كلام العلامة سعد الحصين على عبد الغفار الشريف
07-12-2007, 03:05 PM
ومِنْ أحْدَث من دعا إلى بِدَع المتصّوفة (مِنْ عبادة أوثان المقامات والمزارات إلى الاحتفال بالمولد) د.عبد الغفار الشريف هداه الله الذي كان عميداً لإحدى كلّياّت الشريعة، واللقب الدّراسي الغَرْبي وعمادة كلّية الشريعة في بلدٍ عربي لم ترفع مبتدعاً آخَر من حزب الإخوان مستوى جماعة التّبليغ العوامّ: زاروه قبيل ذي الحجة ليكسبوا رضاه (كما تعودوا) فسألوه سؤالاً يعرف جوابه أقلّ الناس علماً (ماذا يُسَتنّ للمضحّي؟) ولما عجز عن الجواب حاول أحدهم أن (يفتح عليه) فقال: هل يُسَنّ له ألاّ يأخذ من شَعْره شيئاً في الأيام العشر، فضحك الدّكتور العميد عجباً من جَهْل السّائل ثم رأى ألاّ يكتم العلم فقال: (الصّحيح أنّه لا يَأخُذ من شَعْر الخروف شيئاً).

- يقول د.عبد الغفار في برنامج (الحياة عبادة) التّلفزيوني: (إذا كان الذي يطوف حول القبر يعبد القبر فالذي يطوف حول الكعبة يعبد الكعبة) ويعجز عن إدراك الفرق بين عبادة عملية شرعها الله في الكتاب والسّنّة وبين عبادة عمليّة وثنية لم يأذن بها الله.

- ويقول دفاعاً عن الأوثان والأنصاب المسمّاة في هذا العصر (مزارت ومقامات) وهي أوثان وأصنام الجاهلية الأولى من قوم نوح كما ذكر البخاري في صحيحه وابن جرير في تفسيره عن أوثان وأصنام قوم نوح في قول الله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [نوح: 23]: (أولئك أسماء رجال صالحين لما ماتوا أوحى الشيطان إلى مَنْ بعدهم أن ابنوا في مجالسهم أنصاباً، من تفسير ابن عباس ترجمان القرآن)، يقول د.عبد الغفار أغناه الله بالسّنّة عن البدعة:

- (الصّحابة لم يكسروا الأصنام مثل أبي الهول في مصر).

وأبو الهول كان مطموراً في التّراب ولم يُنْبَش إلاّ في العصر الحديث، ولم يُعْبد شيء من الآثار في مصر وبلاد الشام، وإلاّ لأزيل كما ورد عن عمر رضي الله عنه قَطْع شجرة البيعة وليست تمثالاً ولا صورة لما رأى من اتجاه بعض الجاهلين للتّقرّب إلى الله بالصّلاة عندها.

- (النّبي صلى الله عليه وسلم مرّ على مدائن صالح ولم يكسر أصنامها).

ولا يظهر في مدائن صالح إلاّ بيوت الظالمين كما قال الله تعالى عن مثلهم: {لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف: 25]، ومع ذلك منع النّبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من الدّخول إليها إلاّ باكين لئلا يصيبهم ما أصابهم، وأمرهم أن يهريقوا الماء الذي استقوه منها ويُلْقُوا العجين الذي عجنوه من مائها أو يعلفوه الدّواب (متفق عليه)، وسار ولاة الأمر في دولة الدعوة إلى منهاج النّبّوة على خُطا الرّسول الأسوة الحسنة فألزموا من سَكَنها من البدو بالرّحيل عنها.

وليس فيها أصنام تُكْسَر كما ظنّ الدكتور العميد سابقاً أو تُعْبد، ولو وُجِدَت الأصنام وخَطَرُ عبادتها (كما يتقرّب كثير من المنتمين للاسلام بأوثان المقامات والمزارات) لكُسِرت كما فُعِل بكلّ الأوثان الحديثة في جزيرة العرب، بل كان اثنان منها صنمين هُدِما في عصر النّبوّة باسم (ذي الخلصة) في تبالة لخثعم وفي زهرانالدوس، ثم قاما بعد فتنة الفاطمّيين فلم يُهْدما إلاّ في الدّولة السّعوديّة الأولى في بداية القرن الثالثٍ عشر وفي الدولة السّعودية الثالثة في منتصف القرن الرّابع عشر تقريباً، وكان النّبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بقيامها قبل قيام السّاعة فيما رواه البخاري ومسلم.

وقد يكون لكلام الدكتور معنًى لو وجّهه إلى ابن لادن والظواهري وطالبان من دعاة الفكر والحركيّة والحزبيّة الذين اهتموا بهدم صنمي بوذا النّائيَيْن المهجورَيْن وأبقوا أوثان المنتميين للإسلام والسّنّة.

- ادّعى د.عبد الغفار أن الله احتفل بولادة النبي صلى الله عليه وسلم بحجّة حديث مرسل وَصفه بالصّحيح عن تخفيف العذاب عن أبي لهب يوم الاثنين لفرحه بولادة النبي، ولو صحّ الحديث لما قامت به حجّة لأنّه رواية عن مجهول أنه رأى أبا لهب في المنام، ورواية المنام (لو صحّت) لا يحتّج بها في الدّين عامّة فكيف بالعبادات، واعجبْ لصوفيّ يأخذ بحديث ضعيف عن مجهول عن منام ويترك سورة محكمة في القرآن (المسد).

- واحتج د.عبد الغفار بصيام الاثنين وسجود الشكر والقياس على مشروعّية الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، والمتصّوفة والمبتدعة عامّة لا يصومون الاثنين الثابت وإنما يحتفلون بالثاني عشر من ربيع الأول الذي لم يثبت، ولو أطُلِق للمبتدعة (القياس) لأحدثوا كثيراً من العبادات والعقائد شرعاً من الدّين بغير إذن الله.

- ولم يقل د.عبد الغفار: هل فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من أصحابه أو أحد من فقهاء الأمّة في القرون المفضلة، وهل أمر به النّبي صلى الله عليه وسلم أو أقرّه، وهل أكمل الله الدّين قبل موت النّبي صلى الله عليه وسلم أو لا يزال في حاجة إلى متصّوف ليكمله، وهل يعلم أنّ الاحتفال بالمولد لم يُعْرف قبل الفاطميّين المفسدين؟

- يّدعي د.عبد الغفار أن فتاوى سدّ الذريعة لا تخرج إلاّ من مجتمع منغلق بدوي وأن فتاوى الأريحيّة [بِسَنِّ بل إيجاب العمل بالبدع] تخرج من مجتمع متحضّر.

وإذا كان يعني بالبداوة عدم الاهتمام بمتاع الدّنيا فضلاً عن الآثار والبدع الموصوفة بالإسلامية فقد صدق؛ كان حظّ عصر النّبوة من متاع الدّنيا قليل، وقد شرع بإذن الله سدّ الذرائع فلعن من اتّخذ القبور مساجد، وعدّ من الشرك قول ما شاء الله وشئت ولو كان القائل صحابّياً، وقال لأصحابه ـ إِذْ رغبوا العكوف على الشجرة وتعليق أسلحتهم مثل ما يفعل المشركون بذات أنواط ـ أنّهم قالوا له مثلما قال بنوا إسرائيل لموسى عليه السّلام: {اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138].

أما المجتمعات المتحضرة فكانت وثنيّةً في أكثر أحوالها: الهندوس، والبوذيّون، الفراعنة، اليونانيّون، الرّومان، الصّينيّون، الإنكا، وغيرهم.

وليت المفكرين الإسلاميين يعقلون أنّ الشرع يؤخذ من الوحي بفهم سلف الأمّة في القرون المفضلة لا من المنامات ولا من الفكر ولا من مقاييس عصرية للبداوة والحضارة وإلاّ فيا حسرة على العباد إذا تركوا اليقين وركبوا الظن.

وبعد: فإني أحسن الظن بنيّة أكثر من ذكرْتُ مهما أدركْتُ من سوء أقوالهم وأعمالهم كقول الله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف: 104]، ولعل الأموات منهم تابوا إلى الله قبل أن يحضرهم الموت، وأرجو الله أن يهدي الأحياء منهم ومن غيرهم ويهديني لأقرب من هذا رشدًا.