الاتفاق الذي يرفع الحظر على التمدد الإيراني
16-07-2015, 07:54 PM
حبيب راشدين
في آخر يوم من أيام التمديد للمباحثات بين إيران والخمسة زائد واحد، تم التوصل إلى اتفاق نهائي وصفه الطرفان بـ"الاتفاق التاريخي وإشارة أمل للعالم بأجمعه" فيما وصفه ظريف بـ"الصفقة" التي ليست مثالية، لكنها أفضل انجاز أمكن التوصل إليه" واستبق أوباما الجميع بالتنويه بالاتفاق، وبتحذير أعضاء الكونغرس من أية محاولة لعرقلته، متوعدا بلجوء إدارته إلى استعمال حق النقض، فيما تفرد الكيان الصهيوني وحده بالتنديد به فوصفه بـ"الخطأ التاريخي" وكانت الإمارات العربية أول بلد عربي يهنئ إيران بالإتفاق الذي أبعد لبعض الوقت شبح الحرب.
الاتفاق في مجمله أرضى الطرفان بوضع حد لفرصة تحويل البرنامج النووي الإيراني المدني إلى برنامج نووي عسكري كما كان يدعي الغرب والكيان الصهيوني، فيما سوف تستفيد إيران من رفع معظم العقوبات الاقتصادية، ورفع قرار التجميد على أكثر من 100 مليار دولار من الودائع الإيرانية في البنوك الغربية.
عين الشيطان الأكبر على النووي الإيراني
فعلى المستوى المعلن من الصفقة، سوف يسمح الاتفاق لمفتشي الأمم المتحدة بمراقبة وتفتيش المواقع العسكرية الإيرانية، كما يقضي بالتخلص من ثلثي أجهزة الطرد المركزي وخزنها تحت إشراف الأمم المحدة، والتخلص من 98 % من اليورانيوم المخصب لديها، وقبول إيران بعودة سريعة للعقوبات خلال فترة 65 يوما عند حدوث أي خرق للإتفاق، مع إعطاء الوكالة الدولية للطاقة وبشكل دائم الحق في تفتيش المواقع أينما وحيثما كان ذلك ضروريا، وامتد الإتفاق ليطال بقية الأسلحة الإيرانية ذات الصلة مثل الصواريخ، حيث سوف يستمر الحظر على توريد الأسلحة لمدة خمس سنوات، وعلى الصواريخ لمدة ثماني سنوات.
كما هو واضح فإن إيران تكون قد استجابت لأغلب شروط الطرف الآخر، بما يجرد المشروع النووي الإيراني من أية فرصة لتحويله في الخفاء إلى مشروع نووي عسكري، على الأقل لمدة 15 سنة قادمة.
غير أن القوى المحافظة في إيران، المعارضة للاتفاق، قد لا يرضيها قبول روحاني باتفاق بشروط"مهينة" تسمح للوكالة الدولية بالتفتيش الفوري ودون سابق إنذار لجميع المنشآت النووية بما فيها المنشآت العسكرية، على غرار ما فعلته الوكالة في العراق في عهد الراحل صدام حسين، والسماح بدخول مفتشين من الوكالة قد يكون بعضهم إسرائيليون، أو جواسيس يعملون للوكالات الإستخباراتية كما حصل مع العراق.
وفي المقابل فإن فريق الإصلاحيين بقيادة روحاني سوف يدافع عن الاتفاق لكونه يسمح برفع جميع العقوبات الاقتصادية التي أرهقت الاقتصاد الإيراني، كما يسمح برفع اليد على أكثر من 100 مليار دولار من الودائع المجمدة، ويمنح متنفسا للدولة الإيرانية للعودة بقوة إلى السوق النفطية، وانفتاح المنظومة المالية والمصرفية العالمية، وهرولة المستثمرين الغربيين للاستثمار خاصة في قطاع المحروقات.
ما يخفيه أوباما ويتستر عليه الملالي
استماتة أوباما في الدفاع عن الاتفاق رغم معارضة الجمهوريين وجانب من الديمقراطيين قد تؤشر لوجود بنود سرية تتجاوز الملف النووي، لها صلة بالدور الوظيفي الذي تكون إيران قد قبلت به، يبدأ من المشاركة الفعلية في وقف تمدد "داعش" وتنتهي عند تبريد شامل للمواجهة بين الكيان الصهيوني وحزب الله، ودعم المشروع الأمريكي بقيام كيان كردي له حدود آمنة مع إيران والعراق وسورية، قد بدأ يأخذ بعدا جيوستراتيجيا في مخطط إعادة برمجة الشرق الأوسط الكبير.
بعض التحليلات ذهبت أبعد من ذلك باستشراف رغبة أمريكية خفية، تريد سحب إيران من التحالف الروسي الصيني عبر إطلاق يدها في الشرق الأوسط لملء الفراغ، ومواصلة الضغط على الدول الخليجية، المتهمة اليوم أمريكيا بالمروق عن خطط النظام المنظم، بعد وقوفها مع الانقلابيين في مصر، والدور الذي لعبته السعودية وقطر والإمارات في تخريب مسار الربيع العربي، وإجهاض مشروع أوباما لإيصال الإخوان للحكم في مصر وتونس وليبيا، ودور السعودية الخفي في انهيار أسعار النفط، التي قادت إلى انهيار قطاع النفط والغاز الصخريين في الولايات المتحدة، وتأثيره على نمو الاقتصاد الأمريكي.
القشة التي قصمت ظهر البعير الخليجي
ومما لا شك فيه أن أكثر الأطراف تضررا من الاتفاق هي دول الخليج، المهددة اليوم بعودة قوية وشرسة للتمدد الإيراني، الذي لن يتوقف عند العراق وسورية ولبنان واليمن، بل سوف يطال الساحل الشرقي للجزيرة العربية، والعبث بورقة الأقليات الشيعية فيه، كما قد يؤثر الاتفاق على مصير الأزمة السورية، بما سيحصل عليه النظام السوري من دعم مالي وعسكري سخي، يسمح له بإطالة الأزمة، وحمل الجميع على العودة إلى مسار اتفاق جينيف بصيغة تبقي على الرئيس الأسد.
وعلى خلاف ما كان متوقعا فإن ردود الأفعال الصهيونية لم تكن على درجة عالية من الحدة واكتفى نتانياهو بتخطئة أوباما، وبالتركيز على ما يحمله الاتفاق من تهديد للبلدان العربية وليس للكيان الصهيوني، الذي يكون قد قرأ بين السطور مغانمه السرية لصالح أمن إسرائيل، كما أوحى إليه من قبل بعض قادة اللوبي الصهيوني الأمريكي.
يبقى أن الاتفاق في الجملة قد حرر المنطقة من أي قيد لمن شاء من العرب تنشيط مشروع نووي سلمي، لم يعد محرما بعد اليوم، شريطة أن يخضع لما خضع له المشروع الإيراني لكنه يحبط بعض المساعي العربية التي كانت ترغب في اتفاق دولي شامل، يضمن للمنطقة خلوها من المشاريع النووية العسكرية، وعلى رأسها النظام النووي العسكري الصهيوني الذي يشكل تهديدا دائما لعموم عرب وعجم الشرق الأوسط.







