عقول من النوع السنجابي
23-10-2007, 05:19 PM
السلام عليكم ورحمه الله و بركاته

‏جاء في حكم وقصص الصين القديمة أن ملكاً أراد أن يكافئ أحد مواطنيه فقال له‏:‏ امتلك من الأرض

كل المساحات التي تستطيع أن تقطعها سيرا علي قدميك‏..‏ فرح الرجل و شرع يزرع الأرض مسرعاً

ومهرولاً في جنون‏..‏ سار مسافة طويلة فتعب و فكر أن يعود للملك ليمنحه المساحة التي قطعها‏..‏ و

لكنه غير رأيه و قرر مواصلة السير ليحصل علي المزيد‏..‏ سار مسافات أطول و أطول و فكر في أن

يعود للملك مكتفياً بما وصل إليه‏..‏ لكنه تردد مرة أخرى وقرر مواصلة السير ليحصل علي المزيد و

المزيد‏..‏ ظل الرجل يسير و يسير ولم يعد أبداً‏..‏ فقد ضل طريقه وضاع في الحياة، و يقال إنه وقع

صريعاً من جراء الإنهاك الشديد‏..‏ لم يمتلك شيئا ولم يشعر بالاكتفاء و السعادة..

لأنه لم يعرف حد الكفاية (القناعة)‏.‏



النجاح الكافي صيحة أطلقها لوراناش و هوارد ستيفنسون‏..‏ يحذران فيها من النجاح الزائف المراوغ

الذي يفترس عمر الإنسان فيظل متعطشا للمزيد دون أن يشعر بالارتواء‏..‏ من يستطيع أن يقول لا

في الوقت المناسب و يقاوم الشهرة و الأضواء و الثروة و الجاه والسلطان‏؟

لا سقف للطموحات في هذه الدنيا‏..‏ فعليك أن تختار ما يكفيك منها ثم تقول نكتفي بهذا

القدر‏..‏ ونواصل الإرسال بعد الفاصل‏..‏ بعد فاصل من التأمل يتم فيه إعادة ترتيب أولويات المخطط‏..‏

الطموح مصيدة‏..‏ تتصور إنك تصطاده‏..‏ فإذا بك أنت الصيد الثمين‏..‏ لا تصدق؟‏!..‏ إليك هذه القصة‏..

‏ذهب صديقان يصطادان الأسماك فاصطاد أحدهما سمكة كبيرة فوضعها في حقيبته ونهض لينصرف‏..‏

فسأله الآخر‏:‏ إلي أين تذهب؟‏!..‏ فأجابه الصديق‏:‏ إلي البيت‏ لقد اصطدت سمكة كبيرة جداً

تكفيني‏..‏ فرد الرجل‏:‏ انتظر لتصطاد المزيد من الأسماك الكبيرة مثلي‏..‏ فسأله صديقه‏:‏ ولماذا أفعل

ذلك؟‏!..‏ فرد الرجل‏..‏ عندما تصطاد أكثر من سمكة يمكنك أن تبيعها‏..‏ فسأله صديقه‏:‏ و لماذا أفعل

هذا؟‏..‏ قال له كي تحصل علي المزيد من المال‏..‏ فسأله صديقه‏:‏ و لماذا أفعل ذلك؟‏ فرد الرجل‏:‏

يمكنك أن تدخره وتزيد من رصيدك في البنك‏..‏ فسأله‏:‏ ولماذا أفعل ذلك؟ فرد الرجل‏:‏ لكي تصبح ثريا‏..‏

فسأله الصديق‏:‏ و ماذا سأفعل بالثراء؟‏!‏ فرد الرجل تستطيع في يوم من الأيام عندما تكبر أن

تستمتع بوقتك مع أولادك و زوجتك‏..‏


فقال له الصديق العاقل‏ هذا هو بالضبط ما أفعله الآن ولا أريد تأجيله حتى أكبر و يضيع العمر‏..‏

رجل عاقل‏..‏ أليس كذلك‏!!‏



يقولون المستقبل من نصيب أصحاب الأسئلة الصعبة، و لكن الإنسان ـ كما يقول فنس بوسنت ـ

أصبح في هذا العالم مثل النملة التي تركب على ظهر الفيل‏..‏ تتجه شرقا بينما هو يتجه غربا‏..‏

فيصبح من المستحيل أن تصل إلى ما تريد‏..‏ لماذا؟ لأن عقل الإنسان الواعي يفكر بألفين فقط من

الخلايا، أما عقله الباطن فيفكر بأربعة ملايين خلية‏.‏

وهكذا يعيش الإنسان معركتين‏..‏ معركة مع نفسه و مع العالم المتغير المتوحش‏..‏ ولا يستطيع أن

يصل إلي سر السعادة أبدا‏.‏

يحكى أن أحد التجار أرسل ابنه لكي يتعلم سر السعادة لدى أحكم رجل في العالم‏..‏ مشى الفتى

أربعين يوماً حتى وصل إلى قصر جميل علي قمة جبل‏..‏ وفيه يسكن الحكيم الذي يسعى إليه‏..‏

وعندما وصل وجد في قصر الحكيم جمعاً كبيراً من الناس‏..‏ انتظر الشاب ساعتين حين يحين دوره‏..‏

انصت الحكيم بانتباه إلي الشاب ثم قال له‏:‏ الوقت لا يتسع الآن وطلب منه أن يقوم بجولة داخل

القصر و يعود لمقابلته بعد ساعتين‏..‏ و أضاف الحكيم و هو يقدم للفتى ملعقة صغيرة فيها نقطتين

من الزيت‏:‏ امسك بهذه الملعقة في يدك طوال جولتك وحاذر أن ينسكب منها الزيت‏.‏

أخذ الفتى يصعد سلالم القصر ويهبط مثبتا عينيه علي الملعقة‏..‏ ثم رجع لمقابلة الحكيم الذي

سأله‏:‏ هل رأيت السجاد الفارسي في غرفة الطعام؟‏..‏ الحديقة الجميلة؟‏..‏ و هل استوقفتك

المجلدات الجميلة في مكتبتي؟‏..‏ ارتبك الفتى واعترف له بأنه لم ير شيئاً، فقد كان همه الأول ألا

يسكب نقطتي الزيت من الملعقة‏..‏ فقال الحكيم‏:‏ ارجع وتعرف علي معالم القصر‏..‏ فلا يمكنك أن

تعتمد على شخص لا يعرف البيت الذي يسكن فيه‏..‏ عاد الفتى يتجول في القصر منتبهاً إلى الروائع

الفنية المعلقة علي الجدران‏..‏ شاهد الحديقة والزهور الجميلة‏..‏ وعندما رجع إلي الحكيم قص عليه

بالتفصيل ما رأى‏..‏ فسأله الحكيم‏:‏ ولكن أين قطرتي الزيت اللتان عهدت بهما إليك؟‏..‏ نظر الفتى

إلي الملعقة فلاحظ أنهما انسكبتا‏..‏ فقال له الحكيم‏:‏


تلك هي النصيحة التي أستطيع أن أسديها إليك سر السعادة هو أن ترى روائع الدنيا و تستمتع بها

دون أن تسكب أبدا قطرتي الزيت‏.‏

فهم الفتى مغزى القصة فالسعادة هي حاصل ضرب التوازن بين الأشياء،

و قطرتا الزيت هما الستر والصحة‏..‏ فهما التوليفة الناجحة ضد التعاسة‏.‏

يقول إدوارد دي بونو أفضل تعريف للتعاسة هو أنها تمثل الفجوة بين قدراتنا و توقعاتنا‏..‏

إننا نعيش في هذه الحياة بعقلية السنجاب‏..‏ فالسناجب تفتقر إلي القدرة على التنظيم رغم

نشاطها و حيويتها‏..‏


فهي تقضي عمرها في قطف وتخزين ثمار البندق بكميات أكبر بكثير من قدر حاجتها

منقول