أكراد العراق يصوِّتون على استقلال كردستان
26-09-2017, 05:50 AM


وكالات

جرت، الاثنين 25 سبتمبر، عملية اقتراع حول استقلال إقليم كردستان العراق في استفتاءٍ يريد من خلاله الأكراد فتح باب التفاوض من أجل إنشاء دولة يناضلون من أجلها منذ قرن تقريبا، لكنه يشكل تحديا واضحا للحكومة المركزية ودول الجوار.
ويُتوقع أن تصدر نتيجة الاستفتاء الذي شاركت فيه أيضا محافظة كركوك المتنازع عليها بين بغداد وكردستان بعد أربع وعشرين ساعة من إقفال مراكز الاقتراع، أي مساء اليوم الثلاثاء. ورغم أن النتيجة محسومة، وستكون لصالح الاستقلال، إلا أن مسعود بارزاني، رئيس الإقليم الشمالي الذي يتمتع بحكم ذاتي، سبق أن أعلن أن الاستفتاء لن يجرَّ إعلانا تلقائيا للاستقلال، لكنه سيشكل بالأحرى نقطة الانطلاق "لمفاوضات جدية مع بغداد" حول هذه المسألة.
وشارك أكثر من خمسة ملايين مقترع في الاستفتاء الذي جرى في المحافظات الثلاث من إقليم كردستان العراق، إربيل والسليمانية ودهوك، كما في مناطق متنازع عليها بين الأكراد والحكومة المركزية العراقية، مثل كركوك وخانقين في محافظة ديالى شمال شرق بغداد.
وتوافد الناخبون منذ الصباح على صناديق الاقتراع في اربيل السليمانية، ووقفوا في طوابير أمام بعض المراكز.
وأدلى بارزاني بصوته في ساعة مبكرة من الصباح في أربيل، وبدا مبتسما وهو يرتدي الزي الكردي.
وقام مقترعون بذبح عجل أمام أحد مراكز الاستفتاء الرئيسية بوسط اربيل، تعبيرا عن فرحتهم.
وقال دلكاش عبد الله (محام، 27 عاما) "جلبت هذا العجل لأن اليوم هو ولادة الدولة، وطبقا للتقاليد نذبح عجلا عند الولادة".
وقال ديار أبو بكر (33 عاما) "جئت مبكرا كي أكون أوّل شخص يصوت بنعم للدولة الكردية"، مؤكدا أنه "يوم عيد لنا".
في السليمانية، ثاني مدن الإقليم، توافد الناخبون إلى مركز كانيسكان في شرق المدينة. وقال ديار عمر (40 عاما، موظف) الذي ارتدى أيضا الزي الكردي "سننال استقلالنا عن طريق صناديق الاقتراع"، مضيفا "إنني فرح، هذه أول مرة في حياتي أرى استفتاءً للاستقلال".
وأقيم 12072 مركز اقتراع في عموم إقليم كردستان العراق والمناطق المتنازع عليها.
في مدينة كركوك، علا التكبير في مساجد المدينة كما في أيام العيد.
لكن في هذه المدينة، الآراء متباينة. وقال متين عبد الله اوجي، وهو مدرِّس تركماني عمره 42 عاما "لم أشارك في التصويت لأنه يشعرني بأن هويتي وقوميتي ومكانتي وتراثي وتاريخي كلها ستضيع".
ويشكل الاستفتاء الذي دعا إليه الزعيم الكردي مسعود بارزاني رهانا محفوفا بالمخاطر. وعبّرت دول مجاورة للعراق مثل تركيا وإيران عن رفضها الاستفتاء، خشية أن تحذو الأقليات الكردية على أراضيها حذو أكراد العراق.
ويتوزع الأكراد الذين يقدر عددهم بين 25 و35 مليون نسمة بشكل أساسي في أربع دول هي تركيا وإيران والعراق وسوريا.
وكان بارزاني اعتبر الأحد أن "الشراكة مع بغداد فشلت ولن نكررها. لقد توصلنا إلى اقتناع بأن الاستقلال سيتيح عدم تكرار مآسي الماضي"، مضيفا "توصلنا إلى قناعة بأن أيا كان ثمن الاستفتاء، فهو أهون من انتظار مصير أسود".
في المقابل، أكد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الأحد في بغداد أن حكومته لن تعترف بالاستفتاء حول استقلال كردستان.
وقال في خطاب موجه إلى الشعب العراقي إن "التفرد بقرارٍ يمس وحدةَ العراق وأمنه ويؤثر على كل مواطنيه وعلى أمن المنطقة هو قرار مخالف للدستور وللتعايش السلمي بين المواطنين ولن يتم التعامل معه ولا مع نتائجه وستكون لنا خطوات لاحقة لحفظ وحدة البلاد ومصالح كل المواطنين".
كما أمر العبادي، قوات بلاده بحماية المواطنين من "التهديد والإجبار" في مناطق واقعة تحت سيطرة قوات إقليم الإدارة الكردية شمال البلاد.
وذكر بيان مقتضب بثه التلفزيون الرسمي أمس الاثنين، أن "العبادي وجه الأجهزة الأمنية بحماية المواطنين من التهديد والإجبار الذي يتعرضون له في المناطق التي يسيطر عليها الإقليم".
وكان العبادي يشير فيما يبدو إلى تعرض مواطنين للتهديد لإجبارهم على المشاركة في استفتاء انفصال الإقليم عن العراق في المناطق المتنازع عليها وعلى رأسها كركوك.
ولم يوضح العبادي كيف يمكن لقوات بلاده حماية المواطنين علمًا أن قوات البيشمركة الكردية تسيطر على تلك المناطق منذ فرار الجيش العراقي منها أمام تقدم مسلحي تنظيم "داعش" الإرهابي في صيف 2014.
دول الجوار تشرع في حصار كردستان
أعلن بهرام قاسمي، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عن غلق بلاده للمعابر الحدودية والمجال الجوي أمام الإقليم الكردي شمال العراق.
وأكد قاسمي، في مؤتمر صحافي، أمس الاثنين، من العاصمة طهران على دعم بلاده لوحدة الأراضي العراقية، وأن خطوات إغلاق المعابر الحدودية والمجال الجوي أمام الإقليم الكردي، يأتي بناء على طلب من الحكومة المركزية ببغداد.
وفي رده على سؤال بشأن الخطوات الأخرى التي ستتخذها طهران، قال قاسمي "سيكون هناك تصريحٌ حول هذا الموضوع".
وكان كيوان خسروي المتحدِّث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، أعلن الأحد، إغلاق المجال الجوي مع الإقليم الكردي، وذلك تلبية لطلب الحكومة العراقية.
من جانبها، قالت الخارجية التركية أمس الاثنين، إن أنقرة لا تعترف باستفتاء الانفصال الذي نظم أمس في الإقليم الكردي شمال العراق.
وأضافت الخارجية في بيان: لا نعترف بهذه المحاولة (استفتاء الانفصال) الفاقدة لكافة أنواع الشرعية والأساس القانوني سواء بالنسبة للقانون الدولي أو الدستور العراقي".
وأكدت الخارجية أن الاستفتاء الذي جرى أمس، في الإقليم الكردي، بحكم الملغي من حيث نتائجه.
وجدَّدت الخارجية تأكيد تركيا على أنها ستتخذ كافة التدابير في ضوء الصلاحيات التي يمنحها القانون الدولي والبرلمان التركي، حال تعرُّض أمنها القومي للخطر جراء استغلال الإرهابيين وعناصر متطرفة للوضع الذي سينجم عقب الاستفتاء في الإقليم، أو أي تهديد لأمنها القومي، في عموم العراق.
من جهته، أكد وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم، أنّ بلاده ترفض أي إجراء يؤدي إلى تجزئة العراق.
ونقلا عن وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) قال المعلم في تصريحات صحفية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأحد: "نحن في سورية لا نعترف إلا بعراق موحد ونرفض أي إجراء يؤدي إلى تجزئة العراق.. هذه خطوة مرفوضة ولا نعترف بها".
وأكد المعلم أنه أبلغ نظيره العراقي موقف بلاده تجاه الاستفتاء.
ويعد هذا الموقف هو أول موقف رسمي للنظام السوري، حيال الاستفتاء الجاري في الإقليم الكردي شمالي العراق.
هذه هي كردستان العراق
كردستان العراق، أو إقليم كردستان العراق (بالكردية هه‌رێمی کوردستان عيراق)، هو إقليم يقع شمال العراق، ويتمتع بحكم ذاتي منذ عام 1970. تحدّه إيران من الشرق وتركيا في الشمال، وسوريا إلى الغرب، وبقية مناطق العراق إلى الجنوب. العاصمة الإقليمية محافظة أربيل، المعروفة بـ"هولير" بالكردية، وتخضع المنطقة رسميا لحكومة إقليم كردستان.
وحسب "الموسوعة الحرة"، تعني كلمة كردستان حرفيا أرض الكرد أو الأكراد، ويشار إليها في الدستور العراقي باسم إقليم كردستان. والاسم الكامل للحكومة هو "حكومة إقليم كردستان". وكانت المنطقة تسمى في عهد صدام "منطقة الحكم الذاتي الكردية".
يعود إنشاء إقليم كردستان العراق إلى معاهدة الحكم الذاتي في مارس 1970 عند الاتفاق بين المعارضة الكردية والحكومة العراقية بعد سنوات من القتال العنيف. وبعد انتفاضة الشعب العراقي عام 1991 ضد نظام الرئيس صدام حسين، اضطر الكثير من الأكراد إلى الفرار والنزوح من البلاد ليصبحوا لاجئين في المناطق الحدودية مع إيران وتركيا. وفي عام 1991 أنشئت في الشمال منطقة حظر الطيران بعد حرب الخليج الثانية، التي نجمت عن احتلال العراق للكويت، مما شكل ملاذاً آمنًا سهَّل عودة اللاجئين الأكراد.
واصل الأكراد في ما بعد محاربة القوات العراقية فغادرت منطقة كردستان في نهاية المطاف في أكتوبر 1991، وغدت المنطقة مستقلة ذاتيا بحكم الواقع، إلا أن أيا من الحزبين الكرديين الرئيسين لم یُعلنا الاستقلال التام عن العراق في ذلك الوقت. وقاد غزوُ العراق وإسقاط حكم صدام حسين في سنة 2003 والتغيرات السياسية اللاحقة إلى التصديق على دستور جديد للعراق "الديمقراطي" الجديد في عام 2005. وحدد الدستور العراقي الجديد منطقة كردستان العراق ككيان اتحادي ضمن العراق، وجعل اللغة العربية واللغة الكردية لغتين رسميتين مشتركتين في العراق.
ويتمتع إقليم كردستان العراق بحكم ديمقراطي برلماني مع حكم برلمان إقليمي يتكون من 111 مقعد. والرئيس الحالي هو مسعود البرزاني، الذي انتخب في بداية عام 2005 وأعيد انتخابه في عام 2009، ويُتوقع أن يُنتخب مجددا ولكن هذه المرة رئيسا لدولة كردستان المستقلة التي يُنتظر أن يعلن قيامها بنفسه بعد أيام استنادا إلى نتائج الاستفتاء التي يجمع المتتبعون على أنها ستؤيد الاستقلال بنسبة تفوق 90 بالمائة، ولن تعارضه سوى أقليات عرقية في المناطق المتنازع عليها.
ويدين أغلب سكان كردستان بالإسلام، ولكن يوجد في المنطقة أقلياتٌ من المسيحيين الآشوريين والكلدانيين والسريان واليزيديين، المندائيين والشبك والدين الكاكي وأديان أخرى.
في غياب أيّ منافس قوي له
مسعود البارزاني.. أول رئيس لدولة كردستان؟
ولد مسعود بارزاني، أبرز مرشّح لتولّي رئاسة دولة كردستان المستقلة بعد ظهور نتائج استفتاء أمس الاثنين، في مدينة مهاباد الكردية بكردستان إيران في 16 أوت 1946، حيث كان والده مصطفى البارزاني قائد قوة "جمهورية كردستان" في مهاباد الذین دافعوا عنها واستمرت لمدة أقل من سنة حيث قضت إيران عليها بعد قطع الدعم السوفيتي للأكراد.
عند انهيار "جمهورية كردستان" في مهاباد، توجه مصطفى البارزاني، حسب موقع "حكومة إقليم كوردستان"، مع خمسمائة من رفاقه إلى روسيا في حين عاد ابنه مسعود البارزاني مع أفراد عائلته وآلاف من أبناء عشيرة بارزان إلى العراق فنفتهم الحكومة العراقية إلى جنوب العراق. وبعد انهيار النظام الملكي في العراق في 14 جويلية 1958 وعودة مصطفى البارزاني سمحت لهم الحكومة العراقية بالعودة إلى منطقة بارزان، وكان مسعود البارزاني يبلغ من العمر 12 عاما.
إثر عودته إلى منطقة بارزان كانت جميع القرى مهدمة، وبعد فترة قصيرة بدأ النظام العراقي حملة أخرى على الأكراد، فلجأ مصطفى البارزاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني في عام 1961 إلى التمرّد المسلح بحجة "حماية حقوق الشعب الكردي".
بدأ مسعود البارزاني دراسته باللغة العربية، وفي عام 1962 ترك الدراسة وهو في عمر السابعة عشرة والتحق بصفوف قوات "بيشمركة" كردستان.
وشارك مسعود البارزاني مع شقيقه إدريس البارزاني في وفد كردستان في المفاوضات التي جرت مع الحكومة العراقية في بغداد التي انبثق عنها اتفاقية منح الحكم الذاتي لكردستان في عام 1970.
بعد تراجع الحكومة العراقية عن تعهُّداتها واتفاقاتها، استأنف الأكراد تمرّدهم المسلح، وفي هذه المرة شارك مسعود البارزاني مع والده مصطفى في التمرّد حتى نكسة عام 1975.
بعد نكسة عام 1975 و"اتفاقية الجزائر" التي عقدها الرئيس هواري بومدين بالجزائر بين شاه إيران وصدام حسين، نائب الرئيس العراقي، التي أفضت إلى قطع شاه إيران دعمه لأكراد العراق، لجأ مسعود إلى إيران.
في الرابع من أفريل من عام 1975 وردا على "اتفاقية الجزائر" التي يعتبرها أكراد العراق "مشؤومة" عليهم، بدأ العمل السياسي وأعلن الحزب عن تشكيل القيادة المؤقتة كاستمرار للتمرّد، ودخلت مفارز البيشمركة إلى كردستان وكانت جميع التوجيهات التي تصدر عن مصطفى البارزاني تنفذ بشكل مباشر من قبل مسعود البارزاني.
بعد وفاة مصطفى البارزاني في مارس 1979 بمرض عضال في أمريكا، خلفه ولدُه مسعود واختير رئيسا للحزب الديمقراطي الكردستاني وإلى حد الآن اختير في ثلاثة مؤتمرات عامة رئيسا للحزب.
في 8/1/1979 تعرض مسعود لمحاولة اغتيال فاشلة، اتهم فيها نظام صدام، في مدينة فيينا عندما كان عائدا إلى كردستان.
له ثمانية أولاد. وهو معروف برغبته الشديدة في المطالعة والكتابة وقراءة المواضيع السياسية والعسكرية ومعروف أيضاً بولعه بالمطالعة ولعبة كرة القدم.
يتقن اللغة الكردية بجميع لهجاتها، بالإضافة إلى إتقانه العربية والفارسية والإنكليزية بصورة جيدة.
له مؤلف نشر باللغة العربية في أربعة أجزاء بعنوان (البارزاني والحركة التحررية الكردية).
يُعدّ من الشخصيات السياسية المعروفة منذ عقود في أوقات السلم والحرب في كردستان والعراق).
شارك في جميع المعارك المهمة التي دارت ضد الحكومات العراقية وقاد الجبهات وكان دائما في المواقع الأمامية.
عند مقتل شقيقه إدريس البارزاني في عام 1987 كان مسعود البارزاني في جبهات القتال بمنطقة بادينان لم يترك ساحة القتال بل اكتفى بإرسال برقية تعزية.
استلهم مسعود البارزاني أفكاره وتنظيراته من مسيرة مصطفى البارزاني والمجتمع الكردي، ملما بلغة العصر ويعرف كيف يتوافق مع النظام العالمي الجديد من دون التنازل عن تطلع الأكراد إلى الانفصال عن بغداد.
انتخب مسعود البارزاني يوم 12/6/2005 من قبل المجلس الوطني لكردستان العراق بالإجماع كأول رئيس منتخب لإقليم كردستان والأولى في تاريخ الأكراد باختيار رئيس الإقليم عن طريق الانتخابات، وأعيد انتخابه في 2009، ويُرجّح أن يُنتخب مجددا في الأيام القادمة، ولكن هذه المرة رئيسا لجمهورية كردستان المستقلة التي يُنتظر أن يعلن البرزاني بنفسه قيامَها فور ظهور نتائج استفتاء أمس الاثنين 25 سبتمبر 2017، ليحقق أكراد العراق أمنيتهم في الاستقلال، ولكن ما سيتبع الانفصال سيكون سلسلة من المتاعب وسط محيط معاد لن يتردد في غلق كل الحدود والمنافذ أمام الدولة العرقية الجديدة وضرب حصار اقتصادي خانق عليها لإجبارها على العودة إلى بغداد.