أي فكر تنتجه العامّية الشوارعية؟
17-09-2015, 02:13 PM
أي فكر تنتجه العامّية الشوارعية؟
محمد الهادي الحسني
2015/09/16 الشروق أونلاين
لقد اتخذ هذا المقترح سجالا واسعا بين مختلف الفاعلين من سياسيين ولغويين وجامعيين، بين رافض ومؤيد، ولهم في ذلك حجج ومواقف متعددة، أما وجهة نظرنا فستتمحور حول علاقة الفكر باللغة. والفكر الذي تعبّر عنه كل من العربية الفصحى والعامية لبيان بطلان هذه الادعاءات وبُعدها الكلي عن منطق الأمور الصحية والصحيحة.
إذا بحثنا في قواميس اللغة العربية أو أي لغة في العالم عن مفهوم اللغة نجدها تعبر عن وظائف ودلالات مختلفة، فبالإضافة لكونها ''أصوات يعبّر بها القوم عن أغراضهم"، وبذلك تكون أداة للتواصل بين أفراد المجتمع، فهي أيضا تعبّر عن فكر معين؛ فاللغة الفرنسية تعبر عن الفكر الفرنسي والانجليزية تعبر عن الفكر الانجليزي، أما اللغة العربية فهي تعبر عن الفكر العربي الإسلامي. وهذا ما ذهب إليه جل العلماء والباحثين في اللسانيات ومن بينهم الفرنسي الشهير دوسوسير حين قال: "... ويمكن أن نشبّه اللسان بوجهيْ ورقة نقود: فالوجه هو الفكر والظهر هو اللسان، ولا يمكن أن نحدث قطعا في وجه الورقة دون أن نقطع في نفس الوقت ظهرها، وهكذا الحال مع اللسان، لا يجوز أن نعزل الصوت فيه عن الفكر ولا الفكر عن الصوت".
اللغة العربية الفصحى هي آية من آيات الله، حيث اصطفاها المولى عز وجل من بين كل اللغات، ولنا أن نفتخر بكونها لغة كلام الله، القرآن الكريم الذي أُنزل بالحرف العربي المبين مصداقا لقوله: "إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون" سورة يوسف، الآية 02. وقوله: كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعقلون" فصلت 03، وقوله تعالى: "بلسان عربي مبين" الشعراء 195. هذا البيان الذي جاء هدى ورحمة للعالمين، جعله الله دستور الحياة بلسان عربي مبين مما يجعل منها لغة عالمية حية لا تموت ما دام حكم الله قائماً في كتابه، لغة يُجبر كل مسلم مهما كانت قوميته أو هويته على تعلّمها لفهم كتاب الله ومراده.
لا تعبّر اللغة العربية عن المضمون الديني فقط، إنما هي أيضا لغة علم وحضارة، فبالإضافة إلى ما تمتاز به من فصاحة وبلاغة وصور بيانية، وغزارة ألفاظها ومفرداتها من قبيل أشعار الجاهلية، جاء الإسلام في القرون الوسطى ليضفي عليها طابعا علميا وحضاريا من خلال جعلها الوسيلة التي صاغت ذلك الزخم الثقافي والعلمي الهائل منذ عصر التدوين؛ إذ أنتجت هذه اللغة الآلاف من الكتب والترجمات العلمية والثقافية والأدبية والتاريخية لتكون ثورة فكرية أقيمت على أساسها الحضارة العربية الإسلامية.
إذا كانت اللغة العربية الفصحى تعبر عن فكر ومحتوى ديني وثقافي وعلمي راق ومتميز، فعن أي فكر تعبر العامية سوى كونها لهجة هجينة غير صافية تجمع من شتات لغات متنوعة أكثر كلماتها بالتركية والفرنسية- بحكم التاريخ المشترك- وحتى الإنجليزية؟ فكر لا يرقى لأن يكون في قاعات الدراسة، فكر شوارعي، سطحي، مادي لا يلبي سوى حاجيات الإنسان اليومية، فلا يرقى بذلك لأن يؤدي رسالة حضارية علمية ولا يستطيع أن يكون منهاجا علميا تُحصَّل بها المعرفة والعلومُ المختلفة.
المشكلة إذا ليست في اللغة التي هي أكبر بكثير من أن تعوض بالعامية، والمشكلة أيضا ليست في الطفل الجزائري -كما يدّعون- الذي لا يختلف عن أطفال العالم أجمع في إمكانية استيعابه لأي لغة كانت. وإنما المشكلة أو بالأحرى المصيبة في السياسة العامة التي تسيّر هذا القطاع الحيوي والحساس والتي تريد الرمي بهذا الجيل بعيدا عن تاريخه ومرجعيته وسلخه عن ماضيه والزج به إلى مستقبل مجهول مبتور من جميع مقوّمات هويته الوطنية.
بلادي و إن جارتْ علي عزيزة ٌ** و قومي و إن ضنوا علي كِرامُ
من مواضيعي
0 من وصايا رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه
0 حول احتفالات رأس (أو رقص) السنة
0 لجنة جمع القرآن في العهد العثماني
0 حتى تصير العربية لغة مصانع الصلب في الحجار ومعامل تكرير الغاز في سكيكدة وآرزيو
0 يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة
0 نكسة المدرسة الفرنسية
0 حول احتفالات رأس (أو رقص) السنة
0 لجنة جمع القرآن في العهد العثماني
0 حتى تصير العربية لغة مصانع الصلب في الحجار ومعامل تكرير الغاز في سكيكدة وآرزيو
0 يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة
0 نكسة المدرسة الفرنسية







