قبائل .. لا وطن
09-02-2015, 07:04 AM

الكاتب:
صالح عوض

في اليمن فوضى مفاهيم وفوضى سلوك وانقلاب على الحكمة والمسؤولية.. الحوثيون يعلنون قيام ثورة ولجنة ثورية ومجلس انتقالي وحكومة كفاءات وإعلان دستوري.. ومنذ تلك اللحظة توالت ردود الأفعال والتحليلات والتوقعات، التي في معظمها تعبر عن موقف أو رأي أكثر من كونها معبرة عن تحليل علمي يأخذ بعين الاعتبار المعطيات الواقعية محليا وإقليميا. الأمر الذي سيصدم المعنيين بالشأن اليمني ويكشف لهم أن الموضوع أبعد مما تراءى للمتابعين.

الحوثيون قاموا بعملهم "الثوري" في بلد يحتكم إلى القبيلة ولم تستطع القوى السياسية تكسير إطار القبيلة لصالح مكونات سياسية حزبية أو سلطوية.. ومن عمق التشكيل القبلي انبثق الحوثيون الذين مازجوا بين القبلي والمذهبي فكانوا حالة مذهبية قبلية مسلحة لتحسين شروط جهوية فرض عليها التهميش عقودا طويلة من الزمن فطالها من الظلم الاجتماعي والسياسي ما أنشأ بيئة مناسبة لتولد حالة العصبوية المسلحة.

ولكن هذا العمل محكوم عليه بالموت أو البقاء في كانتون قيتو.. فما قاموا به من انقلاب أو ثورة إنما هو وصفة لعمل سياسي عسكري، قد ينجح في بلد آخر، لكنه لا يصلح في اليمن، حيث لا مركزية للعاصمة، فكل محافظة وملاحقها تتوزع على قبائل أو قبيلة ضخمة لها زعماؤها ووجهاؤها والإمكانات موزعة على المحافظات، ولكل قبيلة مليشياتها المسلحة. ففي اليمن السلاح زينة الرجال.. فلئن استطاع الحوثيون بقواتهم العسكرية السيطرة على مرافق صنعاء وأن يضموها مؤقتا إلى المحافظات التي انطلقوا منها، لا سيما صعدة، فإنهم سيقفون عند حدود ما تواجدوا فيه وإلا فالحرب الضروس بينهم وبين غالبية أهل اليمن في جنوبه ووسطه .. ورغم أنه لا يوجد تنازع طائفي في اليمن، حيث تعايش اليمنيون مع اختلاف مذاهبهم في تواد وتماسك تماهت فيه الفروق الطائفية.. رغم ذلك، إلا أن النبرة التي يتحلى بها الحوثي تستدعي ميلاد ردات فعل من الآخرين الذين سيتكتلون على بواعث مذهبية..

ما قام به الحوثيون هو محاولة قفز محفوفة بالمخاطر، ذلك لأنهم سيواجهون بموقف عربي خليجي رافض تماما سيشجع الموقف الشعبي الواسع الرافض لسيطرتهم على صنعاء.. ويبدو أن التحركات السياسية في اللحظات الأخيرة لتجميع القوى السياسية اليمنية الكبيرة تحت رعاية دول إقليمية فاعلة سيرسم معالم المرحلة القادمة.. لن يطول السكوت الأمريكي ولن تقف دول الخليج، لا سيما السعودية، مترددة وسيجد الحوثيون أنفسهم بعد قليل في مواجهات عنيفة داخل اليمن وخارجه. فالمسألة في اليمن ليست مسألة دولة ونظام سياسي يمكن فيه نجاح الثورة من خلال انقلاب ما.. المسألة في اليمن تركيب قبلي ومناطقي متمكن من اليمن في شماله وجنوبه. ومن هنا، لن يفعل الحوثيون أكثر من فرض حصار خانق حولهم.

سيخرج الحوثيون من المستنقع إن هم اعتبروا أن خطوتهم الصادمة هي فقط ورقة قوة بأيديهم للتفاوض والحوار الوطني الشامل يرتب البيت السياسيي لليمن ويفتح المجال للشفافية والعدل وإقامة دولة التنمية والمواطنة.. وهذا أقصى ما يمكن أن يطالب به الحوثيون وأن يسعوا إلى تحقيقه وإلا فالمستقبل كثيف العتامة.. تولانا الله برحمته.