من روافد تمنّـع الارتقاء عن العرب والمسلمين
30-09-2012, 11:30 AM
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
في تمنّع الارتقاء.
من روافد التمنّع




:من روافد تمنّع الارتقاء عن المسلمين
كتابات أساتذة الإعلام تغذي
تمنّع الارتقاء
في مؤلفاتهم في الليبرالية


كتاب « الإعلام له تاريخه ومذاهبه » لم يذكر مرجعاً بعينه رجع إليه مؤلفه الذي كتب أنه استوحى الفكر الأوروبي الحديث والمؤلفات الأوروبية الحديثة، والذي سجل لنفسه ريادة إذ كتب أنه يعتقد « أنه الأول من نوعه باللغة العربية».

تكمن أهمية الكتاب في أنّ أساتذة الإعلام يتخذون منه مرجعاً للكتابة في إحدى "نظريات الإعلام" هي "نظرية الحرية": فقد استند إليه مؤلف كتاب « المسؤولية الإعلامية في الإسلام » الذي استند إليه عن طريق هذا الكتاب مؤلف كتاب « إعلامنا إلى أين ؟ ».
يعنينا هنا من الأمر أنّ مؤلف كتاب « الإعلام له تاريخه ومذاهبه » يُظهر فيه أنّه بلغ صياغة نظريات في الإعلام وأنه جعلها أربعاً. فقد كتب:
« قلنا إنّ من الأمور البديهية أن يكون لكلّ زمان ومكان نوع من الإعلام يليق به، ويلائم ظروفه، ويحقق أغراضه، ويتمشى مع الأفكار التي تعيش معه ». دليله في ذلك أنّ « الإعلام في إنجلترا غيره في أمريكا غيره في روسيا السوفيتية غيره في الجمهورية العربية المتحدة »، وفي أنّ « الإعلام الإسلامي في عصر صاحب الرسالة غيره في عصر بني أمية، غيره في العصر العباسي، غيره في العصر الفاطمي غيره في عصر صلاح الدين، غيره في العصر الذي نعيش فيه ».
كتب في استرسال أنّ الإعلام جرى « في كلّ بلد من البلاد الإسلامية أو الأوروبية في المجرى الذي اختاره الحكام في هذا البلد أو ذاك »، وأنّ « السبب في ذلك هو أنّ العصور القديمة لم تكن تعرف من أنواع الحكم في الحقيقة غير الحكم المطلق وذلك باستثناء بلاد اليونان في عصر الجمهورية، وعصر الخلفاء الراشدين في الإسلام بعد عصر النبوة ».
أضاف أنّ « الحال قد بقي على ذلك حتى نمت هذه الديمقراطية نموها الطبيعي في الشرق وفي الغرب، ودخل العالم في عصر جديد يسمى (عصر الشعوب) ». ص: 85.

قال قبل تفصيل النظريات أنّه « من السهل علينا أن ندرك لأول وهلة أنّ النظرية السوفيتية إنما تولدت عن نظرية السلطة وأنّ النظرية الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية ليست إلاّ تحويراً أو تطويراً لنظرية الحرية ». ص: 88.
ذكر الليبراليين باللفظ الذي يكون أحمد لطفي السيد هو الذي اشتقّه وهو لفظ « الحريين » ثم كتب: « وأما نظرية الحرية وأصحابها يقال لهم الحريون فقد ظهرت نتيجة لتطورات كثيرة وخطيرة حدثت في العالم الأوروبي بنوع خاص، ومهدت لظهور الديمقراطية السياسية، كما مهدت لظهور أنواع أخرى من الحريات كالحرية الدينية والحرية الاقتصادية أو حرية التجارة. وهي التي كانوا يعبرون عنها بهذه العبارة: دعه يعمل .. دعه يمر. ثم تبع ذلك ظهور النظريات العقلية في عصر التنوير أو عصر النهضة. فاشتد بذلك ساعد الحريين، وطبعوا الحياة الأوروبية بطابع الحرية البحتة. وفي ظلّ هذه النظرية الأخيرة التي هي نظرية الحرية أصبح للفرد في المجتمع الأوروبي كيانه المستقل عن كيان الدولة. كما أصبح من حق الفرد في ذلك المجتمع الأوروبي أن يعتمد على نفسه – لا على الصفوة أو الخاصة – في الوصول إلى الحقيقة دون الرجوع في ذلك إلى الأرستقراطية الفكرية الممثلة في الحكماء والعلماء ورجال الدِّين أو الأئمة ». ص: 90 - 91.

تحول هنا إلى نظرية المسؤولية الاجتماعية وأتبع حديثه المختصر عنها بحديث عن النظرية السوفيتية ثم كتب في ختام الفصل التاسع: « وفيما بعد سوف نقف عند كلّ نظرية من هذه النظريات الأربع وقفة خاصة، لنسبر غورها ونشرح الظروف المحيطة بها، ونكشف عما وراءها من تراث عقلي أو فلسفي كان له دخل كبير في بنائها، أو الخروج بها إلى حيِّز العمل ». ص: 92.
يُبْدِي هذا العرض أنّ مؤلف كتاب « الإعلام له تاريخه ومذاهبه » قد خلص بنفسه إلى صياغة نظريات الإعلام الأربع بينما أورد نبيل عارف الجردي في كتابه « مقدمة في علم الاتصال » في سياق استعراض النظريات الأساسية للصحافة، أنّ أربع نظريات مهمة للصحافة نُشِرَتْ عام 1956م وأنّ أسماء ثلاثة باحثين اقترنت بهذه النظريات ليس بينها اسم عربي.
تقترن الأسماء الثلاثة بنشر النظريات الأربع. ورد ذكرها في سياق القول أنّ « كلاًّ من فْرَادْ سِيبَرْتْ Fred S. Siebert وثْيُودُورْ بِيتَرْسُونْ T. Peterson ووِيلْبَارْ شْرَامْ W. Schramm حرصوا على التركيز على العلاقة الوطيدة الموجودة بين وسائل الاتصال وبعض المفاهيم الأساسية التي يتمسك بها كلّ مجتمع ».
وردت أسماء هؤلاء الثلاثة بصفة مؤلفي الكتاب الذي رجع إليه كرم شلبي كتاب « الخبر الصحفي وضوابطه الإسلامية » في حديثه فيه عن نظرية السلطة ومفهوم الخبر، حيث أشار (ص: 23) إلى أنّ الثلاثة أوجدوا النظريات الأربع ونشروها تحت عنوان « نظريات الصحافة الأربع » Four Theories of the Press وأنّ كتابهم صدر سنة 1965م. هذه هي سنة صدور كتاب « الإعلام له تاريخه و مذاهبه » الذي عرض لنظريات الإعلام.

يشترك كتاب « الإعلام له تاريخه و مذاهبه » العربي مع الكتاب الأمريكي « نظريات الصحافة الأربع » في اعتبار نظريات الإعلام الأربع كانت نظريتين اثنتين؛ ويشترك معه في تسمية نظريتي السلطة والحرية؛ وفي تسمية نظريتي المسؤولية الاجتماعية والسوفييتية؛ ويشترك معه في القول بتولّد النظرية السوفييتية عن نظرية السلطة، وفي القول بأنّ نظرية المسؤولية الاجتماعية ليست إلاّ تحويراً أو تطويراً لنظرية الحرية.
سبق أنّ مؤلف كتاب « الإعلام له تاريخه و مذاهبه » أظهر بجلاء أنه لم يطّلع على كتاب الباحثين الأمريكيين، وأنّه إنما "استلهم" كتابات أوروبية؛ لكنّ قراءة في كتاب الباحثين الأمريكيين الموسوم « نظريات الإعلام الأربع » Four Theories of the Press تستدعي التوقف عند توكيدات دوّنوها في كتابهم.
فقد سجلوا في تقديم كتابهم أنّهم دَعَوْا النظرية الجديدة النظرية الليبرالية؛ وأنّهم دَعَوْا النظرية التي ليست غير تحوير للنظرية الليبرالية نظرية المسؤولية الاجتماعية.

سجل الباحثون في ختام مقدمة كتابهم أنّ كلَّ فصل من فصول الكتاب الأربعة التي كتبوا في النظريات الأربع يمثل عمل كاتبه وأنه يمثل أسلوبه ويعبّر عن رأيه، وذكروا لكلٍّ ما كتب، فكانت نظريات:
الصحافة الاستبدادية The Authoritarian Theory of the Press فْرَادْ سْيِيبَرْتْ.
الصحافة الليبرالية The libertarian Theory of the Press فْرَادْ سْيِيبَرْتْ.
صحافة المسؤولية الاجتماعية The Social Responsibility Theory of the Press ثْيُودُورْ بِيتَرْسُونْ.
الصحافة الشيوعية السوفيتية The Soviet-Totalitarian Theory of the Press وِيلْبَارْ شْرَامْ.

إنّ أفكارًا كثيرة وملاحظات عديدة سبقت في كتاب « نظريات الصحافة الأربع » الأمريكي تكررت في كتاب « الإعلام له تاريخه ومذاهبه » العربي، وهذا الأمر يستدعي نظرة فاحصة في سياقي موضوع الليبرالية والحرية في الكتابين العربي والأمريكي.
أول ما تكشف عنه صفحات كتاب « نظريات الصحافة الأربع » هو أنّ تاريخ 1965م الذي ذكره مؤلف كتاب « الخبر الصحفي وضوابطه الإسلامية » يكون هو تاريخ إصدار الطبعة التي رجع إليها هذا المؤلف عينه. أمّا إصدار الكتاب أول مرّة فقد تمّ سنة 1956 م وهذه هي السنة الميلادية التي وردت في كتاب « مقدمة في علم الاتصال » في إشارة مؤلفه إلى تاريخ نشر « أربع نظريات مهمة للصحافة » وهذه إشارة إلى كتاب « نظريات الصحافة الأربع » الذي ظهر بأمريكا وضمّ جزءاً من أبحاث أنجزها ثلاثة باحثين أمريكيين بطلب من هيئة تابعة للبروتستانت، هي مجلس الكنائس القومي الأمريكي National Council of Churches وقد سجّل الباحثون الذين أنجزوا من تلك الأبحاث ما تعلّق بالإعلام أو بنظريات الإعلام، شكرهم للمجلس ترخيصه إصدار أبحاثهم في شكل الكتاب الموسوم « نظريات الصحافة الأربع ».

إنّ قراءة سياق نصي الكتابين العربي والأمريكي في موضوع النظرية الليبرالية أو نظرية الحرية لتكشف أنّ نص الفصـل الثاني عشر من كتاب « الإعلام له تاريخه و مذاهبه » الذي تناول فيه مؤلفه سنة 1965 م نظرية الحرية (ص 115-124) يطابق نص الفصل الثاني من كتاب « نظريات الصحافة الأربع » الذي كان فْرَادْ سْيِيبَرْتْ قد تناول فيه النظرية الليبرالية سنة 1956 قبل أكثر من عشر سنوات.
وجب الإقرار هنا أنّ مساهمة الباحث فْرَادْ سْيِيبَرْتْ في كتاب نظريات الإعلام الأربع Four Theories of the Press كانت مرجعًا من مراجع كتابة فصول من كتاب « الإعلام له تاريخه ومذاهبه

إنّ هذا الكتاب الذي ورد فيه أنه سبق بين الكتابات العربية في نظريات الإعلام، والذي اتخذت فصوله في الليبرالية مرجع كتابات أساتذة الإعلام العرب والمسلمين في الليبرالية والحرية، والذي احتجب منه ذكر الرجوع إلى كتاب الباحثين الأمريكيين، كتاب يشكو فوق ذلك من أمرين اثنين رئيسين يقترنان بالليبرالية وبالحرية بما هي عليه هنالك في الغرب، أمران أوجز فيهما فْرَادْ سْيِيبَرْتْ وأفاد؛ هما أنّ النظرية الليبرالية في طبيعة المعرفة وفي طبيعة "الحقيقة‌" تشبه بقوةٍ مذاهب المسيحيين اللاّهوتية الأولى، وأنّ "الإصلاح" البروتستانتي وإن كان جدالاً لاهوتياً وسياسياً فإنه قد أصبح هو مصدر الليبرالية الغربية المزعج !

انتهى فْرَادْ سْيِيبَرْتْ في كتابته في الليبرالية إلى أنّ نمط الجدال والاستدلال الذي أنتجه لاهوت الإصلاح البروتستانتي سرعان ما تحول إلى المجال الدنيوي أو الفكري الصرف.
هذا ما أسقطه المؤلف العربي مما نقل عن فْرَادْ سْيِيبَرْتْ فألغى مرة أخرى مرجع الليبرالية الديني أو اللاّهوتي الذي أجلاه الباحث الأمريكي للنصارى.

وإذ تبع أساتذة الإعلام العرب المسلمين المؤلف العربي بتزكيةٍ لا مبرر لأحد منهم فيها، فقد حجبوا بدورهم لاهوت الليبرالية وحجبوا خلفيتها الدينية.

ختاماً فإنّ هذا هنا – بإيجاز- مثال غير معدوم بين الكتابات العربية والإسلامية من أمثلة روافد تمنّع
.الارتقاء عن المسلمين و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جمال الدين فيلالي
التعديل الأخير تم بواسطة جيمدالآف ; 30-09-2012 الساعة 11:32 AM