الأحكام المتعلقة بالهلال
26-08-2008, 12:20 PM
الأحكام المتعلقة بالهلال
الشيخ صالح اللحيدان
رئيس مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة وعضو هيئة كبار العلماء
الشيخ صالح اللحيدان
رئيس مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة وعضو هيئة كبار العلماء
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وقائد الغر المحجلين وإمام المتقين أنصح الخلق وأبرهم وأزكاهم وأتقاهم وأعلمهم بمراد الله سبحانه وتعالى وأشدهم في أمر ربه جل وعلا اختاره الله للرسالة الخالدة والشريعة الخاتم المهيمنة وأعطاه من كمال البيان ما لم يعط غيره من الناس ، وبعد: فقد كانت صحفنا المحلية وبعض مجلاتنا قد نشرت لي مقالا عن الهلال متى تثبت رؤيته وماذا يجب على الناس في عباداتهم المنوطة بالهلال صياما وحجا وبماذا يكون دخوله واعتمادهم أعلى الرؤية أم على الحساب وأقوال العارفين به؟ وقد كثر الحديث عن ذلك وتعدد القائلون فيه من منتسب لطلب العلم الشرعي ومدع علم الفلك وكثر الخوض في ذلك وتعمد بعض الكتاب إثارة المشاعر في كل وقت يكون الناس في استقبال عبادة تتعلق بالهلال . وقد أثر على هؤلاء الكتاب ما رأوه من تقدم العلم الفلكي في هذه العصور ومعرفة كواكب قد لا يكون الناس في السابق عرفوها وتأثر بعض هؤلاء بمقولة بعض العلماء المتقدمين التي خالفوا فيها الإجماع وربما كانت جرأة بعضهم - رحمهم الله - أن قرر إبطال الشهادة من العدول إذا
(الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 92)
خالفها الحساب ظنا منهم - رحمهم الله - أن الحساب قطعي الدلالة وأن الشهادة ظنية الدلالة وأن الظني لا يقاوم القطعي فراح بعض من اطلع على مثل هذا القول المردود من قبل أهل العلم ينادي به ويتعلق به ويجعله حجة ترد بها البينة التي اعتبرها الشارع وبنى عليها الحكم الشرعي دون أن يرد ذلك إلى كلام الله - عز وجل- أو كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو يعرضه على كلام من هم أقعد في العلم من صاحب ذلك القول وأدق فهما ومعهم إجماع الأمة كما تأثر بعض الكتاب ببعض نشرات ندوات فلكية لم يرجع أصحابها في كلامهم إلى أدلة الشريعة وقواعدها ولم يتأملوا ما في أدلة الكتاب والسنة من اليسر والتيسير ولا عرضوا أفكارهم على أهل العلم بأدلة الكتاب والسنة .
وصار أولئك الكتاب عن حسن نية فيما نظن يشككون الناس في عباداتهم وصيامهم وفطرهم وفي حجهم فدعاني ذلك وما ذكرته في مقالي المنشور في آخر رمضان عام 1409هـ إلى الكتابة التي أسوق الآن نصها مع قليل من التصرف والزيادة في بعض المواضع معتمدا في ذلك الأدلة الشرعية وكلام خيار الأمة بعد نبيها ، فهم أعرف الناس بمراد الله ومراد رسوله - صلى الله عليه وسلم - وما فعلته الآن من التعديل القليل والزيادة اليسيرة . فبقدر ما تدعو الحاجة إليه ، وقد رأيت إعادة نشر المقال استجابة لأمر شيخنا ووالدنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد وتلبية لرغبة زميلنا العزيز الدكتور محمد بن سعد الشويعر رئيس تحرير مجلة البحوث الإسلامية لينشره في مجلة البحوث ولا شك أن ما ينشر في مجلة هي بمنزلة كتاب يقتنى ويرجع إليه يحتاج لإجراء تعديل عما كان ينشر في صحف سيارة . . ، ومحافطة مني على أصل المقال أسوق نصه مع التعديل الذي أشرت إليه وإضافة للزيادة التي نوهت عنها إما في صلب المقال أو على
(الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 93)
شكل تعليقات على المقال وأن لا أشك أن كتابات من كتبوا إنما كان باعثها حب جمع المسلمين ولم شتاتهم ظنا منهم أن ذلك يجمعهم ومثل ذلك لا يجمع في الحقيقة وإنما يجمع الأمة اتحاد المسيرة في ظل القرآن الكريم والسنة المطهرة وما قامت عليه الدولة الإسلامية الأولى من صفاء العقيدة وصدق الانقياد لأمر الله وأمر رسوله والرجوع إلى ما قال الله ورسوله في كل الأحوال والرغبات والمقاصد وإليك أيها القارئ الكريم نص الكلمة السابقة مدخلا فيها ما ذكرته من التصرف الذي لا يخرجها عن مبناها ولا يخل بمعناها إن شاء الله:
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين ، وأتم علينا النعمة ، ورضي لنا الإسلام دينا ، وبعث إلينا رسوله محمدا هاديا ومعلما . فأقام الحجة وأوضح المحجة وبين للناس ما نزل إليهم من ربهم أكمل بيان وأتمه ، ولم يمت - عليه الصلاة والسلام - حتى بين لنا فروع الدين وأصوله فلا يضل عن هديه بعد ذلك إلا هالك ، وربنا سبحانه وتعالى لم يجعل علينا في ديننا أي حرج بل جعل أموره سهلة مبسطة ميسرة ، وأقام لأوقات العبادة دلائل واضحة لا يختص بمعرفتها فئة خاصة من الناس وإنما يشترك في معرفتها الخاصة والعامة ولم يقيدها بعلم دقيق غامض ، بل أناط معرفتها بأمور محسوسة وكواكب سيارة يعرفها المتعلم والعامي ويهتدي بطلوعها وغروبها المكلفون جميعا وهذا من رحمة الله بعباده وإحسانه إليهم وجميل لطفه بهم فله الحمد والشكر على نعمه التي لا تعد ولا تحصى؛ إذ لم يجعل أمور عباداتنا معلقة على علوم دقيقة تفتقر إلى حساب وحدس وتخمين لما في ذلك من الحرج والعناء وحدوث الغلط والاضطراب وحصول الشك والقلق . .
وبعد . . فيا أخي المسلم . . إن الباعث لي على كتابة هذا الحديث هو ما تكرر من كتابات صحفية عند قرب مواسم العبادة الدورية أو قرب
(الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 94)
خروجها كالصيام والعيد والحج مما أوجد بلبلة وتساؤلات كثيرة وما كنت أرغب الكتابة في ذلك قبل الآن لعلمي أن ما حوته الكتب من علوم القرآن والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة فيه مقنع لطالب الحق ، وأن العبرة بما جاء عن المعصوم صلوات الله وسلامه عليه ، ولكن الأمر في الآونة الأخيرة بدأ يتسع خرقه ويتفاقم خطبه . وصار الناس يجدون كتابات جازمة بأحكام صادرة عن غير ذوي الشأن المعنيين بالأمر وفيها تحد سافر وتشكيك في العبادة ، وإعطاء الحساب المبني على الظن حكم القرآن ومتواتر السنة من قطعية الدلالة ووجوب رد الشهادة إذا خالفته رغم أن حذاق الحساب يجزمون بأنه لا يمكن أن يتوصل بالحساب إلى أمر قاطع ولا إلى دليل حاسم ومن يطالع أكثر ما كتب باعتناء وتجرد يجد ذلك ظاهرا لا لبس فيه ، وقد كثر القول والتذمر من العامة والخاصة كما كثر ترديد عبارات قوية مثل: أما يوضع لهذا الاندفاع حد؟ أما يوقف الخوض فيما يربك العامة ويؤثر على نفوسهم؟ وقد يوجد بسبب أمثال هذه الكتابات من الاختلاف والفرقة ما يعم ضرره ويعظم خطره ، مما أوجب الكتابة فيه مع أن أهل العلم قد تكرر منهم البيان وإيضاح الحكم الشرعي .
وتوالت كتابات شيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز وغيره ثم إنه قد اتصل بي بعض من أرى رأيهم محل تقدير واهتمام ورغب إلي أن أقول شيئا في هذا الأمر وأكتب كتابة موسعة لعل الله أن ينفع بها ، وكنت مترددا في ذلك وأخيرا انشرح صدري للكتابة وفضلت الاستجابة لرأيه وعزمه ، وبما أن الأمر يتعلق بركن من أركان الإسلام بل بركنين هما: الصيام والحج فلا بد من الاهتداء بقول المبلغ عن الله رسالاته الذي لا ينطق عن الهوى ، بل الكلام هو وحي يوحى وهو - عليه الصلاة والسلام - قد أوتي الكتاب ومثله معه ، وكان أنصح الخلق وأبرهم فلم يتركنا
(الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 95)
نتخبط في ظلم الجهل ونتقارع بحجج الهوى بل أعطانا مصابيح كاشفة وهاجة لا يبقى معها شك أو ريبة لمنصف ينشد الحق ويسعى في طلبه .
وإليك أيها القارئ جملة منها وسأقتصر على ما في الصحيح؛ إذ القصد إعطاء القارئ الذي قد تكون أثرت عليه بعض تلك المقالات ما يبدد عنه غيومها ويزيل عنه آثارها لاسيما وقد اقترنت بذكر بعض أقطاب العلم ممن لهم في النفوس منزلة عالية ، ولكن على فرض أن في بعض كلام أهل العلم ما يؤيد ما نشر فإن مما لا شك فيه أن العبرة والعمدة على ما قاله الله ورسوله وما عدا ذلك فيرد إليهما ويعرض على دلالتهما . قال الله سبحانه وتعالى: سورة البقرة الآية 185 فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ .
والمراد بالشهود رؤية الهلال كما هو المتبادر ، وبه فسره أهل العلم العارفون بمدلول لغة القرآن وهم القدوة في ذلك لا من خالف إجماع السلف كما سوف يمر بك إن شاء الله .
ثم تأمل كلام الصادق المصدوق تجده فصلا في الموضوع واقعا على المحز ينجلي به عن القلب كل غمة وهاك ما وعدتك به:
قال الإمام البخاري صحيح البخاري (الفتح جـ4 ص119). في صحيحه باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: صحيح البخاري الصوم (1810),صحيح مسلم الصيام (1081),سنن الترمذي الصوم (684),سنن النسائي الصيام (2119),سنن ابن ماجه الصيام (1655),مسند أحمد بن حنبل (2/259),سنن الدارمي الصوم (1685). إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله - رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر رمضان فقال: صحيح البخاري الصوم (1807),صحيح مسلم الصيام (1080),سنن النسائي الصيام (2121),سنن أبو داود الصوم (2319),مسند أحمد بن حنبل (2/63),موطأ مالك الصيام (634),سنن الدارمي الصوم (1684). لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له .
حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: صحيح البخاري الصوم (1808),موطأ مالك الصيام (634). الشهر تسع وعشرون ليلة فلا تصوموا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين .
حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة
(الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 96)
- رضي الله عنه - يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أو قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -: صحيح البخاري الصوم (1810). صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غبي عليكم فأكلموا عدة شعبان ثلاثين . حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا الأسود بن قيس حدثنا سعيد بن عمرو أنه سمع ابن عمر - رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: صحيح البخاري الصوم (1814),صحيح مسلم الصيام (1080),سنن النسائي الصيام (2140),سنن أبو داود الصوم (2319),مسند أحمد بن حنبل (2/43). إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين أهـ .
قال الحافظ في الفتح بعد كلام له على معنى الحديث . فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك - يعني الحساب- بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلا يوضحه قوله في الحديث الماضي فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ولم يقل فاسألوا أهل الحساب . والحكمة في كون العدد عند الإغماء يستوي فيه المكلفون فيرتفع الخلاف والنزاع . وقال صحيح البخاري (الفتح جـ4 ص122). : ونقل ابن العربي عن ابن سريج أن قوله: فاقدروا له خطاب لمن خصه الله بهذا العلم وأن قوله فأكملوا العدة خطاب للعامة قال ابن العربي : فصار وجوب رمضان عنده مختلف الحال يجب على قوم بحساب الشمس والقمر وعلى آخرين بحساب العدد قال: وهذا بعيد عن النبلاء ، يعني فكيف برسول رب العالمين . وقال ابن الصلاح : معرفة منازل القمر هي معرفة سير الأهلة ، وأما معرفة الحساب فأمر دقيق يختص بمعرفته الآحاد قال فمعرفة منازل القمر تدرك بأمر محسوس يدركه من يراقب النجوم وهذا هو الذي أراده ابن سريج وقال به في حق العارف بها في خاصة نفسه ونقل الروياني عنه أنه لم يقل بوجوب ذلك عليه وإنما قال بجوازه . . الخ .
وقال صحيح البخاري (الفتح جـ4 ص127). عن اعتبار الحساب: وقال ابن بزيزة : وهو مذهب باطل
(الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 97)
يتبع بإذن الله......
من مواضيعي
0 التغذية: نصائح وحيل حول الأكل الصحي اهمالها قد يسبب لنا مشاكل صحية لا نعرف اين سببها؟
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة





