[ العَظيمُ العَاقِل ]
08-07-2015, 11:36 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[ العَظيمُ العَاقِل ]
للشيخ الدكتور : محمد بن إبراهيم الحمد .
يقول حفظه الله :
العظمة الحقة، وكمال العقل هبة يهبها الله - عز وجل - لأفراد من الناس؛ فيكونون مهيئين للقيام بجلائل الأعمال ..
من علامات العظيم العاقل : تقوى الله - عز وجل - وصدق الحديث، وترك ما لا يعني . ومنها : حسن السمت، وطول الصمت، وتدبُّر العواقب، وحبُّ العلم، وحسن الحلم، وصحة الجواب، وكثرة الصواب .
العظيم العاقل إذا أبغض أنصف، وإذا أحبَّ ألطف؛ فهو هادئٌ ثابتٌ بصيرٌ لا تبطره النعمة، ولا تقنطه المصيبة . العظيم العاقل لا يكسره الإخفاق، ولا يتطوَّس به النَّصْر، ولا تطيش به الولاية في زهو، ولا ينزل به العزة في حسرة .
العظيم العاقل يستطيع أن يذيب شهوته في مصلحة أمته، ويحتفظ بتماسكه وقواه لساعات الشدائد . العظيم العاقل نزيهٌ، متواضعٌ لا يغُرُّه المجد العاجل، ولا يَفْتِنُه التنافس في سبيل الظهور .
العظيم العاقل يعرف متى يُقْدِم، ومتى يُحْجِم؛ فيحسن الوقوف في مواقف الشجاعة والإقدام، كما يحسن الوقوف في مواقف الحيطة والحذر . العظيم العاقل يؤْثِر الصراحة المقرونة باللطف واللباقة، وينأى بنفسه عن الملق والرياء، والمواربة، والصفاقة .
العظيم العاقل يَزِنُ عقولَ مَنْ يلاقونه، فيتحامى ما يؤلمهم إلا أن يتألموا من صوت الحق ويعرف إمكاناته، وطاقاته، وموقعه؛ فلا يتخطى حدوده، ولا يُقَصِّر فيما يجب عليه .
العظيم العاقل قد تقضي عليه ضرورة من ضرورات الحياة آلاماً، وأحزاناً؛ فيودعها في قرارة نفسه، ثم يغلق دونها باباً من الصمت والكتمان ثم يصعد إلى الناس باشَّ الوجه، باسم الثغر، متطلقاً متهللاً كأنه لا يحمل بين جنبيه هماً ولا كمداً .
العظيم العاقل يحافظ على روابطه الاجتماعية، فلا يُفَرِّط في معارفه، وأصدقائه ولا يقطع ما أبرمه من ذلك إلا في أضيق الحدود، ولأسباب ظاهرة بيِّنة معقولة لا خفية موهومة محتملة .
العظيم العاقل لا يشمت بأحد، ولا يفرح بمصائب الآخرين، بل يفرح بالنجاح والخير سواء تمَّ على يده أو على يد أحد من إخوانه، ويأسى للإخفاق سواء صدر منه أو من أحد إخوانه .
العظيم العاقل هيِّن ليِّن، متواضع في سيرته، بعيد عن وسائل الخلابة والاسترهاب، يستمد بساطته من عظمته، وعَظَمَته من بساطته . مقياس اتسام العظيم بسمات العظمة يكون بمقياس غُنْيَتِه عن مخايل التعاظم الزائفة .
العظيم العاقل يمتلك روح الأبوة؛ فتراه يحدب على إخوانه، وأصدقائه، ومعارفه، وزملائه، ويسعى في مصالحهم دون أن يُحَمِّلهم شيئاً من همومه .
العظيم العاقل لا ينتظر جزاءًا ولاشكوراً من أحد، وإن شكره أحد أو كافئه كان شعوره بمعنى الجزاء أو الشكور أكثر من فرحه بما يُقَدَّم له من جزاء أو شكور .
العظيم العاقل يتعامل مع الحقائق، ويتباعد عن الأوهام الكاذبة، والظنون السيئة، والتحليلات الخاطئة فعلاقاته، وأحكامه مبنية على أساس متين لا على كثيب مهيل .
العظيم العاقل لا يتكلف في معاملته، ولا تخشى بوائقه، أو سوء ظنونه؛ يحفظ الغيبة والحضور، ويحسن الحديث والإصغاء . العظيم العاقل يمتلك روح المبادرة؛ فتراه يبادر إلى الإصلاح، ويسعى إلى تقديم النافع من الاقتراحات والحلول؛ فيكون سبباً لإسعاد نفسه وقومه .
العظيم العاقل لا يخوض في كلِّ مجال، ولا يبدي رأيه في كل مسألة؛ فهو حريص على جمع الكلمة، بعيد عن كل ما يكدر الصَّفْو، ويُفَرِّق الشَّمْل . العظيم العاقل والذي يفوق قومه في الخير، ويُفْزَع إليه عند الشدائد والنوائب، واسع الصدر بالنقد، متقبلٌ ما يرد إليه من ملحوظات، أو تعقيبات .
العظيم العاقل لا يغمط الناس حقوقهم، ولا تحدثه نفسه أن يسرق شيئاً من جهودهم أو أعمالهم ولا يستنكف من بذل الثناء لمستحقه، ولا ينأى عن الاعتراف للمحسن .
العظيم العاقل لا يقلِّل من قيمته جهلُ الناس، أو جحودهم شيئاً من فضله؛ فهو عظيم بأعماله، وبقدره، وبخلقه، وجوهره فهو مثل الدُّرِّ الذي قيمته ونفاسته فيه لا فيما يقال عنه؛ ففضل الشيء كامنٌ فيه ولو عُزِي إلى غيره .
.gif "13")
