سؤال حيرني : هل النصر مشروط بتحقيق التوحيد عند الجميع ؟؟؟.
16-01-2009, 02:48 PM
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد :

في أيام دراستي كان يراودني سؤال اقلق مضجعي , واستولى على تفكيري اياما كثيرة , بحثت عن الإجابة مرات ومرات لكن لم أوفق لها - ربما بسبب معاصي وذنوبي - تارة ولقلة العلم والمعين تارة أخرى لكن الله - عزوجل - كلأني برحمته وعنايته فوفقني للوقوف على رسالة لطيفة للشيخ عبد المالك رمضاني الجزائري - وفقه الله - بعنوان : مقاصد سورة البقرة فوجدت فيها بيانا شافيا , وتأصيلا كافيا , أروى غليلي , وأشفى عليلي , ففرحت بذلك أعظم فرح .
قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [يونس : 58]
وجدت الشيخ - حفظه الله - قد عقد بابا مستقلا في ذلك بعنوان : هل يشترط للنصر تحقيق التوحيد على الأعيان ؟؟؟.
وكان سؤالي هل يجب أن يكون جميع المجتمع الإسلامي بلا خطيئة , ولا معصية حتى ينصرنا الله - سبحانه - على أعدائنا ؟؟؟.

فاقرأ ما قاله الشيخ تحت ذلك العنوان

قال - حفظه الله -
قال الله - تعالى -
آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة : 285]

أخبر الله في هذه الأية أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه آمنوا بالمنزل إليهم من ربهم , ثم اعاد فعل الإيمان بعد ذلك فقال ( كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ )
فماالسر في ذلك ؟؟.
والجواب يتمثل في الفوائد الآتية :
الأولى : إن الجملة الثانية تفصيل لما أجملته الأولى , فذكرت الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله , ولعله أخر الكلام عن اليوم الآخر إلى قوله وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة : 285] على الرغم من أنه مناركان الإيمان التي كثيرا ما تقترن بالأربعة الأولى بالنظر أن قوله : ( بما أنزل إليه ) يدل على المنزل وهو الله - سبحانه - وعلى المنزل به وهو الملك , وعلى المتنزل به وهو الكتاب , وعلى المتنزل عليه وهو الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهذه هي الأربعة فناسب عند التفصيل ألا يخرج المفصل عما أجمل فتنبه .

الثانية : أن الجملة الأولى فعلية و هي قوله آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ الآية , والثانية اسمية وهي قوله كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ
قال بن القيم في بدائع الفوائد (2/385 - 387 ) : ( والجملة الإسمية تدل على الثبوت والإستقرار , والفعلية تدل على الحدوث والتجدد ) فكان في الثانية من القوة ما ليس في الأولى , فتدبر .

الثالثة : في هذه الإعادة فائدة عظيمة تستفاد من قوله - عزوجل - كُلٌّ آمَنَ
قال البغوي - رحمه الله - : ( يعني كل واحد منهم , ولذلك وحد الفعل ) معالم التنزيل تفسير البقرة الأية 285 .
قال ابوحيان في البحر المحيط عند تفسير قوله - تعالى - من آل عمران ( قل ءامنا بالله ومآ أنزل علينا ) .الأية
قال : ( وقال ( ءامنا ) تنبيها على أن هذا التكليف ليس من خواصه , بل هو لازم لكل المؤمنين قال - تعالى - (كل ءامن بالله ) بعد قوله : ( ءامن الرسول بما أنزل إليه ) . ووجه الإستدلال أن الله - عزوجل - كرر وصفهم بالإيمان , لأنه في الأول أراد وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالإيمان , ثم وصف كل واحد منهم بذلك لدفع توهم الإهتمام بصلاح عقيدة البعض دون البعض , أو توهم أن صلاح عقيدة الأغلب كاف لتحقيق النصر المذكور في الآخر بل لابد من صلاح عقيدة كل المؤمنين خلافا لما يزعمه الحركيون الغاضون من حق الله - عزوجل - أن النصر حاصل ولو لم تسلم عقيدة الجميع , فدل هذا على أن استجابة الله دعئهم بالنصر في قولهم : ( انصرنا على القوم الكافرين ) مرهونة بالوصف السابق .
فليت الحركيين الطامعين في النصر الزاهدين في تصحيح العقيدة عرفوا موضع هذه الكلية في قوله ( كل ) فما أعظم هذا الكتاب لمن تدبره وغاص في معانيه لاستخراج كنوزه والإطلاع على درره .
قال بن تيمية - رحمه الله - (14/134 ) : ( ثم شهد تعالى للمؤمنين بأنهم آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله , فتضمنت هذه الشهادة إيمانهم بقواعد الإيمان الخمسة التي لا يكون أحد مؤمنا إلا بها وهي ك الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ) .

الرابعة : فإن قيل : إن تحقيق مجتمع نزه عن كل مخالفة هو ضرب من الخيال , فإنه لا يعرف قط أن جيلا من المسلمين بلغ كل فرد منهم الكمال , وقد كان في العصر الأنور النبوي من حد في السرقة ومن حد في بعض الفواحش .
والجواب :
أنه ينبغي التفريق بين ما كان من أصل الإيمان وبين ما كان من واجباته أو مكملاته ,
فالأولى جاء فيها الفرض العيني بلفظ الكلية السابقة , ولذلك اخبر الله في سورة الإسراء (22) أن من نقض هذا الإيمان فجعل مع الله إلها آخرتركه مخذولا أي منهزما :
لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً [الإسراء : 22]

و أخبر أن الشرك سبب في وقوع رعب الهزيمة في قلوب أهله فقال :

سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ [آل عمران : 151]


قال بن تيمية في مجموع الفتاوي ( 10/207 ) : ( وكذلك المشرك يخاف المخلوقين ويرجوهم فيحصل له رعب ).

واستدل بالآية السابقة ثم قال : ( والخالص من الشرك يحصل له الأمن كما قال - تعالى -
الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [الأنعام : 82]
وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - الظلم هنا بالشرك...)


وقال أيضا عقب هذه الأية (28/36) : ( هؤلاء الموحدون المخلصون , ولهذا قال الإمام أحمد لبعض الناس : لوصححت لم تخف أحدا)

أما الثانية فقد يحصل فيه شيء من التقصير من بعض المسلمين فلا يختل توازن المجتمع إذا لم يغلب عليه , وذلك حسب حكمة الله - عزوجل - وميزانه العادل , ولذلك جاء في هذه الآيات اعتراف المؤمنين بالتقصير بقولهم : (وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة : 285]
فهذا الإستغفار بعد ءاية السمع والطاعة , وهذا يغلب على الأحكام العملية التي يقع فيها شيء من التقصير , قال بن القيم في إغاثة اللهفان (2/185): ( لأن العبد لابد أن يحصل له تقصير وسرف يزيله الإستغفار) .

وعلى الرغم من ضرورة تحقيق أصل الإيمان وما يتبعه فإن المؤمنين يعترفون بالتقصير في جنب الله , لا سيما المتابعة فلذلك يسألون ربهم المغفرة والتجاوز عنهم .
قال بن تيمية - رحمه الله - (14/136) : ( لما علموا أنهم لم يوفوا مقام الإيمان حقه مع الطاعة والإنقياد الذي يقتضيه منهم , وانهم لابد أن تميل بهم غلبات الطباع ودواعي البشرية إلى بعض التقصير في واجبان الإيمان , وأنه لا يلم شعث ذلك إلا مغفرة الله - تعالى - لهم , سألوه غفرانه الذي هو غاية سعادتهم ونهاية كمالهم )
انتهى كلام الشيخ - عبد المالك رمضاني حفظه الله -

ما استفدته من هذه الكلمات النيرات , والجمل المفيدات ما يلي :
1 - تحقيق أصل الإيمان ومعرفة الله سبحانه بصفاته وأسمائه و الإيمان بالأركان الستة الله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر واجب وفرض عيني على جميع المسلمين حتى يتحقق النصر لكن على وفق منهج أهل السنة والجماعة المتبعين للكتاب والسنة وعلى فهم سلف الأمة .

2 - بطلان دعوى الحركيين والحزبيين الذين لم يفقهوا نصوص الكتاب والسنة وفهم سبيل النصر والتمكين حيث اكتفوا بمجرد تجميع الأفراد تحت غطاء : وحدة الصف ولا وحدة الرأي و عدم تصحيح عقائد أتباعهم و لو فيهم من المخالفات ما يصل إلى الكفر الأكبر - عافانا الله - والأدلة من كتبهم ولا نتقول عليهم .

3 - أن المعاصي والذنوب إذا غلبت على المجتمع المسلم فهذا سبيل للإنهزام والخذلان كما مر , يا عبد الله - وفقك الله للخير - مجتمعنا الآن ما الذي يغلب عليه : آالطاعة وتقوى الله أم المعاصي ؟؟؟.
كم من مشرك عند القبر يدعوه ويستغيث به بل اصبحت تسن لهم القوانين وتوضع لهم الميزانيات .
كم من متعامل بالربا ؟؟.
كم من زواني وزانيات نراهم عيانا ؟؟؟.
كم من سماعين للموسيقى والملاهي ؟؟؟.
كم من متفرج على القنوات والفضائيات ؟؟؟.
كم تارك للصلوات والجمعات ؟؟؟.
وكم وكم ....

أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يهينا سبل الرشاد و أن ينعم علينا بلطفه وكرمه .
التعديل الأخير تم بواسطة kalimat haq ; 16-01-2009 الساعة 06:08 PM