فضيلة الشَّيخ
عبد المالك بن أحمد رمضاني الجزائري
حفظه الله ورعاه
بسم الله الرحمن الرحيم
الصَّحابةُ رضي الله عنهم خَيرُ مَن يُقتدَي بهِ بعدَ الأَنبِياءِ علَيهم الصَّلاةُ والسَّلاَمُ، لأنَّ اللهَ عزوجل مدحَهم ومدَحَ مَن يَتَّبعونهم بإِحسانٍ وأَخبرَ أنَّه راضٍ عَنهم : التَّابع والمَتبوع ، فقالَ : ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المـُهَاجِرينَ وَالأَنصَارِ والَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانِ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَـهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ ﴾ [ التوبة:100] وهُم كما أخبرَ اللهُ عزوجل : ﴿ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ ﴾[ الحشر:10]
إذاً فقَد سبَقونَا إلى خيرٍ عَظيمٍ ، فلذَلكَ عقدتُ هَذا الفَصلَ ليَكونُوا قُدوةً لَنا ، لاَ سيَّما في هَذا البابِ الَّذي تَشتبهُ فيه المَفاهيمُ ويَحتدمُ فيه الخلاَفُ ، وقد كانَ الصَّحابةُ رضي الله عنهم أبعدَ النَّاس عن الفتَن والاختِلاَفِ ، وأقربَهم إلى السَّكينةِ والائتِلاَفِ ، لاَ سيما عندَ اشتِدادِ المِحن ، وقد هاجَت فتِنٌ في زَمانِهم فلم يَدخل فيها – وهم أُلوفٌ مُؤلَّفةٌ – إلاَّ أفرادٌ قلاَئل عن اجتِهادٍ منهم طلبٍ للخَير معَ أَعذارٍ أُخرَى لَسنا بصَددِها الآن .
وهَا هنا بَيانٌ مُختصرٌ لهَديِهم عندَ الفِتن ، فأَسوقُ أسماءَ بَعضِهم ممَّن عُرِف بعَينِه أنَّه كانَ مُعتزلاً للفِتنةِ معَ شيءٍ من أَخبارِهم في ذلكَ بإِيجازٍ ومِن غَير استِيعابٍ لهم جَميعاً ولاَ استِيعابٍ لأَخبارِهم ، ومَن اقتدَى فقَد اهتَدَى :
1 - ذُو النُّورَين عُثمانُ بن عفَّان رضي الله عنه:
قالَ ابن القيِّم في الطرق الحُكميَّة ص (30): " وَمِنْ هَذِهِ الفِرَاسَةِ : أَنَّه رضي الله عنه لمـَّا تَفَرَّسَ أنَّه مَقْتُولٌ ولاَبُدَّ أَمْسَكَ عَن القِتَالِ والدَّفْعِ عَن نَفْسِهِ ، لِئَلاَّ يَجْرِيَ بَيْنَ المُسْلِمِينَ قِتَالٌ ، وآخِرُ الأَمْرِ يُقْتَلُ هُوَ ، فَأَحَبَّ أَنْ يُقْتَلَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ يَقَعُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ " ، لعلَّه يُريدُ الإِشارةَ إلى مِثل رِوايةِ أبي هُريرةَ رضي الله عنه قالَ :" دَخلتُ على عُثمانَ رضي الله عنه يومَ الدَّار ، فقلتُ : يَا أميرَ المُؤمنينَ ! طابَ الضَّرْبُ، جِئتُ أُقاتِلُ معَك، فقالَ: يَا أبا هُريرةَ ! أيَسُرُّكَ أن تَقتلَ النَّاسَ جَميعاً وإيَّايَ معَهم ؟ قالَ : قلتُ: لاَ ، قالَ : فإنَّك – والله ! – لئِن قَتلتَ رَجلاً واحداً لَكأنَّما قَتلتَ النَّاس جميعاً ، قالَ : فرَجعتُ ولم أُقاتِل " رَواه سَعيد بن منصور في "سننه " (2937) ونُعَيم بن حمَّاد في "الفتن" (437) وابن سعد في "الطبقات" (3/70) والخَطيب "الكفاية" ص (183) وهو صَحيحٌ ، وفي روايةٍ عند نُعَيم بن حمَّاد (391) عن أبي هرَيرة رضي الله عنه قالَ : "كنتُ مع عُثمانَ رضي الله عنه في الدَّار ، فقُتل منَّا رجلٌ ، فقلتُ : يا أميرَ المؤمنِينَ ! طابَ الضِّرابُ، قَتلوا منَّا إنساناً ، قالَ : عزَمتُ عليكَ لماَ طرَحتَ سيفَك ، فإنَّما تُرادُ نَفسي ، فسَأَقي المؤمنِينَ اليومَ بنَفسي قالَ: فطرَحتُ سَيفي ، فما أَدْري أينَ وقَعَ ؟ "
(1) : فصلٌ مِن كِتاب الفذّ :
" تَميِيْزُ ذَوِي الْفَطن بَينَ شَرَفِ الجِهَادِ وَسَرَفِ الفِتَن "
يُتبع إن شاء الله ...
كتبه على الجهاز فى مجالس مختلفة ومتباعدة ابتدأً من :
يوم 04/10/2003 – 15 شوال 1430هـ:
سفيان ابن عبد الله الجزائري – غفر الله له