المهاجرون الأفارقة:بين مطرقة الموت وسندان التشرد
20-10-2008, 08:23 PM
المهاجرون الأفارقة:بين مطرقة الموت وسندان التشرد
العشرات إن لم نقل المئات من مواطني البلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى الذين جاءوا إلى هذه المنطقة يحملون آمالا لا حدود لها تدفعهم إلى جنة الفردوس المزعومة (أوربا) . فمن أجل ذلك كل شيء يهون ولا يهم إن كان نفسا أو نفيسا، ووسط الصحراء القاحلة وتحت الشمس المحرقة.تبدأ رحلة آلاف الأميال، رحلة لم تكن من اختيارهم بل دفعهم إليها الفقر ، العنف، المعارك الطاحنة ،الفساد،الاختلافات والتنابذ المستمر، كل ذلك أدى إلى نزوحهم وهربهم من بلادهم تاركين خلفهم ذكريات معبأة بالمأساة والألم والحزن حاملين معهم الدموع ولوعة فراق الأحبة.الطريق الرابط ما بين الوطن و(الجنة الموعودة) حافل بمشاهد الحزن والمآسي والصور التي تدمي الفؤاد وتقشعر لها الأبدان فبعد السير الطويل وسط طبيعة قاسية تغير ملامحها متى شاءت ينفد منهم الماء والمؤونة ، وتتشابه عليهم الطرق ، وتضيع البوصلة وسط الرمال الكثيفة وبعد أيام قليلة يقضيها هؤلاء المهاجرون في مقارعة الجوع والعطش يكون الهلاك آخر محطة يلجون بابها . هناك ترتسم صورة أخرى : جثث منتفخة ، وأخرى تشوهت ولم يعد بالإمكان التعرف عليها . المشهد يظل على حاله إلى أن يعثر عليها أعوان حرس الحدود الجزائرية أو الدرك الوطني.فيتم إخطار وكيل الجمهورية لدى دائرة الاختصاص الذي يصدر أمرا بدفن الجثث تجنبا للأوبئة والأمراض المتنقلة وذلك بعد أخذ الهويات وتشريح الجثث ودفنها. وأما الذين يحالفهم الحظ ويصلون إلى الحدود الجنوبية الجزائرية فمنهم من يلقى عليهم القبض فورا لينظر في أمرهم لاحقا إما سجنهم ثم إعادتهم إلى الوطن الأم أو إعادتهم مباشرة من حيث أتوا.أما الفئة التي نجحت في دخول المدن الشمالية فتراهم يتوارون عن أنظار رجال الأمن ومع مرور الوقت تنفد أموالهم وتسوء أحوالهم لتبدأ رحلة أخرى من المعاناة فليجأ البعض من هؤلاء المتسللين إلى التسول في شوارع المدن الكبرى كالجزائر العاصمة ،ووهران ، وقسنطينة وعنابة بحثا عن لقمة تسد الرمق وأجرة المبيت في الفنادق الشعبية البسيطة إلا أن الأدهى والأمر وحسب شهادات بعض سكان المدن أن بعض المهاجرات أصبحن يمارسن الدعارة بعدما انقطعت بهن السبل وبات منظر العشرات من الأفارقة في شوارع العاصمة وغيرها أمرا مألوفا في هذه المدن التي لا تبعد عن فرنسا و إيطاليا و
اسبانيا إلا مسافة هينة إذا قيست بتلك التي قطعت في الصحراء.لكن كيف الوصول إلى حمى هذه البلدان وليس لهؤلاء في الأمر حيلة إلا التفكير في شق عباب الأمواج بقوارب تحمل خطر الموت المحتوم.وحين تسأل البعض منهم عن حجم المغامرة ونتائجها، فإن جوابهم يتلخص في العزم والتصميم على إنهاء مشوار الرحلة مهما كلف الأمر.لا فرق بين الليل والنهار في قاموس تلك الجماعات ولا تمييز بين الإبحار والانتحار وغاية بلوغ الجنة الموعودة تبرر وسيلة الوصول إليها.
السلطات الجزائرية تواجه حاليا صعوبات جمة في التصدي ووقف تدفق المهاجرين الأفارقة عبر الحدود الجنوبية الشاسعة بغرض الهجرة سرا إلى الضفة الشمالية للبحر المتوسط نظرا لطول الحدود وضعف الإمكانيات المتاحة. الحكومة الجزائرية وعلى لسان وزير الداخلية –يزيد زرهوني- قلقة جدا من ارتفاع أعداد المهاجرين المتسللين عبر أراضيها كونها غير قادرة على ترحيل هؤلاء المهاجرين لاسيما مواطني البلدان التي لا ترتبط معها بحدود برية.وريثما تأتي الحلول لمعالجة الظاهرة تبقى الرغبة في العبور إلى أوربا، وصعوبة العودة إلى الأهل والديار تصنع مشاهد الموت بين ثنايا صحراء لا ترحم وتحكي قصص التشرد والضياع . – بقلم : عبد الرحمن لوالبية- الجزائر