الإرهاب الفكري
07-07-2015, 08:57 AM
الإرهاب الفكري
قد يظن البعض منا أنه قد تأثر بأفكار البلد المضيف، وأنه وبشكل تلقائي قد بدأ يمارس حريته بوعي كامل، وغاب عنا أننا نحمل كل بذور التخلف والتردي تحت طيات الجلد وفي الجينات. فقد جاء معظمنا من بلاد لا تتمتع بالحرية ولا بالوعي وينتشر فيها الظلم والاستبداد، حيث لا تتاح لنا فرص التعبير عن أفكارنا دون خوف أو قلق، مما يجعل التربة خصبة لنشوء كل أنواع الإرهاب من إرهاب الدولة إلى الإرهاب الاقتصادي والاجتماعي والفكري. وهذا الأخير يقوي من سلطة الرقيب، مما يحد من عملية الإبداع الفكري. وخوفاً من هذه السلطة يلجأ المفكرون إلى استعمال اللغة الرمزية لتحاشي الوقوع في مطبات تؤخذ عليهم ويعاقبون عليها، مما يولد لديهم حالة من التقوقع والنزوع إلى الباطنية وبالتالي إلى التخلف الثقافي والحضاري.
والإرهاب الفكري موجود في كل المجتمعات بنسب متفاوتة. وهو ظاهرة عالمية ولكنه ينتشر في المجتمعات المنغلقة وذات الثقافة المؤدلجة والشمولية، ويتجسد في ممارسة الضغط أو العنف أو الاضطهاد ضد أصحاب الرأي المغاير أفراداً كانوا أم جماعات، وذلك بدعم من تنظيمات سياسية أو تنظيمات دينية تحرض عليه وتؤججه، والهدف هو إسكات الأشخاص وإخراسهم ليتسنى لهذه التنظيمات نشر أفكارها دون أي معارضة من التيارات الأخرى، والويل لمن تسول له نفسه الخروج عن الخط المرسوم له.
وأخطر أنواع الإرهاب هو الإرهاب الفكري المُمارس علينا والذي حوّل واقعنا العربي إلى يباب، وهو بطش بالوعي وبالفكر، وبالذاكرة، وبالحلم، كما أن الإرهاب الدموي الممارس يومياً هو بطش بالجسد وتخريب البيئة وقطع العلاقة مع الأرض والتاريخ والذاكرة. وبالإمكان القول إن هذا النوع من الإرهاب الفكري هو استخفاف بعقولنا. فمشاهد القتل والاغتيال والإبادة والتّفجير والتّخريب والتّدمير والاعتقال والإذلال والظّلم تفضي إلى حالة من الخوف والهلع والشّعور بالقلق وانعدام الأمن والاستقرار في النّفس.
ومن الغرابة ملاحقتنا ونحن في دول الاغتراب ومحاولة كم أفواهنا باستخدام كل الطرق اللا أخلاقية ليصل التهديد في أقصاه إلى استعمال العنف، وهذا ليس بغريب علينا فنحن كما أوردنا سابقا نحمل العنف في الجينات ولا نعرف أسلوبا آخر للحوار، فمن ليس معنا فهو ضدنا.
هذا العنف الذي يمارس بدأ من المنزل الكبير على الصغير والرجل على المرأة والحكومة على الشعب الخ.
وتلتقي مصالح التنظيمات السياسية والدينية على أرضية واحدة، رغم وجود كل منهما على طرف نقيض للأخر، وذلك في إتباع النهج الفكري والأسلوب ذاته عندما يتعلق الأمر بالإرهاب الفكري، والفروق بين الجهتين شكلية إذ أنهما يلتقيان في أسلوب ممارسة التهميش والطغيان، مهما اختلفا عقائديا وفكريا.
وفي حال عدم القدرة على تدجين صاحب الرأي الآخر وتحويله إلى ببغاء يردد ما يقال له من كلام تافه فإن التهمة جاهزة:
إما بعميل لأمريكا أو لأوروبا أو لإسرائيل، وإما كافر، وفي كلا الحالتين يصفى هذا الإنسان من كل مضامينه وقد يضطر في معظم الأوقات إلى التراجع دفاعاً عن وطنيته وعقائده وإيمانه والإنضمام إلى القطيع، فهو فرد في مواجهة تنين يملك المال والبوق الإعلامي، والويل لمن يتجرأ ليصرخ كالطفل ليقول عاليا: "ولكن الملك عار"*.
ويمكن للجميع أن يتهامسوا سراً فيما بينهم عن كل القضايا ولكن لا يُسمح لهم البحث فيها علانية، وفي حال حدوثها يكونوا قد تجاوزوا كل الخطوط الحمراء، وعلينا كلنا أن نتعلم سياسة الكيل بمكيالين، علماً بأننا ننتقد الغرب والشرق لنفس السياسة.
إن معالجة الإرهاب والذي يهيئ بدوره البيئة المناسبة للإرهاب لا يمكن أن تتم دون إشاعة الديمقراطية الحقيقية وصيانة الحقوق والحريات العامة واحترام الرأي الآخر، والحيلولة دون أي انتهاك لهذه الحريات من قبل الحكام أو التنظيمات أو رجالات المال.
إنَّ العلاقة بين الآثار النّفسيّة للإرهاب وأشكاله المختلفة متلازمة، بمعنى أنَّ زوال تلك الآثار من حياة الإنسان مرتبطٌ جوهريّاً بزوال الإرهاب نفسه، الأمر الّذي يستدعي تضافر كافة الجهود للتّخلّص منه.
وبالتأكيد إن الإرهاب الفكري، الذي يأخذ أشكالا عدة، هو واحد من أهم البنى التحتية للإرهاب المتجسد في العنف، ويجب تفكيك تلك البنية التحتية وذلك الفكر بإظهارها للسطح ومناقشتها عبر الحوار الموضوعي لكي تستطيع المجتمعات والدول معالجة الظواهر السلبية السائدة فيها وإيجاد الحلول لها بدلا من توخي أسلوب النعامة وإنكار هذه الظواهر.
* وهي قصة الملك الذي تصفق له الرعية وتعجب بأدائه مهما كان هذا الأداء، إلى أن جاء يوم وأراد أن يرتدي فيه ثوب مميز، فكان أن أقنعه خياطه الخاص بأن جسده عارياً هو أفضل ثوب له. ونزل الملك من عربته وتلقته الرعية بصرخات الإعجاب، لكن الطفل البرئ صرخ واصفاً حال الملك "بأنه عار"، ولا يغطيه أي ثوب.
ماري تيريز كرياكي
قد يظن البعض منا أنه قد تأثر بأفكار البلد المضيف، وأنه وبشكل تلقائي قد بدأ يمارس حريته بوعي كامل، وغاب عنا أننا نحمل كل بذور التخلف والتردي تحت طيات الجلد وفي الجينات. فقد جاء معظمنا من بلاد لا تتمتع بالحرية ولا بالوعي وينتشر فيها الظلم والاستبداد، حيث لا تتاح لنا فرص التعبير عن أفكارنا دون خوف أو قلق، مما يجعل التربة خصبة لنشوء كل أنواع الإرهاب من إرهاب الدولة إلى الإرهاب الاقتصادي والاجتماعي والفكري. وهذا الأخير يقوي من سلطة الرقيب، مما يحد من عملية الإبداع الفكري. وخوفاً من هذه السلطة يلجأ المفكرون إلى استعمال اللغة الرمزية لتحاشي الوقوع في مطبات تؤخذ عليهم ويعاقبون عليها، مما يولد لديهم حالة من التقوقع والنزوع إلى الباطنية وبالتالي إلى التخلف الثقافي والحضاري.
والإرهاب الفكري موجود في كل المجتمعات بنسب متفاوتة. وهو ظاهرة عالمية ولكنه ينتشر في المجتمعات المنغلقة وذات الثقافة المؤدلجة والشمولية، ويتجسد في ممارسة الضغط أو العنف أو الاضطهاد ضد أصحاب الرأي المغاير أفراداً كانوا أم جماعات، وذلك بدعم من تنظيمات سياسية أو تنظيمات دينية تحرض عليه وتؤججه، والهدف هو إسكات الأشخاص وإخراسهم ليتسنى لهذه التنظيمات نشر أفكارها دون أي معارضة من التيارات الأخرى، والويل لمن تسول له نفسه الخروج عن الخط المرسوم له.
وأخطر أنواع الإرهاب هو الإرهاب الفكري المُمارس علينا والذي حوّل واقعنا العربي إلى يباب، وهو بطش بالوعي وبالفكر، وبالذاكرة، وبالحلم، كما أن الإرهاب الدموي الممارس يومياً هو بطش بالجسد وتخريب البيئة وقطع العلاقة مع الأرض والتاريخ والذاكرة. وبالإمكان القول إن هذا النوع من الإرهاب الفكري هو استخفاف بعقولنا. فمشاهد القتل والاغتيال والإبادة والتّفجير والتّخريب والتّدمير والاعتقال والإذلال والظّلم تفضي إلى حالة من الخوف والهلع والشّعور بالقلق وانعدام الأمن والاستقرار في النّفس.
ومن الغرابة ملاحقتنا ونحن في دول الاغتراب ومحاولة كم أفواهنا باستخدام كل الطرق اللا أخلاقية ليصل التهديد في أقصاه إلى استعمال العنف، وهذا ليس بغريب علينا فنحن كما أوردنا سابقا نحمل العنف في الجينات ولا نعرف أسلوبا آخر للحوار، فمن ليس معنا فهو ضدنا.
هذا العنف الذي يمارس بدأ من المنزل الكبير على الصغير والرجل على المرأة والحكومة على الشعب الخ.
وتلتقي مصالح التنظيمات السياسية والدينية على أرضية واحدة، رغم وجود كل منهما على طرف نقيض للأخر، وذلك في إتباع النهج الفكري والأسلوب ذاته عندما يتعلق الأمر بالإرهاب الفكري، والفروق بين الجهتين شكلية إذ أنهما يلتقيان في أسلوب ممارسة التهميش والطغيان، مهما اختلفا عقائديا وفكريا.
وفي حال عدم القدرة على تدجين صاحب الرأي الآخر وتحويله إلى ببغاء يردد ما يقال له من كلام تافه فإن التهمة جاهزة:
إما بعميل لأمريكا أو لأوروبا أو لإسرائيل، وإما كافر، وفي كلا الحالتين يصفى هذا الإنسان من كل مضامينه وقد يضطر في معظم الأوقات إلى التراجع دفاعاً عن وطنيته وعقائده وإيمانه والإنضمام إلى القطيع، فهو فرد في مواجهة تنين يملك المال والبوق الإعلامي، والويل لمن يتجرأ ليصرخ كالطفل ليقول عاليا: "ولكن الملك عار"*.
ويمكن للجميع أن يتهامسوا سراً فيما بينهم عن كل القضايا ولكن لا يُسمح لهم البحث فيها علانية، وفي حال حدوثها يكونوا قد تجاوزوا كل الخطوط الحمراء، وعلينا كلنا أن نتعلم سياسة الكيل بمكيالين، علماً بأننا ننتقد الغرب والشرق لنفس السياسة.
إن معالجة الإرهاب والذي يهيئ بدوره البيئة المناسبة للإرهاب لا يمكن أن تتم دون إشاعة الديمقراطية الحقيقية وصيانة الحقوق والحريات العامة واحترام الرأي الآخر، والحيلولة دون أي انتهاك لهذه الحريات من قبل الحكام أو التنظيمات أو رجالات المال.
إنَّ العلاقة بين الآثار النّفسيّة للإرهاب وأشكاله المختلفة متلازمة، بمعنى أنَّ زوال تلك الآثار من حياة الإنسان مرتبطٌ جوهريّاً بزوال الإرهاب نفسه، الأمر الّذي يستدعي تضافر كافة الجهود للتّخلّص منه.
وبالتأكيد إن الإرهاب الفكري، الذي يأخذ أشكالا عدة، هو واحد من أهم البنى التحتية للإرهاب المتجسد في العنف، ويجب تفكيك تلك البنية التحتية وذلك الفكر بإظهارها للسطح ومناقشتها عبر الحوار الموضوعي لكي تستطيع المجتمعات والدول معالجة الظواهر السلبية السائدة فيها وإيجاد الحلول لها بدلا من توخي أسلوب النعامة وإنكار هذه الظواهر.
* وهي قصة الملك الذي تصفق له الرعية وتعجب بأدائه مهما كان هذا الأداء، إلى أن جاء يوم وأراد أن يرتدي فيه ثوب مميز، فكان أن أقنعه خياطه الخاص بأن جسده عارياً هو أفضل ثوب له. ونزل الملك من عربته وتلقته الرعية بصرخات الإعجاب، لكن الطفل البرئ صرخ واصفاً حال الملك "بأنه عار"، ولا يغطيه أي ثوب.
ماري تيريز كرياكي
من مواضيعي
0 التغذية: نصائح وحيل حول الأكل الصحي اهمالها قد يسبب لنا مشاكل صحية لا نعرف اين سببها؟
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة
التعديل الأخير تم بواسطة sabrina88 ; 07-07-2015 الساعة 09:00 AM













.gif)

