يحاولون دفعي إلى التقاعد المسبق ولن أفعل ذلك
08-02-2015, 08:31 PM
قالت الإعلامية القديرة صورية بوعمامة، إنه كان على الدولة أن تنحت تمثالا لكل صحفي عمل وعايش مرحلة العشرية السوداء، مشيرة إلى أن غيابها عن شاشة التلفزيون هو أمر طبيعي بالنسبة لأي صحفي، كما انتقدت سياسة القائمين على قلعة شارع الشهداء التي تحاول دفع عديد الصحفيين إلى التقاعد المسبق، مطمئنة جمهورها بقوها: "إنها لن تتقاعد حتى وإن دفع بها إلى ذلك"، ومن جهة أخرى، تحدثت نجمة نشرة الثامنة في التسعينيات، عن أهم تحقيق أنجزته بعنوان "القواعد الخلفية للإرهاب"، وعن بداياتها الصحفية، إليكم الحلقة الأولى منه.
غبت مؤخرا عن شاشة التلفزيون الجزائري، هل تفكرين في التقاعد أم أنها إحالة مسبقة إليه؟
الحمد لله أنه لا يوجد التقاعد في مهنة الصحفي كما هو الحال بالنسبة للفنان وبإمكاننا أن نبدع في أي وقت، عندما دخلت إلى التلفزيون وجدت شيوخا على رأس مؤسسة التلفزيون ولكنهم لم يتقاعدوا ومازالوا في مناصبهم، واليوم سيدفعوننا إلى التقاعد المسبق، أريد أن أوضح أننا لا نفكر في التقاعد وأبدا لن يدفع بنا إلى التقاعد، لسبب بسيط وهو أن شعلة الصحفي المواظب على عمله والصحفي الذي يتحدى الصعاب مازالت موجودة فيّ، أما غيابي عن شاشة التلفزيون فهذه أمور عادية، فإذا كنت مذيعة فهذا لا يعني أنك ستذيعين طيلة حياتك، فقد يرغب المدير الجديد في إعطاء طابع خاص للتلفزيون ويأتي بوجوه أخرى ليسجل مروره من مؤسسة التلفزيون، فطيلة مساري في الإذاعة لم أظهر في فترة متواصلة وكانت فترات متقطعة، أظهر وأغيب ثم أغيب، كما أن الوقت الذي قضيته خارج الكاميرا أكثر من الوقت الذي قضيته أمام الكاميرا، وهذه النقطة التي اعتز بها في مسيرتي المهنية، لأنني لم أبق أبدا جالسة على الكرسي أنتظر الأخبار وأبحث عن الشاشة، فبالعكس، سافرت عبر كامل التراب الوطني وذهبت إلى أبعد نقطة في بلادنا، فأنجزت عديد "الريبورتاجات" بعيدا عن الأخبار وهذا هو الذي صنع اسم صورية بوعمامة وليست النشرة هي التي صنعت اسم صورية بوعمامة، والكثير منها نال جوائز وطنية ودولية.
لو نأتي إلى أهم عمل صحفي أنجزته وهو القواعد الخلفية للإرهاب، ما الدافع وراء إنجازك لهذا التحقيق، لمن كانت الفكرة ومن كان يدعمك، كيف كانت الردود حول العمل وهل تلقيت تهديدات؟
القواعد الخلفية للإرهاب كانت فكرة مديرية التلفزيون الجزائري، كانت الجزائر في تلك المرحلة تتجرع ويلات الإرهاب وقائمة الضحايا والقتلى مفتوحة دائما، وكانت تأتينا الفتوى من الخارج من أوربا، هذه الأخيرة التي كانت كل يوم تلقننا دروسا في الديمقراطية وتقول إنه يجب أن نفتح المجال لهؤلاء حتى يظهروا، كانت منظمات حقوق الإنسان تندد ضدنا في كل المحافل الدولية، فكانت الجزائر في قفص الاتهام، فبادر التلفزيون الجزائري بهذه الفكرة الجيدة، حتى يرد عليهم ويقول لهم إن الخلل أمام بيوتهم وأنه يجب أن يقوموا بتنظيف أمام بيتهم قبل أن يتحدثوا عن الآخرين، وقام التلفزيون الجزائري بإرسال مجموعة من الصحفيين إلى أوربا، وقبل ذهابي كان قد كلف صحفيين آخرين بنفس المهمة، فكلفت مجموعة بالذهاب إلى بريطانيا ومجموعة إلى فرنسا وأخرى إلى ألمانيا، ولكن عمل تللك المجموعات لم يظهر وفشلت في مهمتها، وذهبت بعدها أنا إلى بلجيكا وأذكر أنني تعبت كثيرا في تلك السفرية وتنقلت في مناطق كثيرة في أوربا وبطريقة ذكية، التقيت بجزائريين وربطت علاقات معهم، وكانت المادة التي أتيت بها مادة دسمة وبها الكثير من المعلومات وأخذت بعدها كل وقتي في تحضير "الجنيريك"، وفي عملية التركيب وعرض الأفكار، وكل هذه الأفكار ساهمت في إحراز "الروبورتاج" الجائزة الذهبية في مهرجان اتحاد الإذاعات العربية بمصر، ومع الوقت أنصفنا التاريخ وأعطانا الحق، فأوربا بدأت الآن تقولها وبصراحة إن القواعد الخلفية للارهاب موجودة عندها، وهذا وقع قبل 11 سبتمبر.
كيف تمكنت من التغلغل في المساجد حيث كانت تجمع الأموال؟
لا أدعي دور البطولة وحدي، فكثيرون هم الأشخاص الذين ساعدوني في ذلك، من بينهم بعض القناصلة الممتازين مقابل بعض السفراء الذين لا يؤدون أدوارهم، فحتى الملاحق العسكري على مستوى السفارات، والسفير الجزائري في بلجيكا لم يقدما لنا أي مساعدة ولكن القنصل قام بمجهودات جبارة لمساعدتنا، وهو الذي وجهنا إلى أماكن تواجد الجالية الجزائرية هناك بالإضافة مراسل وكالة الأنباء الجزائرية الذي يشغل اليوم منصب مدير مؤسسة التلفزيون، فالسيد خلادي قدم لنا المساعدة وكان يعرف الكثير من السياسيين هناك، ووجهنا بدوره للوصول إلى عديد الشخصيات، بالإضافة إلى المصوّر الذي جاء في ذلك الوقت من محطة ورڤلة الجهوية "سي بوعلام" وهو إنسان رائع، فكان لا يرفض لي طلبا خاصة عندما كنت أطلب منه التصوير في الليل رغم المخاطر التي كانت محدقة بنا، بالإضافة إلى شاب جزائري من باش جراح، كان طالبا للجوء السياسي في بلجيكا وكان هو من يدلنا على تلك الأماكن.
بعد عرض التحقيق، هل تلقيت تهديدات؟
نعم، كانت تهديدات كثيرة كالعادة منها المكتوبة، في الأول كنا نتسلمها من التلفزيون كرسائل مباشرة وبعدها مصلحة الأمن بمؤسسة التلفزيون هي التي كانت تتسلمها لأنها كانت تخلف آثارا سلبية للغاية علينا، وتخلق حالة استنفار قصوى داخل التلفزيون، ولكننا لم نتراجع لأننا ندرك أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، لقد تضرر كثيرون من الأمر وحتى أولئك الذين كانوا متقاعدين.
نعود قليلا إلى الوراء، من ساعدك للوصول إلى التلفزيون؟
سبحان الله، البارحة فقط وصلتني رسالة في الهاتف من العربي زواق، قال لي فيها إن الهادي السعيد في ذمة الله، كان أستاذي في معهد العلوم والاتصال ويكتب في مجلة المجاهد الأسبوعي، وكان صديقا لصديق آخر لي وكنا نلتقي به في المكتبة عندما كنا في إنجلترا، وفي مرة من المرات قال لي، "صورية أنت.. وجهك تلفزيوني"، فقلت له: "ومن يوصلني إلى التلفزيون"، وفي ذلك الوقت كنت أعمل في الشعب رغم أن الصحافة المكتوبة لم تكن تستهويني، فساعدني للدخول إلى التلفزيون وأصيب للأسف في سنوات التسعينيات بمرض عقلي ومنذ ذلك الوقت كنت دائما أقول للعربي زواق إنني سأرافقه للاطمئنان عليه ولكنني لم أذهب، وهذا ما جعلني أتأثر كثيرا عندما بلغني نبأ وفاته وأدعو له دائما في صلاتي، وكان الرجل -رحمه الله- قد أخبر صديقه وهو مدير أسبوعية المجاهد في ذلك الوقت برغبتي في العمل بالتلفزيون، فأرسلني إلى التلفزيون وكان في ذلك الوقت السيد ملائكة نائبا للمدير وكان كذلك عزالدين بوكردوس في التلفزيون، وتزامن ذلك مع انعقاد مفاوضات "ناقورا" بين تل أبيب ولبنان فطلب مني محمد ملائكة أن أكتب له مقالا حول مفاوضات "ناقورا"، فقلت لهم كيف تطلبون مني كتابة مقال وتعرفون إنه يحتاج إلى مراجع كثيرة لأنه يتطلب الكثير من المعلومات، فقال لي لقد حققت 70 % من نجاحك، فاشتريت ببعض الدراهم التي كنت أملكها مجموعة من الصحف التي تتحدث عن هذه المفاوضات وبحثت عن بعض الكتب في المكتبات حتى أتحصل على كل المعلومات، وأنجزت مقالا وسلمته إياه، فاقتنع بعملي وجاءت بعدها الخطوة الموالية وهي الوقوف أمام الكاميرا، وكان محمد ملائكة هو من اختبرني، فأعطاني جريدة وطلب مني قراءتها وقال لي، هذا الرجل العملاق، "كنت أظن أن الكاميرا ستسيطر عليك فسيطرتي عليها ومازال يقول لي هذا الكلام كلما التقيته وهكذا عملت واجتهدت وثابرت منذ الفرصة التي منحت لي في البداية.
ما هو أول عمل ظهرت من خلاله؟
عندما دخلت إلى التلفزيون كنت ضمن دفعة مجموعة من الإعلاميين على رأسهم جمال نزار بن عودة الذي توفي، رابح خوذري، كان التلفزيون في ذلك الوقت قلعة محمية وفيها أباطرة، كان محمد نجيب، وزهية بن عروس التي كانت تقدم نشرة الأخبار ونورة بن شيخ التي اختفت الآن من الشاشة ونعيمة دريدي اللواتي كن أول من ظهرن على الشاشة، وعندما رأيتهم على الشاشة قلت في نفسي إنه توجد إمكانية للعمل في التلفزيون والحمد لله التحقت بطاقمه ونجحت، لأن العمل والمثابرة وحب العمل الذي نؤديه هي طرق النجاح، ولا شيء غير العمل، فالقرابات والصداقات تزول في العمل الصحفي، كنت أقدم الموجز الإخباري وبعدها بعض التقارير الصحفية، وبحبي للعمل نجحت في صناعة اسمي، فالصحافة هي أسماء تصنع سواء تعلق الأمر بالإعلام السمعي البصري أو بالصحافة المكتوبة.
من هي الشخصية الإعلامية التي تأثرت بها ومازلت إلى غاية اليوم متأثرة بها؟
أنا أتابع القنوات الأجنبية، الصحفي الفرنسي، "بي بيديا"، كنت محظوظة بلقاء هذا الرجل عندما كنت في تربص في فرنسا رفقة كمال علواني وأحمد إبراهيم وشاهدنا كيف يعمل هذا الرجل وكيف يلتقي ضيوفه وكيف يقوم بإدارة الحوار في اجتماع التحرير، ما جعلني أتمنى أن أكون في مكانه. وأحب أن أشير إلى أننا كنا في ذلك الوقت في الحي الجامعي وكنا لا نملك جهاز تلفزيون، كذلك الأستاذ أحمد بجاوي، الذي درسني في الجامعة مادة السينما والسياسة، كنت معجبة جدا بثقافته السينمائية.
كيف كانت تقدم النشرة في زمن الحزب الواحد؟
كانت النشرة تقدم بحذر كبير في زمن الحزب الواحد ووفق خطوط حمراء ولكن كانت تقدم بمهنية كبيرة.
بمعنى؟
بمعنى أن الصحفي كان يعي ما يقول، وليس مثل ما نراه اليوم الصحفي يأتي بورقة ويقرأ منها، كان الصحفي يحرر، وكان يأخذ الوقت ليتحرى ولكن اليوم تحوّلت الصحافة إلى جري نحو السبق الصحفي على حساب التحري، الكثير من الدول مرت على تجربة الحزب الواحد وكان ممرا طبيعيا، ربما الأمر مختلف بالنسبة لنا، لأننا أطلنا البقاء تحت قبة الحزب الواحد، وهذه الحقبة في نظري لها عيوب ولها ايجابيات، كان الصحفي محترما في تلك الفترة ويملك هيبة، كما أن أحسن الأقلام اليوم وزبدة الأقلام الصحفية نشأت في زمن الحزب الواحد، على غرار علي فضيل، بلهوشات وبن شيكو.
وما هي الخطوط الحمراء التي كان يحرم الاقتراب منها؟
الثوابت الوطنية، عندما يتعلق الأمر برئيس الجمهورية، العلم والنشيد الوطنيين، أمن الدولة والكثير من الجوانب، أنا لم أعمل مطولا تحت قبة الحزب الواحد، كنت في بدايتي الصحفية، مرت فترة قصيرة من بداية عملي في التلفزيون وجاء الانفتاح، وكان يضرب المثل بالجزائر في ذلك الوقت في مجال حرية التعبير، وفي الأقلام التي كانت الساحة الإعلامية تزخر بها وكانت فترة ذهبية للصحافة الوطنية وإلى الآن مازالوا يتحدثون عنها بالكثير من الحنين.
هل تستثنين مرحلة الحزب الواحد منها؟
لا، التاريخ فترات ممتدة كما يقول بن خلدون، لكل فترة مميزاتها، في بدايتنا كان الإعلام يعيش عصره الذهبي ثم تدهور لبعض الشيء بسبب الانغلاق الذي حدث في العشرية السوداء، وأعتقد أنه كان واجبا على الدولة أن تنحت تمثالا لكل صحفي عاش ويلات تلك الفترة، لأن الأسرة الإعلامية دفعت ثمنا باهظا جدا، كل الصحف من دون استثناء، كانت مصادر الخبر وكان الجزائري عندما يقرأ الجريدة يتنفس من خلالها ويقول: "الحمد لله"، كان كل شيء مغلقا، خاصة في المدن الداخلية حيث كانت الحياة تنتهي في الساعة الرابعة مساء، ولكن الصحفي الذي كان السيف مسلّطا على عنقه كان يخرج كل يوم وينقل المعلومة، كان يخرج ويتنقل دون أن يخاف من أحد، وأحب أن أشير إلى أن كتابي "أوراق لم تكن للنشر"، هو تكريم لكل الصحفيين الجزائريين، لكل فترة رجالاتها وكان الصحفيون رجالات تلك المرحلة برجالها ونسائها.







