مسألة القدر المشترك
19-05-2014, 12:40 AM
مسألة القدر المشترك

الدكتور سامي بن إبراهيم السويلم




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

من خلال كتابات شيخ الإسلام ابن تيمية
وأثرها في الإيمان [ ] بالغيب
مما فطر الله عليه الخلق:
القدرة علي الـجـمـع بين المتشابهات، والتفريق بين المتغايرات فالطفل مثلاً: يدرك أن أباه (رجل)، كما أن عـمــه كذلك، وإمام المسجد كذلك،.. وهكذا، لكنه يدرك أيضاً إن أباه ليس عمه، وليس إمام الحي، أي إن الأب والعم والإمام يشتركون في بعض الخصائص، كالرجولة، لكنهم يختلفون في أشياء كثيرة. ولفظ (رجل) يقتصر على معنى يشترك فيه هؤلاء، أي: على (قدر مشترك) بينهم.

ومن زار مكة وطيبة والرباط يجد قواسم مشتركة بيـن هــذه المدن، وبموجب هذا الاشتراك نطلق على كل منها لفظ (مدينة)، فهذه مدينة الرباط، ومـديـنـــة مـكـــة، ومدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، مع أننا ندرك جيداً الاختلاف الكبير بين هــــذه الـمـدن فلفظ (مدينة) إذن يشير إلى معنى موجود في كل من هذه المدن الثلاث، وإن اختلفت فيما بينها، حتى في درجة المدنية وتطورها.

ونحن نرى الثلج فنجده أبيض، ونرى السحاب والبيض، فنجد كل واحد منـهـما أبيض، مع أن بياض الثلج يختلف عن بياض السحاب، عن بياض البيض،.. وهكذا. أي إن لفـظ (أبـيـض) يدل على معنى مشترك بين صفة البياض في هذه الأشياء، وإن تفاوت مقدار هذا المعنى من شيء إلى آخر.

من الأمثلة المتقدمة نستنتج أن الله (تعالى) وهب العقل البشري قدرة فذة على إدراك أوجه الشبه بـيـن أشـيـاء متغايرة ومتباينة، كما ألهمه استعمال ألفاظ تسمى: (الألفاظ المتواطئة) تشير إلى المعاني المشتركة، دون أن يستلزم ذلك انتفاء المغايرة أو التفاوت بين ما تطلق عليه هذه الألفاظ، فهذه الـمـعـانـي الـمـشتركة هي ما يسمى: (القدر [ ] المشترك)، ويسمى التفاوت الحاصل: (القدر [ ] المميّز)، وهذه القدرة، التي تبدو لنا بدهية، هي في نظري خاصة بديعة، تشهد لخالقها بالعظمة والجلال.

إن هذه المقدمة البدهية، التي قد لا يجد القارئ لأول وهلة جديداً فيها، تمثل أساساً مهمّاً تصاغ من خلاله عقيدة أهل السنة والجماعة في توحيد العلم [ ] والقول، وكون القارئ لا يجد فيها جديداً يؤكد انفراد عقيدة أهل السنة والجماعة بالجمع بين اليسر والعمق.

توظيف القدر [ ] المشترك في إدراك الغيب:
فـالإنـسـان يستطيع أن يستخدم هذه الخاصية في إدراك أشياء لم يرها قط، ولم يعاينها من ذي قـبـل: فــإذا سـمـع الطفل مثلاً عن (رجل) ينظم سير السيارات يسمى (رجل المرور)، أدرك شيئاً من صـفــاته، وإن لم يكن قد رآه من قبل، وإن لم يستوعب صفته كما يستوعب صفة أبيه وعمه وإمـــام الـمسجد فهو يدرك أن رجل المرور فيه شبه من أبيه وعمه وإمام الحي، وهذا الشبه استنتجه الذهن من لفظ (رجل) الذي يطلق أيضاً على هؤلاء.

قراءة المزيد