بين الفرعونية والبربرية فلتُطمَس معالِمُ الْجاهلية
08-01-2010, 06:00 PM
أقدّم أحدَ آخرِ إصدرات شيخنا يَحيَى الْجبوري العراقي، وهي رسالة ..
بين الفرعونية والبربرية ..
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ،نَحْمَدُهُ،وَنَسْتَعِينُهُ،ونستغفرُهُ،وَنَ عُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا،وَمِن سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا،مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ،وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ،وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
قال تعالَى:)وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ([الْحجّ:78] .
((أي:يا هذه الأمة،إن الله اصطفاكم،واختاركم على سائر الأمم،وفضلّكم،وشرّفكم، وخصّكم بأكرم رسول،وأكمل شرع))(1)؛فلا تعتاضوا عن هذا بسواه فتكونوا من الْخاسرين .
ولَمّا سُئل تابع التابعين الثقة العابد أَبو بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ يوماً:((مَا قَوْلُهُ تعالَى فِي كِتَابِهِ: )وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا(؛فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِه وسَلَّمَ] إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ،وَهُمْ فِي فَسَادٍ،فَأَصْلَحَهُمُ اللهُ بِمُحَمَّدٍ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِه وسَلَّمَ]،فَمَنْ دَعَا إِلَى خِلافِ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ،فَهُوَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ))(2)..وهذا ميزان فصل فِي التمييز بين الْمصلحين فِي الأرض،وبين الْمفسدين فيها .
وعن أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ - رضي الله عنه - قال:((إِنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ كُنْتُمْ عَلَى الْحَـالِ
الَّذِي عَلِمْتُمْ مِنْ الذِّلَّةِ،وَالْقِلَّةِ،وَالضَّلاَلَةِ،وَإِنَّ اللَّهَ أَنْقَذَكُمْ بِالإِسْلاَمِ وَبِمُحَمَّدٍ[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِه وسَلَّمَ] حَتَّى بَلَغَ بِكُمْ مَا تَرَوْنَ،وَهَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي أَفْسَدَتْ بَيْنَكُمْ...))(3).
فأقول:إن مِما أثار غيرة الْموحدين،وآلام السلفيين:ظهور مصطلحات الكفر والْجاهلية، والإفتخار بالإنتساب لَها!!،وخاصة فِي هذه الأيام..ومن ذلك الإفتخار والإنتساب إلَى الفرعونية،والبربرية،وجعلِ ذلك علَماً على مسلمي مصر والْجزائر!!،وشيوع ذلك فِي وسائل الإعلام الْمرئية والْمسموعة - ولا منكِر!! -،ورافق ذلك دعوات مريبة إلَى (الكولونيالية،والإفريقية،والسومرية،والكردية،والآشو رية..إلَخ!!) .
فوقع ما نبّه عليه العلاّمة بكر بن عبد الله أبو زيد قبل سنين - كأنّما كان ينظر بنور الله -: ((وفِي عصور الظلمات،وفِي ظروف خاصة بالأُمة الإسلامية استهوتْها هذه الشعارات، وأصبح الْجميع يرددونَها،وأصبح بعض الْمسلمين يعمل على تنفيذها،وهكذا قامت جامعة الدول العربية على أساس القومية العربية لإبعاد الإسلام،وهكذا تُثار نعرة الفرعونية فِي مصر،والبَربرية فِي شَمال إفريقيا،وغير ذلك))(4)،
أو ما قاله قبله شيخُه الإمام الشنقيطي:((واعلم أنه لا خلاف بين العلماء فِي منع النداء برابطة غير الإسلام؛كالقوميات،والعصبيات النَسبية،ولا سيما إذا كان النداء بالقومية يُقصَد من وَرائه القضاء على رابطة الإسلام وإزالتها بالكلية؛فإن النداء بِها حينئذٍ معناه الْحقيقي:أنه نداء إلَى التخلّي عن دين الإسلام))(5)،((ومنذ أن قَويت النعراتُ الْجاهلية فِي الْمسلمين وهم يفتِكُ بعضُهم ببعض؛بِحيث لا يَجوز للمغربِي أن يذكرَ الْمشرقي إلاَّ بسوء، ولا للمشرقي أن يذكرَ الْمغربِي إلاّ بسوء،وقد ضجَّ الْمصلحون بِهذا الوضع الْمُزري،بعد أن حفَل تاريِخُنا بِهذه السيئة منذ أمَد،وتفاقمَ الأمرُ بعد أن غدَت مَملكةُ الْمسلمين أقاليم مُمزقّة؛فرمى كلُّ ذي إقليمٍ أهلَ الإقليم الآخر بِما يراه مناسباً لإشفاءِ غيظِه منه))(6)،والله الْمستعان .
قال الإمام مُحمد بن عبد الوهاب فِي "فضل الإسلام":((بابٌ:(ما جاء فِي الْخروج عن دعوى الإسلام)،وقوله تعالَى:هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا،وعن الْحَارِثَ الأَشْعَرِيَّ عَنِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:((وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ: السَّمْعُ،وَالطَّاعَةُ، وَالْجِهَادُ،وَالْهِجْرَةُ،وَالْجَمَاعَةُ؛فَإِنَّه ُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلاّ أَنْ يَرْجِعَ،وَمَنْ ادَّعَى دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ جُثَا جَهَنَّم؛فَقَالَ رَجُلٌ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ؟،قَالَ:وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ؛فَادْعُوا بِدَعْوَى اللَّهِ الَّذِي سَمَّاكُمْ:الْمُسْلِمِينَ،الْمُؤْمِنِينَ،عِبَادَ اللَّهِ))رواه أحْمد والترمذي [وصحّحه الألبانِي فِي"صحيح السنن"])) .
((والْمقصود أن الدعاوى التِي بغير الإسلام [مثل]:(يا أهل مكة،يا أهل الطائف،يا أهل نَجد،يا أهل...:هذا من دعوى الْجاهلية،بل يقول:أيها الْمؤمنون،أيها الإخوة،يا أنصار الله، يا عبادَ الله..هكذا))(7) .
وروى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آلِه وَسَلَّمَ - قَالَ: ((أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلاثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ،وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ،وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِيءٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ)) .
فقال الإمام ابن تيمية شارحاً:((أخبر - صلى الله عليه وعلى آلِه وسلم - أن أبغضَ الناس إلَى الله هؤلاء الثلاثة،والسنة الْجاهلية:كل عادةٍ كانوا عليها؛فمن عمِل بشيءٍ من سننِهم؛فقد اتبع سنة الْجاهلية؛ فقوله فِي هذا الْحديث:((وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ)) يندرج فيه كلُّ جاهليةٍ يهودية،أو نصرانية،أو مَجوسية،أو صابئة،أو وثنية، أو شركية،أو منتزعة من بعض الْملل الْجاهلية؛ فإنّها جَميعها - مبتدعها،ومنسوخها - صارت جاهلية بِمبعث مُحمد - صلى الله عليه وعلى آلِه وسلم -،وما كان من أمرِ الْجاهليةِ وفعلِهم فهو مذموم فِي دين الإسلام،وذلك يقتضي الْمنع من كلِّ أمور الْجاهلية مطلقاً))(8) .
وإحياء هذه الدعوات - الفرعونية،والبَربرية،وغيرها - هو من أمر الْجاهلية،كما وصفه بذلك الإمام ابن باز(9)،وهو داخل فِي هذا الْمنع .
وكذلك أفتت "اللجنة الدائمة" حول الْموقف من مظاهر هذه الدعوات:أن ((الواجب طمس هذه الوثنية،وعدم إظهارها))(10) .
وإذا كان (فرعون):علمٌ على كل مَنْ مَلَكَ مصر كافرًا(11)،وإذا كان معنَى الفرعونية لغـةً:
((الكِبْرُ،والتَّجَبُّر،وكلُّ عاتٍ فِرْعَوْنٌ،والعُتاةُ الفراعنة))(12)..وضحت لك خطورة الإنتساب إلَى شيءٍ من ذلك .
وروى البخاري،ومسلم عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهما - قال:((كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وعلى آلِه وسلم - فِي غَزَاةٍ؛ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ؛فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ:يَا لَلأَنْصَارِ،وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ:يَا لَلْمُهَاجِرِينَ؛فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وعلى آلِه وسلم -:مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟!!،قَالُوا:يَا رَسُولَ اللَّهِ،كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ؛ فَقَالَ:دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ؛ فَسَمِعَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ؛ فَقَالَ:قَدْ فَعَلُوهَا!!،وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ،قَالَ عُمَرُ:دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ؛فَقَالَ:دَعْهُ لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ)) .
((فهذان الإسْمان:((الْمهاجرون،والأنصار)) اسْمان شرعيان جاء بِهما الكتاب والسنة، وسَماهُما الله بِهما؛وانتساب الرجل إلَى الْمهاجرين والأنصار انتسابٌ حسنٌ مَحمود عند اللهِ،وعند رسولِه،ليس من الْمباح الذي يُقصَد به التعريف فقط،ولا من الْمكروه،أو الْمحرّم؛ كالانتساب إلَى ما يفضي إلَى بدعة،أو معصية..ثُم مع هذا لَما دعا كلُّ واحد منهما طائفةً منتصراً بِها،أنكر النبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك،وسَماها دعوى الْجاهلية؛ليبيّن أن الْمحذورَ هو تعصب الرجل لطائفته مطلقاً؛فإذا كان هذا التداعي فِي الأسْماء،وفِي الانتساب الذي يُحبّه الله ورسولُه؛فكيف بالتعصب مطلقاً؟!!، ومثل هذا ما روى أبو داود [وقد صحّحه الألبانِي فِي "صحيح السنن"] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آلِه وَسَلَّمَ -:((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ،وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ..مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ،أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ،وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ؛لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ،أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجِعْلانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ))))(13) .
قال العظيم آبادي فِي "عون الْمعبود":
((عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ)):فخرها،وتكبّرها،ونَخوتُها
((مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ،وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ)):معناه أن الناس رجلان:مؤمن تقي،وفاجر شقي .
((أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجِعْلانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ)):أو ليصِيِرُنّ أذلّ
عند الله من الْجِعلان:جَمع جُعَل:دويبة سوداء تدير الْخراء بأنفها،ومن عجيب أمره أنه يَموت من ريح الورد؛فإذا أُعيد إلَى الروث عاش .
والْمعنَى أن أحد الأمرين واقع البتة:إما الإنتهاء عن الإفتخار،أو كونـهم أذلّ عند الله تعالَى من الْجعلان))؛((فَمَنْ تَعَصَّبَ لأَهْلِ بَلْدَتِهِ،أَوْ مَذْهَبِهِ،أَوْ طَرِيقَتِهِ،أَوْ قَرَابَتِهِ،أَوْ لأَصْدِقَائِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ:كَانَتْ فِيهِ شُعْبَةٌ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ))(14) .
وروى أحْمد،والبغوي فِي "شرح السنة"،وغيرهُما،[وقد صحّحه الألبانِي فِي "السلسلة الصحيحة"(ح:269)] عَنْ عُتَيْ بْنِ ضَمْرَةَ السَّعْدِيِّ:عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رضي الله عنه -: ((أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلا قَالَ:يَا لَفُلانٍ،وَيَا لَبَنِي فُلانٍ،فَقَالَ لَهُ:اعْضَضْ بِهَنِ أَبِيكَ،وَلَمْ يُكْنِ،فَقَالَ لَهُ:يَا أَبَا الْمُنْذِرَِ مَا كُنْتَ فَحَّاشًا، فَقَالَ:إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يَقًُولُ:مَنْ تَعزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ،فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ،وَلا تَكْنُوا)) .
((وَكُلُّ مَا خَرَجَ عَنْ دَعْوَةِ الإِسْلامِ وَالْقُرْآنِ:مِنْ نَسَبٍ،أَوْ بَلَدٍ،أَوْ جِنْسٍ،أَوْ مَذْهَبٍ،أَوْ طَرِيقَةٍ: فَهُوَ مِنْ عَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ))(15)،((فانظر كيف سَمّى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ذلك النداء:((عَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ))،وأمَر أن يُقال للداعي به:((اعْضَضْ بِهَنِ أَبِيكَ)):أي فرجه، وأن يصرّح له بذلك،ولا يعبّر عنه بالكناية؛ فهذا يدل على شدة قبح هذا النداء،وشدة بغض النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - له))(16)،((وخُصّ الأب؛لأن هتك عورتِه أقبح))(17)، ((وَلا يُكَنّي لَهُ؛فَلِكُلّ مَقَامٍ مَقَالٌ))(18).
((وفِي هذا الْحديث أبلغ ذمّ وتنفيِر من التداعي بدعوى الْجاهلية،والتعزّي بعزائِها،ومن ذلك الدعوة إلَى القوميات،والعصبيات،فمَن دعا إلَى شيءٍ من ذلك؛فينبغي أن يقال له:اعضض أير أبيك،ولا كرامة له،ولا نعمة عين))(19) .
فليكن ((الْمُؤْمِنُونَ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مُعْتَصِمِينَ بِحَبْلِهِ،وَكِتَابِهِ،وَسُنَّةِ رَسُولِهِ؛فَإِنَّ كِتَابَهُـمْ
وَاحِدٌ،وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ،وَنَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ،وَرَبُّهُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ،)لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِيالأُولَى وَالآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ([القصص:70]))(20)؛فإن ((الرابطة الْحقيقية التِي تَجمع الْمفترق،وتؤلّف الْمختلف:هي رابطة (لا إلهَ إلاَّ الله)،ألا ترى أن هذه الرابطة هي التِي تَجعل الْمجتمع الإسلامي كله كأنه جسد واحد،وتَجعله كالبنيان يشد بعضه بعضاً،وهي التِي عطفت قلوب حَملة العرش ومَن حوله من الْملائكة على بنِي آدم فِي الأرض مع ما بينهم من الاختلاف..قال تعالَى:)الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا(الآية [غافر:7] .
فهي الرابطة التِي تربط أفراد أهل الأرض بعضهم ببعض،وتربط بين أهل الأرض والسماء؛ فلا يَجوز البتة النداء برابطة غيرها،ومن والَى الكفار بالروابط النسبية مَحبةً لَهم،ورغبةً فيهم يدخل فِي قوله تعالَى:)وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ([الْمائدة:51] .
وتأمّل قولَه تعالَى فِي أبِي لَهب عمّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -:)سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ(،وقابل ذلك بِما لسلمان الفارسي من الفضل والْمكانة عند النَّبِي - صلى الله عليه وسلم – والْمسلمين))(21) .
فيا عبدَ الله إطرح الْجاهليةَ،ومعالِمَها تَحت قدمَيك،وليكن لك بنبيّك - صلى الله عليه وعلى آلِه وسلّم - قدوةً وأسوةً وهو يقول:((أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوع)) [رواه مسلم] .
ولا ترضَ بغير السلفية الْخالصة لك نسباً وفئة؛فإنّه ((لاَ عَيْبَ عَلَى مَنْ أَظْهَرَ مَذْهَبَ السَّلَفِ،وَانْتَسَبَ إلَيْهِ،وَاعْتَزَى إلَيْهِ،بَلْ يَجِبُ قَبُولُ ذَلِكَ مِنْهُ بِالاتِّفَاقِ؛فَإِنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ لاَ يَكُونُ إلاّ حَقًّا؛فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا:فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي هُوَ عَلَى الْحَقِّ بَاطِنًا وَظَاهِرًا،وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لَهُ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ دُونَ الْبَاطِنِ:فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُنَافِقِ))(22)، أعاذنا الله من النفاق وأهلِه .
بغداد 11/1/1431هـ
(1) الإمام ابن كثير فِي "تفسيره"(4/486) .
(2) رواه ابن أبِي حاتِم فِي "تفسيرِه "(رقم:8628) .
(3) رواه البخاري (رقم : 6579) .
(4) "معجم الْمناهي اللفظية"(2/23) - باختصار - .
(5) "أضواء البيان"(3/46) باختصار .
(6) الشيخ الفاضل عبد الْمالك رمضانِي فِي "تخليص العباد" (ص417) .
(7) الإمام ابن باز فِي "شرح كتاب فضل الإسلام" .
(8) "إقتضاء الصراط المستقيم" بشيء من التصرف والإختصار .
(9) فِي "مَجموع فتاويه"(3/ 314) .
(10) "فتاوى اللجنة الدائمة" ((1/286)
(11) "تفسير ابن كثير" (1/131) .
(12) "لسان العرب" (13/323) باختصار .
(13) الإمام ابن تيمية فِي "إقتضاء الصراط المستقيم" بشيء من التصرف والإختصار .
(14) الإمام ابن تيمية فِي "مَجموع الفتاوى"(28/422) .
(15) الإمام ابن تيمية فِي "مَجموع الفتاوى"(28/328) .
(16) الإمام الشنقيطي فِي "أضواء البيان"(3/44) .
(17) الإمام المناوي فِي "فيض القدير" (1/458-459) .
(18) الإمام ابن القيم فِي "زاد الْمعاد"(3/265) .
(19) العلاّمة حمود التويجري فِي "الإيضاح والتبيين لِما وقع فيه الأكثرون من مشابَهة الْمشركين" باختصار .
(20) الإمام ابن تيمية فِي "مَجموع الفتاوى" (28/422-423) .
(21) الإمام الشنقيطي فِي "أضواء البيان" (3/46-48) بشيء من التصرف والإختصار .
(22) الإمام ابن تيمية فِي "مَجموع الفتاوى" (4/149) .
بين الفرعونية والبربرية ..
فلتُطمَس معالِمُ الْجاهلية
لأبِي عبد الله يَحيَى الْجبوري
بغداد 11/1/1431 هـ
قال تعالَى:)وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ([الْحجّ:78] .
((أي:يا هذه الأمة،إن الله اصطفاكم،واختاركم على سائر الأمم،وفضلّكم،وشرّفكم، وخصّكم بأكرم رسول،وأكمل شرع))(1)؛فلا تعتاضوا عن هذا بسواه فتكونوا من الْخاسرين .
ولَمّا سُئل تابع التابعين الثقة العابد أَبو بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ يوماً:((مَا قَوْلُهُ تعالَى فِي كِتَابِهِ: )وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا(؛فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِه وسَلَّمَ] إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ،وَهُمْ فِي فَسَادٍ،فَأَصْلَحَهُمُ اللهُ بِمُحَمَّدٍ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِه وسَلَّمَ]،فَمَنْ دَعَا إِلَى خِلافِ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ،فَهُوَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ))(2)..وهذا ميزان فصل فِي التمييز بين الْمصلحين فِي الأرض،وبين الْمفسدين فيها .
وعن أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ - رضي الله عنه - قال:((إِنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ كُنْتُمْ عَلَى الْحَـالِ
الَّذِي عَلِمْتُمْ مِنْ الذِّلَّةِ،وَالْقِلَّةِ،وَالضَّلاَلَةِ،وَإِنَّ اللَّهَ أَنْقَذَكُمْ بِالإِسْلاَمِ وَبِمُحَمَّدٍ[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِه وسَلَّمَ] حَتَّى بَلَغَ بِكُمْ مَا تَرَوْنَ،وَهَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي أَفْسَدَتْ بَيْنَكُمْ...))(3).
^^^^^^^^^^^
فوقع ما نبّه عليه العلاّمة بكر بن عبد الله أبو زيد قبل سنين - كأنّما كان ينظر بنور الله -: ((وفِي عصور الظلمات،وفِي ظروف خاصة بالأُمة الإسلامية استهوتْها هذه الشعارات، وأصبح الْجميع يرددونَها،وأصبح بعض الْمسلمين يعمل على تنفيذها،وهكذا قامت جامعة الدول العربية على أساس القومية العربية لإبعاد الإسلام،وهكذا تُثار نعرة الفرعونية فِي مصر،والبَربرية فِي شَمال إفريقيا،وغير ذلك))(4)،
أو ما قاله قبله شيخُه الإمام الشنقيطي:((واعلم أنه لا خلاف بين العلماء فِي منع النداء برابطة غير الإسلام؛كالقوميات،والعصبيات النَسبية،ولا سيما إذا كان النداء بالقومية يُقصَد من وَرائه القضاء على رابطة الإسلام وإزالتها بالكلية؛فإن النداء بِها حينئذٍ معناه الْحقيقي:أنه نداء إلَى التخلّي عن دين الإسلام))(5)،((ومنذ أن قَويت النعراتُ الْجاهلية فِي الْمسلمين وهم يفتِكُ بعضُهم ببعض؛بِحيث لا يَجوز للمغربِي أن يذكرَ الْمشرقي إلاَّ بسوء، ولا للمشرقي أن يذكرَ الْمغربِي إلاّ بسوء،وقد ضجَّ الْمصلحون بِهذا الوضع الْمُزري،بعد أن حفَل تاريِخُنا بِهذه السيئة منذ أمَد،وتفاقمَ الأمرُ بعد أن غدَت مَملكةُ الْمسلمين أقاليم مُمزقّة؛فرمى كلُّ ذي إقليمٍ أهلَ الإقليم الآخر بِما يراه مناسباً لإشفاءِ غيظِه منه))(6)،والله الْمستعان .
^^^^^^^^^^^
((والْمقصود أن الدعاوى التِي بغير الإسلام [مثل]:(يا أهل مكة،يا أهل الطائف،يا أهل نَجد،يا أهل...:هذا من دعوى الْجاهلية،بل يقول:أيها الْمؤمنون،أيها الإخوة،يا أنصار الله، يا عبادَ الله..هكذا))(7) .
وروى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آلِه وَسَلَّمَ - قَالَ: ((أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلاثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ،وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ،وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِيءٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ)) .
فقال الإمام ابن تيمية شارحاً:((أخبر - صلى الله عليه وعلى آلِه وسلم - أن أبغضَ الناس إلَى الله هؤلاء الثلاثة،والسنة الْجاهلية:كل عادةٍ كانوا عليها؛فمن عمِل بشيءٍ من سننِهم؛فقد اتبع سنة الْجاهلية؛ فقوله فِي هذا الْحديث:((وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ)) يندرج فيه كلُّ جاهليةٍ يهودية،أو نصرانية،أو مَجوسية،أو صابئة،أو وثنية، أو شركية،أو منتزعة من بعض الْملل الْجاهلية؛ فإنّها جَميعها - مبتدعها،ومنسوخها - صارت جاهلية بِمبعث مُحمد - صلى الله عليه وعلى آلِه وسلم -،وما كان من أمرِ الْجاهليةِ وفعلِهم فهو مذموم فِي دين الإسلام،وذلك يقتضي الْمنع من كلِّ أمور الْجاهلية مطلقاً))(8) .
وإحياء هذه الدعوات - الفرعونية،والبَربرية،وغيرها - هو من أمر الْجاهلية،كما وصفه بذلك الإمام ابن باز(9)،وهو داخل فِي هذا الْمنع .
وكذلك أفتت "اللجنة الدائمة" حول الْموقف من مظاهر هذه الدعوات:أن ((الواجب طمس هذه الوثنية،وعدم إظهارها))(10) .
وإذا كان (فرعون):علمٌ على كل مَنْ مَلَكَ مصر كافرًا(11)،وإذا كان معنَى الفرعونية لغـةً:
((الكِبْرُ،والتَّجَبُّر،وكلُّ عاتٍ فِرْعَوْنٌ،والعُتاةُ الفراعنة))(12)..وضحت لك خطورة الإنتساب إلَى شيءٍ من ذلك .
وروى البخاري،ومسلم عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهما - قال:((كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وعلى آلِه وسلم - فِي غَزَاةٍ؛ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ؛فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ:يَا لَلأَنْصَارِ،وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ:يَا لَلْمُهَاجِرِينَ؛فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وعلى آلِه وسلم -:مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟!!،قَالُوا:يَا رَسُولَ اللَّهِ،كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ؛ فَقَالَ:دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ؛ فَسَمِعَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ؛ فَقَالَ:قَدْ فَعَلُوهَا!!،وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ،قَالَ عُمَرُ:دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ؛فَقَالَ:دَعْهُ لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ)) .
((فهذان الإسْمان:((الْمهاجرون،والأنصار)) اسْمان شرعيان جاء بِهما الكتاب والسنة، وسَماهُما الله بِهما؛وانتساب الرجل إلَى الْمهاجرين والأنصار انتسابٌ حسنٌ مَحمود عند اللهِ،وعند رسولِه،ليس من الْمباح الذي يُقصَد به التعريف فقط،ولا من الْمكروه،أو الْمحرّم؛ كالانتساب إلَى ما يفضي إلَى بدعة،أو معصية..ثُم مع هذا لَما دعا كلُّ واحد منهما طائفةً منتصراً بِها،أنكر النبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك،وسَماها دعوى الْجاهلية؛ليبيّن أن الْمحذورَ هو تعصب الرجل لطائفته مطلقاً؛فإذا كان هذا التداعي فِي الأسْماء،وفِي الانتساب الذي يُحبّه الله ورسولُه؛فكيف بالتعصب مطلقاً؟!!، ومثل هذا ما روى أبو داود [وقد صحّحه الألبانِي فِي "صحيح السنن"] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آلِه وَسَلَّمَ -:((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ،وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ..مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ،أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ،وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ؛لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ،أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجِعْلانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ))))(13) .
قال العظيم آبادي فِي "عون الْمعبود":
((عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ)):فخرها،وتكبّرها،ونَخوتُها
((مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ،وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ)):معناه أن الناس رجلان:مؤمن تقي،وفاجر شقي .
((أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجِعْلانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ)):أو ليصِيِرُنّ أذلّ
عند الله من الْجِعلان:جَمع جُعَل:دويبة سوداء تدير الْخراء بأنفها،ومن عجيب أمره أنه يَموت من ريح الورد؛فإذا أُعيد إلَى الروث عاش .
والْمعنَى أن أحد الأمرين واقع البتة:إما الإنتهاء عن الإفتخار،أو كونـهم أذلّ عند الله تعالَى من الْجعلان))؛((فَمَنْ تَعَصَّبَ لأَهْلِ بَلْدَتِهِ،أَوْ مَذْهَبِهِ،أَوْ طَرِيقَتِهِ،أَوْ قَرَابَتِهِ،أَوْ لأَصْدِقَائِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ:كَانَتْ فِيهِ شُعْبَةٌ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ))(14) .
وروى أحْمد،والبغوي فِي "شرح السنة"،وغيرهُما،[وقد صحّحه الألبانِي فِي "السلسلة الصحيحة"(ح:269)] عَنْ عُتَيْ بْنِ ضَمْرَةَ السَّعْدِيِّ:عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رضي الله عنه -: ((أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلا قَالَ:يَا لَفُلانٍ،وَيَا لَبَنِي فُلانٍ،فَقَالَ لَهُ:اعْضَضْ بِهَنِ أَبِيكَ،وَلَمْ يُكْنِ،فَقَالَ لَهُ:يَا أَبَا الْمُنْذِرَِ مَا كُنْتَ فَحَّاشًا، فَقَالَ:إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يَقًُولُ:مَنْ تَعزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ،فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ،وَلا تَكْنُوا)) .
((وَكُلُّ مَا خَرَجَ عَنْ دَعْوَةِ الإِسْلامِ وَالْقُرْآنِ:مِنْ نَسَبٍ،أَوْ بَلَدٍ،أَوْ جِنْسٍ،أَوْ مَذْهَبٍ،أَوْ طَرِيقَةٍ: فَهُوَ مِنْ عَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ))(15)،((فانظر كيف سَمّى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ذلك النداء:((عَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ))،وأمَر أن يُقال للداعي به:((اعْضَضْ بِهَنِ أَبِيكَ)):أي فرجه، وأن يصرّح له بذلك،ولا يعبّر عنه بالكناية؛ فهذا يدل على شدة قبح هذا النداء،وشدة بغض النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - له))(16)،((وخُصّ الأب؛لأن هتك عورتِه أقبح))(17)، ((وَلا يُكَنّي لَهُ؛فَلِكُلّ مَقَامٍ مَقَالٌ))(18).
((وفِي هذا الْحديث أبلغ ذمّ وتنفيِر من التداعي بدعوى الْجاهلية،والتعزّي بعزائِها،ومن ذلك الدعوة إلَى القوميات،والعصبيات،فمَن دعا إلَى شيءٍ من ذلك؛فينبغي أن يقال له:اعضض أير أبيك،ولا كرامة له،ولا نعمة عين))(19) .
^^^^^^^^^^^
وَاحِدٌ،وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ،وَنَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ،وَرَبُّهُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ،)لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِيالأُولَى وَالآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ([القصص:70]))(20)؛فإن ((الرابطة الْحقيقية التِي تَجمع الْمفترق،وتؤلّف الْمختلف:هي رابطة (لا إلهَ إلاَّ الله)،ألا ترى أن هذه الرابطة هي التِي تَجعل الْمجتمع الإسلامي كله كأنه جسد واحد،وتَجعله كالبنيان يشد بعضه بعضاً،وهي التِي عطفت قلوب حَملة العرش ومَن حوله من الْملائكة على بنِي آدم فِي الأرض مع ما بينهم من الاختلاف..قال تعالَى:)الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا(الآية [غافر:7] .
فهي الرابطة التِي تربط أفراد أهل الأرض بعضهم ببعض،وتربط بين أهل الأرض والسماء؛ فلا يَجوز البتة النداء برابطة غيرها،ومن والَى الكفار بالروابط النسبية مَحبةً لَهم،ورغبةً فيهم يدخل فِي قوله تعالَى:)وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ([الْمائدة:51] .
وتأمّل قولَه تعالَى فِي أبِي لَهب عمّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -:)سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ(،وقابل ذلك بِما لسلمان الفارسي من الفضل والْمكانة عند النَّبِي - صلى الله عليه وسلم – والْمسلمين))(21) .
فيا عبدَ الله إطرح الْجاهليةَ،ومعالِمَها تَحت قدمَيك،وليكن لك بنبيّك - صلى الله عليه وعلى آلِه وسلّم - قدوةً وأسوةً وهو يقول:((أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوع)) [رواه مسلم] .
ولا ترضَ بغير السلفية الْخالصة لك نسباً وفئة؛فإنّه ((لاَ عَيْبَ عَلَى مَنْ أَظْهَرَ مَذْهَبَ السَّلَفِ،وَانْتَسَبَ إلَيْهِ،وَاعْتَزَى إلَيْهِ،بَلْ يَجِبُ قَبُولُ ذَلِكَ مِنْهُ بِالاتِّفَاقِ؛فَإِنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ لاَ يَكُونُ إلاّ حَقًّا؛فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا:فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي هُوَ عَلَى الْحَقِّ بَاطِنًا وَظَاهِرًا،وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لَهُ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ دُونَ الْبَاطِنِ:فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُنَافِقِ))(22)، أعاذنا الله من النفاق وأهلِه .
وصلّ اللهم على عبدِك ورسولِك محمد وعلى آلِه وصحبِه وسلِّم
وكتب
أبو عبدالله يحيَى الجُبوري
بغداد 11/1/1431هـ
(1) الإمام ابن كثير فِي "تفسيره"(4/486) .
(2) رواه ابن أبِي حاتِم فِي "تفسيرِه "(رقم:8628) .
(3) رواه البخاري (رقم : 6579) .
(4) "معجم الْمناهي اللفظية"(2/23) - باختصار - .
(5) "أضواء البيان"(3/46) باختصار .
(6) الشيخ الفاضل عبد الْمالك رمضانِي فِي "تخليص العباد" (ص417) .
(7) الإمام ابن باز فِي "شرح كتاب فضل الإسلام" .
(8) "إقتضاء الصراط المستقيم" بشيء من التصرف والإختصار .
(9) فِي "مَجموع فتاويه"(3/ 314) .
(10) "فتاوى اللجنة الدائمة" ((1/286)
(11) "تفسير ابن كثير" (1/131) .
(12) "لسان العرب" (13/323) باختصار .
(13) الإمام ابن تيمية فِي "إقتضاء الصراط المستقيم" بشيء من التصرف والإختصار .
(14) الإمام ابن تيمية فِي "مَجموع الفتاوى"(28/422) .
(15) الإمام ابن تيمية فِي "مَجموع الفتاوى"(28/328) .
(16) الإمام الشنقيطي فِي "أضواء البيان"(3/44) .
(17) الإمام المناوي فِي "فيض القدير" (1/458-459) .
(18) الإمام ابن القيم فِي "زاد الْمعاد"(3/265) .
(19) العلاّمة حمود التويجري فِي "الإيضاح والتبيين لِما وقع فيه الأكثرون من مشابَهة الْمشركين" باختصار .
(20) الإمام ابن تيمية فِي "مَجموع الفتاوى" (28/422-423) .
(21) الإمام الشنقيطي فِي "أضواء البيان" (3/46-48) بشيء من التصرف والإختصار .
(22) الإمام ابن تيمية فِي "مَجموع الفتاوى" (4/149) .
من مواضيعي
0 يغفر ذنبك عند كل وجبة طعام!
0 غير مسجل هذه دعوة مني لك لتأمل هذه الآية: (( فلنحيينه حياة طيبة))
0 [ جديد ] 24 بطاقة دعوية حول فضل وأعمال عشر ذي الحجة
0 توصيات ونصائح للطلاب مع بداية الموسم الدراسي الجديد 2014م/2015م
0 افتراضي تهنئة العيد من بذرة خير إلى كل الأعضاء خاصة بذرة خير
0 نبشر كل مؤمن ومؤمنة في العالم بأن الشيخ أبوبكر الجزائري حفظه الله حي يرزق وهو يتمتع بصحة جيدة
0 غير مسجل هذه دعوة مني لك لتأمل هذه الآية: (( فلنحيينه حياة طيبة))
0 [ جديد ] 24 بطاقة دعوية حول فضل وأعمال عشر ذي الحجة
0 توصيات ونصائح للطلاب مع بداية الموسم الدراسي الجديد 2014م/2015م
0 افتراضي تهنئة العيد من بذرة خير إلى كل الأعضاء خاصة بذرة خير
0 نبشر كل مؤمن ومؤمنة في العالم بأن الشيخ أبوبكر الجزائري حفظه الله حي يرزق وهو يتمتع بصحة جيدة








