أيُّها التّائه ... قِف !
30-01-2012, 10:48 PM
بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هي محاضَرة قيّمة ألقاها فضيلة الشيخ أبو اسحاق الحويني بمدينة بروكسيل ببلجيكا ، سأضعها هنا مُفرغة .. مقطّعة حتى تسهل قراءتها و الاستمتاع بها ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هي محاضَرة قيّمة ألقاها فضيلة الشيخ أبو اسحاق الحويني بمدينة بروكسيل ببلجيكا ، سأضعها هنا مُفرغة .. مقطّعة حتى تسهل قراءتها و الاستمتاع بها ..

إن الحمد لله تعالى نحمدهُ ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرورِ أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهدى الله تعالى فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبدهُ ورسوله
أما بعــــــدِ.
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالي وأحسن الهدي هدي محمدٍ صلي الله عليه وآله وسلم ، وشر الأمور محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعه وكلَّ بدعةٍ ضلالة وكلَّ ضلالةٍ في النار ، اللهم صلى على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنَّك حميدٌ مجيد .
سبب اختيار الشيخ _حفظه الله_ لهذا العنوان.
درسنا هذا المساء بعنوان أيها التائه قف أو قلّ هي صرخةٌ إلى تائه ، والذي حذا بي أن أختار هذا العنوان أنَّ أكثر أهل الأرض تائهون ، أكثرهم لا يعلم لماذا خُلِق ولا إلى أين المصير ؟ فأبدأ بتقرير حقيقةٍ قرآنيةٍ في وصف أصل الإنسان فهذا الإنسان له صفتان رئيستان مذكورتان في قول الله تعالي:
الصفتان اللتان للإنسان في القرآن الكريم.
قال تعالي﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾(الأحزاب:72) ، فكل إنسان في مبدئه ظلومٌ وجهول .
أما أنه ظلوم: فلأن حقيقة الظلم أن تضع الشيء في غير موضعه ، وهذا يحتاج إلى علمٍ وحكمة .
وأما جهول: فالله عز وجل قال:﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا ﴾(النحل:78) ، فالعلم كسبي ، بمعنى يولد المرء لا يعرف شيء مطلقًا ، فلا يموت حتى تُعقد عليه الخناصِر ويقال هذا أعلم الناس .
للمرء صفات كسبية و وجبلّيَة.
فصفة العلم صفة كسبية يكتسبها المرء ، كما أنَّ للمرء صفاتٌ جبلية ، يجبل حليمًا ، يجبل كريمًا ، سخيًا ، أو يجبل لئيمًا ، خسيسًا ، فهناك صفات جبلية وهناك صفات كسبية ، إذًا أصل الإنسان أنه ظلوم وجهول .
فكيف يخرج المرء من ظلمه وجهله ؟
لا يخرج المرء من ظلمه وجهله إلا بإتباع الوحي قرءانًا وسنة ، لذلك أنزل الله الكتب وأرسل الرسل ليخرج المرء من هاتين الصفتين ، لأن المرء لابد أن يسلك طريقًا من اثنين لا ثالث لهما كما قال تعالي:﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ (البلد:10) على أحد التفاسير أي طريقي الخير والشر ، فإمَّا أن يتبع الوحي وإمَّا أن يتبع ضده وهو الهوى قال تعالي:﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ ﴾ هذا هو الوحي ، ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾(القصص:50) ، فهذه هي الجهة المقابلة للوحي ألا وهي الهوى ، وقال تعالى:﴿ وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾ هذا هو الوحي ﴿ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾(الكهف:28) وقال تعالي:﴿ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾ هذا هو الوحي ﴿ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ (ص:26) .إذًا ما ثمَّ إلا وحيٌ أو هوي .
فإذا اتبع المرء الوحي خرج من ظلمه وجهله وإذا اتبع الهوى بقيَّ على أصل خلقته .
كيف يمكن للمرء أن يجتاز هذه الحياة ويلقى الله- عز وجل- بوجهٍ أبيض ؟ يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، تبيض وجوه أهل السنة والجماعة ، وتسود وجوه أهل الفُرقَة والبدعة كما نصَّ على ذلك جماعة من العلماء كسفيان الثوري وغيره من أهل العلم .
لا يستطيع المرء أن يتخلص من ظلمه وجهله إلا بإتباع الوحي .
ولذلك الإمام البخاري- رحمة الله عليه- لما صنَّفَ كتابه الصحيح الذي هو أصح كتابٍ بعد كتاب الله – عز وجل- بإجماع أهل العلم ، ليس هناك كتاب أعلى من كتاب البخاري ، لا في شرطهِ ولا في تبويبهِ ، ولا في فقههِ ثم يتلوه كتاب مسلمٍ- رحمه الله- .
الإمام البخاري سمى كُتب صحيحه كعادة أهل العلم الذين صنَّفوا كتب الأحاديث ، يقول كتاب الطهارة ، كتاب الصلاة ، كتاب الزكاة ، كتاب الصيام ، كتاب الحج ، كتاب الطلاق كتاب النكاح ، يقسمون كتب الأحاديث إلى كتب مسماه .
بم بدأ البخاري رحمه الله صحيح البخاري وبما أنهاه؟
البخاري- رحمه الله- بدأ كتابه الجامع الصحيح بكتاب سماه كتاب بدأ الوحي وآخر كتاب في صحيح البخاري اسمه كتاب التوحيد ، البخاري سمى أول كتاب في صحيحه كتابَ بدأ الوحي ثم كتاب الإيمان ، ثمَّ كتاب العلم ، ثمَّ كتاب الطهارة ، وعندك الغسل والحيض وغير ذلك ثمَّ تدخل على الصلاة لكن أول كتاب اسمه بدء الوحي ، وآخر كتاب في صحيحه اسمه كتاب التوحيد .
ماذا يريد البخاري بهذا ؟
أراد البخاري أن يقول: من أراد أن يُختم له بالتوحيد فعليه بالوحي ، لابد أن يبدأ كلَّ حياتهِ بالوحي قرءانًا وسنة ، لأنَّ الوحي ليس قرءانًا فقط ، ﴿ إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾(الحجر:9) ، أجمع أهل العلم على أن الذكر هو القرءان والسنة معًا وليس القرءان وحده .
فالذي يريد أن يُختم له بالتوحيد في آخر حياته فليلزم في كل أموره الوحي المنزَّل من الله- عز وجل- وهو القرءان ، والموحى إلى النبي- صلي الله عليه وسلم- إلا وهو السنة .
يُتبع باذن الله










