هذه آخر وصايا الشيخ نحناح.. وهذا سبب بكائه
18-06-2016, 02:16 AM
أدار الندوة: عبد الحميد عثماني / وهيبة سليماني
أجمع مفكّرون وباحثون وسياسيون على أن الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله، كان شخصيّة وطنيّة متفرّدة، بأبعادها الدعوية والسياسية والاجتماعية، ومن خلال حضورها الداخلي والدولي، مشدّدين على براعة الرجل ودهائه الحكيم في مقاربة الواقع، حيث شقّ "الطريق الأصعب" في عشرية الدم والدمار التي عرفتها الجزائر، بينما جنحت أطراف عديدة ذات اليمين وذات الشمال، ما جعله يواجه انتقادات لاذعة من أقرب الإسلاميين آنذاك، فضلاً عن المناوئين، ولكن الأيام والسنون المتعاقبة أنصفت الكثير من المواقف الشجاعة والخيارات الاستشرافية الصائبة التي سلكها الشيخ نحناح في مرحلة عصيبة من تاريخ الوطن والأمة.
هذا، وأكد المشاركون في ندوة "الشروق" التي حملت عنوان "الدولة وفلسطين في فكر الشيخ نحناح"، على أنّ منهج الرجل واجتهاداته الدعوية والسياسية أصبحت مدرسة متميّزة في حقل التجربة الإسلامية العالمية، إذ أن أفكاره التي سبق بها رفقاء "الإسلام السياسي" بعقود، قد تحوّلت اليوم إلى منهج عام لدى هؤلاء، وما تجسّده حركة النهضة التونسية الآن بقيادة الدكتور راشد الغنّوشي لخير دليل على ذلك، معتبرين أنّ السياق العربي للأحداث الخطيرة والتحولات الجذرية العنيفة التي تجري على مسرح المنطقة، تستدعي من جديد التأمل والوقوف مع مسار الشيخ محفوظ نحناح للاستفادة من التجربة .
ودون أن تفوت الفرصة، قدّم العديد من المتدخلين في "الندوة"، شهادات لأول مرّة حول حياة الشيخ نحناح، أهمها وصاياه للرئيس بوتفليقة في آخر لقاء جمعهما بمستشفى باريس سنة 2003، وقبلها اجتماعه بفريق التحقيق الأممي حول الأوضاع الأمنية في الجزائر عام 1997.
الباحث في علم الاجتماع السياسي عبد الرزاق قربوع:
نحناح رفض تحريم الديمقراطية وعارض التغيير عبر "الثورات"

يرى الباحث في علم الاجتماع السياسي الدكتور عبد الرزاق قربوع أنّ الشيخ محفوظ نحناح يربط استمرارية الدولة أساسا بشرعية السلطة، أيّ أن قيام نظام سياسي معيّن واستمراره، يرتكز على مدى شرعيته وقبل ذلك على طبيعة هذه الشرعية، وهذا يعني أيضا أن فشل النظام السياسي في تحقيق الشرعية يؤدي إلى وقوع أزمة عاجلا أم آجلا.
وقال قربوع في ندوة "الشروق"، إنّ الشيخ نحناح خلص من خلال تحليله لشرعية السلطة في الجزائر، إلى أنها من الأسباب المباشرة التي أثرت على شكل الدولة، إذ ينقل عن الرجل قوله "في ظل غياب الحريات وانعدام المشاركة السياسية الحقيقية، وأمام ضغط متطلبات التنمية، لم يكن هناك الكثير من الوقت – أو ربما لم تكن هناك الرغبة والإرادة – للتفكير في الشكل الملائم للدولة التي تراعي طبيعة المجتمع الجزائري وتنسجم مع ظروفه وخصوصياته النفسية والثقافية والحضارية، واعتقد القائمون على الأمر، أن الحل الأمثل والأسرع والأسهل يكمن في اللجوء إلى الاستيراد من الخارج، استيراد الدولة بأيديولوجيتها وفلسفتها، بنظمها ومؤسساتها وأجهزتها، بثقافتها ومفاهيمها...مثلما يتم استيراد الآلات والمصانع والعربات، وهكذا ولدت وضعية شاذة وغريبة هي وضعية الانفصام والانفصال التي جعلت الدولة تقف في وجه الأمة موقف التناقض والتضاد".
الديمقراطية ليست حرامًا... ولا دينًا جديدًا
وأضاف الباحث الجامعي أنّ الديمقراطية من المفاهيم الشائكة التي ثار حولها جدال واسع في الفكر العربي المعاصر بين التيارات الإسلامية التي ترى في الديمقراطية خطرا على الإسلام، وبين دعاة الحداثة من علمانيين لائكيين الذين يعتبرون رسوخ الديمقراطية في المجتمع العربي شكل من أشكال التخلص من سلطة الاستبداد السياسي، وفي هذه الحالة يقدّم الشيخ نحناح – بحسب قربوع- قراءة عميقة لفلسفة الديمقراطية مغايرة تماما لما قدّمه الفكر الإسلامي تقترب إلى الواقعية أكثر، فالديمقراطية في نظره "ليست عقيدة شاملة أو أيديولوجيا، بل هي منهج (آلية) تتحقق من خلالها إرادة الشعب، وتمكنه من مراقبة السلطة الحاكمة، وتمنح له فرصة تسيير تناقضات القوى والمصالح القائمة فيه بطريقة سلمية"، فالديمقراطية المعاصرة – في نظر نحناح- ليست نظام حياة شامل بديل لغيره من النظم ولا هي عقيدة تنافس غيرها من العقائد والأيديولوجيات، فهي لا تزيد عن كونها منهجا عمليا وطريقة إجرائية ارتضتها الشعوب والمجتمعات بعد تجارب مريرة مع الاستبداد والطغيان بكل صوره وأشكاله، وبالتالي، فإن صفة المنهج هي الصفة العامة المشتركة بين كل التجارب الديمقراطية الناجحة المستقرة، وما عداها من صفات، فهي انعكاسات وأبعاد ونتائج تختلف من نظام لآخر ومن مجتمع لآخر.
نحناح يرفض التغيير عن طريق "الثورة"
وبخصوص شروط التغيير، فإنّ الشيخ محفوظ نحناح يطرح فكرة التغيير السلمي أو كما يصطلح عليه بالتغيير الهادئ القائم على الديمقراطية، ومن هذا المنطلق، فهو يرفض فكرة التغيير الجذري القائم على الفعل الثوري، وكما عبر عن ذلك في كتابه "الجزائر المنشودة" بالقول:" هناك سؤال كبير وخطير يطرح علينا نفسه عند هذه المرحلة من كلامنا (1999)، إذا كان البديل الذي ندعو إليه يقتضي التغيير الشامل والجذري للنظام القائم والتجديد التام والكلي للوضع الحالي، فهل يعني أننا مجبرون على اللجوء إلى أسلوب الثورة والخروج على الحكام وتكفير المجتمع ومقاتلته؟، الجواب المختصر الصريح هو: لا ثم لا ثم لا.. ؟ "، مثلما أكّد نائب رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة سطيف.
وحتى يتحقق هذا التغيير الهادئ، فإنّ الشيخ نحناح – يضيف الدكتور قربوع- يرسم له بثلاث خصائص أساسية هي: الواقعية، بمعنى أن تلامس مقاربة التغيير الواقع، بفهم المجتمع وخصوصياته، ومكوّناته النفسية والفكرية، وتحسب مدى توفر الإمكانيات التي تحقق هذا التغيير، والشروط المادية والزمنية، وترتيب القضايا حسب أولويات واضحة ومحددة.
أما الميزة الثانية فهي الشمولية، أي أن يكون التغيير شاملا، يمس كل جوانب الحياة المادية والروحية والسياسية والاقتصادية، والاجتماعية، وفي المعلم الثالث، يؤكد الشيخ نحناح على التجديد، وهو ضرورة الاجتهاد المستمر من أجل تجديد المناهج والآليات التي تساعد على تحقيق التغيير الفعال.
الكاتب المتخصّص في الشؤون العربية، صالح عوض:
لا مثيل لرؤية نحناح في القضية الفلسطينية

يعتقد الكاتب صالح عوض أن الشيخ محفوظ نحناح هو القائد الإسلامي الوحيد الذي أولى قضية فلسطين أهمية خاصة، ليس فقط على المستوى العاطفي والسياسي، بل على المستوى الفكري، فلقد تميّز من وجهة نظره بوضع رؤية فكرية إستراتيجية للقضية الفلسطينية، تبرزُ تمعّن الشيخ محفوظ في الصراع، واكتشافه المنظور الحقيقي للمعركة مع العدوّ، في أبعادها الإستراتيجية والسياسية والعربية والإسلامية والإنسانية، انتهى به إلى القول "إنها محور الصراع الكوني"، لذا فقد ربط - يضيف عوض- كل قضايا الأمة وأوضاعها بالمسألة الفلسطينية، على اعتبار أنّ كل الأبعاد التي تشكّل قضايا العرب والمسلمين تتجمع فيها وتدور حولها، لأنّ الكفاح لتحرير فلسطين، هو في الحقيقة دفاع عن وحدة الأمة ونهضتها ودفاع عن مستقبل الإسلام.
وأضاف المتخصص في شؤون القضية المركزية للأمة، أنّ الشيخ محفوظ نحناح لم يكن هو أول من نظّر لهذه الرؤية الفكرية الإستراتيجية، فلقد سبقه المفكر السوري من أصل جزائري توفيق الطيب، في كتيب مبدع بعنوان "ما بعد النكبتين"، إلا أنّ الشيخ محفوظ لم يتيبّس حول الرؤية الإستراتيجية، إنما، وهذا المهم قدّم الشطر الثاني من المسألة، وهو الجانب العملياتي، مؤكدا – حسب عوض- على ثوابت الحل السياسي للقضية الفلسطينية، والذي لا يمكن تجاوزه، والقائم أساسا على عودة اللاجئين.
وأوضح الكاتب العربي صالح عوض في ندوة "الشروق"، أنّ الإمام عبد الحميد بن باديس تميّز من بين علماء عصره بوعي خاص في نشوء القضية الفلسطينية، عندما أشار إلى الدور الإنجليزي الاستعماري، بينما تفرّد المفكر الإسلامي مالك بن نبي عن معاصريه، بأن بنى رأيه في النظر للكفاح الفلسطيني على نظريّة "المناخ الحي" لتوليد الأفكار الحية، ثمّ جاء الشيخ محفوظ نحناح عن طريق وعي تاريخي وقرآني وواقعي، وباطلاع على الهموم الجامعة للأمة، ليقدّم إطارا نظريّا متماسكا غير مسبوق في الموضوع الفلسطيني، على حدّ قوله.
وفي كتابه "الجزائر المنشودة"، وهو وثيقة مهمة وبالغة الخطورة، فإنّ الشيخ محفوظ نحناح المثقف، الأديب، الفقيه والمنافح عن الإسلام والهوية يضع خلاصة أفكاره في آخر أيام عمره المبارك، ويرتبها ترتيبا يُعرف به، فيبدأها - يقول عوض- بالحديث عن الأزمة التي يعاني منها الشعب الجزائري والدولة الجزائرية، ويطرح الأسئلة العديدة، ثمّ يقدم الإجابات الحضارية التجديدية، ومن الجزائر ينتقل إلى العالم، وهنا يقودنا بدقة إلى المركز وإلى عصب الصراع، إنها قضية فلسطين، فيبدو – مثلما يؤكد المتحدث- أنّ الكتاب كله من أجل فلسطين، بعكس ما كان يتساءل كثيرون، لم حشر الشيخ نحناح قضية فلسطين في كتاب عن الجزائر، اعتقادا منه أنّ الأولى به هو أن يتحدث عن المغرب العربي أو البعد الإفريقي أو سوى ذلك.
ويكشف المحاضر في ندوة "الشروق"، أنّ آخر وصية للشيخ الراحل كانت فلسطين، لذا فإنّ أول ما يقابلك من فلسطين بعد أن تدخل حدودها مع مصر، هو مسجد جميل أنيق يحمل اسم الشيخ محفوظ نحناح، فقد كان عشقه لفلسطين جنونيا، لا يمكن تفسيره إلا بمعرفة إدراكه للمسألة الفلسطينية، ويسترسل الكاتب عوض أكثر فيقول "لطالما ذهب الشيخ نحناح إلى الأردن، وطلب من أصدقائه أن يتوجّهوا به إلى أقرب مكان، يرى من خلاله ملامح القدس ومعالم الأقصى"، حتّى أنه عندما زار الجنوب اللبناني - يضيف المتحدّث- وقف عند حدود لبنان مع فلسطين، وأزاح الأسلاك الشائكة، ليقدّم رجله إلى الأرض الفلسطينية، وهو بعزيمة المجاهد يوقع عهد التحرير، على حدّ تعبيره.
وفي الختام، قال الكاتب صالح عوض "لقد رافقت الشيخ محفوظ نحناح في كثير من رحلاته وجلساته الخاصة، فعرفت يقينا أنه عاش مجنونا بفلسطين، وعاشقا محبّا، مكافحا لأجلها، فلم يلجأ أبدا للمهادنة والمجاملة أو المناورة عندما يتعلّق موقف بقضية الأمة، رغم أنّ الرجل اشتهر بالقدرة على فنّ التعاطي السياسي في قضايا أخرى قابلة للأخذ والردّ".
رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري:
الغنوّشي عارض نحناح بشدة واليوم يطبّق أفكاره

ركّز عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم، في حديثه عن مؤسس حمس الراحل محفوظ نحناح، على "تميزه بسموّ الأخلاق وصفاء النفس والصدق مع الله، وهذا ما رفعه لمستوى فكري عال"، وقال "إن نحناح تفوّق في فكره عن قادة إسلاميين مشهورين، فشلوا في الحوار السياسي، واصطدموا مع آخرين حول خلافات أيديولوجية وسياسية".
ويرى مقري، أنّ التعامل مع شخصية الشيخ نحناح وفهم فكره، مشروط بالمقصد والحكمة، أي من يريد فهم نحناح، لابد أن يدرس منهج المقاصد، وأن يتحلى بالحكمة، مؤكدا على أن "هناك شروط حتّى يستطيع الشخص الاستفادة من شخصية نحناح"، واعترف أنه رغم عمله الدائم مع المرحوم، إلاّ أنه كان يكتشف في كل مرة ملامح جديدة في شخصيته، والتي وصفها بـ"الجامعة".
وأضاف عبد الرزاق مقري في تدخله بندوة "الشروق"، أن العبرة تتمثل في الإطار الكلي والشامل لفكر نحناح والحكمة منه، إذ كان الرجل يتعامل مع فئة بألفاظ قاسية، ومع فئة أخرى بأخرى لطيفة للغاية، واصفا في هذا السياق الشيخ محفوظ نحناح، بالرجل الصلب والقوي وصاحب المواقف الواضحة، مؤكدا على أنه سبق قادة الحركات الإسلامية في النظر للتطرّف الديني والسياسي والتعامل مع ظاهرة الإرهاب وضرورة الحفاظ على كيان الدولة، وهنا سرد المتحدث واقعة شخصية، حدثت له خلال إلقائه محاضرة بسويسرا منتصف التسعينيات، حيث تحدّث عن واقع الأزمة في الجزائر ورؤية حمس لأسبابها وسبل الخروج منها، لكنّ الشيخ راشد الغنوشي تشابك معه وقتها، رافضًا تماما طرح الشيخ نحناح إلى درجة إحداث الضجيج والشوشرة في الندوة، لكن زعيم حركة النهضة التونسية عاد اليوم إلى ذات الأفكار، وأصبح يدافع عن مقاربات حمس، في مواجهة الوضع الأمني والسياسي في تونس، مثلما قال مقري، الذي اعتبر هذه الواقعة وغيرها كثير، مؤشرا على نضج الشيخ نحناح وتقدّم أفكاره، فصار من يومها مدرسة متكاملة الأبعاد.
وأوضح مقري، أن ثلاثية نحناح في "الوطنية والإسلام والديمقراطية" ستبقى شعارا للحركة، معتبرًا أن نحناح مفكر يجب أن تلتفت له البحوث الجامعية، ليقتدى به في الكثير من الاجتهادات والخيارات والسلوكات، قبل أن يطمئن من وصفهم بـ"المعجبين" بمسار الشيخ الرئيس، بأنّ حركة مجتمع السلم مستمرة على منهاجه، مستدلّا بتجسيدها لمواقفه وجهوده تجاه فلسطين عبر مشاريع عديدة.
وزير الدولة السابق أبو جرة سلطاني:
نحناح مجدّد سياسي.. لو عاش لتغيّرت الجزائر

وصف وزير الدولة السابق أبو جرة سلطاني، الشيخ محفوظ نحناح، بالمجدّد للفكر السياسي، والذي استطاع أن يمدّ الجسور ويجمع بين التيار الإسلامي، الوطني والديمقراطي، وقال إنه سبق على مستوى الممارسة الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية، للتصوّر الإسلامي للدولة، فضلاً عن إيمانه بالقضية الفلسطينية التي فهمها فهما قرآنيا.
وتطرّق زعيم حمس السابق في ندوة "الشروق"، لبعض الجوانب من الحياة السياسية العملية للشيخ محفوظ نحناح، خاصة قدرته على تحقيق الانسجام والتكامل والتواصل في قضايا اعتقد الكثير أنها لا تقبل ذلك، مستدلّا في هذا السياق بفصول كتابه الشهير "الجزائر المنشودة"، حيث ينطلق من تشريح الأزمة الجزائرية لينتهي بالحديث عن مستقبل القضية الفلسطينية.
ويرى سلطاني، دون أي انحياز، بأنّ الشيخ المؤسس محفوظ نحناح مجدّد عملي سبق الكثير من رموز الحركة الإسلامية العالمية، وفي مقدمتهم الدكتور راشد الغنوشي الذي يقدم اليوم على أنه منظّر "الإسلام السياسي"، لأنّ تجربة نحناح سابقة في تطبيق التصوّر الإسلامي للدولة بين الواقع والسلطة، وكذا التعامل مع مقتضيات التفريق بين الواقع والواقعية ، حيث استذكر المتحدث بهذا الصدد، بعض مقولات الشيخ نحناح التي كان يرددها على الطبقة السياسية، من بينها "الشرعية المعطوبة خير من الفوضى وهو واقع الجزائر"، وكان يشدّد على التمييز بين السلطة والدولة، وقد سخّر نفسه مفوضا فوق العادة للدفاع عن الجزائر عبر كل المحافل الدولية، لكن ذلك لم يمنع الرجل من انتقاد السلطة حين رأى أنها لا تتطلع لطموحات الشهداء والمجاهدين، مثلما قال أبو جرة.
وأضاف سلطاني أن نحناح انتقد دوما أولئك الذين لبسوا الديمقراطية بدل أن يخدموها لأنّ الدولة في مفهومه هي للجميع، في حين تبقى السلطة للبعض، لذا كان يقول بشأن مشاركة الحركة "نحن في الحكومة ولسنا في الحكم"، وأن "السلطة استطاعت أن تحتكر ثروة التاريخ، غير أنها لا تستطيع أن تحتكر الدولة".
من جهة أخرى، تحدث سلطاني عن شبكة العلاقات التي استطاع أن ينسجها الشيخ نحناح مع شخصيات وأطراف كانت من أشدّ أعداء الحركة، من خلال إذابة الجليد بين الإسلامي، الوطني والديمقراطي، إذ جسّر العلاقات بينهم، في وقت كان كل واحد منهم منعزلا في جزيرة خاصة، مواصلا قوله "الشيخ نحناح كان عمليا أكثر منه نظريا، ولو كان حيا لكانت أوضاع الجزائر على غير الحال الذي هي عليه الآن، حيث كان من بين القلائل الذين حملوا همّ بناء الدولة".
وفي الأخير، أثنى الشيخ أبو جرة سلطاني، على مبادرة مجمع "الشروق"، في إحياء ذكر العلماء والمفكرين، وقال إنه عندما ترسم الصورة من طرف الآخرين تكون لها طعم خاص.
القيادي في حركة البناء الوطني، فريد هبّاز:
نحناح بكى خوفًا من تدويل الأزمة الجزائرية

كشف القيادي في حركة البناء الوطني فريد هبّاز أن الشيخ محفوظ نحناح حين قابل فريق المحقّقين الأممي حول الأوضاع الأمنية في الجزائر عام 1997، سبقته دموعه بغزارة قبل الحديث مع رئيس البعثة الأردني الجنسيّة، موضّحا أن الخوف على مصير الجزائر سكن مشاعره، حيث توجه إليه بالقول "إني أستجديك باسم الإسلام والعروبة والأخوة والإنسانية أن لا يحوي تقريركم ما يفضي إلى تدويل الأزمة الجزائرية"، وهو ما دفع بالممثل الأمّمي لطمأنة الشيخ نحناح على أن يكون قرار البعثة منصفًا وموضوعيّا، لكنّ الشيخ بقي في قلبه ريبٌ من أن يتغيّر الموقف بين لحظة وأخرى، فبعث لاحقا بثلاثة من مساعديه المقرّبين لمقابلة الرجل مرة أخرى، بغرض التأكيد على حماية الجزائر من التدخل الخارجي، حتى لا يكون مصيرها مثل الصومال، ولم يكن هذا الإصرار إلا شعورا بالمسؤولية على مستقبل الوطن، مثلما يقول هبّاز.
وأضاف العضو السابق بمجلس الأمة، أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد عاد الشيخ نحناح في مرقده ألاستشفائي بباريس في 2003، ولم تكن تحمل تلك الزيارة في أجندة الرئيس سوى زيارة الشيخ، فلمّا دخل عليه جلس معه، لم يفوّت الرجل الفرصة برغم حاله، دون أن ينقل إليه آخر مطالبه، فقال للرئيس بوتفليقة "إنّي أوصيك بحفظ الإسلام والعربية في هذه الديار، وبحماية الجزائر، فتبذل قصارى جهدك في خدمتها، لأنّ أوضاعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية لا تروم الصدّيق، وإنّي أستودعك فلسطين أمانة في عنقك"، ولم يزد الشيخ نحناح في وصاياه للرئيس عن هذه الرباعيّة، فلا هو تحدّث عن حاجة الحركة ولا وزرائها ولا قياداتها، ناهيك عن العائلة والأبناء، مثلما أكّد المتحدّث.
وذكر فريد هباز، خلال حديثه عن بعض جوانب البراعة في فكر الشيخ محفوظ نحناح، أنه استطاع إرساء مفهوم جديد للدولة الحديثة، رابطا بينها وبين الفرد، كما عرّج عن طرح الشيخ نحناح لمفهوم النظام العربي الجديد أو ما سمّاه بـ"العوْربة"، في سياق بروز تيّار العولمة الغربية .
البرلماني السابق عبد الرحمان سعيدي:
نحناح نبذ الصداميّة فاستوعب كلّ الخصوم

دعا عبد الرحمن سعيدي الرئيس السابق للمجلس الشوري بحركة مجتمع السلم، إلى الاهتمام بخصوصية فكر الشيخ محفوظ نحناح، فهي برأيه تصلح لأن تكون موضوع رسائل دكتوراه في الجامعات الجزائرية وحتّى العربية، وقال إن نحناح ليس حكرا على حركة أو جماعة، فالرجل من خلال فهمه وتعريفه للديمقراطية، والتعاطي معها كآلية في عملية التداول السلمي على السلطة، استطاع أن يفكّ طلاسم ومتناقضات حملتها الكثير من الشبهات والمغالطات في هذه القضية.
وأضاف سعيدي، أنّ شخصية الشيخ نحناح، بما لها من الخصائص المتفرّدة، كان لها انعكاسها وتأثيرها في العمل السياسي والنشاط الدعوي، حيث خرج على الرأي العام بمفاهيم ابتكاريّة، ارتاحت لها النخب لاحقا في ممارساتها العامّة.
والأهمّ في شخصية نحناح، أنّه يرفض منطق "الصداميّة"، وينفيها عن نفسه، فقد بحث دوما عن التواصل والتقاطع المشترك من خلال الحوار مع الجميع، إذ تعامل مع من لا يتصوّر التعامل معهم، بل ترك فيهم أثرا انطباعيّا جميلاً في الكثير من المناسبات والمواقف العامة والإنسانية، إلى درجة أنه غيّر مفاهيمهم ونظرتهم تجاه الحركة الإسلامية، على حدّ تعبيره.
ويرى البرلماني السابق، عبد الرحمان سعيدي، أن المرحوم محفوظ نحناح، كان جمع بين ميزة رجل السياسة والدعوة بالمعنى الحقيقي، وعلى خلاف بعض القادة الإسلاميين ممن جنحوا للعدوان أو المواجهة، فقد آثر نحناح أن يدعو من خلال حركته لأهداف سامية، تتعلّق بالدفاع عن الأطر الأساسية الجزائرية وأبعاد الهوية الوطنية.
وشدّد سعيدي في شهادته، على أنّ نحناح كان حسّاسا للجهوية والعصبية والفتنة في الدين، وحتى داخل الحركة استنكر بشدة ما يصدر عن بعض تلامذته من تصرّفات قد تتسبب في الفرقة والحزازات، فكان لا يرد عن خصومه إلا لتوضيح بعض الشبهات ورفع اللبس عن بعض الأمور، لأن الهدف لديه كان ساميًا، مشيرا إلى أن المرحوم قدّم محاضرة في آخر عمره حول "الدولة الحديثة" ، فلم يطرحها بخلفية الدولة الإسلامية، بل الدولة المعاصرة، لأن الإشكال لديه ليس في التسمية، بقدر ما يتركّز على المضمون والمقاصد.
الأمين العام الأسبق لحركة الإصلاح الوطني، عكوشي حملاوي:
لو عاش نحناح لأصبح أردوغان الجزائر

وبدوره، دعا الأمين العام الأسبق لحركة الإصلاح الوطني، عكوشي حملاوي لنفض الغبار عن فكر الشيخ محفوظ نحناح، فقد سبق غيره للكثير من الأفكار والمقاربات، حيث قال عكوشي "لو عاش نحناح لكان أردوغان الجزائر، لحزمه واتجاهه الشوري الفكري".
ويرى عكوشي أنّ المرحوم نحناح كان حادّا في تعاطيه مع الإسلاميين المتشدّدين، للحفاظ على صورة الإسلام المتسامح، منوّها بمواقفه الشجاعة ومعارضته بشدة حتى للرئيس الراحل هواري بومدين، في وقت لم يجرأ على معارضته الكثير.
وقال عكوشي "أنا لا أوافق الذين يرون في نحناح الحمل الوديع، فقد كان معارضًا إلى أبعد الحدود عندما يستدعي الأمر ذلك"، موضّحًا أن موقفه من الرئيس هواري بومدين ورفضه للاشتراكية كان جريئا، حيث عارضه بقوة لم يستطعها أحد من الإسلاميين قبله.
ويعتقد عكوشي حملاوي في هذا السياق، أن الشيخ محفوظ نحناح تأثر بفكر محمد عبده وغيره من المصلحين الذين رفضوا أن يضعوا أيديهم في يد الحكام والأمراء في كل القضايا التي تتعارض مع قناعاتهم المبدئية، فنحناح - حسب حملاوي - يعارض دون خوف وبشجاعة وإيمان قوي.
إمام المسجد الكبير بالعاصمة الشيخ علي عيّة:
الشيخ نحناح رجلٌ وفيٌّ .. وهذه قصّتي معه

قال إمام المسجد الكبير بالعاصمة الشيخ علي عيّة، إن المرحوم الشيخ نحناح، شخصية استمدت قوتها من العلاقات الإنسانية وردّ الجميل، فقد سجّل له عدة مواقف بهذا الخصوص، من بينها تردّده على زيارته وهو في المستشفى بقاعة الإنعاش عام 1994، بل طلب منه في حال الخروج أن يأتي لبيته في البليدة لترعاه زوجته وأسرته صحيّا، وهذا ردّا لجميل سبق بينهما في 1981، حيث جاءه موفدا من رجل الإحسان الأخ محمد بوفرّاش، ليسلّمه مبلغا من المال قدره آنذاك 5 ملايين سنتيم إثر مغادرته للسجن، حتّى يتدبّر شؤون عائلته، وهي الواقعة التي أدت بالشيخ علي عيّة للاعتقال من طرف مصالح الأمن التي كانت تراقب كل الزائرين للشيخ نحناح، معتبرا أنّ احترام ومحبّة الرجل له طيلة حياته كانت قائمة على تلك المكرمة التي قدّرها المرحوم نحناح عاليًا، وظلّ وفيّا لذلك الجميل، لأنه شخص لا ينكر المعروف، على حدّ قوله.
وزيادة على ذلك، ثمّن إمام المسجد الكبير، جهود ومواقف الشيخ نحناح تجاه القضية الفلسطينية، التي قال إنه عاش لها ولأجلها، مُبديًا الأسف في الوقت ذاته، عن إهمال القضية من طرف العرب والمسلمين، بما فيهم القادة والزعماء وحتّى الأئمة، حيث قال "فلسطين نُسيت، فهي قلّما تذكر..خلت المساجد من الحديث عن فلسطين.. وأعمدة الجرائد من متابعتها والتعبئة..في زمن مضى..كنّا نستيقظ وننام على فلسطين.. وبعد وفاة نحناح منْ يتحدث اليوم عن فلسطين".







