اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي قسورة الإبراهيمي
أحبتي و خلّاني
بعد أن إطّلعنا و قرأنا القصيدتين ..
من اللازم علينا أن نقارن بين هاتينِ الرائعتينِ .. فماذا نجد يا ترى؟
ولنا في قصيدة البحتري هذه.
فهي شاهدة على أزدهار حضارة الأمة العربية في عصر من العصور، وتأثرها بمظاهر المدنيّة والترفِ حيثُ تدور فكرة القصيدة حول وصف بركة المتوكل في مختلف ظواهرها.
فالبركة عند البحتري ليس مجرد منظر بحيرةٍ أو وادٍ واسعٍ تغمره المياه.. بل أن البركة تموج بفعل الحركة. فذكره للماء الذي لم ينظر إلى طعمه وإحساسه به بقدر ما نظر إلى حركة اندفاعه، فهو عنده تموّجات متقاطعة مندفعة كالخيل في الغابة من كل صوبٍ، تركت فيها طرق كأنها الدرع المتموج الحواشي..
كما تطرق البحتري إلى الهواء الذي وجده نسيمًا عليلاً يهب من ناحية الشرق مداعبًا للماء تاركًا فيه تفويفًا وحبكًا، كما أنه ذكر منظر الأسماك التي تخيلها طيورًا سابحة تنشر زعانفها كأنها طيور منقضة على فريستها..
ثم تفنن في تبيان الألق واللمعان بذكره للنجوم التي تتراءى في البركة ليلاً ليظنها المشاهد لصفاء صفحتها سماء قد حفلت و ازدانت بالنجوم..
ولم يتوقف البحتري عند هذا الحد من الالق و اللمعان بل أشار الى عناصر أخرى تمثلت في الشمس والفضة والذهب وهو أمر جدير بالاهتمام ..
ولكنّ البحتري قد بالغ في وصفه لكبر وسعة هذه البركة حتى جعلها أعظم من البحر..
فأين هي البركة التي كانت من الكبر و السعة وعلو المنزلة حتى تعد أعلى من البحر مكانةً وأعظم سعة ، حيث يكون البحر ثانيها؟
ولكن قصيدة البحتري هذه وثيقة الصلة بالبيئة.. فشِعر البحتري هنا يعكس مظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية والحضارية. ويكشف عما كان يعيش فيه الخلفاء العباسيون من مظاهر الترف والنعمة ، كما يكشف لنا كذلك المستوى الفني والحضاري الذي وصل إليه فن العمارة والعمران في ذلك العصر.
فهذه القصيدة تناولت بركة صناعية ..ولو تمعنّا النظر في الصور والأخيلة التي أتى بها البحتري لوجدنا أن خيال الشاعر مصنوعاً ، يقوم على الأشكال الحسيّة معتمدًا في ذلك على التشبيه والاستعارة والبديع ..
فالشاعر اعتمد على صور حسية جسد فيها اللون، والصوت والحركة ، تجعل القارئ يضطرب بين الوهم والحقيقة..
قد ذهب بعض النقاد إلى أن مثل هذا الاتجاه الذي يعتمد على طرق التشبيه وصور الاستعارة في إحداث الخيال هو أحسن وسيلة لوصف الطبيعة وصفا أدبيًّا، لأنه يقوم على إدراك جمال الأشياء في ذاتها
وإذا تأملنا في الأسلوب ..
نجدُ أن أسلوب البحتري يمتاز في هذه القصيدة بالوضوح وإشراقة الديباجة ، وحسن السبك، فقد غلبت عليه الجمل الخبرية التقريرية..
لكننا لو تمعنا في كلمة (الجواشن) لوجدناها ثقيلة مستكرهة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نمرّ الآن الى "بحيرة لامارتين" :
نجد أن " لامارتين" من الشعراء المبدعين القلائل الذين تميّزوا بتعدّد المواهب، فهو كاتب وشاعر وخطيب ومناضل ضد الظلم، مدافع عن حريات الفكر قولا وعملاً. وكان للشرق نصيبٌ وافرٌ من تفكيرهِ.. حيث كان شغوفاً بالشرق، فتجول في البلدان الواقعة حول حوض البحر المتوسط، الذي كان يقول عنه :إنه (البحيرة الإنسانية) ويعدّه موطن المدنيات والثقافات.
ولعلّ أعمق تجربة أثرت في نفسية الشاعر سيدةٌ تُدعى "جولي شارل" وهي المرأة التي نسج حولها قصيدة "البحيرة "الذّائعة الصّيت.
تعرّف لامارتين على "جولي" فاحبها، وبادلته هي الحب، وأقسم كلا منهما للآخر معاهداً على الوفاء والإِخلاص، وأن يكن حبهما طاهراً نقياً لا مكان فيه لنزوة أو رغبة جسدية، وأن يظل حباً سامياً يرتفع عن رغبة الجسد، ويرتقي إلى مصاف الروح الخالصة إذ نجد " لامارتينيخاطب البحيرة فيقول : "ذات مساء ألا تذكرين - كنا نسبح في زورقنا صامتين - لم نسمع في الأفق البعيد - فوق الموج وتحت السموات - سوى صوت المجدافين يضربان بانتظام - أمواجك الرخيمة - وفجأة رددت نبرات مجهولة من الأرض - أصداء الشاطئ المسحور- فتنبه الموج - وباح صوت الحبيب إليّ بهذه الكلمات - أوقف طيرانك أيها الزمان - وأنت أيتها الساعات السعيدة - أوقفي جريانك - دعينا نتذوق ملاذ أجمل أيامنا السريعة - لكن عبثاً أطلب بضع لحظات زائدة - الزمان يهرب مني ويوّلي - وأقول لهذه الليلة - أبطئي - ولسوف يبدد الفجر ظلمة الليل".
أحس لاماريتن بألم بالغ عندما وجد حبه يتحطم، فعمل على استرداد إيمانه وهدوء نفسه وطمأنينها، ومن خلال الألم والرغبة استوحى هذه التأملات التي تبوح بالذكريات والندم اليأس والأمل والزمان الذي ولّى، والقلق أمام القدر، والخوف من الموت والتطلع إلى الخلود.
و ماتت "جولي " واسم "لامارتين" على شفتيها، لفظته مع أنفاسها الأخيرة، وهي تقبّل صليباً صغيراً، أوصت بأن يرسل عقب وفاتها إلى الشاعر الذي أحبته. فكان موضوعاً لقصيدة جديدة من قصائده الخالدة.
استعمل " لامارتين " مفردات و تعبير لها من الجزالة الشيء الكثير ، و لكنه ادخل مفردات على القصيدة جاءت و كأنها نابية ، و ثقيلة مثل : " Jeter l'ancre" لأنه زورق يُربط حين يرسو ، و ليس باخرة .. و كذلك .. zéphyr ..
|
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحياني ايها الاسد الهصور الفارس الجسور
يا أحد اساطين فكر المنتدى الشروقي
اشكرك اخي الكريم على قراءاتك النقدية التي هي من صميم الادب المقارن
litterature comparee
وعلى قلة مثل هذة الدراسات في أدبنا العربي الحديث فأنك مشكور على هذه الالتفاتة الطيبة الى احد اقطاب الوصف في ادبنا العربي القديم في عصر القوة والازدهار.ومن الاجدر الا نغمط حق البحتري او
lamartine
فكلاهما واضح الأثر في الآداب العالمية أو الانسانية
لذا من الاجدر أن نبحث عن أوجه التاثير والتأثر المتبادلة بين الادبين العربي والفرنسي لأنها لا توجد حضارة انطلقت من الصفر ,بل ان كل الحضارات تأخد من بعضها البعض.ولنا في ذلك امثلة كثيرة بين الادب العربي القديم والادب الاسباني او بين ادب الموشحات وشعراء التروبادور أو الشاعر الشهير صاحب
divana el tamarita
او ما حدث بين المعري وصاحب
la comedie divine
و ما بين حي ورو بنسون في قصة كروزو
ومهما يكن فان البحتري شاعر ورث الزخرفة عن الفرس الى جانب التفخيم ولا مرتين ورث ذلك عنه.لكن الفرق بينهماان لا مارتين اخرج فنه من دائرة التكسب والتزلف والتكلف الى دائرة أوسع فأوسع يحكمها الوازع الانساني وفق ما تمليه التيارات الفنية المعاصرة وعلى رأسها التيار الرومنسي التجديدي الذي يتقمص روح الطبيعة ويتخذها ملاذا وأنيسا.
وما عساني أقول في الاخير سوى ما قاله تعالى
(تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون)
والعبرة من كل هذا انه من واجبنا ان نستحضر ما فات لنستفيد منه فيما هو آت.
مع كل تحياتي
اخوك احسن بوشطيبة