التّذكير بخطورةِ التّكفير
15-11-2008, 11:09 AM
التّذكير بخطورةِ التّكفير
ومِن هنا فهناك مسائلُ في هذا الدّين خطيرٌ أمرُها عظيمٌ شأنها دقيقٌ فهمُها، هي مزلّة أقدامٍ ومضلّة أفهام، ومِن أخطر هذه القضايا قضيّةٌ يتعثّر في ساحتِها مَن ليس بمحقِّقٍ فقيهٍ دقيق، ويتبلّد عندَ تشعُّب طرائقِها مَن ليس بعالِمٍ ربّانيّ ضليع. قضيّة غلا فيها أقوامٌ وفرّط في فهمِها آخرون. قضيةٌ لا يهتدِي إلى ما هو الصّواب فيها إلاّ من استنار بهديِ الوحيَين ونهَج منهجَ الصّحابة والتّابعين. قضيّةٌ أحكمَ علماء الإسلام المحقِّقون قواعدَها، وأرسَوا أقسامَها وشُعبَها، وأصّلوا أصولَها وضوابطَها، وبيّنوا شروطَها وموانعَها.
ذلكم هي قضيّة التّكفير والحكمِ به على آحادِ المسلمين أو مجتمعاتِهم.
نَعَم، إنّها قضيّة مهمّة ومسألةٌ عظيمة، لا يجوز لكلّ أحدٍ اقتحامُها ولا التنصُّب لها. ذلكم أنّ التّسارع في التكفِير والوقوعَ فيه أو الخلطَ في أحكامِه والكلامِ عنه بلا ضابطٍ قرآنيّ ولا فهمٍ محمديّ ولا إجماع من أهلِ الحلّ والعقد كلُّ ذلك ينجُم عنه شرور عُظمى وفتنٌ كبرى، فكم مِن فتنٍ وقعَت فيها الأمّة الإسلاميّة بسبَب اعتقادٍ خاطئ في تكفير المسلمين، وجرّاءَ الوقوع في هذه القضايا بدونِ إتقانِ العلماء المحقّقين والالتفاتِ للإجماع المستَبين.
ما كلُّ مَن طلب المعالي نافذًا فيها ولا كلّ الرّجال فحولًا إنّ التّسارعَ في التّكفير والوقوعَ فيه بدون القواعد التي قعّدها العلماء المحقِّقون، وبدون النّظر إلى الشّروط وانتفاءِ الموانع المرعيّة في النّصوص وفقَ فهمٍ لا تلابسه غمّة ولا تعتريه لُبسة، كلّ ذلك خطرٌ عظيم وشرّ مستبين، عانت الأمّة منه منذ عصرِ الصحابة-رضي الله عنهم-، عانَت منه رزايَا كبرى ومحنًا شتّى، فحينئذ حريٌّ بالمسلمين جميعًا أن يدرِكوا الضّررَ الذي يصيب الأمّةَ من التّسارع في تلك القضايا أو الكلام عليها من كلِّ أحدٍ، ممّا يفرِض على العلماء والدّعاةِ والمفتين والفقهاء السّعيَ في بيان الحقّ الذي يرضَى به ربّ العالمين ويتبيّن معه الحقّ من الباطل والصّوابُ من الخطأ.
ومِن هنا -أمّةَ الإسلام- فتجرُّؤ كلِّ أحدٍ على طَرقِ هذه القضيّة المهمّة تترتّب عليه عواقب وبِيلة ونتائجُ بشِعة في الدّنيا والآخرة.
يقول القرطبيّ رحمه الله: "وبابُ التّكفير بابٌ خطير أقدَم عليه كثير من النّاس فسقَطوا، وتوقّف فيه الفحولُ فسلِموا، ولا نعدِل بالسّلامة شيئًا".
حينئذٍ -عبادَ الله- وقفَت النّصوص الشرعيّة مِن هذه القضيّة موقفًا صارمًا ومنهجًا جازِمًا، كلّ ذلك دَرءًا للفِتن عن المسلمين ومنعًا لمكائِد الشّيطان اللّعين.
إنّ من أساليب النّصوص الشرعيّة في منع تكفيرِ المسلم بلا حجّةٍ من القرآن ولا فهمٍ من السنّة ما هو معلوم من دين الإسلامِ بالضرورة مِن وجوب صيانةِ عِرض المسلم واحترامه وتجنُّب القدحِ في دينهِ بأيّ قادحٍ إلاّ بدليل جليٍّ وبرهان نبويٍّ، فكيف إذا كان القدحُ بالتكفير لشبهةٍ عارضةٍ أو فهم غير سويٍّ؟! فذلك حينئذ جنايةٌ عظيمة وجراءةٌ واضحة، والله-جلّ وعلا-يقول: {وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَـٰبِ بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإِيمَانِ} [الحجرات:11]، قال جماعة من المفسرين: "هو قول الرّجل لأخيه المسلم: يا فاسق، يا كافر"، ونبيّنا-صلى الله عليه وسلم-يقول في الحديث الصّحيح: (سِباب المسلم فُسوق، وقِتاله كفر).
والشّريعة وهي التي تعتمِد على إقامةِ الحجّة وقطعِ المعذِرة لم تكتفِ نصوصُها بتلك التّوجيهات العامّة، بل جاءت الأدلّة الخاصّةُ في موضوعِها الصّريحةُ في توجيهاتها، كلُّها تحذِّر من التعجُّل في التكفير والتسارع في ذلك بلا تأصيل شرعيٍّ ولا منهج نبويّ، يقول-صلى الله عليه وسلم-: (من حَلف بملّة غير الإسلام كاذبًا فهو كما قال، ومن قتل نفسَه بشيء عُذِّب به في نار جهنّم، ولعنُ المؤمن كقتلِه، ومَن رمى مؤمنًا بكُفر فهو كقتلِه) رواه البخاري.
قال ابن عبد البرّ رحمه الله: "القرآن والسنّةُ ينهيَان عن تفسيقِ المسلم وتكفيرِه ببيانٍ لا إشكالَ فيه.. ـ إلى أن قال: ـ فالواجبُ في النّظر أن لا يكفَّر إلاّ من اتّفق الجميعُ على تكفيرِه، أو قامَ على تكفيره دليلٌ لا مدفعَ له من كتابٍ أو سنّة" انتهى.
لقد حذّر النبيّ-صلى الله عليه وسلم-أمّتَه من التّساهل في تكفير المسلمين أو التّهاون في الأحكام عليهم بذلك بما هو أعظمُ زاجر وأكبرُ واعظٍ، فيقول-صلى الله عليه وسلم-: (أيّما رجلٍ قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدُهما، إن كان كما قال وإلاّ رجعت عليه).
قال ابن حجر رحمه الله: "إنّ المقول له إن كان كافرًا كُفرًا شرعيًّا فقد صدَق القائل وذهب بها المقول له، وإن لم يكن كذلك رجعَت للقائل معرّةُ ذلك القول وإثمُه".
للشيخ: حسين بن عبد العزيز آل الشيخ -حفظه الله-
من مواضيعي
0 نقض ما افتراه المتشيّع صادق سلايمية الجزء 1
0 (نقض ما افتراه المتشيّع صادق سلايمية)
0 ما وأد عمر ابن الخطاب ابنته أبدا
0 المقامة السوناطراكية
0 المقامة الرمضانية (رائعه)
0 الرسائل على الهوتميل
0 (نقض ما افتراه المتشيّع صادق سلايمية)
0 ما وأد عمر ابن الخطاب ابنته أبدا
0 المقامة السوناطراكية
0 المقامة الرمضانية (رائعه)
0 الرسائل على الهوتميل







