و إنما يعرف الحق من جمع خمسة أوصاف ....
16-03-2008, 01:04 PM
..وإنما يعرف الحق من جمع خمسة أوصاف :أعظمها الإخلاص والفهم والإنصاف ، ورابعها - وهو أقلها وجودا وأكثرها فقدانا - الحرص على معرفة الحق وشدة الدعوة إلى ذلك .
والبدع قد كثرت والمحدثات والمحدثات قد عمت و قد عمت البلوى بالاشراك وكثر الدعاء إليها والتعويل عليها ، وطلاب الحق اليوم شبه طلابه في أيام الفترة - وهم سلمان الفارسي وزيد بن عمر بن نفيل وأضرابهما - فإنهم قدوة لطالب الحق وفيهم له أعظم أسوة لما حرصوا على الحق وبذلوا الجهد في طلبه حتى بلغهم الله إليه وأوقفهم عليه وفازوا من بين العوالم الجمة ، فكم أدرك الحق طالبه في زمن الفترة ، وكم عمي عنه من طلبه في زمن النبوة ، فاعتبر بذلك واقتد بأولئك الكرام ، فإن الحق ما زال مصونا عزيزا نفيسا كريما لا ينال مع الإضراب عن طلبه وعدم التشوق والإشراف إلى سببه ، ولا يهجم على البطالين المعرضين ، ولا يناجي أشباه الأنعام الضالين .
ما أعظم المصاب بالغفلة والإغترار بطول المهلة ، فليعرف مريد الحق قدر ما هو طالبه ، فإنه طالب لأعلى المراتب { ومن أراد الأخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن } ، { خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه } ، فليس في الوجود بأسره أعز من الإيمان بالله وكتبه ورسله ومتابعتها ومعرفة ما جاءوا به إلا تطلب ذلك أهون الطلب ، فإن طلبة الدنيا وزخارفها الفانية يرتكبون الأخطاء والمتالف الكبار ، وينفق أحدهم غضارة عمره ونضارة شبابه وأبان أيامه فيها ، وهي لا تحصل لهم على حسب المراد ، فكيف بما هو أبقى وخير منها ، ولم يرفعوا له رأسا ولم يبنوا لها أساسا ، وإنما أطلنا القول لأني أعلم بالضرورة في نفسي وغيري أن جهل الحقائق أكثرها إنما سببه عدم الإهتمام بمعرفتها على الانصاف وترك الإعتساف ، لا عدم الفهم والإدراك ، فإن من اهتم بشيء أدركه ، فكيف لا يفهم طالب الحق مقاصد الانبياء والمرسلين والسلف الصالحين مع الاهتمام فيه وبذل الجهد فيه وحسن القصد ولطف أرحم الراحمين .
ولا ينبغي لطالب الحق والصواب أن يصغي إلى من يصده عن كتب الله وما أنزل فيها من الهدى والنور والرحمة ، لطفا للمؤمنين ونعمة للشاكرين ، وليحذر كل الحذر من زخرفتهم وتشكيكهم ،
وليعتبر بقول الله لرسوله المعصوم : { وإن كادوا ليفتنوك عن الذي أوحينا اليك } ، ويا لها من موعظة موقظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، ولا يستوحش من ظفر بالحق بكثرة المخالفين ، وليوطن نفسه على الصبر واليقين ، نسأل الله تعالى أن يرحم غربتنا في الحق ويهدي ضالنا ولا يردنا من أبواب رجائه ودعائه وطلبه ورحمته محرومين .
وخامسها وهو أصعبها المشاركة في العلم والتمييز والفهم والدراية ، حتى يتمكن من معرفة الحق ومقدار ما يقف عليه ، فيرغب فيه من غير تقليد ، لأنه لا يعرف المقادير إلا ذو بصر نافذ وفهم ماض ، فان عرضت له محنة لم يتطير بطلب الحق ، فيكون ممن يعبد الله على حرف ، وليثق بمواعيد الله وقرب الفرج ، قال تعالى : { فتوكل على الله إنك على الحق المبين } ، { فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يؤمنون } ، وليعلم يقينا أنه تعالى مع الصابرين والصادقين والمحسنين ، وأن الله سبحانه ناصر من ينصره وذاكره من يذكره ، وإن سر رسول الله في هذه الأمور عائد على متبعيه ونصره شامل لناصريه ، وقد أمر الله تعالى بالمعاونة على البر والتقوى وصح الترغيب في الدعاء إلى الحق والخير ، وأن الداعي إلى ذلك يؤتى مثل أجور من اتبعه ومن أحيى نفسا فكأنما أحيى الناس جميعا ، ومن أمر بالصلاح والاصلاح ابتغاء مرضات الله فسوف يؤتيه أجرا عظيما ، وفي سورة العصر قصر السلامة في الجسر على الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين } .
وأنا أستغفر الله وأسأله التجاوز عني والمسامحة في كل ما أخطأت ، فإني محل الخطأ والغلط وأهله ، وهو سبحانه أهل التقوى والمغفرة والسعة والمسامحة والغنا الأعظم والكرم الأكبر عن مضايقة المساكين والجاهلين ، إذ كان الله سبحانه وتعالى غنيا عن عرفان العارفين غير متضرر بجهل الجاهلين .

********
لأبي الطيب صديق بن حسن بن علي بن الحسين القنوجي الحسيني العلوي .
" قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر