مقامة * حدثنا أحد المواطنين - انتخاب - قال:
10-05-2008, 07:56 PM
حدثنا أحد المواطنين قال:
بينما كنت في إحدى قرى الأصحاب، أخبرني واحد من الأحباب، أنه قد اقترب موعد الانتخاب، وأنه قد حان وقت اختيار "كبير الأعيان"، فتعجبت أيما تعجب، واندهشت أيما اندهاش، فلما قرأ مني صاحبي هذا، بادرني بالسؤال، طالبا مني الإجابة في استعجال، فقال من غير انفعال، ولا قلق ولا انشغال: ما لي أرى عبوسا في وجهك، وتغييرا في شكلك، وانتفاخا في جسمك، أفلا يوجد عندكم انتخاب، حتى يحيّرك ما نحن فيه، ولا يستهويك ما نصبو إليه، أفلا تستحسن هذا، هيا قل لي لماذا يا هذا ؟فأجبته من غير تأخير، حتى لا يظن، أني لا أحسن التعبير، قائلا له : يا صاحبي، ليس الأمرُ كما ظننتَ، ولا القصدُ كما أشرتَ، ولا المبتغى كما تخيّلتَ، ولا الطرح كما تفضّلتَ، ولا الموضوع كما شككتَ، ولكني يا صديقي لم أر أي مظهر من مظاهر الاحتفال، يدل على ما أنتم عليه مقدمون، ويشير إلى فهم ما تسعون، فأين هي بالله عليك الأهازيج، والطبول، والمزامير، وأين هي متعة الاستماع، لمختلف أشكال النباح، وأين هنّ الضاربات للأقداح، الواجبُ حضورهنّ في كل افتتاح، الكاتبات على الألواح، القائلات حي على الفلاح، المناديات بأعلى أصواتهنّ: انتخبوا فلانا فهو المعروف بالتقوى والصّلاح، فبسماعهنّ يا صديقي تطرب الآذان، فتسرّ القلوب والعقول، فتسري في الجسم حركة غربية، سريعة عجيبة، وهذه الأخيرة، بلا شكّ ولا ريبة، تؤثر على الأيدي، فترى الناخبين عندها يرمون الأصوات ذات اليمين وذات الشمال، وعندها لا ينفع الندم ولا يجدي ، فحينها يكون الأمر قد قضي وأصبح من عالم كان، واختير من اختير من غير وعي ولا استئذان.
يا صاحبي إني عندكم لم أر أي مظهر من مظاهر التبذير والتغرير ومقدّمات التزوير، ولا أي شكل من أشكال الترهيب والترغيب، وقل لي بالله عليك، أين هنّ الراقصات والمغنيات، وأين هم أصحاب الكروش المنتفخة وكبراء العروش وكلابهم من المرتزقة، اللذين تتزيّن بهنّ الشوارع والطرقات، وتمتلئُ بصورهنّ الدكاكين والمحّلات، وما لي لا أر حمل الأعلام والصور فبعض الغوغاء من العامة، وكثير من الدهماء من الخاصة، تستهويهم هذه النقيصة، وتسترعيهم هذه الرذيلة، فقد ألفوها منذ أن أدخلها كبارهم في قاموسهم، فأصبحت بفكرهم لصيقة، وبين أظهرهم شوكة، صعب أن تُنتزعَ أو ترمى في السحيقة، واعلم يا صاحبي أنه قد صُنع لها مريدون وطريقة، وأصبح يذبح لها في كل عام ما يذبح في العقيقة، فمحال أن تزول عنهم إلا إذا طلّقوها بخمس وثلاثين مليون تطليقه.
يا صاحبي انه في قريتنا إن طلّ علينا موعد كهذا، تجد القوم غير القوم، فترى النسوة في المدينة تتنافسن في التحضير لأشهى المأكولات، وألذّ الحلويات، وأنقى المشروبات، استعدادا لمن يطلبها من المترشحين من آكلات البقايا من الفضلات، عفوا من المترشحين للانتخابات، حيث سيكون أسعدُ مقر لها، مَعِدَاتُ الناخبين والناخبات، فتجدهم يتنافسون في تقديم أشهى الوجبات، فهذا يدّعي المهارة في رش البهارات، والآخر يقسم بأنه الأذكى في خلط الجبن مع الكِسرات، وذاك يُخفي خلطة سرّية في كيفية صنع خبز، عجيب، يتناسب مع القدرة الشرائيّة، أما فلانا فيدّعي ابتكار مشروب يساعد في تسريع التنمية الاقتصادية، فقد دُرّب القوم على استمالة البطون قبل العقول، وهذا ما يساعدهم في استكشاف ما تنويه الأيدي قبل الأعين، واعلم يا صاحبي بأن أولئك القوم لهم حكمة، يردّدونها كلّما اجتمعوا في جلسة : " أن الأكل الجيّد الدسم يساعد على اختيار المترشّح الجيّد"، واعلم يا صاحبي، أنه كلّما تكرّر موعد انتخاب تتكرّر نفس الإشاعة في قريتنا حيث يشاع بأنّ إنزيما خفيّاً يظهرُ كلما يحين موعد إقتراع، حيث يؤثر على المترشحين أيما تأثير، فيُحوّل هذا إلى تقيّ ورع عالم بأمور الدين، وذاك إلى طبيب خبير ضليع بشؤون العالمين، وآخر إلى زاهد ناسك لا همّ له إلا الدعاء من أجل سعادة المواطنين، أما الآخر فإلى متمرّس في تفسير القوانين، وذاك إلى عالم اقتصاد خبير في تطبيق النظريات والبراهين، والكلّ منهم لا همّ له إلا إرضاء غروره، وإخفاء شروره، وتمرير مشروعه، وتسخير عروشه، ألا قبّحكم الله من مترشّحين، لا تستحيون من الله ولا من عباده، ألا يحزّ في أنفسكم ما وصلت إليه البلاد بسببكم، ألم تروا إلى الجامعيّين العاطلين كيف يتسوّلون في الطرقات، أم إلى الموظّفين كيف أنهكتهم حمّى الأسعار وكثرة الطلبات، أو إلى المرضى في المستشفيات كيف يعانون من الإهمال و اللامبالاة، ألم يؤرقكم منظر التلاميذ في القرى والدشرات، كيف يقطعون مشيًا عشرات الأميال في سبيل الوصول إلى الأقسام والحجرات، ألا يحزنكم شقاء المتشردين والمتشرّدات، وبؤس الفاسقين والعاهرات، ألم تلاحظوا حال هذا الجيل من البنين والبنات، كيف تجرّهم مختلف القنوات، إلى الرذيلة وفعل المنكرات، ألم يؤلمكم حال هذه البلاد كيف أصبحت مضرب الأمثال في النهب وكثرة السّرقات ، ألم تكتفوا من إلقاء الشعارات الطّنانة، والخطب الرّنانة، ألم يأتكم هاتف يقول: طز وألف طز في انتخاباتكم ومترشّحيكم، فنحن سئمنا روائحكم النتنة، وجلودكم المتغيّرة العفنة، اذهبوا فتبّا لكم من مترشّحين ومترشّحات.
فلمّا رأى منّي صاحبي هذا الانفعال والقلق، بكى لحالي كثيرا وأشفق، ثم هدّأني ناصحًا، أن أطرد هذا الأرق، طالبا مني قراءة سورة العلق، حتى قوله تعالى: {إنّ إلى ربّك الرجعى}، فأدركت أنكم يا معشر المترشّحين، إلى ربّكم عائدين فحينها سَتُسْألون، أمام إله عادل، فطمأنني هذا، ثم استاذنت صديقي في النوم لأني تعبت من كثرة اللّوم، لكنّه أردف قائلا، كيف تنام يا هذا، وأنت لم تعلم لماذا نحن لا نحتفل بموعد كهذا، فاسمع مني الإجابة، فقد تنقشع عنك هذه الضبابة، وتُزال عنك بعض من الكآبة، اعلم يا صاحبي أنّنا منذ زمن بعيد، لما كان يقترب عندنا موعد هذا الاختبار، تجدنا نحتار في أيّهم نختار – فقد كان ملوكنا يؤمنون بالديمقراطيّة – لهذا كانوا دائما يأمروننا باختيار الأصلح للبشريّة، وأنه لا يجب علينا التفريق بين من هم في العليّة ولا من هم في السّفليّة، المهم أن يكون لا ينتمي إلى الدونيّة، لكنّ أحد هؤلاء الملوك لما انتهت ولايته، وأدرك أن للأمر نهايته حدّثته نفسه بأن يُورث لنفسه الملك دون الرجوع إلينا، فأعلن نفسه ملكا دون انتخابات ولا بيعة ولا مشاورات، فلمّا سمع الناس بهذا استنكروا، وأقسموا أن يخلعوا هذا الملك، فحدثت حينها ثورة، انتهت بالقضاء عليه وبعض الإخوة، فحزن الناس عليهم كثيرا، ثمّ أقسموا بعد هذه الأحداث أنه كلّما يأتي موعد انتخاب، فيجب على الناس أن يحزنوا وأن يعم البكاء وأن لا يسعدوا وأمرت النساء أن تلبسن الأسود، فيأتي الملك المختار في يوم حُزن كئيب حتّى يزهد ويتذكّر مآلهُ إن حدّثته نفسه بأخذ ما لا يخُصّه، ومن حينها فنحن كما ترى لا نفرح في هذا اليوم ولا نمرح، بل نبكي ونصرخ، ونذرف الدمع على الإخوة الشهداء، ونرجوا لهم الخلود في جنة السعداء. فأجبت صاحبي هذا مستبشرا : هذا والله ما نستحقّه فيوم الحزن الأعظم جدير بأن يطلق على موعد الاقتراع، فيصحّح في الجريدة الرسمية، وكفانا الله بهذا شرّ هذه البليّة.
من مواضيعي
0 المطرات الحزينة
0 كيف للقلم أن يجف حبره
0 عش الحقيقة
0 إمام البيعة .....الــــــ.....
0 أحن إلى جزائر أخرى
0 معا من أجل تخفيض سعر البطاطا والدقيق هذا شعاري لو كنت مرشحا للانتخابات
0 كيف للقلم أن يجف حبره
0 عش الحقيقة
0 إمام البيعة .....الــــــ.....
0 أحن إلى جزائر أخرى
0 معا من أجل تخفيض سعر البطاطا والدقيق هذا شعاري لو كنت مرشحا للانتخابات









