رد: ارجو المساعدة.......
22-01-2011, 02:06 PM
أولاً: نص الوثيقة 1- يسلم حصن القصبة وجميع الحصون لأخرى التابعة للجزائر وكذلك ميناء هذه المدينة إلى الجيوش الفرنسية هذا الصباح على الساعة العاشرة حسب توقيت فرنسا. 2- يتعهد قائد جنرالات الجيش الفرنسي بأنه يترك لسمو داي الجزائر حريته وكذا جميع ثرواته الشخصية. 3-الداي حر في الانسحاب مع أسرته وثرواته الخاصة إلى المكان الذي يعينه وسيكون هو وكامل أفراد اسرته تحت حماية قائد جنرالات الجيش الفرنسي وذلك طيلة المدة التي يبقاها في الجزائر وستقوم فرقة من الحرس بالسهر على أمنه وأمن أسرته. 4. يضمن قائد الجنرالات نفس المزايا ونفس الحماية لجميع جنود الميليشيا 5- تبقى ممارسة الديانة المحمدية حرة كما أنه لن يقع أي اعتداء على حرية السكان من جميع الطبقات ولا على دينهم وأملاكهم وتجارتهم وصناعتهم ونسائهم. إن قائد الجنرالات يتعهد بشرفه على تنفيذ كل ذلك وإن تباد لهذه الاتفاقية سيتم قبل الساعة العاشرة من هذا الصباح وبعد ذلك مباشرة تدخل الجيوش الفرنسية إلى القصبة ثم إلى جميع حصون المدينة. في المعسكر المخيم قرب الجزائر يوم 5 جويلية 1830 إمضاء : كونت دي بورمونت خاتم حسين باشا داي الجزائر ثانياً: تعريف بالجهة المصدرة للوثيقة. 1- حسين باشا: تذكر الوثائق أن حسين باشا ولد سنة 1764 في مكان يدعى ندرله وتذكر مصادر أخرى أنه ولد سنة 1773 في أزمير ونشأ في اسطنبول وخدم هناك في المدفعية وترقى فيها بسرعة، وعندما تعرض لعقوبة قاسية سافر إلى الجزائر وانضم إلى أوجاقها وتولى فيها عدة وظائف قبل أن يصبح وزيراً وصديقاً للباشا الذي سبقه وهو علي باشا وهذا الأخير هو الذي أوصى بخلافته سنة 1818 . وبعد أن بقي في الحكم اثني عشرسنة وفي المنفى حوالي ثماني سنوات توفي في الإسكندرية سنة 1838 . وإذا اعتمدنا على نبذة من البيوغرافيا التي يقدمها رجل معاصر للداي حسين وهو حمدان بن عثمان خوجة فإنه بإمكاننا أن نكون عن هذه الشخصية صورة ولو جزئية. فحسين باشا كما يصفه هذا المصدر هو آخر الدايات الأتراك الذين تتابعوا في حكم الجزائر، وصل إلى الحكم حوالي سنة 1818وهو سليل أسرة عريقة من أصل طيب. امتاز بكرم الأصل واستقامة السيرة واتساع معارفه. خدم الجزائر مدة ثلاثين سنة تولى خلالها وظائف مختلفة في الدولة. ويضيف هذا المصدر بأنه بناء على معرفة شخصية فلا يمكن اتهام حسين باشا بالتكالب على المال والثروة كما أنه - في نظر هذا المصدر دائماً- كان حريصاً على حقن الدماء وكان معروفاً في أوربا باحترامه لالتزاماته ومحافظته على عهوده ومواثيقه ولا تستطيع أي جهة أن تتهم حسين باشا بخيانة الاتفاقية المبرمة مع الجهات القوية أو الجهات الضعيفة. ويلح حمدان خوجة على إعادة الاعتبار لهذه الشخصية لأن مغادرته للحكم عقب الاحتلال لم تكن بتقصير منه ولكن بأخطاء ارتكبها أعوانه وميلشياته التي تجاوزتها الأحداث إذ كان كثير من رجاله دون تجربة ودون شجاعة وربما دون ذمة. ويذكر هذا المصدر أنه طيلة حكم الداي حسين بالجزائر كان يفكر في إعادة النظام والانضباط إلى الدولة ولكن كثيراً من التجاوزات كانت قد تأصلت في المجتمع الجزائري فبل وصول هذا الداي إلى الحكم بسنوات طويلة، غير أن الأيام لم تمهله للقيام بالإصلاحات التي كان يرجو تحقيقها. وفي الأخير يأخذ حمدان خوجة على حسين باشا تقصيراً واحداً وهو كونه لم يعمل على تفادي الحرب مع فرنسا. ولكن المؤرخين يظلون غير متفقين في الحكم على شخصية حسين باشا فمنهم من يحمله مسؤولية ما حل بالجزائر من حملة واحتلال ونكبات لأنه - في نظرهم كان أحمقا بغضبه غير الدبلوماسي على القنصل الفرنسي ومعاند وممهمل لاسيما في جانب اتخاذ الحيطة عسكرياً وإسناد القيادة إلى غيى الأكفاء ومنهم من يبرئه من ذلك. 2. المارشال دي بورمون: هو الكونت دي بورمون ( لويس دي شان) ولد سنة 1773 في فرنيي بفرنسا وتوفي سنة 1846 . كان ضابطاً في القوات الفرنسية حين قامت الثورة الفرنسية( 1789-1799). وفي هذه المرحلة بالذات هاجر دي بورمون فرنسا ولم يرجع إليها إلا في سنة 1794 حيث حارب ضد نابليون بونابارت ثم استسلم ودخل في صفوفه سنة 1800 ولكن قبل ثلاثة أيام من انهزام هذا الأخير في معركة واترلو التحق دي بورمون بلويس الثامن عشر. وصار وزيراً للحربية في عهد شارل العاشر سنة 1829 وتولى قيادة الحملة الشهيرة ضد الجزائر في 5 جويلية 1830 وعين مارشالاً سنة 1830 من طرف شارل العاشر وبعد وفاة هذا الأخير رفض الخضوع للويس فيليب وحاول الثورة ضده وفي سنة 1833 استقر في اسبانيا ولم يكن رجوعه إلى فرنسا إلا في سنة 1845 . لم يكن هذا الرجل محترماً من المجتمع الفرنسي فقد كان بعض الفرنسيين ينظر إليه بكونه خان نابليون في معركة واترلو الشهيرة سنة 1815 وقاد حملة مضايقة ضد أسرة البوربون . وإذا كان من الضروري أن نستشف شيئاً عن شخصية دي بورمون فمن الممكن القولأ أنه كان على نقيض الداي حسين ذا سلوك لا يمكن الاطمئنان إليه ولا التنبؤ بما يخطط له. ثالثاً: المحتويات الموضوعية للوثيقة نصت هذه الوثيقة- حسب الظاهر من نصها- على التسليم الفوري لمدينة الجزائر وجميع المراكز العسكرية بها وذلك مقابل ضمانات تتمثل في: أـ عدم اعتبار الداي من ضمن أسرى الحرب وكذلك أفراد أسرته وجنوده. ب ـ السماح للداي باختيار منفاه السياسي. ج ـ مراعاة حرمة الأملاك الخاصة بالداي حسين وباقي جنوده و أفراد أسرته. د ـ الاعتراف بحرمة المقدسات الدينية وكذا احترام الأعراض. ويظهر من خلال القراءة الأولية للوثيقة أن الطرف الفرنسي مزهو بانتصاره ومتأكد من تحكمه في الأوضاع بحيث نجده يعين المكان الذي يجب التنازل عنه وكذا الوقت والكيفية. وهناك أيضاً إيحاءات ضمنية في الوثيقة منها: أ ـ عزل الداي من منصب الحكم وتولي القائد العسكري الفرنسي مكانه. ب ـ التلميح بضرورة مغادرة الداي للجزائر وفي ذلك تلميح إلى التخوف من تزعم الداي لحركة المقاومة من جديد ج ـ الوثيقة تعطينا فكرة عن حالة الرعب التي أصابت سكان العاصمة نتيجة الخوف على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وكذلك على حرية ممارسة الديانة ومنه تبدو الإشارة إلى حالة الخوف من تجدد الحروب الصليبية ولعل هذا هو الذي كان في ذهن المارشال الفرنسي د ـ البند الذي خصص لضمان حماية الداي وأسرته يلمح إلى احتمال أن يكون هناك ترتيبات للقضاء على الداي من طرف الجزائريين أو أن الجهات الفرنسية نفسها كانت تهدد الداية بطريقة الإيحاء بكون حياته وحياة أفراد أسرته مهددة بالخطر في كل حين. هـ ـ الوثيقة تعطينا فكرة عن النسيج العمراني لمدينة الجزائر خلال العهد العثماني إذ كانت التحصينات العسكرية هي الغالبة على الطابع العمراني وذلك راجع إلى النشاط العسكري والبحري الذي عرفته بلك المرحلة من التاريخ. وبالإضافة إلى كل ما سبق ذكره فإن الوثيقة تثير في الذهن التساؤلات التالية: 1. ماذا كان موقف الداي حسين من الاحتلال؟ هل كان هو موقف المقاتل المستسلم أم المقاتل المنهزم؟ ذلك ما سنفهمه من خلال معاملة المارشال دي بورمون له. 2. هل كانت هذه الوثيقة- كما يصوره ظاهرها- عثواً من الطرف المنتصر على الطرف المنهزم أم هي مجرد خدعة للرأي العام الأوربي وكسب الأنصار داخل البرلمان الفرنسي الذي لم يكن كثير من أعضائه يتحمسون لفكرة احتلال الجزائر؟ أم أن الأمر لم يتعد كونه خدعة حرب؟ 3.ماذا كان مصير ثروات الداي الشخصية وثروات الخزينة الجزائرية التي تتهدت الوثيقة بحفظها؟ 4. ماهي الدسائس التي كانت تحاك ضد الداي من طرف أعوانه في الحكم؟ بعض هذه التساؤلات سنجيب عنها عند تفحص ملابسات كتابة هذه الوثيقة وكذا مصير بنود هذه الاتفاقية ومدى التزام القوات الفرنسية بها عند دخول العاصمة. رابعاً: السياق التاريخي لصدور هذه الوثيقة 1. بداية غامضة: كان مشروع تقسيم أملاك الإمبراطورية العثمانية الذي قدمه الوزير الفرنس دي بولنياك موضوعا على مكتب الملك شارل العاشر بتاريخ 18 أوت 1829 .وكان هذا المشروع يرمي إلى تحقيق أهداف استراتيجية داخل أوربا وخارجها والذي يعنينا هنا ما يتعلق بوضع حد للتوتر بين الجزائر وفرنسا والإلحاح في هذا المشروع على تأديب داي الجزائر بعد حادثة المروحة الشهيرةوالإلحاح على مسألة الديون. وقد أعلم السفير الفرنسي في اسطنبول الباب العالي رسمياً بنية بلاده في القيام بالحملة على الجزائر وذلك بتاريخ 30 مارس 1830 . وتذكر المصادر التاريخية أن تعليمات سلمت إلى دي بورمون يوم 18 أفريل1830 أمر فيها بتسليم ولاية الجزائر إلى الباب العالي بعد أن يقضي على النظام السياسي القائم بها والهدف من وراء ذلك هو العبير على النوايا الحسنة لشارل العاشر مقابل أن تكتفي فرنسا عنذ الضرورة- بالمدن الساحلية لضمان مؤسساتها التجارية بالجزائر. ويظهر أن نية دي بورمون القائد العام للحملة ودوسي وزير الحربية كان هي الاستيلاء على الجزائر والاحتفاظ بها، لهذا أمر وزير الحربية وحدات الأسطول الفرنسي باحتلال الموانئ وأيده دي بورمون الذي سبق وأن أفصح عن نيته من بداية الحملة قائلاً: (إن فرنسا ذاهبة لأخذ الجزائر ولإنشاء مستعمرة فيها ولتأسيس حكومة بها يرأسها أمير فرنسي . وهكذا فقد بدا الغموض على الحملة الفرنسية على الجزائر منذ البداية وهذا ما نلمسه في الوثيقة التي لم تشر إلى مصير السيادة في الجزائر ولمن تكون. 2. رد الفعل لدى سكان العاصمة ومن حولها: سادت المظالم المجتمع الجزائري في عهد البايات وكان سكان العاصمة أول المتضررين منها وكان كثير منهم يتحين الفرصة لتغيير الأوضاع وقد وجد بعضهم في الجيوش الفرنسية فرصتهم للقيام بما عزموا عليه فمالوا إلى الطرف الفرنسي. ولعل هذا التعاون مع الفرنسيين يعود إلى تاثر الأهالي بالبيانات والمنشورات التي كانت السلطات الاستعمارية توزعها على السكان للتأثير على معنوياتهم وإقناعهم بقبول الواقع الاستعماري وبأن الهذف من هذه الحملة هو إنقاذ الجزائريين من ظلم الأتراك. إذا اجلنا الحديث عن المقاومة المسلحة الشعبية منها والمنظمة وركزنا على العناصر ذات العلاقة بموضوع وثيقة الاستسلام فإننا نجد الفئة التي تبنت الموقف السياسي ورضيت بالتفاوض مع الاستعمار: وتمثلت هذه في ألمع العناصر من أعيان العاصمة في مقدمتهم حمدان بن عثمان خوجة وأحمد بوضربة وحمدان بن أمين السكة.