لماذا أنا مؤيد لمسلسل عمر الفاروق .؟
26-07-2012, 03:21 PM
لماذا أنا مؤيد لمسلسل عمر الفاروق ؟.
نترك جانبا موضوع الوهابية التي طفح فيها الكيل ونعيد عقارب الساعة وراء إلى حيث بداية الموضوع ، مسلسل عمر بن الخطاب .
شخصية عمر بن الخطاب الفذة أحاطها السلفية بهالة من التقديس أسوة بما فعله الشيعة بعلي بن أبي طلب ، وأنا هاهنا لا أعالج الموضوع من زاوية (عقدية محضة ) وإنما من زاوية البعد الحضاري والفكري ، فالشخصيات مهما كانت، ليست هي الدين وإنما هي في دائرة الدين .
فعندما أيدت عرض المسلسل ، احتكمت لضوابط عقلية منطقية أكثر منها عقيدة وتفسيرات فقهية يعوزها السند القو ي أسواءً كان قرآنا أو سنة متواترة ، ورأيي يحفظ ولا يقاس عليه ، فهو مجرد عرض فكري لترسبات معرفية عالقة بالذهن قد تكون صائبة يقبلها المتنور المتحرر ، أو يراها آخرون ( رجس من عمل الشيطان ) لخضوع فكرهم لتأويلات مؤدلجة دينية وسياسية تجعل الأفعال كلها محل الشك وتسفهها أحيانا كل تسفيه مثل (تحريم قيادة المرأة للسيارة في حين انها كانت تقود الحصان والجمل في زمن النبوة ؟).
وإن كنت من المؤيدين لعرض المسلسل إلا أنني لم أتابع فيه سوى ( الحلقة الأولى) ليس لأنني استجبت للتحريم ،وإنما لضرورات وقتية قاهرة لم تسمح لي بذلك ، ودواعي تقبل فكرة عرض المسلسل خلاف الكثير من المتحاورين ، لم تأتي عرضا وإنما عن فهم ببعديه الديني والحضاري الآني .
****المنطلقات الفكرية :
*** الإنغلاق على أدوات العصر مبعث على الإنحطاط والتقوقع ، و نشدان حضارة إسلامية في عباءة الغرب المنتج سراب يدحضه الواقع ، فنحن معشر المسلمين ندور في فلك الغرب فكرا وحضارة و مدنية ، فإما أن نجاري ونساير الغرب في وثباته ، أو نخلق أدواتنا الخاصة ، أو نعود لما كان عليه السلف من شضف العيش وقوة الإيمان وبساطة الوسائل .
*** السلفيون حاليا منافقون ، فهم سلفيون باللباس القصير والفكر المتشدد ، لكن وسائلهم التي يستخدونها كلها نتاج الكفار الغربيين في المجال الطبي والحربي والتكنولوجي ، فالحويني عندما سقم لم يعالج في ( نجد) وإنما عند أهل الصليب والإلحاد في سويسرا حيث وجد بلسمه وشفاءه ، فهم ( يأكلون الغلة ويسبون عقلها المنتج) .
*** انشغال المسلمين بأمور الدين بتفرعاته وتشظيه عبر القرون ، ولد تراكما معرفيا مولدا للإحتقان ، شغلهم الكلام والجدال فغاصوا فيه ، وتناسوا أمر دنياهم الذي تكفل به غير المسلمين [ قزمية التوسط لصالح ضخامة التطرف ] .
*** نشدان الخيرية والحضوة والمكانة الرفيعة بين الأمم لن يتأتى بالكلام والإطناب فيه، فنحن على مدار الأربعة عشر قرنا الماضية لم نشارك إلا بنزر قليل في المجهود الحضاري الإنساني الذي بلغه اليوم ، وحتى أولائك العلماء المسلمين الذين تفوقوا في الغرب حاضرا ، تفوقهم يُحسب للغرب فإنتاجهم تم بإمكانات و وسائل ومناهج الغرب ؟ .
أكتفي بهذه الإطلاقات المنطلقية التي لا شك وأنها ستجعلني في خانة ( المغضوب عليهم) في المنتدى ، وقد يشحذ بعضهم سكاكينه بردود غير حضارية تستخدم السند الفقهي مرجعها في نسف كل فكر متحرر من براثين أحكام قبيلة حدثنا وسأعود الى جوهر الموضوع :
**** لماذا أستحسن عرض مسلسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟ .
1) لم أجد ما يحرم ذلك في القرآن والسنة الصحيحة ، وعلى المتفقهين الذين أيدو المقاطعة الإتيان بالدليل النصي ، وليس برأي الفقهاء القياسي أو الإستنباطي ، فالتحريم أدواته إما قرآن أو حديث لا سواهما .
2) عهد حكم الخليفة الثاني عهد متميز ، أرسى فيه مباديء الحكم الراشد ، والعناية بالرعية ، والمساواة والتسامح .... ( التطبيقات المثالية للإسلام كمحك نحتكم إليها) هذه السمات النيرة يجب أن يقرأها ويسمعها ويراها العالم كله بمختلف اللغات حتى يفقهونها ويعلمونها .
3) علماء مسلمون على رأسهم ( القرضاوي ) وثله من معاونيه ، ساهموا في توجيه سيناريو المسلسل ، قد يكون الإختلاف بين الفقهاء لكن لا تصل الهوة حد التحريم ، فأنا متيقن أن محتواه بطبيعة إسلامية على مذهب السنة ، فالمسلسل لم ينتجه الغرب ولا الشيعة ، فهو انتاج سني ونحن أولى بمتابعته ،ولو أنتجه الغرب وحتى الشيعة الرافضة ، يستحسن أن تتطلع النخب ( وليس العامة ) على ما قيل للرد على الشبهات والتلويثات السقيمة ، فكيف يمكننا الوصول الى الحقيقة إذا لم تعرض علينا مختلف التوجهات والتصورات ، فكلما كانت المادة غزيرة كلما كانت الأحكام أكثر صدقية .
4) قرأنا عن سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، هل تصورنا لما قرآناه في الكتب كان مطابقا لما كان واقعا في عهده؟ ، تصورات القاريء وفهمه تختلف من قاريء لآخر تبعا لمستوى المتلقي وثقافته وتجربته الحياتية ، ففهم الصغير سيكون مختلفا عن فهم الراشد ، فكثير من الأطفال قد يتصورون في أذهانهم مخيالية غير صحيحة ..... فالمسلسل كفيل بتصحيح تلك الفهوم السقيمة ويوحدها.
5) لا شك وأن المسلسل سيتعرضُ لأفعال الخليفة وموقفه من النصارى عند فتح القدس ، ويتعرض لأحكام مفصلية خاصة موقفه من التفاضلية والعبودية ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا ) وعدله بين الرعية ، ومحاسبة النفس ، والحفاظ على الملكية العامة ، لهذا أرى بأن ( الساسةوالحكام ) هم المحركون لقضية تحريم مشاهدة المسلسل ، لأن مشاهدة المسلسل يظهر عورات وسوءات الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي، ويظهر مدى الفروق الشاسعة بين الإسلام الصادق والإسلام الكاذب ، وهو ما ينبيء بحركية تحررية أقوى في ظل تواجد استعداد جماهيري متقبل ، وبعرضه قد تهتز عروش وتسقط أنظمة ، لأن أحداث الفيلم تاريخية مشحونة بمصوغ برمز ديني قوي .
6) الأكسوسوارات والوسائل التقنية الموظفة قد تظهر واقعا أفضل مما كان عليه السلف ، وهذا جانب ثانوي لكنه ايجابي تحسيني ، فالعبرة بمحتواه التوجيهي ، وهو سند قوي للأجيال الحالية في معرفة ما كان عليه السلف بصدقية قريبة نسبيا من واقع ذلك الزمان، لأن المخرج حريص على تمثل واستحضار الماضي بكل تفاصيله الدقيقة ، في اللباس والمأكل والسلاح ....الخ .
7) فيلم الرسالة لمصطفى العقاد بتعدد نسخه خدم الإسلام أكثر مما خدمه فقهاء الإسلام الذين عارضوا عرضه ؟ . فكثير من غرباء اٌلإ سلام عرفوا بأن هناك دين ، بعقيدة واضحة ، وبمباديء قيمة عالية لم يوصلها لهم لا البخاري ولا ابن تيمية ولا ابن باز . ، أو ليس ذلك فتح مثالي مجاني بلا سلاح . فلا جيوش جهزت ، ولا أرواح زهقت .
8) منع عرضه أمر متجاوز ، فالإمكانات التقنية المتاحة قادرة على تجاوز كل الممنوعات ، فالمنع هو محفز أقوى للمعرفة ، فإن أردت انتشار الشيء بين العوام قيده بالمنح والتحريم ، فإمكانية نسخه وتحميله وانتشاره بين الناس أمر وارد ومجاني ! فالحارس الأقوى هو ضمير الأنا دون غيره .
9) وسائل الإعلام السمعي البصري هي أحد الأسلحة في الهجوم والدفاع ، والتخلف عن توظيفها لصالح المسلمين نكوصية وتردي ، فالعولمة لا تبقي ولا تذر ، فالأمم حاليا ساعية إلى الإبانة عن نفسها خوفا من ذوبانها وذهاب ريحها ، حتى العملاق الصيني متأهب حاليا لبناء هوليود جديدة على الطريقة الأمريكية ، والمسلمون منذ أربعة عشر قرنا وهم منشغلين بأمر الحلال والحرام .وجواز الصلاة أو بطلانها بسبب دم بعوضة ،تاركين فسحا ومساحات شاسعة لغيرهم اللعب فيها بكل حرية .
10) التحريم جار ، والدوس عليه قائم ، حرموا الهاتف فاستعملوه ، حرموا السيارة فركبوها ، حرموا التعامل مع الكافر فتسابقوا للتعامل معه انبطاحا ، حرموا السينما والتلفاز فأصبحوا يفتحون قنوات وهابية بالجملة ، وغدا سيجبرون على السكوت كما سبق لهم وأن سكتوا عن سيارة عبد العزيز آل سعود إنهم كفروا استعانة المسلم بالكافر ، فاستعانوا بالكفار بفتوى منهم في اجتثاث مناوئيهم بالكافر الأمريكي .
خلاصة القول أن الإفتاءات الوهابية السعودية ومن جاراها ملأت الدنيا بضجيجها وعنفها ، إلا أن تطبيقاتها في دنيا الواقع صفر في الميزان فهي معطلة لعجلة الحضارة ، فالمسلمون كثيرهم تائهون بين القنوات الفضائية والنت ، فهم بازار استهلاكي ضخم لضجيج العالم ، فالوهابية يجب عليها أن تعيد النظر في استراتجية تعاملها العنيف مع المذاهب الأخرى وإلا فإن مستقبلها سيجهض على يد أبنائها من أهل الملة .