المسلمون يحجبون الدين عن الليبرالية
01-10-2012, 10:11 AM
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
في تمنّع الارتقاء عن المسلمين
مبررات كتاباتهم الحديثة والمعاصرة في حجب الدين عن الليبرالية



روافد تمنّع الارتقاء

مبررات الكتابات الإسلامية العربية الحديثة والمعاصرة في
حجب الدين عن الليبرالية

إحجام الكتابات الإسلامية العربية الحديثة والمعاصرة عن ذكر الدّين عند حديثها في الليبرالية يجد مبررات يشير إليها بعض ما ورد في كتاب « مستقبل الصحافة في مصر ».

ورد فيه عند بدايات النصف الثاني من القرن العشرين:
الخلاصة في أثر الحضارة الأوروبية التي التقت على أرض مصر بالحضارة الإسلامية أنها - بغض النظر عن سوآتها- قدمت للمسلمين هذه الأفكار:
أولا: فكرة الحرية الشخصية، وفكرة الوطن والوطنية، وفكرة الأخوة الإنسانية ...
ثانيا: فكرة الدستور والمطالبة بالحياة النيابية ...
ثالثا : فكرة تحرير المرأة...
رابعا: فكرة الأخذ من العلوم الحديثة ...
خامسا: ...

الفكرة الخامسة التي رأى أنّ الحضارة الأوروبية قدمتها للمسلمين على أرض مصر هي الفكرة التي قال إنها أغرت باعتناقها الكثيرين من المصريين عقب فراغهم من قراءة التاريخ الأوروبي، هي فكرة الفصل بين السلطة الدينية والسلطة الدنيوية.
كتب إذن أنّ من أروع صفحات التاريخ الأوروبي صفحة النزاع المرير بين الدولة والكنيسة، وتساءل عن نسيان "محاكم التفتيش" و"صكوك الغفران" و"وقوف الملوك أذلاّء بين أيدي الباباوات"؛ ص: 158.

أشار قبل ذلك إلى أنّ فكرة الفصل بين السلطة الدينية والسلطة الدنيوية قد أغرت غيره، وسجل على « بعض الشرقيين » أنهم كانوا يتأثرون أحياناً بكلام الأوروبيين وكانوا يودّون أن يجاهروا برأيهم في هذا الموضوع.

وإذ أضاف اغترار غيره بالموضوع إلى تأثرهم به، ذكر أنّ عبد القادر حمزة كتب مقالاً بعنوان خطر علينا وعلى الدِّين، سأل فيه: هـل في النـداء بالـدِّين فـائدة ؟ وقال أنه يريد بذلك أن يكون مقلّداً لبعض مفكري الغرب فيما ذهبوا إليه من أنّ الدِّين هو السبب الحقيقي في تأخير المسلمين، وذلك لانقيادهم له انقيادا أعمى.

ذكر أيضاً دعوته المسلمين إلى أن لا يقحموا الدِّين في كلّ شيء.

أجلى رأيه هو في الموضوع في سياق توكيدٍ منه بأنّ كاتب مقال « خطر علينا وعلى الدِّين » كان متأثراً بكلّ من تاريخ النهضة الأوروبية وتاريخ الصراع بين الكنيسة والدولة. فقد كتب أنّ فصل السلطة الدينية عن السلطة الدنيوية الذي لم يخف أنه نتج عن نزاع بين الدولة وبين الكنيسة كان فكرة جميلة وأنه بعض ما أفاده المسلمون من الحضارة الأوروبية الحديثة.

ولقد أتى حين من الدهر أصبح بين المسلمين مَن يقول بالفصل كما يقول غير المسلمين ويسوق له بين المسلمين ذرائع كثيرة.
قال هؤلاء المسلمون بالفصل بعد إذ أفسحوا لاحتضان هذه الدعوة مقتلعة من منبتها الكنسي، وقد يسّروا بها فتح بابٍ لا صدّ الوهن عن ذويهم ولا هو بصادّه عنهم.

إنّ الكاتب وهو يعبّر عن استحسان « الفكرة الجميلة » يُظهر أنه لم يهمل الدِّين ولم يفرّط فيه. فقد عنيّ في كتابه « الإعلام له تاريخه ومذاهبه » بالمشروعات التي قال إنه اقترحها في كيفية مقاومة الدعاية الصهيونية. اقترح هنالك الدعوة إلى استغلال "العاطفة الدينية" عن طريق المساجد والجوامع وغيرها من أماكن التجمعات الكبيرة في داخل الأمّة العربية وأشار إلى سابقة أو إلى سابق تجربة بقوله: هنا لا ينبغي أن ننسى الجامع الأزهر.
كتب: « فكم كان لهذا الجامع القديم من اتصال كبير بالحوادث الهامة التي وقعت في البلاد العربية. كنّا نجتمع فيه كلّما حزبنا أمر من الأمور السياسية، وكم اجتمعنا به في أثناء الحروب الصليبية كما كنّا نجتمع لهذا الغرض في المسجد الأموي بدمشق، وكان هذا المسجدان الكبيران – وهما الجامع الأزهر والجامع الأموي – مصدر إشعاع ثوري كبير بقيادة البطل صلاح الدّين. وقد اجتمعنا بالأزهر أيضاً في حرب السويس »؛ ص: 196- 197.

إنّ الكاتب وإن رأى توظيف الدِّين باستغلال العاطفة الدّينية، فقد أبدى أنه يعمل بدوره بالفكرة الجميلة وأنه يخدمها بين المسلمين بتأسيسها على ما تآلفت عليه أقلام وأذهان عربية وإسلامية كثيرة، وهو أنّ « الحضارة الإسلامية في جملتها حضارة دينية المصدر والنشأة بينما الحضارة الحديثة حضارة: قائمة على أسس عقلية وعلمية بحتة » !؟ ص: 142.

هذا الكلام الذي يكاد يتحول إلى مسلّمة، يعني أنّ الحضارة الحديثة أو الحضارة الغربية حضارة لا دِينَ لها وأنّ الذين أسسوا لها لا دِين لهم !
إنه كلامٌ غير مؤسس بما يدلّ عليه الإعراض فيه عن تدبّر سنن الخَلْقِ؛ والإعراض عن النظر في مسارات التمدّن: إنّ مراجعة التاريخ تكشف أنّ الحضارة الغربية القائمة إنما تأسّست بدايةً من القرن السابع عشر الميلادي بدفع من مذهب جديد في تفسر الكتاب المقدس، أحد أركانه الاعتقاد بالقدَر بفحوى خلق البعض للجنة وخلق البعض الآخر لجهنم.
كان هذا معلوماً بين المتعلمين من النصارى ومن اليهود دون المسلمين الذين يظهرون تجاهل هذا الأمر ...

إنّ فكرة تأسيس الحضارة الغربية على « أسس عقلية وعلمية بحتة » دعوى عديمة الصواب وعظيمة المفسدة وقد ثبت بطلانها في مثل أطروحة عالم اجتماع ألماني مَاكْسْ رِيبَرْ خصيم الملحد كَارْلْ مَارْكْسْ. تحمل الأطروحة منشورة منذ أكثر من قرن من الزمان تحت عنوان « الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية »، تتجاهلها الأقلام العربية والإسلامية بينما هي أطروحة تساعد خلاصاتها في رفع اللثام عن روافد من تمنّع الارتقاء عن المسلمين.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

جمال الدين فيلالي.