قراءة في رواية "مابيننا"للروائي الجزائري محمد بلقاسم شايب
18-12-2008, 11:55 AM
§ قــــــــــــــــــــراء في رواية "ما بيننا " للروائي والكاتب الجزائريــ، محمد بلقاسم الشايب:
§ بقلم: حفيظة طعام
§ الجزائـــــــــــــــــــــــــــــــــر
§ *أن تكتب عملا إبداعيا ،يعني انك تخلق واقعا جديدا بجغرافيته ، وأناسه ،وعاداته وتقاليده...وعلاقاته ،بمعنى آخر أن تخلق عالما جديدا تتحكم في أطره وتسوق معك المتلقي ليتابع رحلة هذا الخلق الجديد ليخرج في الأخير بموقف محدد اتجاه هذا العمل.
§ ولكي تتم عملية الخلق على المبدع أن يمتلك الر غبة التي يكتب بها والخيال الواسع الذي يطير بالمتلقي نحو عوالم مختلفة .
§ يرحل بنا الروائي بلقاسم الشايب من خلال روايته "ما بيننا" عن منشورات الاختلاف الطبعة الأولى 2005/ 2006 نحو عالم شاسع يتنقل فيه بخطى متأنية من العام إلى الخاص .والبداية كانت بالعنوان الذي يجذب القارئ من البداية ويدعوه إلى اكتشاف المابين أو ما بين القوسين لمعرفة كنه الحكاية .
§ فالرواية تصور علاقة حب بين طرفين رجل /امرأة عمار وجويدة وكيف أن كل الذي كان بينهما آل بفعل الزمن والظروف نحو الزوال ويتجرع عمار ذكريات هذه العلاقة التي أثقلت كاهله. وتتفرع أحداث هذه العلاقة الكبرى الى أحداث صغرى بسردها البطل في أزمنة وأمكنة مختلفة منتقلا بطريقة فنية جميلة بينها دون أن يوشوش مسار القراءة عند القارئ.
§ وما يميز الرواية أنها مكتوبة بضمير المتكلم على لسان البطل *الراوي* الذي يعي شخصيته ويحللها وينفذ إلى أغوار نفسه ، ويستبطنها ليقدم ذاته من الداخل والخارج ،عبر تقنيات السرد والمونولوج والاعتراف وما تمتاز الرواية أيضا هو لغتها لحد القول أنها رواية لغة.رواية شعرية حاملة لمروءة البطل وتخيلاته و أحلامه، و المعبرة عن شخصيته و نزواته و أهوائه.
§ فالبطل يصور نفسه و يسرد ذكرياته مع حبيبه و يخطط للقاء خطير معها تشويه مخاوف عدّة ، فهو شخص مغامر حياته حافلة بثغرات كثيرة و فواصل و فواجع في مجتمع متأزم و واقع يعاني فيه الزيف و الملل فنحن الأحلام لم تعد تنفع.
§ نقد ظلّ يعاني الفقد و الوحدة و الوحشة بافتقاده المابين (الحب).
§ "لا أعرف سوى أنّ حواسي امتلأت منك منذ رحيلك "ص23
§ تنفتح الرواية بمقطع وصفي يقول فيه الكاتب :
§ "أصل الآن متأخرا عن موعدي ككل مرة ....
§ تزامن ذلك مع وصول المواكب الأولى للاصطياف ....
§ أصل محملا بتلك التساؤلات المستديمة .التي أواجه بها وجودي ...
§ مطامحي وتردد..................الخ"ص9
من خلال هذا المقطع تتلخص غاية المابين ويتجلى للقارئ عنوان الرواية بين ثناياه وان ما بيننا إيحاء لوجود علاقة حميمة بين طرفين .ويبرز صوت البطل الراوي وهو يتحدث واصفا حاله قبل لقاء لا يدري القارئ أن كان سيتحقق أم لا ،لان العلاقة بدت مرتبكة من خلال ما يرويه .وفي الصفحة العاشرة من الرواية يذكر اسم المرأة الطرف الثاني في العلاقة "جويدة" ، والاسم علامة على الشخصية .
وتتطور أحداث الرواية ويتنقل بنا الكاتب إلى وصف المكان "مدينة بوحنيفية" من خلالها صور وجه المدينة وابرز تناقضاتها وكيف أنها تحجب للزائر وجهها الحقيقي وفي الليل يسقط القناع عنها "ربما صار الكل يدرك أن المدن أصبحت تحجب الرؤية الصحيحة للأشياء الجوهرية في الإنسان ....تخفيها ثمار التمدن المرضية.
لابد ان هؤلاء المصطافين خلعوا ألقابهم وارتدوا ألقابا أخرى تنضج بالحيوية والشباب......."ص39
§ فالراوي يصف بالتفصيل المواقف التي تعرض لها في المدينة فيبدو من خلال وصفه هذا شخصا مختلفا غير عادي ذا بصيرة ،يحلل ويفسر ويتغاض وينفر من قانون لا يرحم ويستغل المواطن العادي.يعبر عن ذلك بقوله:
§ "أعود إلى الساحة ...أصب جام غضبي على القانون الذي لا يراعي النوايا ويجبرنا على استعمال جيوبنا للدوس على مواده ،أو يدفعنا إلى تخطي جغرافية الوطن لنحظى بخدمات ارقى لمقابل اقل..." ص41 ..
§ انه يعري المدينة ويكشف زيفها للقارئ وما يمارس عليها من اختراقات قانونية وتجاوزات ولا مبالاة.
§ ويهرب من كل هذا بالخمرة :"....فلم لا أهدرها ملكا تظلله النشوة بتاج من القدرة الخرافية ودفة من زمن لا يعترف بطبيعة الأشياء وعقبات الخوف.الشراب يقتل الوقت ....يذهب الحياء ....وحديث النساء كذلك."ص 43...
§ ويتوغل في عالم الخمرة يصنفها بجرأة العالم بحيثياتها وتفاصيلها وتصنيفاتها .
§ ويلجا الراوي البطل في موضع آخر من الرواية إلى تقانة الحلم ،حلما لم نعلم كقراء أنها حلم إلا بتلميح من الكاتب عند نهايته وتصريحه بان كل هذا كان مجرد حلم مزعج.
§ ".....دخلت ترتدي ثوبا من القطيفة السوداء....تقدمت بحركات عذبة ترسم لوحة برجوازية لدلال تكبله الكلفة أو صدى النوادي ونقد الضرائر......
§ الثوب اعرف فمن المرأة؟؟
§ ادقق النظر ...ارقب........................................" وليصرح بالحلم يقول:
§ " ماذا فعلت على وعي حتى يظل هذا الشبح يلاحقني......"
§ يعبر هذا الحلم عن شخصية البطل المتدهورة المنهكة فهو نابع من جوانها ومعبر عن فقد الحبيبة ومحاولة اللقاء بها فهو يتمنى اللقاء بها ويعذرها إن لم يلتقيها لأنه يحمل لها في قلبه صورة نبيلة وشريفة.
والأجمل ما في هذا الحلم انه لم يأت مصرحا به من البداية وقد جاء مضطربا في بنائه مشوشا في لغته وقد اكتسب قدرة الغموض والتفكك فامتلك طبيعة الحلم.
وتتواصل أحداث الرواية الفرعية لتغلف بحدث ترتيب لقاء نجهل إن كان قد تم أم لا...
لنختم في الأخير أن رواية"ما بيننا" رواية إنسانية عاطفية ورسالة عشق خالدة وهي رواية لغة من الناحية الفنية ويلخص الراوي كالمابين في قوله:
"إن سألتني اليوم ووضعت الغلو جانبا طرحت لك قناعتي أو شرحت لكي قولي:
مابيننا كثيف وعميق وموغل في القدم قدم ....قدم آدم وحواء....
فقصتنا تبدأ من عين الزمان والمكان ...
أنا مقتنع بذلك ......." ص145...
*ما بيننا رواية تحتاج لقراءات عدة فان كشفنا عن جانب بقيت جوانب عدة بحاجة إلى الكشف عنها.وهي إضافة متميزة إلى الأدب العربي عامة والرواية الجزائرية بخاصة.
انتهى
....................







