على قبر ليلى .. وأقدار الله.
27-08-2012, 05:26 AM
على قبر ليلى .. وأقدار الله.
احبتي في الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
واسعد الله اوقاتكم بكل خير
اطلعكم على هذه القصة الحقيقية من حياتي...
وأشير اولا.. أني لست "قيس" قدوة العاشقين..
ولا هي "ليلى" التي أسقطت في الحفر
كل الرجال الذين استرقوا النظرة إليها..
بل إنها صاحبة الخمار الأسود والوجه الحسن،ليلى التي أعياها المرض وأتعبها البلاء، الباحثة عن الدواء الشافي، فلكل داء دواء الا الموت.
حين أخبرها مساعد الطبيب أنه لم يبق لها في هذه الدنيا إلا أياما معدودات.
إن الطبيب الذي جعله الله ملاك الرحمة واستأمنه على صحة المريض، هو أيضا لا يستغني عن حظه من المرض، لا بد أن يكون رحيما، قد يكتم الطبيب المرض ونوعه، وهذا هو الواجب ويطمئن مرضاه ويمنحهم الأمل في الشفاء، لكن بعض مساعديه قد يفشون السر ويزيدون المريض مرضا آخر..
لم تكن "ليلى" العفيفة والطيبة تعلم أبدا، بعد نجاحها وفرحها بالبكالوريا ودخولها الجامعة، أن هناك "خبيثا" سيزورها يوما في آخر أيام العام الدراسي الأول ويحرمها من إجراء امتحانات الفصل الأخير.. ويقعدها في المستشفى.. وليلى من إحدى ولايات الوسط.
نعم بينما كنت في أحد الأيام عائدا من صلاة الظهر، متجها للبيت وإذا بسيارة فخمة تستوقفني في الطريق، كان السائق زوج أخت ليلى.. وليلى صاحبة الخمار الأسود بجانبه، يتلألأ في وجهها الأمل في الله، يسألني: أأنت فلان؟ قلت: نعم. قال: لقد سمعنا عنك أنك تعالج بالحجامة، قلت: إن شاء الله.. ركبت رفقتهم واتجهنا معا للبيت، جلسنا وبدأ النقاش والحوار. إن نصف الداء حديث الروح، ما أحوجنا الى الأنس بالله وما أروع أن يبتسم الطبيب لمريضه.
يقول صاحبي: لقد طلبت مني ليلى أخت زوجتي أن آخذها إلى كل الأطباء، فلم استطع أن أرفض لها طلبا بعد إصرارها. قال لي هذا الكلام بعدما أخذني بعيدا عن ليلى حتى لا تسمع الحقيقة. أخبرك أنها مصابة بالسرطان، عافاكم الله، أخبرني طبيبها، ولكنها لا تعلم بالأمر، إلا أن بعض الطفيليين من المساعدين أخبروها بالأمر، قائلين: أنت لم يبق لك إلا قليلا لتموتي..
لكننا نحن في العائلة كذّبنا لها الأمر، خشية على حالتها النفسية، إلا أن الشك راودها،
فهي مصابة بسرطان المعدة، عفاكم الله.
ليلى المسكينة ضاعت بالدنيا لا تأكل إلا نادرا، وإذا أكلت شيئا تقيأت. لا تنام. دائمة التفكير في الأيام القليلة المتبقية، قليلة الابتسامة، منطوية، يائسة.. خائفة وجلة أحيانا وتأمل في الله أحيانا كثيرة.. نعم اقتربت من ليلى وفي يدي وردة وكوب شراب بارد، قلت لها خذي، سمّي بسم الله واشربي.. بادرتها بالسؤال: هل أنت بخير يا أختي ليلى.. ابتسمت والدمع في عينيها، قالت: أحمد الله.. لكني بصراحة أعاني وخائفة..
أجريت لها حوارا مطولا: أخبريني يا ليلى ما بك.. قالت والدمع في عينيها. أنا مريضة، لكن لي أمل في الله.
زارتني حوالي 5 مرات، بمعدل جلسة كل أسبوع.. كانت دائما تقول لهم في البيت: خذوني إليه.. أريد كلامه.. قرأت على ليلى ما تيسّر من كلام الله "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين" صدق الله العظيم..
نعم استعادت ليلى صحتها.. ما احوجنا للحوار الاسري، للدفء العائلي، ومجالسة الصالحين،
أصبحت ليلى تأكل.. زاد وزنها بكثير.. كانت كلما أحدّثها عن الحياة، عن الآخرة، عن المرض والبلاء وعن الرضا بالقضاء والقدر، اغرورقت عيناها بالدموع، ارفعي رأسك يا ليلى، امسيحي دموعك، ثقي بأن الله يحبك، ان الله اذا احب عبدا ابتلاه.. نعم نريد الحياة، لكن الحياة بيد الله.. كل منا لا بد أن يدري بأن الله ربنا سبحانه خبأ لنا في الموت ثلاثة أشياء..
وليسأل كل واحد منا نفسه: "متى أموت وكيف أموت وأين أموت؟" الزمان والمكان والحال.. ساجدا أم على معصية، في بيت الله أم في ملهى، صائما أو في فمه لقمة حرام...الخ
هؤلاء شهداء. من مات غرقا أو حرقا أو هدما والمبطون.. وليلى مبطونة.. احذروا الموت الاكثر انتشارا في اخر الزمان كما اخبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.. موت الفجأة..
وكم من صحيح مات بغير علة. وكم من سقيم عاش حينا من الدهر. يا أقدار الله، يا طبيب الأطباء.. عبدي تريد وأنا أريد، ولا يكون إلا ما أريد، سبحانك ربي سبحانك ربي إني مسّني الضر وأنت أرحم الراحمين..
قيل اوحى الله تعالى الى داود عليه السلام.يادوود لويعلم المدبرون عني كيف انتظاري لهم.ورفقي بهم وشوقي الى ترك معاصيهم لماتوا شوقا الي وتقطعت اوصالهم من محبتي.ياداود هذه ارادتي في المدبرين عني فكيف ارادتي في المقبلين علي.
ياداود احوج مايكون العبد الي اذا استغنى عني.واجل مايكون اذا ارجع الي.
وكانت امراة متعبدة تقول والله لقد سئمت الحياة حتى لو وجدت الموت يباع لاشتريته.شوقا الى الله تعالى.وحبا للقائه.فقيل لها فعلى ثقة انت من عملك.قالت لا ولكني لحبي اياه وحسن ظني به.افتراه يعذبني وانا احبه.
بهذه الكلمات ودّعت ليلى، قائلا: أكثري من الصلاة والاستغفار وأحبّي لقاء الله.. قولي دائما: "اللهم احيني ما كانت الحياة زيادة لي في كل خير وأمتني إن كان الموت راحة لي من كل شر".
وبعد مرور سنتين على آخر لقاء لي كان مع ليلى.. وبعد العودة من رحلة سفر، زارني زوج أخت ليلى يحمل لي هدية من ليلى قال: "لقد زرتك مرات عديدة وسألت عنك فلم أجدك.. والحمد لله أنك عدت ووجدتك". سألته عن حال ليلى، فطأطأ رأسه فأدركت أنها لم تأت معه، قال: إن ليلى كانت سعيدة جدا مذ جالستك، كانت لا تنام بليل.. تقرأ القرآن كثيرا، تصوم وتصلي، كانت تقبّلنا دائما وكأنها نور في البيت، وأردف قائلا: لقد تركت لك شيئا أمانة، طلبت مني أن أوصلها لك، وليلى قد رحلت.. قد فارقت الحياة وهي راضية، تقول بأعلى صوتها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، نعم، من كان اخر كلامه من الدنيا لا اله الا الله دخل الجنة، املؤوا قلوبكم بحب الله والايمان وعطروا ألسنتكم بذكره سبحانه تنالوا الشهادة والرضوان وحسن الختام.. أرادها الله بجانبه.. فمن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه.. إذا سألتم الله فاسألوه حسن الخاتمة..
يقول الحبيب المصطفى عليه صلاة ربي وسلامه.في الحديث.
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تعالى إذا أراد بعبد خيرا استعمله " . فقيل : وكيف يستعمله يا رسول الله ؟ قال : " يوفقه لعمل صالح قبل الموت " . رواه الترمذي.. رحلت ليلى إلى الرفيق الأعلى، الى ربها راضية..الى الفردوس الاعلى ان شاء الله..
ان العين لتدمع حقا.. فتحت تلك الأمانة فإذ بها رسالة طويلة، كلها رضى وشكر ونصائح.. كانت آخر عبارة فيها: لا تنساني يا أخي بدعواتك. وأسال الله أن يلاقيني بك يا اخي احمد في الجنة ، وأهدتني مسكا وقميصا أبيض. لا زلت أصلي به صلاة كل عيد الى اليوم..
زرت قبرها، صليت ودعوت الله أن يرحمها ويتغمدها بواسع رحمته.. ويشفي مرضانا. ويرحم موتى جميع المسلمين.
اللهم احينا سعداء، وأمتنا شهداء، ولا تباعد بيننا على طريق الحق والهدى.. آمين. إنا لله وإنا إليه راجعون.
أخوكم / أحمد عبد السلام
التعديل الأخير تم بواسطة احمد عبد السلام ; 27-08-2012 الساعة 05:32 AM
سبب آخر: صغر حط الكتابة









