هذا فخا عظيما لا يمكن لأصحاب "النيات الطيبة" تلافيه فهم يقعون فيه مبتسمين ولا يحسون بفظاعة "الخدعة" إلا بعد فوات الأوان.
وما أكثر الصيادين في زمننا، فهم يتفننون في صياغة الكلمات وفي عرض الخدمات التي تكون بمثابة "المخدّر" لعقول "العقلاء الأغبياء" فيقعون في الفخ وهم يظنون أن عسلا سيشربون وعطرا سيشمون ولكنها الهلكة بعينها، وتأت هنا مسالة الثقة بالغير فهي لا يجب أن تكون مطلقة، كما سيبني المرء على تجاربه السابقة أحكاما ثابتة فيما يتعلق بالمحيط الذي يعيش فيه وهو يستفيد من جانب آخر من تجارب الآخرين التي ستكون بالنسبة إليه كلقاح يمنعه عن الإصابة بأمراض الوقوع في أخطاء الآخرين، ولهذا قسم علماء النفس الأذكياء إلى أنواع فاعتبروا أفضلهم منزلة هو ذلك الذي يستفيد من تجارب الآخرين ، ويأتي بعده من يستفيد من تجاربه الشخصية ، كما صنّفوا آخرهم بأنه الذي لا يستفيد من تجاربه ولا من تجارب الآخرين شيئا فهو يتعامل مع محيطه كما اتفق ولا يبالي إن وقع الضرر عليه أو وقع هو على الضرر وفي هذا المعنى يقول صلى الله عليه وسلم:"لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين". وإذا نظرنا إلى الواقع بروية وتبصر وجدنا أن المتهم الأول في خطأ " الثقة العمياء" يقع على العاطفة فالذي تحكم "العاطفة" تصرفاته هو أكثر من يكون عرضة للوقوع في شراك" الصيادين" المهرة بمكرهم وتزييفهم للحقائق عن طريق تقديمها في أحسن الحلل وتزيينها بأجمل الألوان وتعطيرها بأعطر الشذى والعبير ، فيكون الأطفال بحكم غلبة العاطفة هم النسبة الأكبر من الضحايا، ثم تأتي بعد ذلك المرأة لتكون النسبة أقل عند الرجل، وتبقى كل هذه النسب نسبية بالمقارنة مع الظروف والأحوال.
يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك











