مقدمة للعولمة
17-11-2010, 11:48 AM
يجمع العالم بأسره تقريبا على أن العولمة هي السمة التي طغت في السنوات القليلة الماضية وهي الظاهرة التي ستطغى على حاضرنا ومستقبلنا، وهذه الظاهرة التي عرفها العالم باسم العولمة مرة وبالكونية والكوكبية مرة أخرى تعني في مجملها إلى:
-إن المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية تتداخل فيما بينها بحيث أنه لم يعد هناك أي فاصل أو حد نستطيع بواسطته أن نفرق بين ما هو محلي أو إقليمي أو عالمي.
الأكيد أن القرن الجديد حمل معه الكثير من المتغيرات والتغيرات التي كانت سمتها الأولى السرعة والشمولية، بمعنى أن هذه التغيرات والمتغيرات جاءت سريعة بحيث داهمت المجتمعات على حين غرة ولم تترك لها فرصة التفكير أو ردة الفعل، أما من حيث أنها تتسم بالشمولية فلأنها شملت جميع الميادين والمجالات، إنها شملت حياة الإنسان برمتها، فقد أثرت على البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، أما كونها عميقة فهي بتأثيراتها تعيد تشكيل وصياغة العلاقات الإنسانية برمتها.
لقد احتلت ظاهرة العولمة اهتمام كل الناس على اختلاف مستوياتهم ومشاربهم وأثارت نقاشا واسعا وحادا وساخنا، واختلف الناس في تقديم تعريف واحد للظاهرة، كما اختلفوا في تقييم الظاهرة، واختلفوا في تقديم رؤية مستقبلية لها، حتى أن البعض راح يتساءل عن الشكل الذي ستأخذه الدولة العالمية، والشكل الذي سيأخذه المجتمع الكوني، وكيف ستكون عاداته وسلوكاته؟
الوضع الذي عليه اليوم العالم كان قد تنبأ له الكثيرون، فقد كتب الديبلوماسي والكاتب الفرنسي francois rene de chateaubriand عام 1841م يقول:) عندما تستكمل عملية استخدام قوة البخار مع التلغراف والسكك الحديدية سيؤدي ذلك لتلاشي المسافات، ولن تكون فقط البضائع هي التي ستسافر ولكن الأفكار أيضا سيصبح لها أجنحة، وعندما سيتم محو الحدود المالية والتجارية بين مختلف الدول مثلما حدث بين مقاطعات الدولة الواحدة وعندما تميل البلدان المختلفة في علاقاتها اليومية إلى نظام وحدة الشعوب كيف يمكنك أن تحيي أسلوب الانفصال القديم .. إن التفاوت الكبير في الأوضاع والثروات قد يثبت طالما بقي محجوبا، ولكن حال إدراك هذا التفاوت للعامة تكون الضربة القاضية. (
هناك من يأخذ هذا الكلام وغيره أثناء النقاشات كدليل على أن للعولمة تاريخ وماضي وأنها ليست ظاهرة جديدة بقدر ماهي ظاهرة متجددة في الوسائل فقط فإذا كانت قد ارتبطت في القديم بقوة البخار والسكك الحديدية فإنها اليوم ترتبط بالتكنولوجيات الجديدة مثل الأنترنت وأسواق رأس المال الدولية والسفر بالطائرات السريعة جدا ونقل الأخبار بواسطة نظام الكوابل وغير هذا من الوسائل المادية العظيمة التي يستحوذ عليها عالم اليوم.
ومن ضمن النقاشات والدعوات المتأثرة بالظاهرة والتي ترى فيها مخرجا من الأزمات التي يتخبط فيها العالم هي تلك الدعوات والأصوات التي تنادي بضرورة فتح الأسواق وإلغاء الحدود والرقابة على كل السلع والبضائع بما فيها الثقافة والإعلام والفكر، لتنطلق تساؤلات مرافقة لهذه الأصوات، تساؤلات يعتبرها الكثيرون منطقية ومشروعة، تساؤلات من نوع: ما هو الدور الذي ستلعبه وسائل الإعلام؟ وهل سيكون هناك اختراق ثقافي؟ أم تبادل ثقافي؟
تساؤلات عديدة وعلامات استفهام كبيرة حول الظاهرة، وقد لا يجد البعض منا ضرورة في الحديث عن الظاهرة لأنها تعتبر عند هؤلاء ترف فكري لا ضرورة له، وقد يرى البعض الآخر في الظاهرة شيء لا يعنيه لا من بعيد ولا من قريب، أما الذين عرفوا الظاهرة واطلعوا عليها من خلال الكتاب والمفكرين والساسة والمنظرين فينقسمون هم بدورهم إلى فريقين اثنين: الفريق الأول يرى في العولمة الجانب الاقتصادي والترف المادي وأنها صناعة غربية سيصيبنا بعض من خيرها ككل الصناعات الغربية وهي كذلك قدر محتوم لا طاقة لنا بمواجهته حتى ولو كانت كلها شر، أما الفريق الثاني فيرى الظاهرة بمنظار المتبصر في أحوال الدنيا فيرى أنه لا بد من دراستها والتعرف عليها من قرب والبحث في انعكاساتها على كل مجالات حياة الإنسان.
إن الحقيقة التي لا مناص منها وهي أن ظاهرة العولمة واقعا نعيشه كل لحظة ونتأثر به إما سلبا أو إيجابا و أن العولمة كظاهرة لها انعكاسات شتى تمس جميع الميادين، وأن العولمة عولمات، بمعنى أن هناك عولمة مالية واقتصادية كما أن هناك عولمة سياسية، وعولمة ثقافية، و عولمة أمنية وأخرى عسكرية وباختصار فالعولمة تستخدم على نطاق عالمي بما فيها المجال العسكري ولها تأثيرات واسعة على الفكر العسكري، من هنا وحتى لا نأخذ على حين غرة علينا إشاعة فهم أوسع وأشمل لمفهوم العولمة ومعرفة التأثيرات الإيجابية والسلبية التي حملتها معها على جميع نواحي حياتنا، خاصة منها العسكرية وهذا ما سيمكننا من فهم الظاهرة وتشخيصها بموضوعية واستشراق المعالم المستقبلية لها والاستعداد لمواجهتها، كما أنه من الأهمية بمكان الاطلاع على التكنولوجيات الحديثة التي هي السمة البارزة والحاملة لعصر العولمة، ويتوجب علينا الإحاطة بجميع جوانبها وفهمها فهما عميقا لا سطحيا ومحاولة الاستفادة من خيرها واتقاء شرها.