من يقتل من ؟.. السؤال اللغز،هل يمكن تعديله ؟
04-03-2010, 08:20 PM
من يقتل من ؟.. السؤال اللغز،هل يمكن تعديله؟!




طوال سنوات التسعينات ظل المراقب للوضع الأمني والسياسي الجزائري يطرح أسئلة مهمة و مقلقة
ـوان كانت مستفزة للذاكرة الجمعية الجزائرية - ، أهمها ذلك السؤال الذي أقرب ما يكون الى محاولة
فك لغز عصي الطرح ، " من يقتل من ؟!"

السؤال بكل ما يحمله من أهمية لإدراك ما يحدث في هذه الساحة التي بدت فريدة في عنفها الأرعن كان
يأخذ طابعا استفزازيا للكثير من الجزائريين الذين يرون في ذلك "طرحا يتجاوز المنطق أو يحاول
تفكيكه بطريقة غير بريئة " !

ذلك لأن السؤال حسب أولئك- بشكل ما - "يشكك في هوية القتلة" الذين استباحوا دماء أبناء جلدتهم
فاسلوها جداولا وأنهارا دون أدنى مراعاة للحدود الشرعية والإنسانية ، ليصبح المجتمع بأسره في
مواجهة قلة من القتلة الذين تفننوا في زرع الرعب في كل مكان ، وإحلال ثقافة الموت والدمار بديلا
لإرادة الحياة وقدسية الروح الآدمية "التي حرم الله إلا بالحق " .



ولم تتوقف "ماكينات " الإعلام عن تسويق حجج كثيرة لتبرير الفعل أو التشكيك في هوية فاعليه ، او
في أضعف الحالات "محاولة ربطه باستحقاقات معينة " ،كان على المجتمع تسديد ضريبتها الباهظة ،
نتيجة إيقاف" المسار الانتخابي" الذي حققت فيه الجبهة الإسلامية للإنقاذ نتائج متقدمة !

ذلك دون تقديم أي تبرير منطقي للقضايا المتعلقة "بتكفير المجتمع او استباحة دمه" نتيجة قرار اتخذه
النظام في تلك الفترة !..

والواقع أن الغالبية هنا كانت ترتجي إعادة صياغة السؤال ،بشكل نتجاوز فيه "معرفة من يقتل "،
لنلامس الدوافع .. " لماذا يقتُل ؟ "، لأن إجابة السؤال الأول –حسب أولئك _ محسومة مسبقا.

وبين عهد التسعينات واليوم جرت مياه كثيرة تحت جسر النظام العالمي الجديد الذي تشكل في خضم
تحولات كبرى أعادت صياغة التحديات والأخطار ، ولحسن الحظ ( او سوئه) لا أحد اليوم يمكنه طرح
سؤال " من يقتل من ؟!" ..في كل بقاع الأرض التي امتد إليها لهيب العنف .. بل أن الكثير من العمليات
التي استهدفت المدنيين في غير مكان ومناسبة أضحت تبرر فقط بنسبها الى تنظيم عالمي ،- أضحى
أكثر تواجدا عبر المعمورة - ،دون أدنى جهد منطقي ومعرفي لدراسة هذه الظاهرة ومن يقف ورائها
والخلفيات التاريخية التي صممت مسارها غير الحضاري .

فهل يكفي أن يكون تنظيم "القاعدة " -الأصل أو الفروع –ضالعا في عملية ما لتبرير وقوعها ؟ ، وهل
بيانات الجهة الإعلامية لذلك التنظيم العالمي ،أو إطلالة "الظواهري" وشيخه ، كافية لأن نعلق الأمر
برمته على وجود هذا التنظيم لا غير ؟!

والواقع أن " القاعدة" قد كسبت الرهان الإعلامي – على اقل تقدير- ، ذلك ليس لأنها تمكنت من
استهداف مواقع مهمة ومتقدمة في أكثر من بلد في العالم ، بل لأنها حدت من الجهود العلمية المبذولة
لدراسة الظاهرة والحد من تمددها ، وذلك في ظل تغليب "ثقافة التبرير" والترهيب منها بدلا من
مواجهة ظروف بقائها وتواجدها الحالي.



أسئلة كثيرة يجب طرحها في هذا السياق في ظل العودة المشهودة لوتيرة العنف المتصاعد بمنطقة
المغرب العربي بعد تشكيل ما أضحى يعرف بـ"تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي "، فضلا عن تزايد
العمليات التفجيرية التي تستهدف غالبا المدنيين في مناطق مختلفة من العالم ، لا سيما في العالميين
العربي والإسلامي .

خاصة في ظل التنسيق الأمني الكبير الذي نلاحظه على مستوى الأنظمة السياسية في العالم ، التي
أضحت على قناعة تامة أن التحدي الأكبر الذي يواجه العالم هو ما يتعلق بمواجهة الجماعات
المتطرفة التي تقود حروبا غير منظمة ..

إلا أن غياب المواكبة العلمية المعتمدة على المقاربات المعرفية والفكرية لتفكيك الظاهرة يساهم بشكل
واضح في تحجيم "المواجهة" في إطارها الأمني وبالتالي يقلل من نسب النجاح المفترضة ، فضلا عن
أن مجمل الخطط الموضوعة لمعالجة "الظاهرة" لا تولي ألأهمية اللازمة للأوضاع الاجتماعية
والاقتصادية والعقدية الدافعة الى تبني مثل هذه الخيارات العنيفة ، -وأن وجدت فهي محتشمة سواء
على مستوى التحليل او على مستوى إيجاد المخارج المناسبة للأزمة