انفجـار الأوضـاع واعتقـال الآلاف من المواطنين.
17-09-2008, 07:11 PM
انفجـار الأوضـاع واعتقـال الآلاف من المواطنين.
ساعـات بعد إلقاء القبض على الرجل الثاني للجبهـة الإسلامية، تحاصـر قـوات الأمـن المقـر الرئيس للحـزب ويتم اعتقـال الشيخ عباسي مدني بفضل أحـد الضباط المندسين يدعى بوعـزة. وتتحـرك آلـة القمـع ويبـدأ مسلسل اعتقالات آلاف المواطنين عبـر أرجـاء البـلاد ويـزج بهـم في معتقـلات مجهـزة منذ أسابيع لهذا الغـرض. كما يلتحـق الأستـاذ محمد السعيد بزملائـه بالسجـن العسكـري بعد أسبـوع من ذلك التاريخ. ويعـم الظـلام أرجـاء الجزائـر الرحبـة ونـودع السـلام والأمـن والاستقـرار إلى غيـر رجعـة لنشـب - نحـن جيـل الاستقـلال- على المحـن والإحـن. ويشيب الجنرالات في الثـراء، يشيـدون عزهـم ومستقبـل أبنائهـم على أنقـاض شعب أنهكتـه الأزمـات. كل هذا ووسائل الإعـلام لا تكف عن وصف غزالي بالرجل "النظيف الذي يمثل حكومـة مستقلـة تعمـل من أجـل راحـة الجزائرييـن". فقد امتلأت السجـون وأنشئت المعتقـلات داخـل الثكنـات العسكريـة لتستضيف أكثـر من عشـرة آلاف معتقـل معظمهـم من المنتخبين وإطـارات الحـزب ومن أصحـاب الكفاءات العاليـة لأول مـرة في تاريخ الجزائـر الحديث.
بمحتشـد البليـدة، كنا مائتين وخمسين معتقـلا من بعض ولايـات الوسـط. الأغلبيـة مـن المنتخبيـن أو أعضـاء في المكاتب السياسية أو النقابـة الإسلاميـة للعمـل. فبعـد عـدة أيـام مـن المعانـاة قضيناهـا فـي التنـقل بيـن المصالـح العسكريـة، لوجـود خـلاف بينهـا حـول الإجـراءات، نقلنـا إلـى السجـن العسكـري ثـم حولنـا إلى معسكـر مهجـور بجـواره، كان يستعمـل لأغـراض الطيـران. وكان يشـرف على المعتقل عـدة عناصـر من المصالح السريـة تحت حراسـة جنـود من الخدمـة العسكريـة بدعـم من قوات التدخل للشرطـة.
لقد تم حشرنـا داخـل بنايـة قديمـة في ظـروف لا تطـاق. فعمدنـا إلى تكسيـر جميع الأبـواب الحديديـة كي نعيش أحـرارا بين الأسـوار تحت حراسـة العسكـر في انتظـار الفصـل في أمرنـا. ولم يفتنا تنظيم أنفسنـا للمطالبـة بالإفـراج ومواصلـة النشـاط السياسي أمـام أعين العسكريين والمخابـرات. فشكلنـا المجلس الشـوري بالاعتمـاد على المرتبـة السياسيـة قبل الاعتقـال وهو أمـر لم يعجب العناصـر المدسوسـة لكنهم عجـزوا لضعف حججهـم وقلـة عددهـم. أدركنا بعد أيـام فقط، أن جمعنـا بهـذا المكـان سيولـد عجبـا، لأن معظـم مـن كانـوا معنـا مـن محبي العنف وعشـاق الحـرب.
فقـد التقينـا في المعتقل ببعـض من يسمـون "الأفغـان العرب" أي الذين أوفـدوا من البلـدان العربيـة إلى أفغانستـان للقتـال ضـد الشيوعييـن الـروس وسمـح لهم بالعـودة إلى الوطـن لحاجـة في أنفس المتآمرين. فقد تعرفت هناك على العديد منهم وخاصـة السايـح عطيـة الملقب بالأفغـاني الـذي سيصبـح أميـرا للجماعـة المسلحـة عـام 1993.. يذكـر أن كل المعتقـلات تحـوي على نصيبهـا من هـؤلاء وهو أمـر له أبعـاده كما سيظهـر في المستقبل من خـلال النشـاط "الإرهابـي" وما سينتـج عن ذلك من المآسـي.
كـان عطيـة الأفغـاني مـن عشـاق "الجهـاد"، لا يتـوقف عـن حكايـة الأحـداث المثيـرة التي عاشهـا في أفغانستـان ضـد الـروس.. يرويهـا بأسلـوب مشـوق فيـه الكثيـر مـن الترغيب والإثـارة. وكـان يـرى أن الحـرب لا بـد منهـا للقضـاء علـى النظـام وأتباعـه وصدقـه الكثيـرون. كنـت كثيـر الاحتكـاك به بهـدف التعمـق في فهـم عقليـة هـذا النـوع مـن الرجـال بأنموذجـه البشـري. لكنـي عجـزت علـى ذلـك لوجـود أكثـر مـن تنـاقض فـي تكوينـه الشخصـي...فهـو مهنـدس يمتـاز بالذكـاء، لكنـه يفكـر بأسلـوب سـاذج ويسـيء تقديـر الأمـور السياسيـة. يحجـم عن الكـلام إلا عن الحـرب، ويتنكـر لماضيـه إلا عن تلك التي قضـاهـا بأفغانستـان. قـد ينسـى أولاده ويسهـى عن طعامـه وشرابـه ولكنـه شديـد الالتـزام بصلواتـه والواجبـات والسنـن النبويـة المختلفـة. نـال إعجـاب غيـره بزهـده عن الدنيا لكنـه قليـل الاحتكـاك بهـم. عندمـا يبـدأ الكـلام تخالـه لـن يسكـت أبـدا، ولكنـه إذا سكـت فقلمـا تسمـع صوتـه. عندما يتكلـم غيـره، يسكت ولا ينصت لأن الأمـور لديـه قد قـدّرت ولا تقبل المناقشـة!
قال لـي يومـا أن أمامنـا فرصـة لا تعـوض للقضـاء علـى الحكم الجائـر و"الحكـام الطغـاة" وان الاخـوة الـذين قدمـوا مـن أفغانستـان لهـذا الغـرض، قـد اكتسبـوا تجربـة عظيمـة فـي ميـدان القتـال! فلا بد أن نلـتف حولـهم لإقامـة الدولـة الإسلاميـة على حـد زعمـه! كلامـه ذلك نابـع من قناعـة مقفلـة لا تقبل المراجعـة وهو الذي كان له فضـل المشاركـة في إذلال أقـوى كتلـة عسكريـة في العالم المعاصـر متمثلـة في الجيش الأحمـر للاتحاد السوفيتي. وهو على قـدر إعجابـي بشجاعتـه وتعلقـه الشـديـد بالإسـلام والمسلميـن، يثيـر الشفقـة مـن سـوء تقديـره وإفراطـه في حسـن ظنـه فـي هـذا الشعـب. فقـد حـاولت إقناعـه أنـه لا بـد من تحضـير طـويل المـدى لمثـل هـذه المشاريـع ونحن لـم نوفـر أدنـى الشـروط لهـا. لكـن الرجـل ليس مستعـدا للخـروج مـن تفكيـره الأفغانـي للدخـول فـي نظرتـي الجزائريـة. فأنا وأمثالـي من المثبطين، ضعـاف الإيمـان لا نصلح للجهـاد في رأيـه وأمثالـه.
ولنـا أن نتسـاءل : كيـف استطـاع هـؤلاء الأفغـان أن يعـودوا إلـى الوطـن بعـد سنـوات عديـدة مـن القتـال ضـد الشيوعيـين الروس؟؟ ومـا معنـى أن يسمـح لـهم بالعبـور بشكـل مكثـف عبـر جميـع الحـدود وفي هذا الوقت بالـذات؟؟ فـلا بـد أن هنـاك نيـة مبيتـة لـدى صانعـي القـرار ليحدث هذا في الوقت الذي تنقـل الشائعـات أخبـار المقاومـة الإسلاميـة عبر الوطـن!
يتشكـل جميع المعتقليـن من جيل الاستقـلال باستثنـاء شيخ عمـره ستين سنـة. جلهـم من المثقفين، مهندسين وأطبـاء وأساتـذة. لذلك تيسـر علينا التعايش والتفاهـم رغـم ما بيننا من خلافـات جوهريـة حـول أسلـوب العمـل والتعامـل مع النظـام. فمنا من يتخـذه عـدوا ينبغي محاربتـه بالقـوة، ومنا من يـرى أن علينا التأني ومحاربتـه بالوسائل السلميـة ومنا من لا يـرى حرجـا في التعايـش مع مختلف الاتجاهـات.
ساعـات بعد إلقاء القبض على الرجل الثاني للجبهـة الإسلامية، تحاصـر قـوات الأمـن المقـر الرئيس للحـزب ويتم اعتقـال الشيخ عباسي مدني بفضل أحـد الضباط المندسين يدعى بوعـزة. وتتحـرك آلـة القمـع ويبـدأ مسلسل اعتقالات آلاف المواطنين عبـر أرجـاء البـلاد ويـزج بهـم في معتقـلات مجهـزة منذ أسابيع لهذا الغـرض. كما يلتحـق الأستـاذ محمد السعيد بزملائـه بالسجـن العسكـري بعد أسبـوع من ذلك التاريخ. ويعـم الظـلام أرجـاء الجزائـر الرحبـة ونـودع السـلام والأمـن والاستقـرار إلى غيـر رجعـة لنشـب - نحـن جيـل الاستقـلال- على المحـن والإحـن. ويشيب الجنرالات في الثـراء، يشيـدون عزهـم ومستقبـل أبنائهـم على أنقـاض شعب أنهكتـه الأزمـات. كل هذا ووسائل الإعـلام لا تكف عن وصف غزالي بالرجل "النظيف الذي يمثل حكومـة مستقلـة تعمـل من أجـل راحـة الجزائرييـن". فقد امتلأت السجـون وأنشئت المعتقـلات داخـل الثكنـات العسكريـة لتستضيف أكثـر من عشـرة آلاف معتقـل معظمهـم من المنتخبين وإطـارات الحـزب ومن أصحـاب الكفاءات العاليـة لأول مـرة في تاريخ الجزائـر الحديث.
بمحتشـد البليـدة، كنا مائتين وخمسين معتقـلا من بعض ولايـات الوسـط. الأغلبيـة مـن المنتخبيـن أو أعضـاء في المكاتب السياسية أو النقابـة الإسلاميـة للعمـل. فبعـد عـدة أيـام مـن المعانـاة قضيناهـا فـي التنـقل بيـن المصالـح العسكريـة، لوجـود خـلاف بينهـا حـول الإجـراءات، نقلنـا إلـى السجـن العسكـري ثـم حولنـا إلى معسكـر مهجـور بجـواره، كان يستعمـل لأغـراض الطيـران. وكان يشـرف على المعتقل عـدة عناصـر من المصالح السريـة تحت حراسـة جنـود من الخدمـة العسكريـة بدعـم من قوات التدخل للشرطـة.
لقد تم حشرنـا داخـل بنايـة قديمـة في ظـروف لا تطـاق. فعمدنـا إلى تكسيـر جميع الأبـواب الحديديـة كي نعيش أحـرارا بين الأسـوار تحت حراسـة العسكـر في انتظـار الفصـل في أمرنـا. ولم يفتنا تنظيم أنفسنـا للمطالبـة بالإفـراج ومواصلـة النشـاط السياسي أمـام أعين العسكريين والمخابـرات. فشكلنـا المجلس الشـوري بالاعتمـاد على المرتبـة السياسيـة قبل الاعتقـال وهو أمـر لم يعجب العناصـر المدسوسـة لكنهم عجـزوا لضعف حججهـم وقلـة عددهـم. أدركنا بعد أيـام فقط، أن جمعنـا بهـذا المكـان سيولـد عجبـا، لأن معظـم مـن كانـوا معنـا مـن محبي العنف وعشـاق الحـرب.
فقـد التقينـا في المعتقل ببعـض من يسمـون "الأفغـان العرب" أي الذين أوفـدوا من البلـدان العربيـة إلى أفغانستـان للقتـال ضـد الشيوعييـن الـروس وسمـح لهم بالعـودة إلى الوطـن لحاجـة في أنفس المتآمرين. فقد تعرفت هناك على العديد منهم وخاصـة السايـح عطيـة الملقب بالأفغـاني الـذي سيصبـح أميـرا للجماعـة المسلحـة عـام 1993.. يذكـر أن كل المعتقـلات تحـوي على نصيبهـا من هـؤلاء وهو أمـر له أبعـاده كما سيظهـر في المستقبل من خـلال النشـاط "الإرهابـي" وما سينتـج عن ذلك من المآسـي.
كـان عطيـة الأفغـاني مـن عشـاق "الجهـاد"، لا يتـوقف عـن حكايـة الأحـداث المثيـرة التي عاشهـا في أفغانستـان ضـد الـروس.. يرويهـا بأسلـوب مشـوق فيـه الكثيـر مـن الترغيب والإثـارة. وكـان يـرى أن الحـرب لا بـد منهـا للقضـاء علـى النظـام وأتباعـه وصدقـه الكثيـرون. كنـت كثيـر الاحتكـاك به بهـدف التعمـق في فهـم عقليـة هـذا النـوع مـن الرجـال بأنموذجـه البشـري. لكنـي عجـزت علـى ذلـك لوجـود أكثـر مـن تنـاقض فـي تكوينـه الشخصـي...فهـو مهنـدس يمتـاز بالذكـاء، لكنـه يفكـر بأسلـوب سـاذج ويسـيء تقديـر الأمـور السياسيـة. يحجـم عن الكـلام إلا عن الحـرب، ويتنكـر لماضيـه إلا عن تلك التي قضـاهـا بأفغانستـان. قـد ينسـى أولاده ويسهـى عن طعامـه وشرابـه ولكنـه شديـد الالتـزام بصلواتـه والواجبـات والسنـن النبويـة المختلفـة. نـال إعجـاب غيـره بزهـده عن الدنيا لكنـه قليـل الاحتكـاك بهـم. عندمـا يبـدأ الكـلام تخالـه لـن يسكـت أبـدا، ولكنـه إذا سكـت فقلمـا تسمـع صوتـه. عندما يتكلـم غيـره، يسكت ولا ينصت لأن الأمـور لديـه قد قـدّرت ولا تقبل المناقشـة!
قال لـي يومـا أن أمامنـا فرصـة لا تعـوض للقضـاء علـى الحكم الجائـر و"الحكـام الطغـاة" وان الاخـوة الـذين قدمـوا مـن أفغانستـان لهـذا الغـرض، قـد اكتسبـوا تجربـة عظيمـة فـي ميـدان القتـال! فلا بد أن نلـتف حولـهم لإقامـة الدولـة الإسلاميـة على حـد زعمـه! كلامـه ذلك نابـع من قناعـة مقفلـة لا تقبل المراجعـة وهو الذي كان له فضـل المشاركـة في إذلال أقـوى كتلـة عسكريـة في العالم المعاصـر متمثلـة في الجيش الأحمـر للاتحاد السوفيتي. وهو على قـدر إعجابـي بشجاعتـه وتعلقـه الشـديـد بالإسـلام والمسلميـن، يثيـر الشفقـة مـن سـوء تقديـره وإفراطـه في حسـن ظنـه فـي هـذا الشعـب. فقـد حـاولت إقناعـه أنـه لا بـد من تحضـير طـويل المـدى لمثـل هـذه المشاريـع ونحن لـم نوفـر أدنـى الشـروط لهـا. لكـن الرجـل ليس مستعـدا للخـروج مـن تفكيـره الأفغانـي للدخـول فـي نظرتـي الجزائريـة. فأنا وأمثالـي من المثبطين، ضعـاف الإيمـان لا نصلح للجهـاد في رأيـه وأمثالـه.
ولنـا أن نتسـاءل : كيـف استطـاع هـؤلاء الأفغـان أن يعـودوا إلـى الوطـن بعـد سنـوات عديـدة مـن القتـال ضـد الشيوعيـين الروس؟؟ ومـا معنـى أن يسمـح لـهم بالعبـور بشكـل مكثـف عبـر جميـع الحـدود وفي هذا الوقت بالـذات؟؟ فـلا بـد أن هنـاك نيـة مبيتـة لـدى صانعـي القـرار ليحدث هذا في الوقت الذي تنقـل الشائعـات أخبـار المقاومـة الإسلاميـة عبر الوطـن!
يتشكـل جميع المعتقليـن من جيل الاستقـلال باستثنـاء شيخ عمـره ستين سنـة. جلهـم من المثقفين، مهندسين وأطبـاء وأساتـذة. لذلك تيسـر علينا التعايش والتفاهـم رغـم ما بيننا من خلافـات جوهريـة حـول أسلـوب العمـل والتعامـل مع النظـام. فمنا من يتخـذه عـدوا ينبغي محاربتـه بالقـوة، ومنا من يـرى أن علينا التأني ومحاربتـه بالوسائل السلميـة ومنا من لا يـرى حرجـا في التعايـش مع مختلف الاتجاهـات.
من مواضيعي
0 التغذية: نصائح وحيل حول الأكل الصحي اهمالها قد يسبب لنا مشاكل صحية لا نعرف اين سببها؟
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة





