"الكارت بوستال" شوق إلى حنين الماضي في زمن التكنولوجيا
20-02-2016, 10:18 PM
وهيبة سليماني
كانت ولا تزال البطاقة البريدية أو ما يطلق عليها "الكارت بوستال"، ترتبط بالوجدان والعواطف، يستحبها كل شخص يتلقاها عبر البريد العادي سواء في المناسبات أو غير المناسبات...فرغم التطور التكنولوجي الحاصل على جميع الأصعدة واحتلال الفايسبوك موقعا واسعا في يوميات الجزائريين، تبقى "الكارت بوستال" محاطة بهالة من عطر الزمن الجميل، تعزف على المشاعر وأكثر تأثيرا على النفوس من تلك الصور المرسلة عبر الأنترنت والهواتف النقالة..
في الجزائر تطوّرت عملية تسويق" الكارت بوستال" وأنواعها لتحافظ على استقطاب المعجبين بها، حيث ارتبطت بمناطق سياحية جزائرية ومواقع أثرية والتظاهرات الفانتازية للتوارق والقبائل ومنطقة الأوراس وغيرها من الرموز، وهو ما جعل من "الكارت بوستال" الجزائرية تثير حتى اهتمام الأجانب .
يهود.. أبناء وأحفاد المعمرين أو ما يطلق عليهم بـ"الأقدام السوداء".. مغتربون جزائريون وسياح أجانب..هم أكثر المهتمين بالصور الملتقطة للمدن الجزائرية والمناطق السياحية والأحياء العتيقة، التي تحمل "الكارت بوستال" في شكل جميل وجذاب، حيث وصل سعر الصورة الكرتونية صغيرة الحجم لـ 50دج.
حسب استطلاع لـ" الشروق"، في الجزائر الوسطى أين تتواجد محلات بيع "الكارت بوستال"، لفت انتباهنا أحد المغتربين يدعى كمال يقطن في باريس، كان يفتش بين مجموعة الصور على "كارت بوستال" لمنطقة سيدي مبروك بقسنطينة، ولم يجدها، حيث تعكر وجهه والتفت لصاحب المحل يسأله عن محل آخر قد يجد فيه ما يبحث عنه، واستفسر منه البائع عن سبب اختياره لمنطقة سيدي مبروك بالذات، رغم وجود صور أخرى لمناطق بقسنطينة، فأخبره أن أحد اليهود في فرنسا ولد في هذه المنطقة وهو يحن إليها كثيرا، و يفضل أن يرسل له كارت بوستال عبر البريد العادي تحمل هذه المنطقة ليكبح بها شوقه الجامح لها.
أكد بائع لهذا النوع من الصور، أن كارت بوستال المدن الجزائرية وأحياء القصبة وقسنطينة وتلمسان ووهران، وغيرها من مناطق عتيقة، عرفت مؤخرا إقبالا كبيرا من طرف الأجانب، وهي صور حركت المشاعر وطبعت إعجابا خاصا، رغم أنه أصبح بإمكان الجميع تداول وإرسال صور مختلفة الأشكال والأحجام والأنواع عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وقال إن أحد الفرنسيين، جاء للجزائر في مهمة نهاية شهر جوان الماضي، وزار محله أين اختار 10بطاقات للكارت بوستال، وهي لأحياء عتيقة ومدن جزائرية، حيث كشف له حينها أن مجموعة من أصدقائه في فرنسا ولدوا في فترة الاستعمار الفرنسي في الجزائر، ويريدون الاحتفاظ بذكرى لمناطق مسقط رأسهم.
في محل لامرأة لا يبعد كثيرا عن ساحة الأمير عبد القادر بالعاصمة، شدّ انتباهنا كهل طويل القامة، أشقر بعنين خضراوين، أخذ صورة "كارت بوستال" لفرقة التوارق في حفل راقص، عندما تحدث إلى البائعة تبين أنه أجنبي، ابتسم متحدثا بالفرنسية المكسرة، حيث أخبرها أنه ألماني ويحن لمنطقة التوارق جنوب الجزائر التي زارها العام الماضي.
يرى المختص في علم الاجتماع والإعلامي، حسن خلاص، أن التكنولوجية الرقمية لا تعبر بشكل كاف عن الوجدان رغم اتساع استعمالها، ولا تحمل رمزية الماضي شكلا ومضمونا مثل البطاقات البريدية والوثائق التاريخية التي ترتبط بإدراك الإنسان للأشياء وحسّه الاجتماعي.







