المُرمّم والمهدّم
10-01-2015, 02:54 PM
توضع شخصية الانسان التي هي عبارة عن هيكل كثير التعقيد ، تتمثل خامات قوامه في مجموعة من العوامل البسيكولوجية والسوسيولوجية والاتفاق على نمط محدد من السلوكات لدى مجتمع البشر واعتباره المثالية التي تضمن الحياة السعيدة امر مستحيل عبرت عنه الميثولوجيات المختلفة والمعتقدات المتعددة بثنائية الخير والشر مع التسليم بتلازمهما كمقتضى من مقتضيات الطبيعة والوجود في ساحة المواجهة. فيظل هذا الصراع بين الخير والشر السلوكات القويمة والسلوكات الخاطئة قائما حيث تعددت المساعي في محاولات تنميط الغير وفق ما تطلبه ذات الساعي بهيكل شخصيته وما تحمله من رؤى وقناعات بغض النظر عن مطابقتها او مخالفتها للقيمة الحقيقية امام هيكل الشخص المستهدف ، فتبرز لنا مدرستان متناهضتان من السعاة : مدرسة التهديم ومدرسة الترميم
اما الاولى فيمثلها ذلك الشخص الذي يسعى الى تنميط غيره وفق ما يراه هو بمنظوره الخاص صلاحا وسلوكا صائبا وقد يكون على حق وقد يكون على خطأ لكن على اعتبار انه على حق سيكون التركيز على الاهم وهي الوسيلة التي يستخدمها هذا الشخص في مسعاه اذ تجد الشخص المهدم يعمد الى اسلوب فاشل ونتائجه ضامرة محتشمة لانه يستعمل معول الفظاظة ويسارع الى التقييد والعنف وما يميز صاحب هذا التوجه هو سطحية التفكير فتجده ان استهدف هيكل شخصية قوية جامحة ذات كبرياء وانا فينكسر معوله وتتطاير شظاياه وقد تصيبه في كذا موضع فيشهر سيف العداوة والبغضاء دون تحفظ وبالمقابل يجعل المستهدف يتمرد فتطغى الصفات السيئة فيه طغيانا اكبر في خضم الصراع من اجل الانتصار لذاته ، اما ان وقع امام هيكل شخصية ضعيفة تجده يهدم بسهولة تلك الشخصية فتنسلخ وتتنمط بسهولة لكنها تفتقد الى الاساس المتين المبني على القناعة التشكلة من بيئتها والمدروسة بالتجربة او المترسخة عن طريق البذور الاولى للتنشئة اما ان وضع امام شخصية براغماتية تتجاوز حيز الانا فسيتحصل على نتيجة مزيفة غير مضمونة الاستقرار ايضا .


اما المدرسة الثانية فيمثلها المرمم وهو ذلك الشخص الرصين الثاقب النظر وقوي الفراسة والصبور واللانساني الذي اول ما يعلم ان هيكل الشخصية البشرية مهما طفحت عيوبه يبقى فيه جوانب صالحة لذلك فالمرمم يستغني عن معول التقييد والفظاظة ومحاولة السيطرة والمجاهرة بعيوب المستهدف بل تجده يدرس مواضع الخلل فيه بعمق واول ما يفكر فيه تغيير ظروف تاسيس ذلك الهيكل ، ثم يلجا الى اماهة الدواء في كوب العصير من خلال الاشارة الضمنية الى عيوب المستهدف التي يكتشفها فيما بعد عقل اللاوعي Unconscious mind مع حرصه الشديد على ابداء حسن المعاملة ووده وتعاطفه معه والخطوة الاهم انه يحرص على ان يكون قدوة فعلية لما يهدف تغييره في مستهدفه وهذا ما يجعل هذا الاخير لا يجده امامه سوى خيار التغيير اما بطريقة سلسة وعلى استحياء خاصة ان كان جموحا صعب المراس او بطريقة واضحة مكشوفة ان كان هش البناء وهنا يكون التهديم ذاتي وعن قناعة ورضى المستهدف

وهنا لن اختصر الكلام بقول شوبنهاور او اوتلو او جونغ ولا بقول الفارابي او الغزالي رغم كون تنظيراتهم لا تبتعد عن ذات المضمون لكنني ساكتفي بقول الله تبارك وتعالى مخاطبا نبيه الكريم : "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك "


اماني

-----------------------
على الهامش :

المرمم لا يمثله قليل الصبر سريع الاستجابة كحالي كما لا يمكن ان يمثله المتفلحس المتملق المتلون كحال البعض ولا يمكن باي حال من الاحوال أن نسمي ذلك الاستغلال المعتمد على المداهنات وادعاء المثاليات من اجل استمالة المستهدف فمن تجتمع فيه صفات الانقلاب الأشعى والكيد المضمر لمن فشل في التأثير عليه باسلوب المداهنات فهو مخل بأهم صفات المرمم القدوة الحسنة و الصبر على المستهدف وصدق تعاطفه وحسن معاملته لانها تكون نابعة من اخلاقه الحقيقية وليست مصطنعة مصلحية .

اللهم ارزقنا صفات المُرمِّم
[SIGPIC][/SIGPIC]
التعديل الأخير تم بواسطة اماني أريس ; 10-01-2015 الساعة 02:58 PM