الإسلاميون غير قادرين على الحكم والحل في المشاركة
17-10-2015, 10:44 AM

حاوره عبد الحميد عثماني
رئيس تحرير التحقيقات والحوارات الكبرى بجريدة الشروق
انتقد وزير التجارة الأسبق، مصطفى بن بادة، جملة الإجراءات المتخذة حتى الآن من طرف الحكومة لتطويق الأزمة الناجمة عن تراجع أسعار النفط، حيث وصفها بـ"غير الكافية والمحتشمة"، معتبرا أنّ مدخرات صندوق ضبط الإيرادات، ستؤدي فقط إلى تأجيل الصدمة إلى غاية 2017، وشدّد بهذا الخصوص، على ضرورة التقشف الحكومي في كافة المستويات، مع اتخاذ تدابير أخرى أكثر نجاعة. ويعتقد بن بادة أن التغييرات التي عرفتها المؤسسة الأمنية في الآونة الأخيرة، والتي يراها من منظور إيجابي، قد جرت بتوافق بين رئيس الجمهورية ومدير المخابرات السابق الفريق توفيق، حيث يصفهما بـ"الرجلين الثوريين"، اللذين يفكران في مستقبل البلاد، لكن الوزير الأسبق يدقّ ناقوس الخطر بشأن العداء بين السلطة والمعارضة، ويأمل أن يكون التعديل الدستوري المرتقب فرصة لطمأنة الجميع.
ودون أن يفوّت الفرصة، فنّد الرجل اتهامات خلفه عمارة بن يونس منح بن بادة تراخيص لبيع الخمور، إذ نعته بـ"الجاهل بالقانون"، بل قال عنه إنه قد شجع بارونات الخمور لأسباب سياسوية وأيديولوجية، وفق تعبير المتحدث.

وفي أول حوار شامل منذ مغادرته الحكومة، يتطرق وزير حمس السابق مع جريدة "الشروق"، إلى تجربة الحركة في إدارة الشأن العام، إذ يقيمها بالإيجابية، غير أنه يحذّر الإسلاميين عموما من الوصول إلى السلطة، في ظل الظروف الدولية القائمة، داعيا بهذا الصدد إلى التمسك بخيار المشاركة مع غيرهم.



أفضل أن تكون البداية من الوضع الاقتصادي للبلاد، كيف تقيمونه على ضوء تراجع أسعار النفط ؟

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، شكرا لكم على هذا الحوار الذي أرجو أن يكون مفيدا لقراء الشروق اليومي.

الوضع الاقتصادي مُقلق وحرج جدا، بعد تراجع مداخيل الدولة إلى النصف، جراء تراجع أسعار برميل النفط، فنحن بحق على أبواب أزمة اقتصادية صعبة، يجب مواجهتها بعزيمة وشجاعة وبحكمة أيضا.



هل ما زال في مقدور الحكومة فعلا تجاوز "الصدمة المالية" من خلال الإجراءات المتخذة حتى الآن؟

الحكومة قامت ببعض الإجراءات بدءا بالدعوة إلى ترشيد النفقات الحكومية، مرورا بالإجراءات النقدية بخفض قيمة الدينار بغية رفع قيمة الجباية البترولية، بالإضافة إلى ما تضمنه قانون المالية التكميلي من تدابير، وما هو مقترح في مشروع قانون المالية لسنة 2016، غير أنني شخصيا أراها غير كافية بل محتشمة، فمواصلة الاعتماد على صندوق ضبط الإيرادات لسد عجز الميزانية لا يؤدي إلّا إلى تأجيل الصدمة إلى 2017 فقط، وأخشى أن تكون هذه الصدمة أعنف وقتها ، وقد يرفض المواطن حينئذ أي إجراء تصحيحي لمواجهتها، ويحدث ما لا يُحمد عقباه.



نسمع كثيرا من الانتقادات توجّه للسلطات العمومية بهذا الخصوص، ما البدائل العملية الممكنة برأيكم، والتي لم تستثمر فيها الحكومة بفعالية؟

قلت إن الإجراءات المتخذة لحد الآن تبقى غير كافية، وتحكمها خلفيات سياسية قد نتفهمها، لكن الإفراط في الخوف من اتخاذ تدابير جريئة، ومن ردّات فعل محتملة من المواطن رافضة لها، لا يخدم البلاد في هذه المرحلة، فعلى الحكومة شرح حقيقة الأزمة المالية التي تمر بها البلاد، وضرورة تضامن الجميع، من أجل مواجهتها، وهذا ما دعا إليه رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء الأخير.

وقد تحدثت على هذا الأمر في حوار سابق مع جريدتكم المحترمة، فأنا أرى أن تباشر الحكومة فورا في إجراءات تقشف حقيقية على مستوى جميع الإدارات والهيئات الحكومية المركزية والمحلية، لتعطي المثل للمواطن حتى يتسنى له قبول وتفهم إجراءات تقشف، إذا طلب منه ذلك مستقبلا، في إطار مجهود جماعي تضامني للأمة، فالقيادة بالقدوة شيء ضروري للإقناع.

أقترح كذلك أن تُحسّن الحكومة من أداء ونجاعة المنظومة الجبائية، لرفع مداخيل الخزينة لضمان تغطية ميزانية التسيير على الأقل في المدى القصير، كما يجب مواصلة تشجيع كافة أشكال الاستثمار ودعم المؤسسة المنتجة للثروة، ورفع كافة العراقيل البيروقراطية، كما أدعو إلى فتح ورشة إعادة الاعتبار (Revalorisation ) لأسعار بعض المواد المدعمة التي تشهد استهلاكا مفرطا وتبذيرا، ناهيك عن تهريبها عبر الحدود، وتخصيص دعم الدولة للفئات المحرومة والمستحقة، في إطار دورها الاجتماعي الضرورية.

كما يجب مواصلة إجراءات ضبط التجارة الخارجية للحفاظ وترشيد استعمال احتياطي الصرف الموجود، وتخصيصه حصريا للنفقات الاقتصادية والاجتماعية الضرورية فقط.



المعارضة تشدد على أنّ "التوافق السياسي" يبقى شرطا ضروريا لنجاح أي حلول منتهجة لـ"الأزمة" الاقتصادية، إلى أي مدى تؤيدون هذه المقاربة؟

التوافق السياسي شيء محبذ ومطلوب، لاسيما في وقت الأزمات وحول الملفات والقضايا الوطنية الكبرى، وقد دعا إلى ذلك السيد رئيس الجمهورية، حين تحدث عن مشروع تعديل الدستور، فالتوافق السياسي من شأنه تجنيب البلاد هزات هي في غنى عنها، وقد تساهم المعارضة بشكل إيجابي في دعوة المواطن للالتفاف حول قيادته، لتخطي الأزمة المالية الحالية، والتي قد تتحول إلى أزمة اقتصادية واجتماعية لا قدّر الله.



من خلال إجابتكم السالفة، ندخل المحور السياسي، ما هي قراءتكم لجملة التغييرات التي أجراها رئيس الجمهورية في الآونة الأخيرة على الجهاز الأمني، وكيف تتوقعون تأثيرها على دور المؤسسة؟

شخصيا أنظر إلى المسألة من منظور إيجابي، فمنذ أكثر من 10 سنوات والمؤسسة العسكرية تتحدث علنيا عن مسار عصرنة واحترافية الجيش الوطني الشعبي، للتأقلم مع المستجدات الإقليمية والدولية، ودائرة الاستعلامات والأمن جزء من هذه العملية الشاملة، لإعادة هيكلة منظومة الدفاع الوطني، وقد شرحت رئاسة الجمهورية مؤخرا، من خلال بيان رسمي مدلولات هذه القضية والأهداف الكبرى المتوخاة منها.



هل تؤيد أم تتحفظ على فرضية "الصراع" التي يروج لها البعض بين الرئيس ومدير مخابراته السابق؟

العبرة بالنتائج المحققة، فلو كان هناك صراع لما وصلنا إلى هذه المرحلة من الإصلاحات، شخصيا أرى أن كل ما تمّ كان بتوافق الجهتين والرجلين، ثم يجب أن لا ننسى مسارهما الثوري في جيش التحريرالوطني، والذي يجعل منهما أكثر حرصا على سلامة واستقرار وأمن البلاد.



كيف تنظرون لدور المعارضة اليوم، في ظلّ الوضع الداخلي والإقليمي الذي يواجه الجزائر على أكثر من صعيد؟

البلاد بحاجة إلى معارضة قوية ومنظمة لكن مسؤولة، وأضع سطرين تحت كلمة مسؤولة، والسلطة بحاجة أيضا إلى معارضة بهذه المواصفات، تقوّم مسارها وأداءها خدمة للجزائر وفقط، لكن حالة الاستقطاب الحاد والشديد الذي تشهده الساحة السياسية الوطنية بين جزء من المعارضة والسلطة لا تخدم البلاد أبدا، وفوتت على الجزائر فرص تقارب ممكنة، ولم لا توافق وطني يخدم الديمقراطية الناشئة في بلادنا.

آسف شخصيا لعلاقة "العداء" بين السلطة والمعارضة، فهذه الوضعية لا تخدم الجزائر، بل تشكل تهديدا لها وخطرا عليها في ظل الظروف الجيوسيسية والإقليمية المحيطة بناء.

فالمأمول العودة إلى علاقة طبيعية، يطبعها الفعل السياسي الإيجابي الذي يهدف إلى تقوية الجزائر وتحصينها، ويبقى مشروع التعديل الدستوري الفرصة المرتقبة لطمأنة المعارضة، من خلال تعزيز الحريات وتكريس الديمقراطية الحقة، المفضية إلى تداول فعلي على السلطة بين الجزائريين، من خلال احترام وصول الاختيار الحر للمواطن لمن يتولى زمام أمره.



ألا تعتقدون أن حركة مجتمع السلم تحديدا -بحكم انتمائكم إليها-، قد اصطفت مع معسكر المعارضة في "الزمن الخطأ"؟

حركة مجتمع السلم حزب سياسي كبير، وله وزنه على الساحة الوطنية، وبالإضافة إلى مرجعيته الإسلامية، فهو حزب ديمقراطي، وأنا أحترم قرارات مؤسساته ولا أعلّق عليها، رغم كوني أختلف معها.



ما دمنا بصدد الحديث عن حمس، أودّ أن أسمع منكم لو سمحتم تقييما موضوعيا، ولو بإيجاز، عن تجربة الحركة في الحكومة؟

رغم كل ما يقال عن هذه التجربة، فإن إيجابياتها أكثر من سلبياتها، فقد مكّنت إطارات الحركة نساء ورجالا من ممارسة إدارة الشأن العام، واكتشاف العوائق الحقيقية للحكم، ومعرفة وقياس الفرق الشاسع بين الخطاب والممارسة، وهو أمر ضروري لكل حزب سياسي يسعى للوصول إلى السلطة، كما سمح الاحتكاك مع الآخرين من محو الصورة النمطية المسبقة عن الإسلاميين عموما، ومكّن الحركة من المساهمة في الحفاظ على الدولة، وإخراج البلاد من محنتها.

وقد أعطى جل من تولى منصب المسؤولية من الحركة وعلى جميع المستويات المحلية والوطنية صورا رائعة في الكفاءة والنزاهة وحب الوطن.



أريد أن أفتح قوسًا لطرح سؤال في سياق الجدل الذي أثارته تراخيص عمارة بن يونس لبيع الخمور، حيث يتهمكم الرجل بمنح 1000 رخصة، بماذا تعلقون على ذلك؟

امتنعت عن الرد على السيد بن يونس سابقا عندما كان وزيرا ممارسا، احتراما للحكومة، أما وقد غادرها ثم استمر في اتهامنا زورا، فإنني أقول له بأنك جاهل للقانون أو متجاهل له، وبأنك تتعمد تزييف الحقائق لأغراض سياسوية، لا تخفى على أحد.

هو يقول أن من سبقه سلّم 1000 رخصة لبيع الخمور، وأنا أتحداه بأن يأتينا برخصة واحدة فقط من هذه الرخص التي أكون قد سلمتها بزعمه، فليعلم المواطن الكريم بأن ممارسة هذه التجارة تعتبر من النشاطات المقننة المؤطرة قانونيا بشكل دقيق، فكما يحتاج مستورد وبائع الدواء لرخصة من وزارة الصحة، ومستورد اللحوم إلى رخصة من وزارة الفلاحة، ومستورد بائع الزيوت الصناعية إلى رخصة من وزارة الطاقة.. إلخ ، فإن استيراد وبيع المشروبات الكحولية يخضع إلى رخصة يمنحها الوالي (وزارة الداخلية) المختص إقليميا، لكن هذا الوزير السابق وتشجيعا منه لبارورنات هذه المادة، ونظرا لتوجهاته وقناعاته الأيديولوجية، نزع هذه الصلاحية من السادة الولاة، وفتح الباب على مصراعيه لبيع هذه المادة، بلا حسيب ولا رقيب، لولا تدارك الحكومة وتجميد التعليمة من طرف السيد الوزير الأول مشكورا.

وهنا أنحني إكبارا وإجلال واحتراما أمام شعبنا العظيم الغيور على قيمه ودينه، الذي انتفض مستنكرا ورافض لمحاولات هذا المسؤول السابق.



ألا تشعرون بتخلّي الرئيس عنكم، حيث استجبتم لطلب الاستمرارية في الحكومة على حساب قرار مجلس الشورى، لكن في النهاية تمّ إبعادكم من الجهاز التنفيذي؟

مغادرتي للحكومة أمر طبيعي، وجاء ضمن حركة تغيير عادية قام بها السيد رئيس الجمهورية شملت قرابة 15 وزيرا، ثم لا تنس أنني حزت ثقة السيد الرئيس لمدة 12 سنة، وهي فترة طويلة بالمقارنة مع معدل مدة الاستوزار المتعارف عليها.

أما بخصوص قبولي دعوة رئيس الجمهورية بالاستمرار في المنصب، فقد شرحت ملابسات القضية وظروفها لقيادة الحركة حينها، فثقافة الدولة التي اكتسبتها من خلال تجربتي، تقتضي تقديم مصلحة الدولة على مصلحة الحزب، خاصة عندما يطلب منك خدمة وطنك، باعتبارك الشخصي لا الحزبي، وسيأتي الوقت الذي سأشرح فيه هذه القضية للرأي العام، وفي الوقت المناسب.



بعد هذا، هل ما زلتم على وفائكم للرئيس؟

لست من ناكري الجميل والإحسان، ولا ممن يطعن من الخلف فهذه ليست أخلاقي، ورغم أنني لا أقدّس الأشخاص، فإنني أشهد للرئيس عبد العزيز بوتفليقة بحبّه الكبير للجزائر وتفانيه في خدمتها، وفي إخراجها من محنتها الرهيبة، رغم أخطائه التي لا يسلم منها أيّ بشر.



هل تتفقون مع أولئك الذين يعتبرون مشاركة حمس في السلطة قد ورّطتها اجتماعيا وسياسيا؟

لا أتفق مع هذه الرؤية، فتجربة المشاركة للحركة تجربة رائدة في الوطن العربي، رغم بعض سلبياتها وعثراتها، لكن المواطن الجزائري في النهاية يدرك جيدا من يخدمه بصدق، ومن يتخلى عنه بمجرد الوصول إلى منصب المسؤولية.



بشكل عام، ومن خلال تجربتكم الطويلة كرجل دولة، ودرايتكم اليوم بمقتضيات إدارة الشأن العام، هل ترون أن "الإسلاميين" في الجزائر مؤهلون تقنيّا، سياسيا، ومجتمعيّا لاستلام الحكم في هذه الفترة؟

أرى أنه ليس في صالح الإسلاميين حاليا، وفي ظل الظروف المحلية والإقليمية، وحتى الدولية، الحكم لوحدهم، حتى لو اختارتهم الصناديق لذلك، فالموضوعية والبراغماتية تقتضي مشاركتهم لغيرهم، في أي تجربة حكم يكونون طرفا فيها خدمة لبلدهم ودينهم.



ما هي أولوياتهم على هذا الطريق؟

الأولوية العاجلة هي لم شملهم وجمع شتاتهم حتى يسترجعوا مصداقيتهم أمام الشعب، الذي كان يرى فيهم البديل الحقيقي للحكم الراشد، فمن لم يصبر على وحدة حزبه، لا يستطيع في رأيي أن يقنع غيره بفضيلة الوحدة والتوافق على مشروع موحد يخدم البلد.



سؤال أخير، لو تكرمتم بالإجابة عنه، ما علاقة بن بادة اليوم بالدعوة، الحركة، والحكومة، وهل لديكم أي مشروع خاص (تجاري، علمي، اجتماعي...) تشتغلون عليه؟

علاقتي طيّبة مع الجميع، وأتواصل في إطار الأخوة مع إخواني في حمس التاريخية (حمس،البناء، التغيير، تاج...) ومع زملائي في الحكومة السابقين والحاليين منهم، وكذا أصدقائي جميعا.

أنا متفرغ الآن للراحة واستدراك واجباتي الأسرية، بالإضافة إلى القراءة وممارسة الرياضة، تلقيت طلبات كثيرة من معاهد وجامعات الوطن للمساهمة في تنشيط محاضرات في المجال الاقتصادي، وأنا بصدد تحضير المشاركة في هذا الاتجاه، ومقاسمة تجربتي مع أبنائنا الطلبة وإطارات المستقبل.