**نزهة الخاطر** بين أوراق الماضي الجميل (الحلقة الثانية)
26-10-2011, 05:38 PM
حين يبحر القلب في متاهات الحياة، وحين تكذب الآمال وتتشتت الأفكار، يحتاج الخاطر أن تكون نزهة بين أوراق الماضي الجميل، ترسم له الأمل على صفحات الحاضر والمستقبل
الحلقة الثانية
:: حُســـن الخُــــلُق (1) ::
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وعبده نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته واقتفى أثره واهتدى بهديه.
أهلا بكم إخواني و أخواتي في هذا اللقاء المبارك؛ الذى نتكلم به حول نزهة الخاطر وما يلحق بذلك من المواضيع التي تعين على إراحة العقول وترويح النفوس, نتكلم في هذه الحلقة على مسألة مهمة جداً يحتاجها كل واحد منا في جميع تعاملاته، وهي مسألة ::حُسن الخُلق::, حسن الخلق الذي هو مما لا شك فيه أنه جامع لأبواب الخير ومفتاح لسُبل البر، من وفقه الله إليه فقد فاز وحاز فضلاً عظيماً، وسبق سبقاً كبيراً, ولذلك فقد أعظم الله عز وجل منزلته، حتى قال بعض السلف :"لكل شيء أساس وأساس الإسلام الخلق الحسن", ومن أجل ذلك فقد أثنى الله سبحانه وتعالى على خير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم بما فضله به من حسن الخلق فقال تعالى :}وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ{فما بالك بأمر عظمه الله عز وجل ,ولما سئلت عائشة رضى الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت:" كان خلقه القرآن " أي أنه كان متمسكاً بآدابه وأوامره ونواهيه وما يشتمل عليه من مكارم الأخلاق ومحاسن الأمور صلوات ربى وسلامه عليه.
وحقيقة حسن الخلق:بذل المعروف وكف الأذى وطلاقة الوجه، وأن يحتمل المرء ما يكون من الناس، وأن يأخذ النفس نحو الأحمد من الأفعال بين الناس, ويكون سمحاً بحقوقه لا يطالب غيره بها، ويوفي ما يجب عليه لغيره منها, فمن أراد الله به خيراً وفقه لمحاسن الأخلاق فإن ذلك هو الفضل العظيم، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"البر حسن الخلق" والبر هو الخير الكثير, ومن رأى عظيم منزلة حسن الخلق في الشريعة سعى سعياً حثيثاً ليكون له النصيب الأعظم من ذلك, فإن حسن الخلق مثقِّل لميزان العبد يوم القيامة، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلقٍ حسن" ،كما أنه أكثر ما يدخل به الناس الجنة، فقد سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة فقال:" تقوى الله وحسن الخلق" .
وحسن الخلق دليل على كمال إيمان العبد فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقا", وكفى به قدراً أنه وسيلةٌ إلى محبة الله للعبد، وأن صاحبه قريب المنزلة يوم القيامة من خير الورى محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وقد جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة، سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :من أحب عباد الله إلى الله؟ قال :"أحسنهم خلقا" وقال - صلى الله عليه وسلم - :"من أحبِكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقا".
فهذه الأحاديث النبوية الكريمة مما يشحذ الهمم لبلوغ تلك المنازل بالعمل الدؤوب على تحصيلها , على أن همم الناس تختلف في هذا المضمار والله عز و جل هو الهادي إلى أقوم السبيل .
ومما يدلُ على عظيم منزلة الأخلاق؛ ملازمة النبي - صلى الله عليه وسلم- الدعاء بأن يُحسِّن الله خُلقه، وهذا تشريعٌ لأمته لتحذُو حذوه، فكان يقول - صلى الله عليه وسلم - في دعائه}: اللهم كما حسّنت خَلقي فحسن خُلقي{ .
وكان من دعائه صلوات ربي وسلامه عليه }اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنِها إلا أنت، و اصرف عني سيئها فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت{.
كما أنّ حُسن الخُلق عونٌ على الدِّين والاستقامة، يقول الإمام محمد بن سيرين - رحمه الله - : " كانوا يرون حسن الخُلق عوناً على الدين " ، وقال عبد الرحمان بن مهدي: " ليتقِ الرجل دناءة الأخلاق كما يتقي الحرام " ، وحُسن الخُلق من شِيَم أهل المُروءات .
يقول الشافعي – رحمه الله - : " للمروءة أركانٌ أربعة : حسن الخلق ، و السخاء ، والتواضع ، والنُسُك " و قال علي : " أكرم الحسب حسن الخلق " .
هذا وإن من أوسع الأبواب إلى محاسن الأخلاق : طلاقةُ الوجه ، والبِشر عند اللقاء . فإنّ الابتسامة دليل على حُسن الخُلق و توطِن النفس على الأخذ بمحاسن الأخلاق ؛ كيف لا ؟! والنبي - صلى الله عليه وسلم -يقول : }تبسمك في وجه أخيك صدقة {، و يقول جرير بن عبد الله البجلي: " ما حجبني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ أسلمت و لا رآني إلا تبَسّم في وجهي " .
فكم هو جميل أن نجعل الابتسامة عنواناً لنا عند مخاطبتنا الناس و محادثتهم ، وما ذلك إلا أنّ الابتسامة مفتاح للقلوب ، وسبيل إلى التآلف و التواصل ، و من الخطأ الفاحش عند بعض الناس ظنّه بأنّ التبسُّم في وجوه الناس يجرِّؤهم عليه أو أنّه لا يليقُ بالسَّمت و الرَّزانة، فتجد أحدهم إذا سلَّم على النّاس أو خاطبهم أقبلَ عليهم بوجهٍ عبوس؛ و كأنّه مغضبٌ من أمر ما، وهذا خطأ بالغ جسيم، و هو من تلبيس الشيطان .
فالسمت و قوة الشخصية ليست في ترك التبسم ومحاسن الأخلاق؛ بل إنّ التعامل بهذا المنطق دليل الجفاء والغِلظة. قال الحارث بن جُزء - رضي الله عنه -: " يعجبني من القُرّاء كل طليق مِضْحَاك "، قُراء يعلّمون الناس الخير، ويعلّمونهم " يعجبني من القُرَّاء كل طليقٍ مِضْحَاك ". فأما الذي تلقاه ببِشر، و يلقاك بوجه عبوس كأنّه يمُن عليك فلا كثّر الله في المسلمين من مثله.
و الهيبة لا ينقصها حسن الخلق في التعامل مع الناس كما يظن البعض ، ولا ينقصها التبسم في وجوه الخَلْق . فقد كان سلف الأمة أحسن الناس أخلاقاً, وأعظمهم هيبة في قلوب الناس؛ قال ضِرار بن حمزة يصِفُ علي بن أبي طالب قال : " كان والله يُجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه, ونحن و الله مع تقريبه لنا و قُربه منا لا نكلمه هيبة له، يُعظِّم أهل الدِين ويُحب المساكين؛ لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأسُ الضعيف من عدله ".
و من محاسن الأخلاق أن يكون المرء هيناً مع الناس، متواضعاً لهم قريب منهم يصغي إلى حاجاتهم، فإنّ بعض الناس تكون له الحاجة عندك فلا يستطيع أن يُفصح بها إليك بسبب خجله ؛ فإن لم تجعل له باباً على نفسك بأن تجرِّئه على نفسك بعض الجرأة كأن تخلو به ، و تسأله عن حاجته فلن يَبلغُ إليك بحاجته، و قد بيّن لنا ذلك معلم الناس الخير- صلى الله عليه وسلم- أتمّ بيان بقوله وفعله.
تأمَّل... تقول عائشة - رضي الله عنها - " إنّ أبا بكر الصديق استأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و هو مضطجع على فراشه، فأذِن له وهو كذلك فقضى إليه حاجته ثم انصرف، ثم استأذن عمر - رضي الله عنه - فأذن له , و هو على تلك الحال فقضى إليه حاجته ثم انصرف، ثم استأذن عليه عثمان - رضي الله عنه - فجلس صلوات ربي وسلامه عليه و قال : }اجمعي عليكِ ثيابك{فقضى إليه حاجته ثم انصرف . فقالت عائشة - رضي الله عنها - : يا رسول الله مالي لم أركَ فزِعتَ لأبي بكرٍ و عمر - رضي الله عنهما - كما فزِعتَ لعثمان ؟! فقال - صلى الله عليه وسلم - : }إنّ عثمان رجلٌ حيي و إنّي خشيتُ إن أذنتُ له على تلك الحال ألّا يبلّغ إليّ في حاجته {، فصلى الله وسلم وبارك وأنعم على معلم الناس الخير " الذي أتم الله به الدين وهداه إلى أحسن الأخلاق وأعظمها.
فمن الخطأ الذي يصنعه البعض أنه قد يدخل عليه بعض الناس في حاجة لا يريد أن يطَّلع عليها أحد، وهو قد جلس في جماعة من الناس، فيسأل الداخل عن حاجته، فإذا قال له إن حاجتي خاصة أريدها بيني وبينك، قال:" لا فالأمر عادي وليس عندي إلا فلان وفلان أصحابي"، فيعود المرء منه دون إبلاغه حاجته، وهذا من سوء التصرف ولا شك لأن طباع الناس تختلف، وقد يكون هذا المرء حيياً، أو لا يريد أن يُظهر حاجته أمام الناس؛ لأنها تتعلق بأمر خاص أو حفاظاً علىكرامته أوخوفاً من رد حاجته، فإذا بهذا يحرجه ويجرحه في آن واحد، وكأن من يفعل هذا الفعل لا يريد بتصرفه ذلك إلا إيجاد العذر لنفسه برد حاجة من جاءه، فيعتذر بعد ذلك بأنه سأله في محضر الناس، فلا هو بالذي أمضى حاجته وأعانه على اتمامها ولا بالذي جعل لنفسه عذراً مقبولاً عند العقلاء . فملاحظة حاجات الناس ومعرفة سُبل التعامل معها من أعظم الدلائل على حسن أخلاق صاحبها.
هذا وإن أولى الناس بالمعاملة الحسنة وحسن الخلق هم أهل البيت؛ الزوجة والأبناء فالعجب العجاب أن بعض الناس يقصد ابتسامته وتخلقه بالأخلاق الحسنة المصطنعة على الناس، فإذا عاد إلى بيته سار وكأنه وحش كاسر، لا يبتسم، ولا يهذب ألفاظه، بل يعود فظاً غليظاً كأنه يمْتَن على أهل بيته بما ينفقه عليهم ويهيئه لهم من سبل المعيشة، ونسي أن أولى الناس بكل حسنى هم أهل البيت، وأنهم مقدمون على كل أحد.
إن الخلق الحسن قد يكون غريزة في المرء، ولكن أيضاً قد يكون مكتسباً يكتسبه المرء من خلال البحث عنه في مظانه، ومن المعلوم أن الحكيم يزداد بمجالسته أولي الأحلام والنُهى رأياً، والعالم بمخالطة العلماء علماً، فلا ينكر أن يكون ذو الخلق الجميل يزداد حسن خلق بمجالسة أولي الأخلاق الحسنة، قال الأشعث بن القيس يوماً لقومه" إنما أنا رجل منكم ليس فيه فضل عليكم، ولكني أبسط لكم وجهي وأبذل لكم مالي وأقضي حقوقكم، وأحوط حريمكم فمن فعل مثل فعلي فهو مثلي، ومن زاد عليّ فهو خير مني، ومن زدتُ عليه فأنا خير منه"، قيل له: يا أبا محمد ما يدعوك إلى هذا الكلام؟ قال: "أحثكم على مكارم الأخلاق".
يتبع ..........
من مواضيعي
0 يغفر ذنبك عند كل وجبة طعام!
0 غير مسجل هذه دعوة مني لك لتأمل هذه الآية: (( فلنحيينه حياة طيبة))
0 [ جديد ] 24 بطاقة دعوية حول فضل وأعمال عشر ذي الحجة
0 توصيات ونصائح للطلاب مع بداية الموسم الدراسي الجديد 2014م/2015م
0 افتراضي تهنئة العيد من بذرة خير إلى كل الأعضاء خاصة بذرة خير
0 نبشر كل مؤمن ومؤمنة في العالم بأن الشيخ أبوبكر الجزائري حفظه الله حي يرزق وهو يتمتع بصحة جيدة
0 غير مسجل هذه دعوة مني لك لتأمل هذه الآية: (( فلنحيينه حياة طيبة))
0 [ جديد ] 24 بطاقة دعوية حول فضل وأعمال عشر ذي الحجة
0 توصيات ونصائح للطلاب مع بداية الموسم الدراسي الجديد 2014م/2015م
0 افتراضي تهنئة العيد من بذرة خير إلى كل الأعضاء خاصة بذرة خير
0 نبشر كل مؤمن ومؤمنة في العالم بأن الشيخ أبوبكر الجزائري حفظه الله حي يرزق وهو يتمتع بصحة جيدة








