قصة الفتاة التي غازلت الشيخ العريفي
04-06-2008, 12:05 PM



فتاة تغازل الشيخ محمد العريفي (قصة من اعجب القصص )
>
> --------------------------------------------------------------------------------
>
>
>
> رنين الهاتف يعلو شيئا فشيئا.. والشيخ ( محمد ) يغط في سبات عميق.. لم يقطعه إلا
>
> ذلك الرنين المزعج.. فتح الشيخ ( محمد ) عينيه.. ونظر في الساعة الموضوعة على المنضدة
>
> بجواره.. فإذا بها تشير إلى الثانية والربع بعد منتصف الليل..!!
>
> لقد كان الشيخ ( محمد ) ينتظر مكالمة مهمة.. من خارج المملكة.. وحين رن الهاتف في
>
> هذا الوقت المتأخر.. ظن أنها هي المكالمة المقصودة.. فنهض على الفور عن فراشه..
>
> ورفع سماعة الهاتف.. وبادر قائلا: نعم!! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
>
> فسمع على الطرف الآخر.. صوتا أنثويّا ناعما يقول: لو سمحت!!.. هل من الممكن أن
>
> نسهر الليلة سويّا عبر سماعة الهاتف؟!!
>
> فرد عليها باستغراب ودهشة قائلا: ماذا تقولين؟!!.. من أنتِ؟!!..
>
>
> فردت عليه بصوت ناعم متكسر: أنا اسمي ( أشواق ) .. وأرغب في التعرف عليك.. وأن
>
> نكون أصدقاء وزملاء (!).. فهل عندك مانع؟!!
>
>
> أدرك الشيخ ( محمد ) أن هذه فتاة تائهة حائرة.. لم يأتها النوم بالليل؛ لأنها تعاني أزمة
>
> نفسية أو عاطفية.. فأرادت أن تهرب منها بالعبث بأرقام الهاتف!!
>
>
> فقال لها: ولماذا لم تنامي حتى الآن يا أختي؟!!
>
> فأطلقت ضحكة مدوية وقالت: أنام بالليل؟!!.. وهل سمعت بعاشق ينام بالليل؟!!.. إن
>
> الليل هو نهار العاشقين!
>
>
> فرد عليها ببرود: أرجوك: إذا أردتِ أن نستمر في الحديث.. فابتعدي عن الضحكات
>
> المجلجلة والأصوات المتكسرة.. فلست ممن يتعلق قلبه بهذه التفاهات!!
>
>
> تلعثمت الفتاة قليلا.. ثم قالت: أنا آسفة.. لم أكن أقصد!!
>
>
> فقال لها الشيخ ( محمد ) ساخرا: ومن سعيد الحظ (!) الذي وقعتِ في عشقه وغرامه؟!!
>
> فردت عليه قائلة: أنتَ بالطبع (!)
>
>
> فقال مستغربا: أنا؟!!.. وكيف تعلقتِ بي.. وأنتِ لا تعرفينني ولم تريني بعد؟!!
>
>
> فقالت له: لقد سمعت عنك الكثير من بعض زميلاتي في الكلية.. وقرأت لك بعض
>
> المؤلفات.. فأعجبني أسلوبها العاطفي الرقيق.. والأذن تعشق قبل العين أحيانا ( ! )
>
>
> قال لها الشيخ (محمد): إذن أخبريني بصراحة.. كيف تقضين الليل؟!!فقالت له: أنا ليليّا أكلم ثلاثة
>
> أو أربعة شباب..!! أنتقل من رقم إلى رقم.. ومن شاب إلى شاب عبر الهاتف.. أعاكس
>
> هذا.. وأضحك مع هذا.. وأمنّي هذا.. وأعد هذا.. وأكذب على هذا.. وأسمع قصائد الغزل
>
> من هذا.. وأستمع إلى أغنية من هذا.. وهكذا دواليك حتى قرب الفجر!!.. وأردت الليلة أن
>
> أتصل عليك.. لأرى هل أنت مثلهم!! أم أنك تختلف عنهم؟!!..
>
>
> فقال لها: ومع من كنتِ تتكلمين قبل أن تهاتفينني؟!!..
>
>
> سكتت قليلا.. ثم قالت: بصراحة.. كنت أتحدث مع ( وليد ) .. إنه عشيق جديد.. وشاب
>
> وسيم أنيق..!!
>
>
> رمى لي الرقم اليوم في السوق.. فاتصلت عليه وتكلمت معه قرابة نصف الساعة..!!
>
> فقال لها الشيخ ( محمد ) على الفور: ثم ماذا؟!!.. هل وجدتِ لديه ما تبحثين عنه؟!!
>
>
> فقالت بنبرة جادة حزينة: بكل أسف.. لم أجد عنده ولا عند الشباب الكثيرين الذين كلمتهم
>
> عبر الهاتف أو قابلتهم وجها لوجه.. ما أبحث عنه؟!!.. لم أجد عندهم ما يشبع جوعي
>
> النفسي.. ويروي ظمئي الداخلي..!!
>
>
> سكتت قليلا.. ثم تابعت: إنهم جميعا شباب مراهقون شهوانيون!!.. خونة.. كذبة..
>
> مشاعرهم مصطنعة.. وأحاسيسهم الرقيقة ملفقة.. وعباراتهم وكلماتهم مبالغ فيها..
>
> تخرج من طرف اللسان لا من القلب.. ألفاظهم أحلى من العسل.. وقلوبهم قلوب الذئاب
>
> المفترسة.. هدف كل واحد منهم.. أن يقضي شهوته ال***ة معي، ثم يرميني كما
>
> يرمي الحذاء البالي.. كلهم تهمهم أنفسهم فقط.. ولم أجد فيهم إلى الآن -على كثرة من
>
> هاتفت من الشباب- من يهتم بي لذاتي ولشخصي!!.. كلهم يحلفون لي بأنهم يحبونني
>
> ولا يعشقون غيري.. ولا يريدون زوجة لهم سواي!!.. وأنا أعلم أنهم في داخلهم يلعنونني
>
> ويشتمونني..!! كلهم يمطرونني عبر السماعة بأرق الكلمات وأعذب العبارات.. ثم بعد أن
>
> يضعوا السماعة.. يسبونني ويصفونني بأقبح الأوصاف والكلمات..!!
>
>
> إن حياتي معهم حياة خداع ووهم وتزييف!!.. كل منا يخادع الآخر.. ويوهمه بأنه يحبه!!
>
>
>
> وهنا قال لها الشيخ ( محمد ) : ولكن أخبريني: ما دمتِ لم تجدي ضالتك المنشودة.. عند
>
> أولئك الشباب التائهين التافهين.. فهل من المعقول أن تجديها عندي؟!!.. أنا ليس عندي
>
> كلمات غرام.. ولا عبارات هيام.. ولا أشعار غزل.. ولا رسائل معطرة!!
>
>
>
> فقاطعته قائلة: بالعكس.. أشعر -ومثلي كثير من الفتيات- أن ما نبحث عنه.. هو موجود
>
> لدى الصالحين أمثالك؟!!.. إننا نبحث عن العطاء والوفاء.. نبحث عن الأمان.. نطلب الدفء
>
> والحنان.. نبحث عن الكلمة الصادقة التي تخرج من القلب لتصل إلى أعماق قلوبنا.. نبحث
>
> عمن يهتم بنا ويراعي مشاعرنا.. دون أن يقصد من وراء ذلك.. هدفا شهوانيّا خسيسا..
>
> نبحث عمن يكون لنا أخا رحيما.. وأبا حنونا.. وزوجا صالحا!!
>
>
>
> إننا باختصار نبحث عن السعادة الحقيقية في هذه الدنيا!!.. نبحث عن معنى الراحة
>
> النفسية.. نبحث عن الصفاء.. عن الوفاء.. عن البذل والعطاء!!
>
>
>
> فقال لها الشيخ ( محمد ) والدموع تحتبس في عينيه حزنا على هذه الفتاة التائهة الحائرة: يبدو
>
> أنكِ تعانين أزمة نفسية.. وفراغا روحيّا.. وتشتكين همّا وضيقا داخليّا مريرا.. وحيرة وتيها
>
> وتخبطا.. وتواجهين مأساة عائلية.. وتفككا أسريّا!!.
>
>
>
> فقالت له: أنت أول شخص.. يفهم نفسيتي ويدرك ما أعانيه من داخلي!! فقال لها: إذن
>
> حدثيني عنك وعن أسرتك قليلا.. لتتضح الصورة عندي أكثر..
>
>
>
> فقالت الفتاة: أنا أبلغ من العمر عشرين عاما.. وأسكن مع عائلتي المكونة من أبي
>
> وأمي.. وثلاثة إخوة وثلاث أخوات.. وإخوتي وأخواتي جميعهم تزوجوا إلا أنا وأخي الذي
>
> يكبرني بعامين.. وأنا أدرس في كلية(...)
>
>
>
> فقال لها: وماذا عن أمك؟ وماذا عن أبيك؟
>
>
>
> فقالت: أبي رجل غني مقتدر ماليّا.. أكثر وقته مشغول عنا.. بأعماله التجارية.. وهو يخرج
>
> من الصباح.. ولا أراه إلا قليلا في المساء.. وقلما يجلس معنا.. والبيت عنده مجرد أكل
>
> وشرب ونوم فقط..
>
>
>
> ومنذ أن بلغت.. لم أذكر أنني جلست مع أبي لوحدنا.. أو أنه زارني في غرفتي.. مع أنني
>
> في هذه السن الخطيرة في أشد الحاجة إلى حنانه وعطفه.. آه!! كم أتمنى أن أجلس
>
> في حضنه.. وأرتمي على صدره.. ثم أبكي وأبكي وأبكي! لتستريح نفسي ويهدأ قلبي!
>
>
>
> وهنا أجهشت الفتاة بالبكاء.. ولم يملك الشيخ( محمد ) نفسه .. فشاركها بدموعه الحزينة.
>
>
>
> ------- - - - - - - - - - - -------
>
>
>
> بعد أن هدأت الفتاة.. واصلت حديثها قائلة:
>
>
>
> لقد حاولت أن أقترب منه كثيرا، ولكنه كان يبتعد عني.. بل إنني في ذات مرة.. جلست
>
> بجواره واقتربت منه.. ليضمني إلى صدره.. وقلت له: أبي محتاجة إليك يا أبي.. فلا
>
> تتركني أضيع..
>
>
> فعاتبني قائلا: لقد وفرت لكِ كل ما تتمناه أي فتاة في الدنيا!!.. فأنتِ لديك أحسن أكل
>
> وشرب ولباس.. وأرقى وسائل الترفيه الحديثة.. فما الذي ينقصك؟!!..
>
>
>
> سكتُّ قليلا.. وتخيلت حينها أنني أصرخ بأعلى صوتي قائلة: أبي: أنا لا أريد منك طعاما ولا
>
> شرابا ولا لباسا.. ولا ترفا ولا ترفيها.. إنني أريد منك حنانا.. أريد منك أمانا.. أريد صدرا
>
> حنونا.. أريد قلبا رحيما.. فلا تضيعني يا أبي!!
>
>
>
> ولما أفقت من تخيلاتي.. وجدت أبي قد قام عني.. وذهب لتناول طعام الغداء..
>
>
>
> وهنا قال لها الشيخ ( محمد ) هوّني عليك.. فلعل أباكِ نشأ منذ صغره.. محروما من الحنان
>
> والعواطف الرقيقة.. وتعلمين أن فاقد الشيء لا يعطيه!!.. ولكن ماذا عن أمك؟ أكيد أنها
>
> حنونة رحيمة؟ فإن الأنثى بطبعها رقيقة مرهفة الحس..
>
>
> قالت الفتاة: أمي أهون من أبي قليلا.. ولكنها بكل أسف.. تظن الحياة أكلا وشربا ولبسا
>
> وزيارات فقط.. لا يعجبها شيء من تصرفاتي.. وليس لديها إلا إصدار الأوامر بقسوة..
>
> والويل كل الويل لي إن خالفت شيئا من أوامرها.. و( قاموس شتائمها ) أصبح محفوظا
>
> عندي.. لقد تخلت عن كل شيء في البيت ووضعته على كاهلي وعلى كاهل الخادمة..
>
> وليت الأمر وقف عند هذا.. بل إنها لا يكاد يرضيها شيء.. ولا هم لها إلا تصيد العيوب
>
> والأخطاء.. ودائما تعيرني بزميلاتي وبنات الجيران.. الناجحات في دراستهن.. أو الماهرات
>
> في الطبخ وأعمال البيت.. وأغلب وقتها تقضيه في النوم.. أو زيارة الجيران وبعض
>
> الأقارب.. أو مشاهدة التلفاز.. ولا أذكر منذ سنين.. أنها ضمتني مرة إلى صدرها.. أو
>
> فتحت لي قلبها..
>
>
>
> قال لها الشيخ ( محمد ) وكيف هي العلاقة بين أبيك وأمك؟
>
>
>
> فقالت الفتاة: أحس وكأن كلا منهما لا يبالي بالآخر.. وكل منهما يعيش في عالم مختلف..
>
> وكأن بيتنا مجرد فندق ( ! ) .. نجتمع فيه للأكل والشرب والنوم فقط..
>
>
>
> حاول الشيخ (محمد) أن يعتذر لأمها قائلا: على كل حال.. هي أمك التي ربتك.. ولعلها هي
>
> الأخرى تعاني من مشكلة مع أبيك.. فانعكس ذلك على تعاملها معك.. فالتمسي لها
>
> العذر.. ولكن هل حاولتِ أن تفتحي لها قلبك وتقفي إلى جانبها؟ فهي بالتأكيد مثلك.. تمر
>
> بأزمة داخلية نفسية؟!
>
>
>
> فقالت الفتاة مستغربة: أنا أفتح لها صدري.. وهل فتحت هي لي قلبها؟.. إنها هي الأم
>
> ولست أنا.. إنها بكل أسف.. قد جعلت بيني وبينها – بمعاملتها السيئة لي – جدارا وحاجزا
>
> لا يمكن اختراقه!!
>
>
>
> فقال لها الشيخ ( محمد ) ولماذا تنتظرين أن تبادر هي.. إلى تحطيم ذلك الجدار؟!!.. لماذا لا
>
> تكونين أنتِ المبادرة ؟!!.. لماذا لا تحاولين الاقتراب منها أكثر؟!!
>
>
>
> فقالت: لقد حاولت ذلك.. واقتربت منها ذات مرة.. وارتميت في حضنها.. وأخذت أبكي
>
> وأبكي.. وهي تنظر إلي باستغراب!!.. وقلت لها: أماه: أنا محطمة من داخلي.. إنني
>
> أنزف من أعماقي!!.. قفي معي.. ولا تتركيني وحدي.. إنني أحتاجك أكثر من أي وقت
>
> مضى..!!
>
>
>
> فنظرت إلي مندهشة!!.. ووضعت يدها على رأسي تتحسس حرارتي.. ثم قالت: ما هذا
>
> الكلام الذي تقولينه؟!.. إما أنكِ مريضة!!.. وقد أثر المرض على تفكيرك.. وإما أنكِ
>
> تتظاهرين بالمرض.. لأعفيكِ من بعض أعمال المنزل.. وهذا مستحيل.. ثم قامت عني
>
> ورفعت سماعة التليفون.. تحادث إحدى جاراتها.. فتركتها وعدت إلى غرفتي.. أبكي دما
>
> في داخلي قبل أن أبكي دموعا!!..
>
>
>
> ثم انخرطت الفتاة في بكاء مرير!!
>
>
>
> حاول الشيخ ( محمد ) أن يغير مجرى الحديث فسألها: وما دور أخواتك وإخوتك الآخرين؟
>
>
>
> فقالت: إنه دور سلبي للغاية!!.. فالإخوان والأخوات المتزوجات كل منهم مشغول
>
> بنفسه.. وإذا تحدثت معهم عن مأساتي.. سمعت منهم الجواب المعهود: وماذا ينقصك؟
>
> احمدي ربك على الحياة المترفة التي تعيشين فيها.. وأما أخي غير المتزوج فهو مثلي
>
> حائر تائه.. أغلب وقته يقضيه خارج المنزل مع شلل السوء ورفقاء الفساد.. يتسكع في
>
> الأسواق وعلى الأرصفة!!
>
>
> أراد الشيخ ( محمد ) أن يستكشف شيئا من خبايا نفسية تلك الفتاة.. فسألها: إن من
>
> طلب شيئا بحث عنه وسعى إلى تحصيله.. وما دمت تطلبين السعادة والأمان الذي يسد
>
> جوعك النفسي.. فهل بحثتِ عن هذه السعادة؟؟
>
>
> فقالت الفتاة بنبرة جادة: لقد بحثت عن السعادة.. في كل شيء.. فما وجدتها!
>
>
>
> لقد كنت ألبس أفخر الملابس وأفخمها.. من أرقى بيوت الأزياء العالمية.. ظنا مني أن
>
> السعادة ستحصل حين تشير إلى ملابسي فلانة.. أو تمدحها وتثني عليها فلانة.. أو
>
> تتابعني نظرات الإعجاب من فلانة.. لكنني سرعان ما اكتشفت الحقيقة الأليمة.. إنها
>
> سعادة زائفة وهمية.. لا تبقى إلا ساعة بل أقل.. ثم يصبح ذلك الفستان الجديد الذي كنت
>
> أظن السعادة فيه مثل سائر ملابسي القديمة.. ويعود الهم والضيق والمرارة إلى
>
> نفسي.. وأشعر بالفراغ والوحدة تحاصرني من كل جانب.. ولو كان حولي مئات الزميلات
>
> والصديقات!!
>
>
> ظننت السعادة في الرحلات والسفر.. والتنقل من بلد لآخر.. ومن شاطئ لآخر.. ومن
>
> فندق لفندق.. فكنت أسافر مع والدي وعائلتي.. لنطوف العالم في الإجازات.. ولكني كنت
>
> أعود من كل رحلة.. وقد ازداد همي وضيقي.. وازدادت الوحشة التي أشعر بها تجتاح
>
> كياني..
>
>
> وظننت السعادة في الغناء والموسيقى.. فكنت أشتري أغلب ألبومات الأغاني العربية
>
> والغربية التي تطرح إلى الأسواق فور نزولها.. وأقضي الساعات الطوال في غرفتي..
>
> في سماعها والرقص على أنغامها.. طمعا في تذوق معنى السعادة الحقيقية.. ورغبة
>
> في إشباع الجوع النفسي الذي أشعر به.. وظنا مني أن السعادة في الغناء والرقص
>
> والتمايل مع الأنغام.. ولكنني اكتشفت أنها سعادة وهمية.. لا تمكث إلا دقائق معدودة
>
> أثناء الأغنية.. ثم بعد الانتهاء منها.. يزداد همي.. وتشتعل نار غريبة في داخلي.. وتنقبض
>
> نفسي أكثر وأكثر.. فعمدت إلى كل تلك الأشرطة فأحرقتها بالنار.. عسى أن تطفئ النار
>
> التي بداخلي..
>
>
> وظننت أن السعادة في مشاهدة المسلسلات والأفلام والتنقل بين الفضائيات.. فعكفت
>
> على أكثر من ثلاثين قناة.. أتنقل بينها طوال يومي.. وكنت أركز على المسلسلات
>
> والأفلام الكوميدية المضحكة.. ظنا مني أن السعادة هي في الضحك والفرفشة والمرح..
>
>
> وبالفعل كنت أضحك كثيرا وأنا أشاهدها.. وأنتقل من قناة لأخرى.. لكنني في الحقيقة..
>
> كنت وأنا أضحك بفمي.. أنزف وأتألم من أعماق قلبي.. وكلما ازددت ضحكا وفرفشة..
>
> ازداد النزيف الروحي..
>
>
> وتعمقت الجراح في داخلي.. وحاصرتني الهموم والآلام النفسية..
>
>
> وسمعت من بعض الزميلات أن السعادة في أن ارتبط مع شاب وسيم أنيق.. يبادلني
>
> كلمات الغرام.. ويبثني عبارات العشق والهيام.. ويتغزل بمحاسني كل ليلة عبر الهاتف..
>
> وسلكت هذا الطريق.. وأخذت أتنقل من شاب لآخر.. بحثا عن السعادة والراحة النفسية..
>
> ومع ذلك لم أشعر بطعم السعادة الحقيقية.. بل بالعكس.. مع انتهاء كل مقابلة أو مكالمة
>
> هاتفية.. أشعر بالقلق والاضطراب يسيطر على روحي.. وأشعر بنار المعصية تشتعل
>
> في داخلي.. وأدخل في دوامة من التفكير المضني والشرود الدائم.. وأشعر بالخوف من
>
> المستقبل المجهول.. يملأ علي كياني.. فكأنني في حقيقة الأمر.. هربت من جحيم إلى
>
> جحيم أبشع منه وأشنع..
>
>
> سكتت الفتاة قليلا.. ثم تابعت قائلة: ولذلك لا بد أن تفهموا وتعرفوا نفسية ودوافع أولئك
>
> الفتيات اللاتي ترونهن في الأسواق.. وهن يستعرضن بملابسهن المثيرة.. ويغازلن
>
> ويعاكسن ويتضاحكن بصوت مرتفع.. ويعرضن لحومهن ومحاسنهن ومفاتنهن للذئاب
>
> الجائعة العاوية من الشباب التافهين.. إنهن في الحقيقة ضحايا ولسن مجرمات.. إنهن
>
> في الحقيقة مقتولات لا قاتلات.. إنهن ضحايا الظلم العائلي.. إنهن حصاد القسوة
>
> والإهمال العاطفي من الوالدين.. إنهن نتائج التفكك الأسري والجفاف الإيماني.. إن كل
>
> واحدة منهن تحمل في داخلها مأساة مؤلمة دامية.. هي التي دفعتها إلى مثل هذه
>
> التصرفات الحمقاء.. وهي التي قادتها إلى أن تعرض نفسها على الذئاب المفترسة التي
>
> تملأ الأسواق والشوارع.. وإن الغريزة الشهوانية الجنسية لا يمكن أن تكون لوحدها هي
>
> الدافع للفتاة المسلمة لكي تعرض لحمها وجسدها في الأسواق وتبتذل وتهين نفسها
>
> بالتقاط رقم فلان.. وتبيع كرامتها بالركوب في السيارة مع فلان.. وتهدر شرفها بالخلوة مع
>
> فلان..
>
>
> فبادرها الشيخ ( محمد ) قائلا: ولكن يبرز هنا سؤال مهم جدا، وهو: هل مرورها بأزمة نفسية
>
> ومأساة عائلية يبرر لها ويسوغ لها أن تعصي ربها تعالى.. وتبيع عفافها وتتخلى عن
>
> شرفها وطهرها وتعرض نفسها لشياطين الإنس.. هل هذا هو الحل المناسب لمشكلتها
>
> ومأساتها؟؟ هل هذا سيغير من واقعها المرير المؤلم شيئا؟؟
>
>
> فأجابت الفتاة: أنا أعترف بأنه لن يغير شيئا من واقعها المرير المؤلم.. بل سيزيد الأمر
>
> سوءا ومرارة.. وليس مقصودي الدفاع عن أولئك الفتيات.. إنما مقصودي إذا رأيتموهن
>
> فارحموهن وأشفقوا عليهن.. وادعوا لهن بالهداية ووجهوهن.. فإنهن تائهات حائرات..
>
> يحسبن أن هذا هو الطريق الموصل للسعادة التي يبحثن عنها..
>
>
> سكتت الفتاة قليلا.. ثم تابعت قائلة: لقد أصبحت أشك.. هل هناك سعادة حقيقية في
>
> هذه الدنيا؟!!.. وإذا كانت موجودة بالفعل.. فأين هي؟!!.. وما هو الطريق الموصل إليها..
>
> فقد مَلِلت من هذه الحياة الرتيبة الكئيبة..
>
>
> فقال لها الشيخ ( محمد ): أختاه.. لقد أخطأتِ طريق السعادة.. ولقد سلكتِ سبيلا غير
>
> سبيلها.. فاسمعي مني.. لتعرفي طريق السعادة الحقة!!..------- - - - - - - - - - ------
>
>
> إن السعادة الحقيقية أن تلجأي إلى الله تعالى وتتضرعي له وتنكسري بين يديه..
>
> وتقومي لمناجاته في ظلام الليل.. ليطرد عنك الهموم والغموم.. ويداوي جراحك..
>
> ويفيض على قلبك السكينة والانشراح..
>
>
> أختاه: إذا أردتِ السعادة فاقرعي أبواب السماء بالليل والنهار.. بدلا من قرع أرقام
>
> الهاتف.. على أولئك الشباب التافهين الغافلين الضائعين..
>
>
> صدقيني يا أختاه.. إن الناس كلهم لن يفهموك.. ولن يقدروا ظروفك.. ولن يفهموا
>
> أحاسيسك.. وحين تلجأين إليهم.. فمنهم من يشمت بك.. أو يسخر من أفكارك.. ومنهم
>
> من يحاول استغلالك لأغراضه ومآربه الشخصية الخسيسة.. ومنهم من يرغب في
>
> مساعدتك.. ولكنه لا يملك لكِ نفعا ولا ضرا..
>
>
> أختاه: إنكِ لن تجدي دواء لمرضك النفسي.. لعطشك وجوعك الداخلي.. إلا بالبكاء بين
>
> يدي الله تعالى.. ولن تشعري بالسكينة والطمأنينة والراحة.. إلا وأنتِ واقفة بين يديه..
>
> تناجينه وتسكبين عبراتك الساخنة.. وتطلقين زفراتك المحترقة.. على أيام الغفلة
>
> الماضية..
>
>
> قالت الفتاة والعبرة تخنقها: لقد فكرت في ذلك كثيرا.. ولكن الخجل من الله.. والحياء من
>
> ذنوبي وتقصيري يمنعني من ذلك.. إذ كيف ألجأ إلى الله وأطلب منه المعونة
>
> وأنا مقصرة في طاعته.. مبارزة له بالذنوب والمعاصي..
>
>
> فقال لها الشيخ ( محمد ) : سبحان الله.. يا أختاه: إن الناس إذا أغضبهم شخص وخالف أمرهم..
>
> غضبوا عليه ولم يسامحوه.. وأعرضوا عنه ولم يقفوا معه في الشدائد والنكبات.. ولكن
>
> الله لا يغلق أبوابه في وجه أحد من عباده.. ولو كان من أكبر العصاة وأعتاهم.. بل متى
>
> تاب المرء وأناب.. فتح له أبواب رحمته.. وتلقاه بالمغفرة والعفو.. بل حتى إذا لم يتب إليه..
>
> فإنه جل وعلا يمهله ولا يعاجله بالعقوبة.. بل ويناديه ويرغبه في التوبة والإنابة.. أما
>
> علمت أن الله تعالى يقول في الحديث القدسي: «إني والجن والإنس في نبأ عظيم..
>
> أتحبب إليهم بنعمتي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم الفقراء إلي!! من
>
> أقبل منهم إلي تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل معصيتي
>
> لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا إلي فأنا حبيبهم، فإني أحب التوابين والمتطهرين، وإن
>
> تباعدوا عني فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، رحمتي
>
> سبقت غضبي، وحلمي سبق مؤاخذتي، وعفوي سبق عقوبتي، وأنا أرحم بعبادي من
>
> الوالدة بولدها».
>
>
> وما كاد الشيخ ( محمد ) ينتهي من ذلك الحديث القدسي.. حتى انفجرت الفتاة بالبكاء.. وهي
>
> تردد: ما أحلم الله عنا.. ما أرحم الله بنا..
>
>
> بعد أن هدأت الفتاة.. واصل الشيخ ( محمد ) حديثه قائلا: أختاه: إنني مثلك أبحث عن
>
> السعادة الحقيقية في هذه الدنيا.. ولقد وجدتها أخيرا.. وجدتها في طاعة الله.. في الحياة
>
> مع الله وفي ظل مرضاته.. وجدتها في التوبة والأوبة.. وجدتها في الاستغفار من الحوبة..
>
> وجدتها في دموع الأسحار.. وجدتها في مصاحبة الصالحين الأبرار.. وجدتها في بكاء
>
> التائبين.. وجدتها في أنين المذنبين.. وجدتها في استغفار العاصين.. وجدتها في تسبيح
>
> المستغفرين.. وجدتها في الخشوع والركوع.. وجدتها في الانكسار لله والخضوع.. وجدتها
>
> في البكاء من خشية الله والدموع.. وجدتها في الصيام والقيام.. وجدتها في امتثال شرع
>
> الملك العلام.. وجدتها في تلاوة القرآن.. وجدتها في هجر المسلسلات والألحان..
>
>
> أختاه: لقد بحثت عن الحب الحقيقي الصادق.. فوجدت أن الناس إذا أحبوا أخذوا.. وإذا
>
> منحوا طلبوا.. وإذا أعطوا سلبوا.. ولكن الله تعالى إذا أحب عبده أعطاه بغير حساب.. وإذا
>
> أطيع جازى وأثاب..
>
>
>
> أيتها الغالية: إن الناس لا يمكن أن يمنحونا ما نبحث عنه من صدق وأمان.. وما نطلبه من
>
> رقة وحنان.. ونتعطش إليه من دفء وسلوان.. لأن كلا منهم مشغول بنفسه مهتم بذاته..
>
> ثم إن أكثرهم محروم من هذه المشاعر السامية والعواطف النبيلة.. ولا يعرف معناها
>
> فضلا عن أن يتذوق طعمها.. ومن كان هذا حاله فهو عاجز عن منحها للآخرين.. لأن فاقد
>
> الشيء لا يعطيه كما هو معروف..
>
>
> أختاه: لن تجدي أحدا يمنحك ما تبحثين عنه.. إلا ربك ومولاك.. فإن الناس يغلقون
>
> أبوابهم.. وبابه سبحانه مفتوح للسائلين.. وهو باسط يده بالليل والنهار.. ينادي عباده:
>
> تعالوا إلي؟ هلموا إلى طاعتي.. لأقضي حاجتكم.. وأمنحكم الأمان والراحة والحنان.. كما
>
> قال تعالى: { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا
>
> لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون }
>
>
> أختاه: إن السعادة الحقيقية.. لا تكون إلا بالحياة مع الله.. والعيش في كنفه سبحانه
>
> وتعالى.. لأن في النفس البشرية عامة ظمأ وعطشا داخليا.. لا يرويه عطف الوالدين.. ولا
>
> يسده حنان الإخوة والأقارب.. ولا يشبعه حب الأزواج وغرامهم وعواطفهم الرقيقة.. ولا
>
> تملؤه مودة الزميلات والصديقات.. فكل ما تقدم يروي بعض الظمأ.. ويسقي بعض
>
> العطش.. لأن كل إنسان مشغول بظمأ نفسه.. فهو بالتالي أعجز عن أن يحقق الري
>
> الكامل لغيره.. ولكن الري الكامل والشبع التام لا يكون إلا باللجوء إلى الله تعالى..
>
> والعيش في ظل طاعته.. والحياة تحت أوامره.. والسير في طريق هدايته ونوره.. فحينها
>
> تشعرين بالسعادة التامة.. وتتذوقين معنى الحب الحقيقي.. وتحسين بمذاق اللذة
>
> الصافية.. الخالية من المنغصات والمكدرات.. فهلا جربتِ هذا الطريق ولو مرة واحدة..
>
> وحينها ستشعرين بالفرق العظيم.. وسترين النتيجة بنفسك..
>
>
> فأجابت الفتاة ودموع التوبة تنهمر من عينيها: نعم.. هذا والله هو الطريق!! وهذا هو ما
>
> كنت أبحث عنه.. وكم تمنيت أنني سمعت هذا الكلام.. منذ سنين بعيدة.. ليوقظني من
>
> غفلتي.. وينتشلني من تيهي وحيرتي.. ويلهمني طريق الصواب والرشد..
>
>
> فبادرها الشيخ ( محمد ) قائلا : إذن فلنبدأ الطريق من هذه اللحظة.. وها هو الفجر ظهر وبزغ..
>
> وها هي خيوط الفجر المتألقة تتسرب إلى الكون قليلا قليلا.. وها هي أصوات المؤذنين
>
> تتعالى في كل مكان.. تهتف بالقلوب الحائرة والنفوس التائهة.. أن تعود إلى ربها ومولاها..
>
> وها هي نسمات الفجر الدافئة الرقيقة تناديك أن عودي إلى ربك.. عودي إلى مولاك..
>
> فأسرعي وابدئي صفحة جديدة من عمرك.. وليكن هذا الفجر هو يوم ميلادك الجديد..
>
> وليكن أول ما تبدئين به حياتك الجديدة ركعتين تقفين بهما بين يدي الله تعالى.. وتسكبين
>
> فيها العبرات.. وتطلقين فيها الزفرات والآهات.. على المعاصي والذنوب السالفات..
>
>
> وأرجو أن تهاتفيني بعد أسبوعين من الآن.. لنرى هل وجدت طعم السعادة الحقيقية أم
>
> لا؟
>
>
> ثم أغلق الشيخ ( محمد ) السماعة.. وأنهى المكالمة..
>
>
> بعد أسبوعين.. وفي الموعد المحدد.. اتصلت الفتاة بـالشيخ ( محمد ).. ونبرات صوتها تطفح
>
> بالبشر والسرور.. وحروف كلماتها تكاد تقفز فرحا وحبورا.. ثم بادرت قائلة: وأخيرا.. وجدت
>
> طعم السعادة الحقيقية.. وأخيرا وصلت إلى شاطئ الأمان الذي أبحرت بحثا عنه.. وأخيرا
>
> شعرت بمعنى الراحة والهدوء النفسي.. وأخيرا شربت من ماء السكينة والطمأنينة
>
> القلبية الذي كنت أتعطش إليه.. وأخيرا غسلت روحي بماء الدموع العذب الزلال.. فغدت
>
> نفسي محلقة في الملكوت الأعلى.. وأخيرا داويت قلبي الجريح.. ببلسم التوبة الصادقة
>
> فكان الشفاء على الفور.. لقد أيقنت فعلا أنه لا سعادة إلا في طاعة الله وامتثال أوامره..
>
> وما عدا ذلك فهو سراب خادع.. ووهم زائف.. سرعان ما ينكشف ويزول.
>
>
> وإني أطلب منك يا شيخ طلبا بسيطا.. وهو أن تنشر قصتي هذه كاملة.. فكثير من
>
> الفتيات تائهات حائرات مثلي.. ولعل الله أن يهديهن بها طريق الرشاد..
>
> فقال لها الشيخ ( محمد ) عسى تري ذلك قريباً
منقول طبعا