البردة وما فيها من شركيات
08-11-2008, 03:27 PM
ما قاله الشيخ عبد الرحمن بن حسن في بردة البوصيري
وقال أيضا الشيخ: عبد الرحمن بن حسن، رحمه الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. اعلم: أن البردة التي تنسب للبوصيري، قد ضمنها أبياتا شركية، تنافي ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من توحيده. وقد افتتن بها كثير من الناس، وجعلوها أفضل من الأوراد النبوية التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعضهم اشتغل بها عن القرآن.
ومن المعلوم عند أهل السنة والجماعة: أن أبيات حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وكعب بن زهير وأمثالهم، أفضل منها لوجوه: منها: أنه على الوجه العربي. ومنها: أن اللغة سليقتهم. ومنها: أنه ليس فيها من الإطراء- الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم - شيء. ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعها واستحسنها، وهم صحابته. وهؤلاء عدلوا عنها إلى شعر المولدين، الذين جمعوا فيه الغث والسمين، وتصرفوا في الدين بآرائهم التي لم ينـزل الله بها سلطانا.
وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ} [سورة الجن آية : 21-22]، وقال: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا
وقال أيضا الشيخ: عبد الرحمن بن حسن، رحمه الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. اعلم: أن البردة التي تنسب للبوصيري، قد ضمنها أبياتا شركية، تنافي ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من توحيده. وقد افتتن بها كثير من الناس، وجعلوها أفضل من الأوراد النبوية التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعضهم اشتغل بها عن القرآن.
ومن المعلوم عند أهل السنة والجماعة: أن أبيات حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وكعب بن زهير وأمثالهم، أفضل منها لوجوه: منها: أنه على الوجه العربي. ومنها: أن اللغة سليقتهم. ومنها: أنه ليس فيها من الإطراء- الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم - شيء. ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعها واستحسنها، وهم صحابته. وهؤلاء عدلوا عنها إلى شعر المولدين، الذين جمعوا فيه الغث والسمين، وتصرفوا في الدين بآرائهم التي لم ينـزل الله بها سلطانا.
وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ} [سورة الجن آية : 21-22]، وقال: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا
ص -215- شَاءَ اللَّهُ} [سورة الأعراف آية : 188].
وقال تعالى: {أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ} [سورة الأنعام آية : 19] الآية، وقال: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً} [سورة آل عمران آية : 80] الآية. فهذا ما أمر الله نبيه أن يبلغه الأمة ليؤمنوا به، ويعرفوا لربهم حقه من إخلاص العبادة له وحده؛ وتبرأ من شرك المشركين في هذه الآيات، ونحوها فأبى الظالمون إلا كفورا.
ولما نزل عليه صلى الله عليه وسلم: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [سورة الشعراء آية : 214]، "صعد الصفا، وقال: "يا معشر قريش"، أو كلمة نحوها، "اشتروا أنفسكم. لا أغني عنكم من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أغني عنك من الله شيئا. ويا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئا"" 1.
فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا ينجي المرء من عذاب الله، إلا الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من توحيده، وطاعته، وترك ما نهاهم عنه من الشرك بالله، في الأقوال، والأعمال الباطنة والظاهرة.
والقرآن كله يدل على ذلك، قال تعالى: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا} [سورة غافر آية : 12] الآية؛ فقصر الدعاء على نفسه، كسائر أنواع
-----------------------
1 البخاري : الوصايا (2753) , ومسلم : الإيمان (204 ,206) , والنسائي : الوصايا (3644 ,3646 ,3647) , وأحمد (2/333 ,2/360 ,2/519) , والدارمي : الرقاق (2732).
وقال تعالى: {أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ} [سورة الأنعام آية : 19] الآية، وقال: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً} [سورة آل عمران آية : 80] الآية. فهذا ما أمر الله نبيه أن يبلغه الأمة ليؤمنوا به، ويعرفوا لربهم حقه من إخلاص العبادة له وحده؛ وتبرأ من شرك المشركين في هذه الآيات، ونحوها فأبى الظالمون إلا كفورا.
ولما نزل عليه صلى الله عليه وسلم: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [سورة الشعراء آية : 214]، "صعد الصفا، وقال: "يا معشر قريش"، أو كلمة نحوها، "اشتروا أنفسكم. لا أغني عنكم من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أغني عنك من الله شيئا. ويا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئا"" 1.
فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا ينجي المرء من عذاب الله، إلا الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من توحيده، وطاعته، وترك ما نهاهم عنه من الشرك بالله، في الأقوال، والأعمال الباطنة والظاهرة.
والقرآن كله يدل على ذلك، قال تعالى: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا} [سورة غافر آية : 12] الآية؛ فقصر الدعاء على نفسه، كسائر أنواع
-----------------------
1 البخاري : الوصايا (2753) , ومسلم : الإيمان (204 ,206) , والنسائي : الوصايا (3644 ,3646 ,3647) , وأحمد (2/333 ,2/360 ,2/519) , والدارمي : الرقاق (2732).
ص -216- العبادة، بقوله: (وحده) ومن لم يقصره عليه فهو مشرك، كما في هذه الآية ونظائرها، كقوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [سورة الجن آية : 18]، وقوله: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ} [سورة الأنعام آية : 71] الآية.
والقرآن كله يقرر التوحيد، وينهى عن الغلو والشرك، وكذلك السنة؛ وقد أنكر الله على المشركين اتخاذ الشفعاء والوسائط، في طلب ما ينفع وما يدفع.
إذا عرفت ذلك، فإن هذه المنظومة حصل فيها أبيات، كثيرها مما اختلقه المتأخرون، من الوقوع فيما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغلو والشرك، لجهلهم بمعنى الله، ومعنى لا إله إلا الله، فلم يعرفوا الإله الذي نهوا عن عبادته، ولا عرفوا العبادة التي من قصد بها صار إلها. فالجهل بالتوحيد، أوقعهم فيما وقعوا فيه، من هذا الشرك العظيم، فلذلك قبلوه، واستحسنوه، نعوذ بالله من زيغ القلوب؛ فلم يعرفوا من التوحيد، إلا ما أقر به المشركون من قريش، وأهل الجاهلية وغيرهم، من أن الله رب كل شيء، ومليكه وخالقه. ولم يعرفوا أنه المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له، ولا عرفوا الشرك الذي هو تنْزيل المخلوق منْزله الخالق فيما يختص به، أو يجعله شريكا في خصائص الإلهية، التي
والقرآن كله يقرر التوحيد، وينهى عن الغلو والشرك، وكذلك السنة؛ وقد أنكر الله على المشركين اتخاذ الشفعاء والوسائط، في طلب ما ينفع وما يدفع.
إذا عرفت ذلك، فإن هذه المنظومة حصل فيها أبيات، كثيرها مما اختلقه المتأخرون، من الوقوع فيما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغلو والشرك، لجهلهم بمعنى الله، ومعنى لا إله إلا الله، فلم يعرفوا الإله الذي نهوا عن عبادته، ولا عرفوا العبادة التي من قصد بها صار إلها. فالجهل بالتوحيد، أوقعهم فيما وقعوا فيه، من هذا الشرك العظيم، فلذلك قبلوه، واستحسنوه، نعوذ بالله من زيغ القلوب؛ فلم يعرفوا من التوحيد، إلا ما أقر به المشركون من قريش، وأهل الجاهلية وغيرهم، من أن الله رب كل شيء، ومليكه وخالقه. ولم يعرفوا أنه المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له، ولا عرفوا الشرك الذي هو تنْزيل المخلوق منْزله الخالق فيما يختص به، أو يجعله شريكا في خصائص الإلهية، التي
ص -217- هي أبين شيء في القرآن وأوضحه.
فعمت البلوى بهذا الشرك، وأطلقوا عنان الغلو في الأموات والغائبين، وأنزلوهم منْزلة رب العالمين في الرغبات والرهبات والدعوات، التي لا يصلح منها شيء لغير الله. فمما وقع فيه هؤلاء من الغلو والشرك العظيم، ما ذكره صاحب هذه المنظومة، بقوله:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
فعظم النبي صلى الله عليه وسلم بما يسخطه ويحزنه؛ فقد اشتد نكيره صلى الله عليه وسلم عما هو دون ذلك، كما لا يخفى على من له بصيرة في دينه؛ فقصر هذا الشاعر لياذه على المخلوق دون الخالق، الذي لا يستحقه سواه؛ فإن اللياذ عبادة كالعياذ.
وقد ذكر الله عن مؤمني الجن أنهم أنكروا استعاذة الإنس بهم، بقوله: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [سورة الجن آية : 6] أي: طغيانا. واللياذ يكون لطلب الخير، والعياذ لدفع الشر؛ فهما سواء في الطلب والهرب، كما قال العلامة ابن القيم:
وبك المعاذ ولا ملاذ سواك أنـ ت غيــاث كل ملدد لهفان
وقد ذكر هذا المعنى ابن كثير في تفسيره، وابن جرير وغيرهما ; فهذا الشاعر أتى بما ينافي الآيات المحكمات،
فعمت البلوى بهذا الشرك، وأطلقوا عنان الغلو في الأموات والغائبين، وأنزلوهم منْزلة رب العالمين في الرغبات والرهبات والدعوات، التي لا يصلح منها شيء لغير الله. فمما وقع فيه هؤلاء من الغلو والشرك العظيم، ما ذكره صاحب هذه المنظومة، بقوله:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
فعظم النبي صلى الله عليه وسلم بما يسخطه ويحزنه؛ فقد اشتد نكيره صلى الله عليه وسلم عما هو دون ذلك، كما لا يخفى على من له بصيرة في دينه؛ فقصر هذا الشاعر لياذه على المخلوق دون الخالق، الذي لا يستحقه سواه؛ فإن اللياذ عبادة كالعياذ.
وقد ذكر الله عن مؤمني الجن أنهم أنكروا استعاذة الإنس بهم، بقوله: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [سورة الجن آية : 6] أي: طغيانا. واللياذ يكون لطلب الخير، والعياذ لدفع الشر؛ فهما سواء في الطلب والهرب، كما قال العلامة ابن القيم:
وبك المعاذ ولا ملاذ سواك أنـ ت غيــاث كل ملدد لهفان
وقد ذكر هذا المعنى ابن كثير في تفسيره، وابن جرير وغيرهما ; فهذا الشاعر أتى بما ينافي الآيات المحكمات،
ص -218- وبالغ في الغلو، وارتكب ما اشتد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه في أحاديث كثيرة؛ لكن لما اشتدت غربة الإسلام، وقع من الغلو أضعاف ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، في رده على ابن البكري: أنه لما قدم مصر، وجد بها ممن غلا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتكب ما نهى عنه أمته من الغلو، ومن جملة من ذكر منهم: صاحب البردة، ذكر له أبياتا:
وهذا كلام شيخ الإسلام في تعظيم ما قاله من الغلو، فقال: ومن هؤلاء من يقول أسقط الربوبية، وقل في الرسول ما شئت، ويقول:
دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
فإن فضل رسول الله ليس له حد فيعرب عنه ناطق بفم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
لو ناسبت قدره آياته عظما أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم
ومنهم من يقول: نحن نعبد الله ورسوله، فيجعلون الرسول معبودا، ومنهم من يأتي إلى قبر الميت، الرجل أو المرأة الذي يحسن به الظن، فيقول اغفر لي وارحمني، ولا توقفني على زلة، ونحو هذا الكلام. وأمثال هذه الأمور التي يتخذ منها المخلوق إلها، وهذا وأمثاله وقع ونحن بمصر، انتهى.
فهذا ما ذكره شيخ الإسلام، عن صاحب هذه
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، في رده على ابن البكري: أنه لما قدم مصر، وجد بها ممن غلا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتكب ما نهى عنه أمته من الغلو، ومن جملة من ذكر منهم: صاحب البردة، ذكر له أبياتا:
وهذا كلام شيخ الإسلام في تعظيم ما قاله من الغلو، فقال: ومن هؤلاء من يقول أسقط الربوبية، وقل في الرسول ما شئت، ويقول:
دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
فإن فضل رسول الله ليس له حد فيعرب عنه ناطق بفم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
لو ناسبت قدره آياته عظما أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم
ومنهم من يقول: نحن نعبد الله ورسوله، فيجعلون الرسول معبودا، ومنهم من يأتي إلى قبر الميت، الرجل أو المرأة الذي يحسن به الظن، فيقول اغفر لي وارحمني، ولا توقفني على زلة، ونحو هذا الكلام. وأمثال هذه الأمور التي يتخذ منها المخلوق إلها، وهذا وأمثاله وقع ونحن بمصر، انتهى.
فهذا ما ذكره شيخ الإسلام، عن صاحب هذه
ص -219- المنظومة وغيره، من الغلو العظيم. ومن المعلوم: أن أنواع الغلو كثيرة، والشرك بحر لا ساحل له، ولا ينحصر في قول النصارى، لأن الأمم أشركوا قبلهم بعبادة الأوثان، وأهل الجاهلية كذلك.
وليس فيهم من قال في إلهه ما قالت النصارى في المسيح غالبا: إنه الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة؛ بل كلهم معترفون أن آلهتهم ملك لله، لكن عبدوها معه، لاعتقاد أنها تشفع لهم أو تنفعهم. فيحتج الجهلة المفتونون بهذه الأبيات، هو أن قوله - في منظومته- دع ما ادعته النصارى في نبيهم، مخلص من الغلو بهذا البيت؛ وهو قد فتح ببيته هذا باب الغلو والشرك، لاعتقاده بجهله أن الغلو مقصور على هذه الأقوال الثلاثة، وأن من لم يقل في النبي واحدا منها، فإنه قد وفاه حقه بكل قول يقوله بلا حد.
وقد عرفت أن أنواع الغلو الذي فعله المشركون مع معبوديهم لا تنحصر؛ فإذا أنزل المخلوق منْزلة الخالق في شيء من خصائص الإلهية، فقد غلا فيه وأشرك. وكان أهل الجاهلية يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما هلك.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله ذكر هذه العبارة عنه، لبيان أنه أفرط في الغلو غاية الإفراط، وهو كذلك،
وليس فيهم من قال في إلهه ما قالت النصارى في المسيح غالبا: إنه الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة؛ بل كلهم معترفون أن آلهتهم ملك لله، لكن عبدوها معه، لاعتقاد أنها تشفع لهم أو تنفعهم. فيحتج الجهلة المفتونون بهذه الأبيات، هو أن قوله - في منظومته- دع ما ادعته النصارى في نبيهم، مخلص من الغلو بهذا البيت؛ وهو قد فتح ببيته هذا باب الغلو والشرك، لاعتقاده بجهله أن الغلو مقصور على هذه الأقوال الثلاثة، وأن من لم يقل في النبي واحدا منها، فإنه قد وفاه حقه بكل قول يقوله بلا حد.
وقد عرفت أن أنواع الغلو الذي فعله المشركون مع معبوديهم لا تنحصر؛ فإذا أنزل المخلوق منْزلة الخالق في شيء من خصائص الإلهية، فقد غلا فيه وأشرك. وكان أهل الجاهلية يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما هلك.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله ذكر هذه العبارة عنه، لبيان أنه أفرط في الغلو غاية الإفراط، وهو كذلك،
ص -220- وبلغ فيه حدا لا نهاية له، تشنيعا منه رحمه الله على جنس المشركين في زمانه؛ وقيل يبين ذلك الأبيات بعد هذا البيت.
فتأمل ما فيها من المجازفة العظيمة التي لا يحبها الله ولا رسوله؛ بل أنكر على من مدحه بما هو أقل من هذا بمراتب، ولما قال له رجل: أنت سيدنا وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا، قال: "قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان، ما أحب أن ترفعوني فوق منْزلتي التي أنزلني الله عز وجل" صلاة الله وسلامه عليه، فقد جرد خصائص الربوبية لربه تعالى، التي لا يستحقها سواه.
والقرآن من أوله إلى آخره، يبين أن الشرك تشبيه المخلوق بالخالق في العبادة، على أي وجه كان، كما قال تعالى عن المشركين: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الشعراء آية : 97-98]، وقال تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [سورة النحل آية : 51] ؛ فقصر الرهبة عليه، كما قصر الرغبة في قوله تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} [سورة الأنبياء آية : 90]، وقوله: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [سورة الشرح آية : 8] ؛ وكل ما أدى إلى صرف العبادة لغير الله، فهو غلو كما جرى من قوم نوح، وغيرهم.
فتأمل ما فيها من المجازفة العظيمة التي لا يحبها الله ولا رسوله؛ بل أنكر على من مدحه بما هو أقل من هذا بمراتب، ولما قال له رجل: أنت سيدنا وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا، قال: "قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان، ما أحب أن ترفعوني فوق منْزلتي التي أنزلني الله عز وجل" صلاة الله وسلامه عليه، فقد جرد خصائص الربوبية لربه تعالى، التي لا يستحقها سواه.
والقرآن من أوله إلى آخره، يبين أن الشرك تشبيه المخلوق بالخالق في العبادة، على أي وجه كان، كما قال تعالى عن المشركين: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الشعراء آية : 97-98]، وقال تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [سورة النحل آية : 51] ؛ فقصر الرهبة عليه، كما قصر الرغبة في قوله تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} [سورة الأنبياء آية : 90]، وقوله: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [سورة الشرح آية : 8] ؛ وكل ما أدى إلى صرف العبادة لغير الله، فهو غلو كما جرى من قوم نوح، وغيرهم.
ص -221- [ من أعظم الغلو ما قاله صاحب البردة: إن لم تكن في معادي آخذا بيدي]
ومن أعظم الغلو: ما ذكره صاحب البردة، بقوله:
إن لم تكن في معادي آخذا بيدي فضلا وإلا فقل يا زلة القدم
فلم يقصد في طلب النجاة إلا المخلوق، دون خالقه الذي له ملك السماوات والأرض، كما قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [سورة النساء آية : 134]، وقال: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [سورة غافر آية : 15] إلى قوله: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [سورة يوسف آية : 39] ؛ فلم يطلب صاحب الأبيات النجاة من الذي له الملك كله، يأذن بالشفاعة لأهل التوحيد خاصة، ويمنعها ممن طلبها من غيره؛ وهذا ينافي ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من توحيد الله تعالى بالعبادة، الذي اتفقت عليه دعوة الأنبياء والمرسلين، كما قال تعالى عن المسيح ابن مريم: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [سورة المائدة آية : 117]، وقال تعالى لنبيه: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [سورة الشرح آية : 8] فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرغب إليه وحده، وهذا رغب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ومن المعلوم أن الرغبة إلى غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، من ميت، أو غائب، وغيرهما، شرك عظيم.
ومن ذلك قوله:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
ومن أعظم الغلو: ما ذكره صاحب البردة، بقوله:
إن لم تكن في معادي آخذا بيدي فضلا وإلا فقل يا زلة القدم
فلم يقصد في طلب النجاة إلا المخلوق، دون خالقه الذي له ملك السماوات والأرض، كما قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [سورة النساء آية : 134]، وقال: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [سورة غافر آية : 15] إلى قوله: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [سورة يوسف آية : 39] ؛ فلم يطلب صاحب الأبيات النجاة من الذي له الملك كله، يأذن بالشفاعة لأهل التوحيد خاصة، ويمنعها ممن طلبها من غيره؛ وهذا ينافي ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من توحيد الله تعالى بالعبادة، الذي اتفقت عليه دعوة الأنبياء والمرسلين، كما قال تعالى عن المسيح ابن مريم: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [سورة المائدة آية : 117]، وقال تعالى لنبيه: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [سورة الشرح آية : 8] فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرغب إليه وحده، وهذا رغب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ومن المعلوم أن الرغبة إلى غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، من ميت، أو غائب، وغيرهما، شرك عظيم.
ومن ذلك قوله:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
ص -222- وهذا ينافي قول الله تعالى: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} [سورة طه آية : 6]. فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود المخلوق، فما أبقى هذا الشاعر للخالق ما يجود به؛ بل جعلها كلها لعبده، وهي لله وحده، وقد قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} [سورة سبأ آية : 22] إلى قوله: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سورة سبأ آية : 23] ؛ فأخبر أنه صلى الله عليه وسلم لم يبق لمخلوق في ملك السماوات والأرض مثقال ذرة، ولا له شركة أصلا في هذا المقدار.
وهذا الشاعر: جعل ملك السماوات والأرض لغير الله، دون الله تعالى؛ فما أبعد هذا الضلال، وما أعظم هذا المحال! ناقض الآيات المحكمات، وأتى بعكس المطلوب منها والمراد، فلم يترك لله شيئا من ملكه الذي اختص به، من أمر الدنيا والآخرة، قال تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ} [سورة فاطر آية : 13-14] الآية.
وقوله: ومن علومك علم اللوح والقلم. فصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن
وهذا الشاعر: جعل ملك السماوات والأرض لغير الله، دون الله تعالى؛ فما أبعد هذا الضلال، وما أعظم هذا المحال! ناقض الآيات المحكمات، وأتى بعكس المطلوب منها والمراد، فلم يترك لله شيئا من ملكه الذي اختص به، من أمر الدنيا والآخرة، قال تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ} [سورة فاطر آية : 13-14] الآية.
وقوله: ومن علومك علم اللوح والقلم. فصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن
ص -223- إلى يوم القيامة" قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة، يكتب آثارهم، وأعمالهم، وأرزاقهم، وآجالهم وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله.
وقد قال تعالى: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [سورة الأنعام آية : 50]، {وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ} [سورة هود آية : 31] رد لقوله: فإن من جودك الدنيا وضرتها، وقولـه: {وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [سورة الأنعام آية : 50] رد لقوله: ومن علومك علم اللوح والقلم. وقال تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}[ سورة النمل آية : 65]، وقال: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}[ سورة الأعراف آية : 188]، وقال: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [سورة الأنعام آية : 59] إلى قوله: {إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سورة الأنعام آية : 59].
ومما تشهد به العقول والفطر، والآيات والأحاديث والآثار أن ذلك لا يعلمه إلا الله، قال تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} [سورة هود آية : 123] فهذه الآية تبطل جميع هذا الغلو المذكور في هذه الأبيات.
وقال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً
وقد قال تعالى: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [سورة الأنعام آية : 50]، {وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ} [سورة هود آية : 31] رد لقوله: فإن من جودك الدنيا وضرتها، وقولـه: {وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [سورة الأنعام آية : 50] رد لقوله: ومن علومك علم اللوح والقلم. وقال تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}[ سورة النمل آية : 65]، وقال: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}[ سورة الأعراف آية : 188]، وقال: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [سورة الأنعام آية : 59] إلى قوله: {إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سورة الأنعام آية : 59].
ومما تشهد به العقول والفطر، والآيات والأحاديث والآثار أن ذلك لا يعلمه إلا الله، قال تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} [سورة هود آية : 123] فهذه الآية تبطل جميع هذا الغلو المذكور في هذه الأبيات.
وقال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً
ص -224- إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [سورة الجن آية : 26-27] ؛ قال ابن عباس في الآية: فأعلم الله سبحانه وتعالى الرسل من الغيب الوحي، أظهرهم عليه، بما أوحى إليهم من غيبه، وبما يحكم الله عز وجل؛ فإنه لا يعلم ذلك غيره. وروى معمر عن قتادة {إلا من ارتضى من رسول} فإنه يظهره من الغيب على ما يشاء، فارتضاه.
وقال تعالى {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [سورة يونس آية : 61] الآية؛ وهذا كله لله، وهو المختص به.
وأخبر أنه أطلع أنبياءه ورسله على ما شاء، فيما أوحاه إليهم من الغيب، كما قال: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}[ سورة البقرة آية : 255]. والقرار كله من غيبه، كما قال ابن زيد: وقد أطلع الله نبيه على كثير مما يحدث في أمته، وعلى ما يقع يوم القيامة، ليجب الإيمان به صلى الله عليه وسلم وعلى أمته، ويقرر البعث، والنشور على الأعمال والجنة والنار لوجوب العلم بذلك، وهو في القرآن أيضا.
وأما الإحاطة بالغيب كله، وعلم ما كان وما يكون في الدنيا والآخرة، فلا يعلم ذلك كله إلا الله، كما دلت عليه هذه الآيات؛ وأمثالها في القرآن كثير
ص -225- قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، في معنى هذه الآية: يبين أنهم لا يعلمون من علمه إلا ما علمهم إياه، كما قالت الملائكة: {لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [سورة البقرة آية : 32] ؛ فكان في هذا النفي إثبات أنه عالم، وأن عباده لا يعلمون إلا ما علمهم إياه، فأثبت أنه الذي يعلم، لا ينالون العلم إلا منه؛ فإنه الذي خلق الإنسان من علق، وعلم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، انتهى.
وما ذكرنا يبين أن صاحب البردة أفرط في الغلو غاية الإفراط، وخرج عما يحبه الله ورسوله، إلى ما حرمه الله ورسوله، ويدل على شدة إعراض هؤلاء الغلاة عن القرآن والإيمان به، ومخالفة الآيات التي دلت على أن العبادة لا يصلح منها شيء لملك مقرب، ولا نبي مرسل، وأن الله هو الذي يتصرف في خلقه، بمشيئته، وإرادته، وحكمته وعلمه.
وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في حق عمه أبي طالب، لما مات على دين أبيه عبد المطلب: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [سورة القصص آية : 56]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل أحد الجنة بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته"1.
-----------------------
1 البخاري : المرضى (5673) , ومسلم : صفة القيامة والجنة والنار (2816) , وأحمد (2/256 ,2/264 ,2/326 ,2/385 ,2/390 ,2/469 ,2/473 ,2/524).
وقال تعالى {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [سورة يونس آية : 61] الآية؛ وهذا كله لله، وهو المختص به.
وأخبر أنه أطلع أنبياءه ورسله على ما شاء، فيما أوحاه إليهم من الغيب، كما قال: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}[ سورة البقرة آية : 255]. والقرار كله من غيبه، كما قال ابن زيد: وقد أطلع الله نبيه على كثير مما يحدث في أمته، وعلى ما يقع يوم القيامة، ليجب الإيمان به صلى الله عليه وسلم وعلى أمته، ويقرر البعث، والنشور على الأعمال والجنة والنار لوجوب العلم بذلك، وهو في القرآن أيضا.
وأما الإحاطة بالغيب كله، وعلم ما كان وما يكون في الدنيا والآخرة، فلا يعلم ذلك كله إلا الله، كما دلت عليه هذه الآيات؛ وأمثالها في القرآن كثير
ص -225- قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، في معنى هذه الآية: يبين أنهم لا يعلمون من علمه إلا ما علمهم إياه، كما قالت الملائكة: {لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [سورة البقرة آية : 32] ؛ فكان في هذا النفي إثبات أنه عالم، وأن عباده لا يعلمون إلا ما علمهم إياه، فأثبت أنه الذي يعلم، لا ينالون العلم إلا منه؛ فإنه الذي خلق الإنسان من علق، وعلم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، انتهى.
وما ذكرنا يبين أن صاحب البردة أفرط في الغلو غاية الإفراط، وخرج عما يحبه الله ورسوله، إلى ما حرمه الله ورسوله، ويدل على شدة إعراض هؤلاء الغلاة عن القرآن والإيمان به، ومخالفة الآيات التي دلت على أن العبادة لا يصلح منها شيء لملك مقرب، ولا نبي مرسل، وأن الله هو الذي يتصرف في خلقه، بمشيئته، وإرادته، وحكمته وعلمه.
وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في حق عمه أبي طالب، لما مات على دين أبيه عبد المطلب: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [سورة القصص آية : 56]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل أحد الجنة بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته"1.
-----------------------
1 البخاري : المرضى (5673) , ومسلم : صفة القيامة والجنة والنار (2816) , وأحمد (2/256 ,2/264 ,2/326 ,2/385 ,2/390 ,2/469 ,2/473 ,2/524).
ص -226- ولما دعا صلى الله عليه وسلم على كفار قريش، لشدة عداوتهم له ولأصحابه، أنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [سورة آل عمران آية : 128]. وأهل الجاهلية أقروا له بالربوبية، وأنه المدبر لجميع الأمور، الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وأما مشركو هذه الأمة، فجعلوا له شريكا في ربوبيته؛ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
وممن غلا في الدين في وقت شيخ الإسلام: القاضي السبكي، لكنه لم يبلغ ما ذكر شيخ الإسلام عن الغلاة الذين وجدهم بمصر وقد رد عليه الحافظ محمد بن عبد الهادي، في مجلد كبير، سماه "الصارم المنكي في الرد على السبكي"؛ فمن قوله المردود: أن المبالغة في تعظيمه، أي: الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة.
فأجابه الحافظ محمد بن عبد الهادي، بقوله: إن أريد بها المبالغة بحسب ما يراه كل أحد تعظيما، حتى الحج إلى قبره والسجود له والطواف به، واعتقاد أنه يعلم الغيب، وأنه يعطي ويمنع، ويملك لمن استغاث به من دون الله الضر والنفع، وأنه يقضي حوائج السائلين، ويفرج كربات المكروبين، وأنه يشفع فيمن يشاء، ويدخل الجنة من يشاء، فدعوى المبالغة في هذا التعظيم مبالغة في الشرك،
وممن غلا في الدين في وقت شيخ الإسلام: القاضي السبكي، لكنه لم يبلغ ما ذكر شيخ الإسلام عن الغلاة الذين وجدهم بمصر وقد رد عليه الحافظ محمد بن عبد الهادي، في مجلد كبير، سماه "الصارم المنكي في الرد على السبكي"؛ فمن قوله المردود: أن المبالغة في تعظيمه، أي: الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة.
فأجابه الحافظ محمد بن عبد الهادي، بقوله: إن أريد بها المبالغة بحسب ما يراه كل أحد تعظيما، حتى الحج إلى قبره والسجود له والطواف به، واعتقاد أنه يعلم الغيب، وأنه يعطي ويمنع، ويملك لمن استغاث به من دون الله الضر والنفع، وأنه يقضي حوائج السائلين، ويفرج كربات المكروبين، وأنه يشفع فيمن يشاء، ويدخل الجنة من يشاء، فدعوى المبالغة في هذا التعظيم مبالغة في الشرك،
ص -227- وانسلاخ من جملة الدين. قلت: ومن المعلوم أن الأخذ بعموم كلام السبكي، من الغلو الذي لا يحبه الله ولا يرضاه. وأما ما أعطى الله نبيه صلى الله عليه وسلم من الخصائص إكراما له، وزيادة في فضله، فهي كثيرة، كما قال تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [سورة الإسراء آية : 79]، وهو مقام الشفاعة، كما عليه أكثر المفسرين. وأحاديث الشفاعة معروفة لا مطمع فيها لأهل الغلو، ولا أهل الإشراك ; بل هي مختصة بأهل الإخلاص من أمته صلى الله عليه وسلم، وهم في القرون المفضلة لا يحصيهم إلا الله، ومن كان على التوحيد والسنة ممن بعدهم.
جعلنا الله وإخواننا المسلمين، ممن تناله شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ووفقنا للإخلاص لله، وإنكار الشرك والغلو الذي نهى عنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهو الذي عرفنا بالله، ودعانا إلى توحيده، وأن لا نتخذ معبودا سواه، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. قال تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [سورة غافر آية : 14]، وقال: {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة غافر آية : 65].
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا انفتل من صلاة الفريضة، يقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك
جعلنا الله وإخواننا المسلمين، ممن تناله شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ووفقنا للإخلاص لله، وإنكار الشرك والغلو الذي نهى عنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهو الذي عرفنا بالله، ودعانا إلى توحيده، وأن لا نتخذ معبودا سواه، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. قال تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [سورة غافر آية : 14]، وقال: {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة غافر آية : 65].
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا انفتل من صلاة الفريضة، يقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك
ص -228- له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون". فالإخلاص هو حق الله، الذي بعث به رسله، ودعا أمته إليه، وهو في الآيات المحكمات، أكثر من أن يحصر، طلبا وخبرا، وصلى الله على محمد، وآله وصحبه وسلم
من مواضيعي
0 السلام عليكم
0 نصيحة إلى أبناء الجزائر: بيان من مشايخ الإصلاح
0 قصة حقيقة مؤثرة/قصة الأخ سليم مع أمه .
0 منبر خاص بالبطاقات الدعوية وصنع التواقيع
0 حتى لا نخرّب أوطاننا بأيدينا/ خطبة جمعة للأخينا الفاضل خالد حمودة -حفظه الله-
0 العِزّة فى الانتساب إلى السلف الصالح
0 نصيحة إلى أبناء الجزائر: بيان من مشايخ الإصلاح
0 قصة حقيقة مؤثرة/قصة الأخ سليم مع أمه .
0 منبر خاص بالبطاقات الدعوية وصنع التواقيع
0 حتى لا نخرّب أوطاننا بأيدينا/ خطبة جمعة للأخينا الفاضل خالد حمودة -حفظه الله-
0 العِزّة فى الانتساب إلى السلف الصالح







