وإن سألوا عن الهويّة.
17-09-2013, 06:03 PM
بسم الله الرحمن الرحيم.
أحبّتي وخلاني.
سلامٌ من اللهِ يضوع منه أريج المسكِ وإيراقه، وتحيّة تحفكم بها يتبلج ضوء الصباح وإشراقه.
وذروني أرشم لكم بعض ما جاء به فكري .. فأقول:
إن الكلامَ عن الهويّةِ كم هو من متشابكٍ، ذو تشعبات وغير متماسكٍ.
ولتحديدِ مفهوم ِالهويّةِ لهو بالأمـر ِالصعبِ، ومستعصٍ غير مأمون الدرب.
وقد استعصى حتى اليوم هذا التحديد، وقيدت أفكارٍ أيم تقييد.
فقد قال الفلاسفة الغربيون بلا تمعنٍ ولا رويّة ، كلامًا كثيرًا عن الهوية:
" إنها ما يبقى في الروح عندما يُنسى كل شيء".
ولتبسيط المفهوم، والانتقال من المجهول إلى المعلوم. فهي: حصيلة تراكم تاريخي يرتبط بثقافة المجتمع حتى يسلكَه، وروابط التي تجمع مكوّنات هذا المجتمع لتحركَه ، وهي أفكار اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر.. إنها " المحرك الذي لا يتحرك" ـ كما قال أرسطو .. ليوجّهنا نحو المستقبل المدرك.
ونحن العرب كأمة عريقة، وفي أغوار التاريخ عميقة.. لم يكن أبدًا مشروع الهويّة عندنا بإشكال، بالنسبة للأقليات التي تعيش في وسطنا العربي لم تكن الهويّة ذات بال. لأن المقوّمات التي تجمع هذه الشعوب للتضحية في سبيل الوطن والقربان، أكثر مما ينفّرها للبعد والفرقان، فلا هي بمشروع راهن، أو مستقبلي جليٍّ بائن، لأنها موجودة من زمان، ولا تحتاج لسؤال أو تعديل مكان.
لكنها ككل الأمور ظلت شيئا مؤجلا على مرور الأيام، فصلناه عن الحياة وعن التاريخ وأحوال الأنام.
رغم محاولات النهضوية لبعض المثقفين، إبّان القرنين الماضيين.
فمن الحكم العثماني إلى الاستعمار، الذي حاول طمس هذه الهوية بكل الوسائل وإلحاق الأضرار، إلى حكم الأنظمة المستبدة التي هي لنعمة الله جاحدة، وتُدار من طرف " الكفرة وآلملا حدة". من كسر هاته الطابوهات التي ظلت تحكم الهوية وتقيدها ، إلى درجة صارت عبئا على الشعوب لتستعبدها.
نعم لقد مرت هويتنا العربية بهزات عنيفة لنكسها، ومحاولات من المستعمر لطمسها ، إلى الأنظمة الأحادية التي فرضت دمجًا قسريًّا، و حاربت الثقافة جهريّا، في كل المجالات وتفكيك مؤسسات المجتمع المدنيّة ، التي هي ثقافة الأساس في صنع الهوية.
وعلى ذريعة الخوف من الغرب وعداوته الدائمة، و "مصلحة " الوطن المقدمة.. كان الشعار اختيار الاستبداد و الطغيان، والتهديد الخارجي للبلدان.
و تبارى بعض " الفقهاء " إلى ترديد مقولة :
"سلطان غشوم ، خير من فتنة تدوم". وعن عمدٍ ، أو دون قصدٍ. ناسين أن استبداد السلطان، هو مدخل للاستعمار و الخذلان.. وما حدث و يحدث في مصر وليبيا وسوريا بالعراق ، لدليل على ذلك الشقاق.
فلم تعد أية دولة عربية اليوم ، بقادرة على الاحتجاج أو حتى اللوم، على جريمة ارتكبت بحقها حتمًا، أو في حق إخوانها ظلمًا، لأنها تخاف أن تثير غضب الغرب و الأمريكان ، فيعزلون النظام العميل المهان، وينصّبون نظاما عميلا جاهزا، و بِرضى أمريكا فائزًا وحائزًا.
لقد أجّل العرب مفهوم العدالة والمواطنة و القانون، عندما ساس أمرهم أصحاب أهواء وجنون.
إلى درجة صار العربيّ يُصنَّف فيها بـ " عدو " الحداثة و التطور ، و يُوصف بالجهل و التهور . عندما فتح العرب الباب للتدخل الأجنبي من جديد، و بقوا يعيشون فقط مستهلكين لتراثهم الثقافي التليد.
في حين ٍ أن دولاً قد سبقتهم و أممًا، وقد كانوا يضحكون ويسخرون منها يومًا .متناسين أن ضرورة الحياة و الاطلاع، تدفع دائما إلى الثقافة و الإبداع. هي في نمو دائم، وتقدم مزدهر وغانم.
لكي نكون أمة حية تتماشى مع الحياة و العيش السليم، بدلاً من اجترار واقعٍ أليم .
لنتأمل هذا الكلام ، لمثقف عربي همام ، حيث يقول :
" إن المشهد الثقافي العربي مخلوق بثقافة الجاهز والسائد ومحاصر بتفاهات الإداري والمالي. يكفي أن ننظر إلى جيوش الطلبة و الأساتذة في الجامعات أولئك البعيدين عن رهانات الوطن والمنغلقين بين جدران الجامعة.....يجب ان نقرأ ذاكرتنا الثقافية عربيًا من غير أحادية أو خلفية إيديولوجية منغلقة لندرك أن العهد العباسي كان أكثر انفتاحًا من هذا العهد".
كيف يمكن في ظل كهذه الظروف، أن نتحدث عن مستقبل خال من الخوف .. ولننظر إلى حال دولنا ، فيبكى الضعيف لحالنا .. الكل نحو الغرب يهرول، و على أمريكا يتوكل.
فجامعة الدول العربية فشلت من طرف العرب ، و هذا سعيا لإرضاء الغرب.
ومن المؤسف حقًّا أن منطق السيادة، للزعامة و الريادة. ينطبق في معايير الخلافات العربية العربية ، أكثر منه في الخلافات العربية الأجنبية..
والأمثلة عن ذلك كثيرة ، و إذا سُردتْ فنـُصابُ بحيرة
يقول الفيلسوف (هيغل):
" كل ما هو واقعيّ عقلاني وكل ما هو عقلاني واقعي".
فأين العقلانية؟
كيف يكذب الآخرون في حق ليس لهم؟ ويصدّقون أنفسهم، ويسعون إلى إقرار كذبهم بكل الوسائل و بلا دليل، ونشكك ــ نحن العربَ ــ في حقٍّ لنا حتى التغفيل؟
آهٍ! وواهًا!
قد أصبحنا في عصر صار فيه التفريط والاستكانة، في الحقوق اعتدالاً لا خيانة، و العزة والرفض تطرفـًا لا فضيلة.
وكأنه لا مفر لنا سوى الاستسلام لهذا الواقع المخزي. فهل انطفأت جذوة الاحتجاج في هاته الأمة؟ و صارت الشريعة تقتلع من الوجدان، والهوية في سوق بلا مزاد؟
فكم استعذبنا المسكنة، ولم تعُد هناك ذرة من خجلٍ تستر عوراتنا، وصِرنا نعهر أسمى التضحيات.
هكذا يرى قسورة، فما رأئكم، علا شأنكم؟
تحياتي













